أتحفنا القاص والروائي صلاح القرشي عام 2007م بروايته ( بنت الجبل ) كتجربة روائية أولى ، تعتبر محاولة جيدة له في كتابة الرواية بعد أن قضى أعواماً مخلصاً لقصته القصيرة ، ثم صدرت هذا العام روايته الثانية ( تقاطع ) عن دار وجوه في 120 صفحة من القطع المتوسط . رواية ( تقاطع ) كانت عملاً مختلفاً عن ( بنت الجبل ) فكرة وأسلوباً ، الأولى كانت تناقش بعض قضايا المجتمع والأخيرة تغوص في أعماق الذات الإنسانية . العُص : و العُص وهو الشخص النحيل جداً ، والذي تجده في كل حارة من حواري مدن الحجاز ، فلا تخلو حارة من وجود عصٍ أو عصين ! العُص في رواية ( تقاطع ) وهو الشخصية الرئيسة ، والذي يتقاطع معه السارد كثيراً ، لابد من الوقوف معه طالما أن محور العمل يدور عليه . فرحان العُص المتشرد الفاشل ( الداشر ) الذي يحذر الجميع مخالطته ، الذي لا يجيد شيئاً إلا اللعب بنبوته عندما يرقص المزمار ، والذي يدخل في المشاجرات في أزقة الحارة وعند الانصراف من المدرسة ، هو أيضاً المغرم بحنان الفتاة التي تزوجت من منصور الدُبا هذه الشخصية نجدها تتقاطع مع السارد الرجل المتعلم والمثقف والمعروف في الحارة بحسن سيرته . البداية : أتى اهتمام السارد بشخصية العُص لكونيهما اشتركا في شعورٍ واحد سلبي نتيجة عمل شرير وهو ضرب العُص لمنصور الدبا في يوم زواجه بحنان تلك الفتاة التي أحبها السارد والعُص في آن واحد لا، يقول : " وحدها تلك الحادثة الغريبة هي ما جعلني أهتم بالُعص وحكاياته ، أصبح فرحان العُص محور اهتمامي فما فعله أسحرني مهما حاولت أن أقنع نفسي بأنه عمل شرير وانتقامي ...كم أبدو شريراً أحياناً كم تضطرم في داخلي مشاعر متناقضة مجنونة " هذا الفعل أثار السارد ودفعه لأن يهتم بشخصية كالعُص " ما فعله العُص ..يصلح ليكون مدخلاً لكتابة رواية عن هذا الرجل" ! حياة العُص : فرحان العُص كان شخصاً يريد التمرد على الحياة الرتيبة مثل السارد تماماً ، كان يكره الدراسة والمدرسة التي لا تعطي إلا السآمة وفي آخر الفصل تعطي ورقة مليئة بالدوائر الحمراء " والله ما صبرني على هم المدرسة إلا أمي " هذا هو السبب الرئيسي في الاستمرار إنها ليست الرغبة وإنما الضغوط التي من حوله لذا كانت ( فركات ) العص من المدرسة متكررة ، العُص لم يستحمل هذه السآمة فترك الدراسة ثم بدأ طقوس حياة الـ ( عطلجيه ) فكان يسهر في الليل ولاينام في الصباح إلا بعد أن يُعمِل أجندته الصباحية " يمر على محل الشربة والتقاطيع ويتناول إفطاره مع كأس الشاي الثقيل " ثم يجلس ينفث دخانه " على دكة مرتفعة في وسط الحارة ويراقب بنات المتوسطة بأثوابهن البنية وبنات الثانوي بأثوابهن الزرقاء وهن ينتظرن الباصات الصفراء التي "تنقط عسل " كما يقول العُص " وفي بعض الأحيان يجلس على الدكة وينظر الى بيت حنان الماجدي يتذكر أمها عندما كانت تناديه للدخول ومشاركة حنان اللعب في المنزل بعد أذان المغرب يتذكر فطائر البيض والجبن ، يتذكر حنان عندما كانت تلعب البربر وعندما بلغت مرحلة من العمر امتنعت عن اللعب معهم وكانت " تكتفي بالوقوف أمام الباب والتفرج عليهم " العُص يشعر بالتيه بعد رحيل حنان ، الحارة تغيرت كثيراً ، بدأ العُص يسلك طرق التيه ، هروباً من الواقع . السارد و العُص : يلتقي السارد بالعُص ويذهبون الى أحد المقاهي ويبدءان في ذكر الهموم المشتركة ويثيران حادثة ضرب منصور الدبا ويضحكان : - ما تخيلت نفسي أجلس مع واحد متعلم مثلك . - هل لازلت تحبها ؟ - وأحب التراب اللي تحت رجليها ، لكنها متزوجة الله يستر عليها . جُرّة حبيبي في الخلا سكّنتّني عساك يا جُرّة حبيبي تدومين
تقاطع : هذا هو المحور الذي قام عليه العمل ، ولا يهمنا ما آل اليه العُص والسارد ، الذي يهمنا في العمل ذلك التقاطع بين السارد المثقف والعص " عندما أعدت قراءة ما كتبت وجدت أن مكتبته عن نفسي يكاد يفوق المكتوب عن العص " " قلت : لايهم فنحن نتقاطع كثيراً " " حياة الرجل الذي يحترمه أغلب أهل الحي تتقاطع مع حياة الشاب الذي يتحدث الجميع عنه بالسوء ولا يحبون التطرق لسيرته " هذا التقاطع الذي شعر به السارد هو شعور لدى الكل هذا التقاطع كثيراً ما نجده في ذواتنا و دواخلنا نحن الذين لا نمل من ارتداء الأقنعة دائماً ، ما توصل إليه السارد في الرواية ، هي صفعه تستحق أن ندير لها خدودنا ، لأنها حقيقة تمكث في خبايا النفس البشرية ، لذا كانت عبارات هذا العمل الجميل نوعاً من جلد الذات ، الذي قد لا يثمر دائماً ، إلا عندما يؤمن صاحبه أنه ليس هو الأفضل وأن من استوى ظاهرة وباطنه يكون متصالحاً في داخله وإن كان ظاهره لايرضي البشر !
أخيراً : أتى عمل صلاح هذه المرة متماسكاً وسلساً ، حتى شخصيات الرواية فقد أعطاها الكاتب حقها ومستحقها في النص ، لذا فإن القارئ يشعر بتعايش جميل مع الشخصيات أثناء قراءة الرواية . أهم ما يميز العمل لغته البسيطة والشفافة ، في العمل تشعر بلغة تشبه الحارة كثيراً ، ففكرة العمل وضع لها الكاتب لغة تناسبها ، لغة من السهل الممتنع ، سرداً وحواراً أو ما تجده أحياناً في ثنايا العمل من زومالٍ وكسراتٍ وأغنيات لذا فالقارئ لهذا العمل يشعر بحميمة اللغة تلك اللغة القادمة من الحارة من أزقتها وبيوتها القديمة و رواشينها ورائحة شجرها وشوارعها وأزقتها ، تلك اللغة المباشرة القادمة من جمال أهلها من حبهم وصخبهم و خيباتهم و ألآمهم وأحلامهم
كم أبدو شريرا أحيانا , كم تضطرم في داخلي مشاعر متناقضة ومجنونة , أشعر مثله بالفقد وأشعر بالغيرة والحسد يبدو لي وكأنه أكثرشجاعة وجراءة مني !
هذه الكلمات جاءت على لسان أحد أبطال الرواية وهو يمثل شخصية الكاتب والراوي لأغلب فصول الرواية ولعل هذه الكلمات تنبأ عن بعضا مما كان كان يعتمل في نفس الكاتب فهو يعاني إخفاقات عديدة سواء في الحب أو محيط العائلة والمجتمع تتقاطع شخصيته مع أحد أبناء الحارة على الرغم من تناقض الشخصيتين فالأول متعلم وأديب وعاشق للتاريخ غيرإنه يعاني من إحباطات كثيرة يخيل إلي أن الأدباء دائما يواجهون هذه المشكلة أنهم يرفضون واقعية المجتمع ويعيشون في الخيال ولعل قول صلاح على لسانه أنه كان يبحث عن المرأة كحبيبة وليس كزوجة وشريكة يتضح فيه بعضا مما يدور في خلد هؤلاء الأدباء المساكين الآخر جاهل ضائع محاصر بقيود الأسرة والمجتمع البسيط الذي يعيش فيه لكنه تخلص من قيوده وإن كان خلاصا وهميا هذه الشخصية على رغم بساطتها وجهلها وخروجها عن الطريق المستقيم إلا إنك لا تملك سوى أن تتعاطف معها وتحبها كما حدث مع الكاتب الذي أبدى إعجابه بتلك الجرأة الغير محمودة العواقب على الرغم من اشتراكهما في حب شخصية واحدة لا أنسى أن حضور المرأة في هذه الرواية كان جميلا سواء كحبيبة وجودها كان مخفيا ولكن حاضرا في أحاديث ابطال الرواية أو كزوجة أو كمومس صلاح القرشي وضع بعضا من رؤاه السياسية واستند على شخصية تاريخية هي الكميت بن زيد وكأنه يريد أن يقول أن التاريخ يكرر نفسه بشكل أو بآخر كما طرح الكثير من الأسئلة على لسان الراوي ,أعجبتني فلسفة نهاية الرواية بسرد مشاهد عديدة ممكن أن يختار الكاتب أحدها لكني أعتقد أنه وفق في اختيار المناسب والمقبول للقارىء
رواية جميلة وبرأيي أنها تفوقت على روايته الأولى بنت الجبل
أولا، لو تفتح اي صفحة شخصية لأي شخص من السعودية غالبا راح تلاقيها بنفس افكار الكتاب شيعة وسنة ، صدام ، جنس ، بزرنجية ، دين ، نصيحة، صحيح الانسان ابن بيئته ولكن هذا العمل ما قدم اي فكرة جديدة أو حتي أضافة للمواضيع المطروحه مثل المخدرات و الانحراف وغيره . ثانيا ، في قضايا كبيرة تم تبسيطها بما يناسب بطل القصة اللي المفروض انها تاخذ كتب ومجلدات مرت مرور الكرام مثل موضوع اتهام البطل بالتشيع بس لان دافع ان اهل البيت وكأن اهل البيت لطائفة واحده فقط ، وكأن باقي الطوائف تدافع وتحب قاتل أهل البيت وهذا موضع بحث عميق وحساس و مفصل يحتاج كتب وليس كتاب للحديث عنه ، يرجع البطل لعدم التعاطف مع الطائفة الشيعية لما يشاهدهم يمجدون قاتل عمر بن خطاب وهنا يلزم البحث لما التمجيد وما هو السبب وهل فعلا يتم تمجيده وهذا بعد يحتاج بحد ذاته الى مناظره وكتب ومجلدات ، موضوع مقارنة مقتدي الصدر السياسي مع صدام ويرجع لسؤال هل فعلا الصدر قام بما قام به صدام من غزو وكيماوي واغتيالات أم ان الكاتب تحت تاثير الاعلام ، والعديد من المواضيع العميقة بالفكر والمضمون طرحها الكاتب مرور سريع تخلق ملايين الاسئلة ثالثا ، بعض المفردات البعيدة كل البعد عن الأدب مثل خني.. حتي كتابتها تصعب علي صراحة ، خلط الأسلوب العامي مع الفصحة خلق مسخ وليس قصة ، لما تكون كاتب فأنت في مواجهه جمهور قد لا يكون سعودي ولا خليجي قد يكون لبناني مصري جزائري فهل سيفهمون الكلمات العامية مثل تميس وغيرها . رابعا، الانتقال بين اجزاء القصة مافيه ربط أفكار ، محاولة ادخال حنان لكل حدث من احداث القصة بطريقة غير منطقية ادمن حنان غاب عن المدرسة حنان حنان حنان الى أخر القصة بدون معني تطرق لمواضيع شتت القصة والقارئ بعد وقلة الحوارات كثرة كلمات الأغاني والقصة تحتاج تفاصيل أكثر .
رواية صغيرة جدا وجميلة تتناول حيرة المثقف أمام السلطة وحيرته أمام الحياة من خلال ثلاث شخصيات الأول الكاتب المثقف والعاشق والعاجز الثاني الصعلوك بائع المخدرات والعاشق حتى الثمالة هو الآخر الثالث شخصية الشاعر المناضل ضد جبروت بني أمية الكميت بن زيد
لست أكتب نقد ولا مراجعة إنما أود أن أقول ما جال في فكري أن لكل شخص طريقته في التعامل مع الفقد الكاتب أجده ابدع في إيصال أن لكل روح طريقتها في التغلب على الشعور بالفقد