نبذة النيل والفرات: إذا كان البحث في أحد وجوه الشريعة يشكل في حد ذاته مغامرة من نمط ما، فإن الغوص في بناها الفقهية، بما يفترضه من تأويل ونقد وتفكيك وإعادة قراءة وما إلى ذلك، يعد مغامرة ذاتية أكبر، من حيث تناولها للموروث والمرجعيات، مروراً بالمذاهب الأربعة وما رافقها من تعددية رؤيوية، وصولاً إلى الطيف الواسع من المقاربات التي حاولت مواكبة التغيرات الزمانية والمكانية على مدى قرون عديدة تلت نشوء تلك المذاهب. إن عديد الأسئلة التي طرحها الدكتور وائل حلاق في سياق مؤلفه هذا تعكس منطقياً، إن لم نقل وجوباً، القراءة الموضوعية المتأنية، والعرض الحيادي المؤيد بالشواهد والحجج، الذي رافق جميع الآراء، سواء أكانت في نطاق التقليد أم التجديد في الشريعة الإسلامية، وعلاقة كل منهما بالسلطة المذهبية. وفي هذا الصدد يقول الكاتب في مقدمة كتابه: "إن الاستمرارية والتغيير في الشريعة هما وجهان لعملة واحدة، ولذلك فهما يستلزمان الدفاع المتعمد عن عقيدة ما مع فارق وحيد هو أن الاستمرارية تقتضي الدفاع عن عقيدة قائمة، في حين يتطلب التغيير الدفاع عن عقيدة جديدة أو عقيدة أقل موثوقية في الغالب".
يقع هذا الكتاب في ستة فصول رئيسية تعالج عدداً من الإشكالات والالتباسات التي طرحت داخل البيت الفقهي نفسه أو كانت استجابة للتطورات الدنيوية الموضوعية ومقتضياتها، التي أفرزت، وما زالت تفرز، أسئلتها وتحدياتها أمام الفقهاء من مفتين ومشرعين ومجتهدين، وتضطرهم، بالتالية، إلى ولوج ميادين اجتهادية تجاه قضايا مستجدة لم يختبروها من قبل، كما وإعادة النظر في قضايا أخرى كفت عن أن تكون من المسلمات. وهنا بالذات تكمن أهمية هذه الدراسة –المؤل�- مع ما تثيره من موضوعات خلافية قد تشكل حافزاً، لدى المهتمين، للسجال معها.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من اللغة شبه الموحدة لـ"الثقافة الشرعية" التي يستخدمها الفقهاء، إلا أن الفترة الزمنية الطويلة التي يغطيها الكتاب، وهي خمسة قرون، شهدت بعض التغير على صعيد اللغة والمصطلح والخطاب والمساجلات، الأمر الذي استوجب لحظ هذا التغير لدى ترجمة الكتاب، والحرص ما أمكن على مواكبة المعنى السياقي الذي تقع فيه المفردة.
نبذة الناشر: هذا الكتاب هو الجزء الثاني من ثلاثية يمكن قراءة كل منها بشكل مستقل صدرت باللغة الإنكليزية عن منشورات جامعة كمبردج البريطانية وهي على الشكل التالي: 1-تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام. 2-السلطة المذهبية التقليدية والتجديد في الفقه الإسلامي. 3-نشأة الفقه الإسلامي وتطوره.
وتقدم هذه الثلاثية مشروعاً أكاديمياً تحقيقياً لمناهضة الخطاب الاستشراقي الغربي المعاصر في الدراسة الشمولية والتأصيلية لتاريخ الفقه الإسلامي. بحيث تحرص هذه الدراسة على محاكمة الفكر الاستشراقي من خلال منهجيته ونظام خطابه، موجهة للجمهور الأكاديمي الغربي في طبعتها الأصلية.
يبحث الجزء الأول النظرية العامة للشريعة الإسلامية كما تبلورت بتطور علم أصول الفقه، بينما يبحث الجزء الثاني ما قبل فترة التكوين للفقه الإسلامي حتى فترة النمو في القرون الهجرية الثلاثة الأول، في حين يبحث الجزء الثالث تطور الفقه في القرون الهجرية الخمسة التالية. ومن المؤكد أن المثقف العربي والباحث العلمي في شؤون الفقه والحضارة الإسلامية عموماً سيجدان في هذه الثلاثية ما لا يجدانه لا في البحوث التراثية ولا حتى الغربية، ذلك لأن المؤلف الأستاذ الدكتور وائل خلاق حقق في ثلاثيته التاريخية هذه أصالة الانتماء للتراث العربي الإسلامي ودقة البحث العلمي على الطريقة التي يشترطها أهل العلم التأريخي الحديث، هذا ويؤمل أن تفجر هذه الثلاثية مسارات جديدة للنظر في تراثنا الحي وتقدم للباحثين أرضية جديدة لبحوثهم.
Wael B. Hallaq is a scholar of Islamic law and Islamic intellectual history. His teaching and research deal with the problematic epistemic ruptures generated by the onset of modernity and the socio-politico-historical forces subsumed by it; with the intellectual history of Orientalism and the repercussions of Orientalist paradigms in later scholarship and in Islamic legal studies as a whole; and with the synchronic and diachronic development of Islamic traditions of logic, legal theory, and substantive law and the interdependent systems within these traditions.
Hallaq’s writings have explored the structural dynamics of legal change in pre-modern law, and have recently been examining the centrality of moral theory to understanding the history of Islamic law. His books include Ibn Taymiyya Against the Greek Logicians (1993); A History of Islamic Legal Theories An Introduction to Sunni Usul al-fiqh (1997); Authority Continuity and Change in Islamic Law (2001); and An Introduction to Islamic Law (2009). Shari‘a: Theory, Practice, Transformations (2009) examines the doctrines and practices of Islamic law within the context of its history, from its beginnings in seventh-century Arabia, through its development and transformation under the Ottomans, and across lands as diverse as India, Africa and South-East Asia, to the present. Hallaq’s work has been widely read, and translated into Arabic, Persian, Turkish, Japanese, Indonesian and Hebrew.
بالإمكان وصفه كبحث في البينة المعرفية الإسلامية و آليّاتها من الداخل , و يفكّك أسطورة الجمود الملازم للشريعة الإسلامية , من خلال بحث فقهي مسحي يُحترم حقّاً , و أعتقد أنّ أهم ما فيه هو إزالة الغبار عن الصورة الاستشراقية\السلفية المختزلة لعلوم الفقه التي تصورها كمستوى أقلّ من العمل الذهني و ترداد المقولات , وذلك بإظهار الفقه الإسلامي كبنية معرفية خلّاقة و متطوّرة و لها قوانينها و سماتها و تفاعلاتها الداخلية الطويلة و المتنوّعة و المتماسكة , تقريب الصورة بهذا الشكل و تتبع بناء السلطة المذهبية و آليات إصدار الفتوى , هو ما يجعل من الفقه معاصراً لنفسه و معاصراً لنا , وليست التعميمات السهلة لمنتقدي الفكر الإسلامي . الكتاب بحث أكاديمي متوسّع و مسحي يستحقّ بجدارة أن يوصف بـ الهائل , و يستحقّ أن يكون مشجّعاً على من يريدون الدخول في حقل الدراسات على عدم الاستسهال في كلمة "البحث" , يستحقّ القراءة من قبل المختصّين في الشريعة و الباحثين في التراث الإسلامي من العرب قبل المستشرقين الذين كُتب الكتاب لهم .
التعليقُ على هذا الكتاب يختلف وفقًا للعين التي قرأته؛ فقد يُنظر إليه على أنَّه بحث متخصص ومتعمق في التأريخ الفقهي؛ نشأته وتطوره وتكونه...الخ، وقد ينظر إليه على أنَّه بحث فني متخصص للدلالة من جانب علمي ونظري على مقولة "اختلاف العلماء رحمة" اختاف العلماء والفقهاء فيما بينهم اختلافا قائمًا على أصولية ومرجعية علمية ثابتة، ورؤية فقهية واضحة في انطلاقتها وبواعثها، وجلية في مراميها ومقاصدها. قدرات المؤلف البحثية، ومهاراته في السرد التاريخي وفهم سياقات المجتمع الفقهي وأزمنته المختلفة، وقدراته على الانتقال من بلد إلى بلد، ومن مدرسة فقهية إلى أخرى، ومن كتاب أصولي إلى كتاب فقهي إلى دراسة منطقية= جعلت الكتاب منهجًا شاملًا في تبيين حقائق غائبة على كثير من العاملين في ميدان الفقه الإسلامي، وكذلك رد نقدي على الصورة النمطية المتوارثة عن الشريعة والفقه ودعوى جمودها وعدم مرونتها مع التغييرات، وأنَّها كانت لمرحلة زمنية معينة تعقبها التقليد والجمود. بحث فني متخصص يعيد صياغة فكرة ومفهوم التقليد في الفقه الإسلامي، وكيف ساهم الفقهاء "المقلدون" بإثراء الحالة الفقهية، وكيف تفنَّنوا في مواكبة متطلبات عصرهم وزمانهم وفي نفس الوقت التزموا فيه بأصول مدارسهم الفقهية ومنطلقات مذاهبهم المنطقية التي تشيدت وقامت عليها. الكتاب رسالة نقدية إلى الفكرة الاستشراقية التقليدية التي تتهم الفقه الإسلامي بالجمود والوقوف عند فترة زمنية محددة، وتدليل على أنَّ هناك العديد من المصطلحات والأفكار التي يرددها الكثير دون فهم سياقاتها الاجتماعية والتاريخية. غاص المؤلفُ البارع في بحور المذاهب الفقهية ومصنفاتها وتشعباتها للتأكيد على أنَّ الاختلاف الفقهي كان ولا يزال رحمةً للأفراد، ونعمةً للمجتمعات، وإثراءً للفقه، واحترامًا للعقل، ومواكبةً للتغيرات، واعتبارًا للأصول، ومراعاةً للمنهج. وأخيرًا، الكتاب رسالة لإعادة النظر في منهج القراءة التاريخية للدراسات الإسلامية على العموم، والحالة الفقهية على الخصوص؛ وذلك بضرورة اعتبار السياقات التاريخية والظروف الاجتماعية وقراءة المصطلح والمفهوم وفقًا للسياق الزمني الذي وُلد فيه هذا المصطلح ونشأت فيه هذه المفاهيم.
لا يبدو القول المأثور "أن فى التعدد الفقهي نعمة إلهية " كلاما فارغا لأن ال تمحيص النقدي فى أهميته الفقهية يثبت جدية وصحة هذا الكلام هذا ما يحاول هذا الكتاب إثباته يدحض هذا الكتاب الزعم القائل أن ظهور المذاهب وما سمي ب قفل باب الاجتهاد جعل المنظومة الفقهية عصية عل التغيير والتكيف مع زمانها ومكانها وكيف أن التغيير فى المنظومة كان من صفاتها البنيوية
I can still remember when we were taught the history of Fiqh. Roughly, it is said that this history started with an ethos of rigorous problem-solving mentality. But gradually the ethos changed to a blind-following mentality. All of this is caused by the formation of the madhāhib from being just some of the hermeneutical perspectives to become the only definite and valid perspectives in understanding the legal injunctions of the Quran and Hadith. In other words, many competing madhāhib were boiled down into only four - Ḥanafī, Malikī, Shāfiʿī and Ḥanbalī.
What this basically implies is that (uncritical) obedience, tribal loyalty and partisanship are built-in or are the functions of the madhhab entity. As a result, taqlīd is upheld as a religious virtue. And so, this understanding of the history of Islamic law has invoked reactionary movements that abhor taqlīd, aim to re-open the door of ijtihād and free the Muslims from it. At once, allowing the Muslims to be relevant in and for the world again.
But what this understanding missed is that taqlīd and ijtihād are not entirely opposite of each other. In between the two is a spectrum. Some ijtihād are not entirely independent of its previous rulings. And some taqlīd are not entirely a blind trust towards the predecessors. The examples of the different degrees of combination between the two can be seen in the activities of takhrīj, taṣḥī�, tarjīh, and many other operative terminologies.
So, opening the door of ijtihād is not as easy as merely having the courage to independently engage first-hand with interpreting the Quran and Hadith. It requires a range of knowledge almost impossible to be equipped with, even for the figures of the Golden Era. But taqlīd is not necessarily the only option available either. Because even the mujtahids of the past, in their illustrious careers, have done it in one form or another.
Therefore, if a proper understanding of history is reacquired, then following the footsteps of our predecessors do not lead us to a rigid understanding of our religion or of the way to live in the world. Instead, the past offers us wisdom that no amount of accumulated historical experience could offer. Because what they knew did not come from this world, but from God the All-Knowing.