جودت بن سعيد بن محمد مفكر سوري شركسي ولد بقرية بئر عجم التابعة للجولان في سوريا عام 1931م. وهو مفكر إسلامي معاصر، يعتبر امتدادًا لمدرسة المفكرين الإسلاميين الكبيرين، الأستاذ مالك بن نبي ومن قبله محمد إقبال.
يعرف جودت سعيد بأنه داعية اللاعنف في العالم الإسلامي أو غاندي العالم العربي. وقد عبر عن سعادته بهذا الوصف في مناسبات عدة، وكان أول ما كتبه في مطلع الستينيات كتابه: "مذهب ابن آدم الأول، أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي"، وهو يناقش مبدأ اللاعنف وعلاقته الجذرية بالإسلام، لكن يمكن للبعض أن يرى أن القصد من وراء الامتناع عن استخدام العنف أو القوة هو في واقع الأمر اللجوء إلى العقل والتفكير. لذلك كانت دعوته إلى اللاعنف دعوة للعقل في أساسها.
"كنت أسألهم في بعض الجلسات الحميمة بعد الصلوات : هل حدث لكم أن ركبتم السيارة التي ستقلكم من المحطة إلى منازلكم وأعمالكم , ثم شعرتم فجأة أن الأمر التبس عليكم فلم تعودوا تعرفون : هل تحركت السيارة التي تركبونها , أم السيارة التي بجوارها هي التي تحركت ؟؟ وكانوا يقولون : نعم . إن الانطلاق من أمور مجربة وممارسة يوميا", يساعد على حل بعض المعضلات الكبيرة , فقلت لهم : ثم كيف تكتشفون الصواب , وكيف كنتم تتأكدون من الأمر ؟؟ فأجابني بعضهم : أنظر إلى الأرض , فبالنظر إليها أعرف إذا كنت أنا المتحرك أم الآخر , وقال آخر أنظر إلى العمود فأعرف منه من هو المتحرك . ولكن ماذا لو كنا في الفضاء وليس من أرض أو عمود , كيف نعرف الأمور ؟!! هنا يصير كل واحد مركز رصد . ترى إلى أي شيء نلجأ لمعرف الحق من الأفكار حين يشتبه الأمر وتُظلِمُ الحياة وتسوء الأوضاع ؟؟ لقد علمنا القرآن أن ننظر إلى العواقب أو أن ننتظرها , ويؤكد الله تعالى لنا هذا الأسلوب فيقول ( كذلك يضرب الله الحق و الباطل , فأما الزبد فيذهب جُفاء , وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض , كذلك يضرب الله الأمثال ) الرعد 13/17 وعيسى عليه السلام يضع لأتباعه قاعدة يفرقون بها بين الأنبياء الصادقين والمتنبئين الكاذبين , فيقول )):من ثمارهم تعرفونهم , أيثمر الشوك عنبا"؟ أو العليق تينا")) متى 7/16 ولا يكفي أن ترى العواقب وتعرف أنك على الصواب وعلى الحق , فهذا اليقين لا يعطيك حق التغيير بالعنف , ولا يخول لك حق السخرية من الآخرين . المشكلة ليست في أن تكون شاعرا"بأنك على الحق , المشكلة هي : كيف ستحل المشكلات ؟؟ وكيف ستقوم بعملية التغيير للذات والآخر ؟؟ ومن القواعد الأساسية أن التغيير يبدأ من الذات المغيرة ( التي تريد التغيير ) , وليس من الذات التي يراد تغييرها ...."
المفكر يدعو إلى بديل هو ( لا إكراه في الدين ) .. ألا نزيل أي فكرة بالعنف والقوة . وأن نترك الأفكار الخاطئة لتموت موتا" طبيعيا"وإذا لم نكن فاهمين لهذا , فمعناه أنه ليس عندنا أفكار تصمد .. هو يرى أن للخطأ الحق في أن يعيش وما لم يعطي له الحق في أن يعيش , فسوف لن يكون له الحق ذاته . يدعو إلى فتح الحوار مع الجميع ويدعو إلى نبذ العنف ومذهب ابن آدم الذي قال لأخيه : ( لئن بسطت إليَ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ) المائدة 5/28 وفي قراءة التاريخ يقول القراءة مثل القضاء , يمثل أمامه المدعي والمدعى عليه , ويستمع لكليهما , كذلك القارئ ينبغي أن يقرأ الشيء وضده وما لم يفعل لا يمكن أن يدرك الموضوع وحتى الآن فإن العالم الإسلامي يريد أن يحمي نفسه بعدم قراءة الآخر وبعدم سماعه . إننا غائبون عن العالم لا نعرف ما يحدث فيه ونحن مع الأسف الشديد إلى الآن لم نقرأ العالم الآخر قراءة واعية ولا قراءة غير واعية . وفي النص و الواقع يقول يذكر محمد إقبال أنه تخيل ذات ليلة , حوارا"يدور بين سوس الكتاب ( كائن يخرق الكتب ) وبين الفراشة فنظم هذا الحوار شعرا", وقال : كان سوس الكتاب في ليلة من الليالي يناجي الفراشة ويشكو إليها حاله فيقول : لقد خرّقت كتب الفارابي وابن سينا والجاحظ و التوحيدي وأرسطو , ولكنني لا أزال أعيش في الظلام وترد عليه الفراشة قائلة : أما أنا فإنني أرى نكتة لا تُرى في أي كتاب يشير محمد إقبال عن طريق هذا الحوار الرمزي , إلى الفرق بين من يتعامل مع الوقائع ومن يتعامل مع النصوص دون الرجوع إلى الواقع , إنك إن جمدت أمام النصوص تكون كسوس الكتاب تخرق الكتب فتجدها متشابهة مكررة لا توصل إلى النور لكن قراءة الواقع تزودك بأفكار ومعلومات لا يمكن أن تحصل عليها الكتب وهذه هي ابيات إقبال من كتاب الأعمال الكاملة
سمعتُ : بمكتبي ليلة ً *** ينادي الفراشة سُوسُ الكتاب يقول مررتُ بكتب ابن سينا *** ونقّبتُ في كُتب ِ الفاريابي ولم أدر حكمة هذي الحياة **** وما زلت من ظُلمتي في حجاب تُجيبُ الفراشة في حُرقة : *** أرى نكته لا تُرى في كتاب رأيتُ الكفاح يُعدُّ الحياة **** رأيت الكفاحَ يُمدُّ الحياة
الكتاب يدعو إلى نبذ العنف واحتواء الرأي الآخر في شتى مجالات الحياة وخصوصاً في ممارسة السلطة .. الكتاب عبارة عن محاضرات جمعت على شكل ابواب . لم تعجبني أفكار المؤلف في بعض المقاطع . و لكن الكتاب حتى منتصفه جميل و سلسل ويثير التساؤل وفيه اسقاطات حية لأحداث حدثت للنبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام .. ثم غرق في السرديه الممله .