What do you think?
Rate this book
224 pages, Paperback
First published October 1, 2007
مجتمعات القمع، القامعة والمقموعة
تولّد في نفس كل فرد من أفرادها دكتاتورا
ومن ثمّ فإن كل فرد فيها ومهما شكا من الاضطهاد
يكون مهيئاً سلفاً لأن يمارس هذا القمع ذاته الذي يشكو منه
وربما ماهو أقسى وأكثر عنفاً على كل من يقع تحت سطوته
ĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶ
حين تسكت عن حقك الواضح، بسبب الخوف غالباً
فإنك لن تتوقع من الآخر أن يحترم لك هذا الحق
سيتصرف في المرة القادمة وكأن التطاول على حقوقك من المسلمات
ĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶ
أنت لا تشعر بالضرب حين تكون حرا أن ترده
انت تشعر به هناك حين يكون عليك فقد ان تتلقاه
ولا حرية لك ولا قدرة لديك على رده
هناك تجارب الإحساس الحقيقي بالضرب
بألم الضرب .. لا مجرد الألم الموضعي للضربة
إنما بألم الإهانة
حين تحس أن كل ضربة توجه إلى جزء من جسدك توجه معها ضربة أخرى إلى كيانك كله إلى إحساسك وكرامتك
ضربة ألمها مبرح لأنها تصيب نفسك من الداخل
الضرب, ذلك النوع من الضرب
حين يتحول المضروب إلى أنقاض إنسان مذعورة
أنقاض تتألم
وبوعي تحس نفسها وهي تتقوض إلى أسفل
وبإرادتها الخانقة تمنع نفسها من أن ترد
ويتحول فيها الضارب إلى أنقاض إنسان من نوع آخر
وكأنه إنسان تهدم إلى أعلى يسعده الألم الذي يحدثه في ابن جنسه
ويستمتع بإرادة
وبإرادة ايضا يقتل الاستجابة البشرية للألم في نفسه فلا يكف إلا ببلوغ ضحيته أبشع درجات التهدم والتقوض, وبلوغه هو أخس مراحل النشوة المجرمة
ĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶĶ
الذين يفرضون التعذيب يريدون أن يحققوا ما هو أكثر من ذلك
يريدون أن يوصلوا الضحية إلى أقصى حالات الضعف والألم ومن ثم التذلل
وحين يفشلون يخيب أملهم
وهذا الفشل إما ينجم عن الضربة القاتلة الخاطئة التي يضربها الجلاد
وإما أن ينجم عن قرار الضحية واختياره الموت
الموت بلا توجع وتذلل. ولعل "الطريف" في مسألة التعذيب
إن كان في هذا الأمر ما يمكن وصفة بالطرافة
هو أن من أصول لعبة التعذيب أن يتقن الجلاد عمله فلا يتسبب في موت الضحية
الموت الداخلي هو المطلوب وليس الموت الخارجي والجسدي
انني ارى ان عالم القمع، المنظم منه والعشوائي، الذي يعيشه انسان هذا العصر هو عالم لا يصلح للإنسان ولا لنمو إنسانيته. بل هو عالم يعمل على حيونة الإنسان (اي تحويله إلى حيوان)
ان الإنسان يختلف عن الحيوان في حقيقة كونه قاتلاً، لأنه الحيوان الوحيد الذي يقتل افراداً من بني جنسه يعذبهم دونما سبب بيولوجي او اقتصادي ويحس بالرضى التام من فعل ذلك � (ايريك فروم)
ان الذي حول الوحوش الضاربة الى مخلوقات مسلية في السيرك، وجعل الفيلة تقف على رؤوسها، والأسود تقفز كالبهلونات، قد اكتشف انه يستطيع ان يجري التحويل ذاته على الإنسان، حوّله الى مخلوق مسلوب الإرادة. ولكنه بالطاعة ذاتها وبالأساليب ذاتها صنع الجلادين والقتلة واللصوص والانتهازيين والمرتشين والمفسدين والقوادين.
والتشبيح كلمة ممتلئة بالمعاني ، فهي مزيج من الزعرنة والسلبطة والتبلي، وهي كل ما يقفز فوق القانون علناً، ومن ثم فهي عقلية مثلما هي سلوك. ولذلك قد تجد الشبيحة قي المدارس والنقابات والمنظمات ومجلس الشعب ومجلس الوزراء وفي الحزب ذاته ايضاً، فالشبيح بهلوان بارع ووقح، يقفز بك مباشرة الى مجالات لا تخطر لك على بال، فإذا اعترضت على تهريبه مشكوك في اخلاصك للوطن، واذا طالبت بتطبيق القانون مشكوك في اخلاصك الوظيفي ...
ولأن السلطة تعرف ان الناس لا يمكن ان يختزلوا بهذه الطريقة القسرية (سجن، تعذيب، قتل، تسريح من العمل، منع فرص العمل، تجويع، منع التنظيمات، خنق حرية التعبير) اختزالاً نهائياً، فإنها تزيد من دائرة المستفيدين من فتاتها لكي تحولهم الى جلادين اصحاب مصلحة في حماية النظام الذي يطعمهم هذا الفتات، انهم يصبحون ادوات قمع يمارسون عملهم بحمية لأنهم يدافعون عما يستفيدون منه.
ان مجتمعات القمع، القامعة والمقموعة، تولّد في نفس كل فرد من أفرادها ديكتاتوراً، ومن ثم فإن كل فرد فيها، ومهما شكا من الإضطهاد، يكون مهيأ سلفاً لأن يمارس هذا القمع ذاته الذي يشكو منه، وربما ما هو أقسى وأكثر عنفاً، على كل من يقع تحت سطوته.
الطبقات الحاكمة كلها تحتاج من أجل الحفاظ على سيطرتها إلى وظيفتين اجتماعيتين هما الجلاد والكاهن