لم يكن الشاعر عمر حمد مجددا في الشكل و لا حتى بالصور ، و لكنه يأتي في طليعة القافلة التي حاولت أن تبدل من اتجاه التاريخ المحلي ، و أن تربطه بـ ( العروة الوثقى � بتعبير المربي الكبير عبد الرحمن الكواكبي ) مع مصادر العولمة المبكرة التي تدق أجراسها. و هو يشترك مع إبراهيم طوقان ( شاعر النكبة ) في طريقة التعبير الغنائي عن الأزمات الكبيرة. إنه نموذج مثالي لشعراء المراحل الحرجة ، و يمكن بسهولة إدراجه ضمن إطار ( شاهد على عصره ). يروي الأستاذ عمر فاخوري ( أديب الإبداع و الجماهير � بلغة المرحومة وداد سكاكيني ) قصة حياة الشاعر فيقول : كنا في المدرسة و بعدها ثلاثة أو أربعة لا نفترق. و كانت رحلتنا إلى " المستقبل " سهلة في طريق لا ينقصه الخيال. و كان في زوادتنا كثير من الأماني و الأحلام. و لد عمر حمد في بيروت حوالي سنة 1311 هـ . و جده السيد حمد مصري الأصل هاجر إلى لبنان في زمن الأمير بشير الشهابي. و كان في الثامنة من عمره و ختم القرآن الكريم على يد الشيخ شاتيلا المعروف. توفي والده مصطفى حمد قبل أن يصل التاسعة من عمره ، فترك المدرسة و اشتغل في السوق لأربع سنوات. ثم دخل الكلية الإسلامية ، و في سنة 1912 أتم دروسه و نال " البكالوريا ". و عمل في نفس المكان معلما للعربية و تاريخ الإسلام في القسم الاستعدادي. و كان أيضا يحرر في بعض الصحف المحلية. ثم نشبت الحرب العامة ، فذهب إلى دمشق بصفة ضابط احتياط. و مكث فيها ثلاثة أشهر. و كان الطاغية جمال باشا قد بدأ بمشروعه الدموي. و كان من بين الملاحقين عبدالغني العريسي و الأمير عارف الشهابي و عمر حمد. و هرب الثلاثة في بدء سنة 1915 بثياب البدو نحو البادية العربية. و بعد ثمانية أشهر قبض عليهم الأتراك في مداين صالح قبل أن يصلوا إلى أم القرى " مهد الثورة ". أودع الشاعر نحو أربعة أشهر في سجن عاليه . و في السادس من أيار سنة 1916 قادهم الجلاد مع رفاقه إلى ساحة الشهداء في بيروت. و هناك لقي مصيره المحتوم على أعواد المشانق.
ولد في بيروت، وفيها صعدت روحه إلى بارئها شهيدًا. عاش في لبنان وسورية. حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ شاتيلا في الطفولة، ثم ألحق بالكلية الإسلامية في بيروت بعد أن اكتشف القائمون عليها ذكاءَه ونبوغه، فحصل على الشهادة الثانوية عام 1912، والتي تأهل بعدها لمواصلة دراسته للغة العربية وتاريخ الإسلام في الكلية نفسها. عمل في مجال التجارة مدة أربعة أعوام، وبعد حصوله على شهادة الثانوية شارك في تحرير الصحف المحلية، وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عين ضابطًا احتياطيًا ونقل إلى دمشق، فمكث فيها ثلاثة أشهر، وما إن بدأ جمال السفاح في القبض على الأحرار من الشباب العرب وإيداعهم السجن في بلدة عاليه حتى فرَّ مع رفاقه إلى البادية وظل مختبئًا فيها قرابة ثمانية أشهر. قبض الأتراك عليه مع رفاقه في بلدة مدائن صالح واقتادوهم إلى سجن عاليه، وهناك أمضى نحو أربعة أشهر، وفي فجر اليوم السادس من مايو عام 1916 جيء به مع رفاقه إلى بيروت، وأعدموا مع شهداء القافلة الثانية ولما يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره.
شاعر قومي، يدور شعره حول الفخر بالماضي العربي التليد، داعيًا إلى استعادته وابتعاث قيمه التي علّمت العالم وأسست لحضارته، كما دعا إلى الثورة على الظلم ومواجهة المعتدين، وله شعر يمجد فيه خُطا الأحرار من أبناء هذه الأمة، يميل إلى التأمل والشكوى، ويغالبه الحنين إلى مواطن الأحبة وذكريات الشباب، وله شعر في الرثاء، وكتب في المدح والإشادة. يبدو تأثره البالغ بتراثه الشعري القديم خاصة المتنبي الذي تسري أنفاسه الشعرية عبر أنساقه وتراكيبه، وما اهتم به من مضامين، وكتب في الحكمة والاعتبار، وله شعر في رثاء العهود فيما يشبه رثاء المدن والممالك في الشعر الأندلسي. تميز بنفس شعري طويل، واتسمت لغته بالطواعية مع قوة في العبارة، وجهارة في الصوت، وفسحة في الخيال، مع ميلها - في كثير من الأحيان - إلى البث المباشر. التزم عمود الشعر إطارًا في بناء قصائده.
أقل ما يمكن أن يقال عن الديوان، انه يصدم القارئ، وخاصة عندما ينظر المرء إلى صورة عمر ومعالم وجهه البريئة وتقاسيمه الوادعة، ليسأل كيف له أن يخرج كل هذا الإبداع الشعري وهو في مثل هذه السن الصغيرة..؟؟
واما عن كتبه الذي بين يدي، فلقد اقتبست العديد من أشعاره وتأثر قلبي بعديد نظمه وأخباره، وأكثر من كان فيها قصيدة "نجوى بائسة" أصابتني بسهم قاتل من عظم معناها. ولا أنسى تلك المقدمة الفذة والتي تمنى فيها شاعرنا أن يصبح فيها شاعر الخليفة ونديمه. ولكن الأقدار تجري فينا بغير حساب.