إن أي علاقة مع تاريخ الاستشراق الآن تتأسس على منطق الصدام قد أصبحت غير ذات مضمون. وبالتالي ليس من المجدي أن نستمر في الرد على أطروحات المستشرقين ""المغرضة"" كما سماها شيوخ ومثقفون مسلمون منذ منتصف القرن التاسع عشر، او التصدي لهذه الرؤى الخاطة عن طبيعة العرب وعقليتهم. إن الخروج من ذلك الموقف الدفاعي سيجدد تعاملنا مع الاستشراق، فيحصره في نطاقه النافع، أو يحوله إلى ""موضوع"" ندرس من خلاله طريقة تفكير واضعية.إن انسحاب الاستشراق من دراستنا للتراث وعلم الاجتماع يزيد من شعورنا بجدية وخطورة المهام المعرفية الملقاه على كاهلنا اليوم. وبتخيلنا عن هذه المهام بالأمس ساهمنا في خلق هيمنة الاستشراق نفسه."
بنسالم حميش (المعروف في الشرق سالم حميش) روائي وشاعر وأستاذ فلسفة مغربي متخرج من جامعة السوربون، وله مسؤوليات حزبية وحكومية في وطنه(وزير الثقافة) يكتب باللغتين العربية والفرنسية.مولود بمكناس سنة 1948 عرف برواياته التي تعيد صياغة شخصيات تاريخية أهمها شخصية ابن خلدون في رواية العلامة والتي فازت بجائزة نجيب محفوظ الممنوحة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 2002 وابن سبعين في هذا الأندلسي والحاكم بأمر الله الفاطمي في مجنون الحكم
كانت قراءتي عن الاستشراق دائما من خلال كتب التحذير من الغزو الفكري " الإسلامية " وخاصة عند المستشار علي جريشة والاستاذ محمد قطب رحمهما الله ، وكانت الصيغة دائمة التكرار هو أن الاستشراق ضلع ثالث لمثلث أضلاعه الأخري الإحتلال والتبشير ، وأنه والتبشير كانا بمثابة جندياً استطلاعياً للتمهيد الي الغزو العسكري الغربي للشرق ..وكانت كل هذه المعاني تأتي في صيغة خطابية مقتضبة بعيدة عن الشرح والتحليل والنقد كتاب بنسالم حميش (العرب والإسلام في مرايا الاستشراق) يعتبر تطورا نوعياً في قراءتي حول الاستشراق ، حيث أنه أوسع عرضاً لصيرورة الاسشتراق ومدارسه وأعمق تحليلاً لنصوص الاستشراق ومضامينه . والكتاب يتكون من مدخل و خمسة فصول وخاتمة وملحقان (282 صفحة طبعة دار الشروق) تناول بداية الاستشراق ومدارسه وأهم أسماء المستشرقين الأوائل في المدرسة التقليدية للاستشراق وتعرض لأعمالهم بالعرض و النقد والتحليل ، بل وتعرض لمنهج هذه المدرسة التقليدية بالتشريح والتحليل والجديد أنه ذكر انتقاد من داخل مدرسة الاسشتراق نفسها أي نقد استشراقي / استشراقي . مع الإشارة أن المستشرقين كانوا يقبلون بذلك فيما بينهم كجماعة علمية واحدة ولكن لا تقبل هذا الانتقاد إذا جاء من مفكر وعالم شرقي . وكذلك فعل مع مدرسة الاستشراق الجديدة ذاكرا انها تميزت باستخدام العلوم الإنسانية وان بعض أعمالها كانت بعد نهاية حقبة "الإستعمار" مما ينفي عنها أنها كانت وسيلة للاستعمار لرفع بيان علمي وثقافي عن الشرق ليفيد منه الغرب في غزوه للشرق ، كما أن بعض هذه المدارس كانت جنسيتها ليس لها سابق صراع مع الشرق مثل ألمانيا ..أي أنها مدارس خارج المدرسة الانجليزية والفرنسية، التي كانت بلادهما تحتل بلاد الشرق ، ومن رواد هذه المدرسة الجديدة في الاستشراق : جاك بيرك ، لوي ماسينون ، ماكسيم رودنسون .
والمؤلف متأثر بهؤلاء الثلاث (بل أهدي الكتاب الي بيرك وردونسون وادوارد سعيد ) وكثيرا ما يذكرهم ويذكر بعض من انصافهم ومناهجهم المغايرة للاستشراق القديم ، حتي أنه ذكر ترجمة لجاك بيرك في الملحق للكتاب وحوار معه ايضا هو وماكسيم رودنسون ، ووقف كثيرا في حالة ماسينون الصوفية الوجدانية وأثرها علي دراسته للحلاج حيث لم تكن دراسة عقلية بحتة بل كانت أيضا ذوقية وحدسية وكثيرا ما تعرض للانتقاد من زملائه المستشرقين بسبب ذلك . ثم بعد ان ينتهي المؤلف من عرض وتحليل مدارس الاستشراق وتطورها يذكر في الفصل الخامس موقف المثقفون العرب من الاستشراق وقسّم هذا المواقف الي نوعين : (مواقف الرفض المتشنج / مواقف التحليل النقدية) أصحاب الموقف الأول هم ( البهي / مالك بن نبي / عبد اللطيف الطيباوي) وأصحاب الموقف الثاني ( أنور عبد الملك / هشام جعيط / عبد الله العروي /محمد أركون / ادوارد سعيد ) وهذا الفصل كان ماتعا حيث تشعر أن الكاتب دخل في نقاش وحوار مع كل هؤلاء يذكر مواطن القوة في انتقادهم ومواطن الخلل والضعف وعدم التماسك المنهجي في نقدهم أحيانا وخاصة مع ادوارد سعيد الذي يري المؤلف ان كتابه (الاستشراق ) هو أول كتاب تحليلي نقدي في مجال الدراسات الاستشراقية لأن ما سواه من الكتب قبله إن هي إلا مؤلفات وصفية تعريفية أو معجمية ، وينبه المؤلف الي ان ترجمة الكتاب الذي قام بها كمال أبو ديب سيئة ولا تساعد في شيء علي نقل وضوح النص الأصلي وشفافيته وذكر أمثلة علي ذلك في الهامش بل عندما ذكر كتاب ادوارد في المراجع وضعه تحت عنوان (مراجع مترجمة : يحسن مطالعتها بمحضر الأصل) ثم تأتي بعد ذلك الخاتمة العامة ملخصة في ثلاث نقاط ( تحديث علاقاتنا بتراثنا التاريخي / تحديث علاقاتنا بالاخر / تحديث علاقاتنا بالسياسة ) وفي نظري أنها ربما تكون الأضعف في الكتاب كونها مقتضبة وإحالة الكاتب وتعويله كثيرا علي فلسفة الحداثة !! ولكنه ذكر ملاحظة هامة في هذه الخاتمة ان الاستشراق إجمالا صار كتركة للماضي القريب أكثر من كونه مشروعاً حياً ، وأنه أعطي أحسن ما عنده بحيث لا يمكن لخلفه حالياً أو في المستقبل المنظور أن يكون له نفس القوة أو نفس الفعالية .
ثم انتهي الكتاب بملاحقان في غاية الأهمية عبارة عن سيرة ذاتية لجاك بيرك وأخري لأندري ميكل وعن روجيه جارودي فمن خلال السيرة الذاتية تفهم خصوصية البعد النفسي وأثر المنشأ وتراكم الأحداث التي مرّ بها المستشرق والتي أثرت في منهجه والملحق الثاني عبارة عن حوارت أجراها المؤلف بنفسه وجه بوجه مع كل من (جاك بيرك وماكسم رودنسون وهشام جعيط وحسن حنفي) أهم في نظري حواره مع خسن حنفي لأنه صاحب تأسيس ما يسمي بعلم الاستغراب وكتابه الشهير في ذلك الذي يضاد الاستشراق
ما آخذه علي الكتاب لغته فالمؤلف مغربي والمغاربة لهم اشتقاقات ونحت كلمات أشعر بغرابتها وضعفها .
يبدأ الكتاب بعرض لمدارس الاستشراق وأسماء المستشرقين الأوائل...واستعرض انتقاد بعض المستشرقين من الداخل لأخطاء تلك المدرسة التقليدية... وتأتي مدرسة الاستشراق الجديدة التي تنيزت باستخدام العلوم الإنسانية وذكر أهم روادها مثل جاك بيرك و لوي ماسينون و ماكسيم رودنسون... كما يستعرض المؤلف مواقف المثقفين العرب من الاستشراق والمستشرقين... الموقف الأول الرافض المتشنج ومن اصحاب هذا الموقف البهي و مالك بن نبي و عبد اللطيف . والموقف الثاني موقف التحليل النقدي ومن أبرز اصحاب هذا الموقف أنور عبد الملك و هشام جعيط و عبد الله العروي و محمد أركون و إدوارد سعيد... في خاتمة الكتاب يذكر المؤلف ثلاث نقاط مهمة: 1 . ضرورة تحديث علاقتنا بتراثنا التاريخي. 2. تحديث علاقتنا بالآخر. 3. تحديث علاقتنا بالسياسة . ومن الجميل احتواء الكتاب على ملحقين لإثراء موضوع الكتاب...