سعاد محمد الصباح شاعرة وكاتبة وناقدة كويتية حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسة وهي المؤسسة لدار سعاد الصباح للنشر والتوزيع عام 1985م. تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية بالإضافة للغتها العربية الأم. تم تكريمها في العديد من الدول لإصداراتها الشعرية وإنجازاتها الأدبية ومقالاتها الاقتصادية والسياسية.
بدأت التعليم الأولي بمدرسة الخنساء � الكويت. التعليم الثانوي بمدرسة المرقاب � الكويت. ثم حصلت شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية مع مرتبة الشرف � كلية الاقتصاد والعلوم السياسية � جامعة القاهرة 1973. ثم شهادة الماجستير � المملكة المتحدة. ثم شهادة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية � جامعة ساري جلفورد � المملكة المتحدة 1981. كان عنوان رسالتها لشهادة الماجستير هو التنمية والتخطيط في دولة الكويت ورسالتها لشهادة الدكتوراه حملت عنوان التخطيط والتنمية في الاقتصاد الكويتي ودور المرأة قدمتها باللغة الإنجليزية وترجمتها لاحقاً إلى اللغة العربية فكانت بذلك أول كويتية تنال شهادة الدكتوراه في الاقتصاد باللغة الإنجليزية.
أكدت هذه الدراسة على ضرورة اعتماد منهج تخطيط طويل المدى يتحقق فيه هدفان مرتبطان يبعضهما البعض أولهما الدعوة إلى إعداد إطار عام للتخطيط الإنمائي في ظل اقتصاد يعتمد على النفط ويستند إلى ضرورة إقامة قاعدة اقتصادية وقوى عاملة متوازنين وثانيهما تقديم تحليل إحصائي تسجيلي عن موضوع الالتزام بالعمل بالنسبة للمرأة العاملة.
في هذا الديوان قصيدة جعلتني أحب قصائد النثر، هل توجد قصيدة نثر تستعاد ولا تمل من قراءتها عبر الأعوام، نعم!، تلك هي:
. .
عندما قررتُ أن أعاقبَكْ.. وأسافرَ إلى باريسَ وحدي لم أكن أعرف ُ أني سأعاقِبُ نَفْسي وأرتكبُ أكبرَ حماقاتِ عُمْري.. لم أكن أعرف أن باريس ترفُضُني وحدي.. وأن مصابيحَ الشوارعْ، وأكشاك بيع ِ الجرائِدْ، وتماثيل الحدائقِ العامّة، ستسخَرُ مِنّي.. وتطلبُ من بلديّةِ باريسَ ترحيلي.. لأنني خالفت مبادِىءَ الدستورِ الفرنسيْ فهندسةُ باريسَ الجميلَةْ لاتتقبَّلُ امرأةً تتناول العشاء وحدَها.. ولازهرةً تتفتّح وحدَها.. ولاغيمةً تمطرُ وحدَها.. فباريسُ.. معزوفةٌ موسيقيّةْ يلعبها اثْنانْ.. وقصيدةٌ جميلَةْ يكتُبها رجلٌ.. وامرأةْ... لماذا لم اقرأ تاريخ باريسْ قبل أن أدخُلَها؟.. لماذا لم أفهمْ هندستها العاطفيّةْ؟ لماذا لم أفهمْ أن كلَّ شارعٍ من شوارعِها مرصوفٌ بحجارة الحبْ؟ وأن كلَّ زهرة توليبٍ في حدائِقِها هي رسالةُ حُبْ؟ وأنَّ كلَّ تمثالٍ من تماثيلها منحوتٌ بيدِ الحُبّ؟ وأنّ كلَّ ثوبٍ معلَّقٍ في واجهاتِها مصمَّمٌ من أجلِ الحُبّ؟ لماذا لم أحترمْ تقاليدَ هذه المدينةِ الخرافيَّة التي أعطت العالمْ أوَّل درس من دروس الحُبّ؟ لماذا اعتديتُ على تناسُقِها، وارمونيَّتا، فكنتُ النَّغمةَ التي لامَكَان لها في الكنشرتو الكبير؟... افتح ستائر غُرفتي على باريسْ واكنني لاأجدُها.. هل هذه باريس التي عرفتها مَعَكْ؟ أم هذه بَنْغلادشْ؟؟ هل هذه ساحةُالفاندومْ؟ أم هذه ساحة إعدامي؟ هل هذه نوافيرُ ميدان الكنكوردْ؟ أم هذه دُمُوعي؟ هل هذا قوسُ النصرِ العظِيمْ؟ أم هذا قوس هزيمتي؟... أَخرجُ للشُّرفةِ حتى أُنعشَ ذاكِرَتي.. هل هذه هي مدينة إيلوار..وأراغون.. وبدلير..ورامبو... أم هذه هيرُوشيما؟؟ هل هذه هي باريس التي مشَّطْتُها مَعَكْ.. شارعاً..شارعاً.. مكتبةً..مكتبةً.. مُتْحَفاً .. مُتْحفاً مسرحاً .. مسرحاً هل هذه هي باريسُ؟ التي تعلمتُ فيها على يَدَيْكْ كيف اكتشفُ أبعادَ أنوثتي وأبعادَ حرِّيتي؟؟ لاتسألني عن تفاصيل رحلتي الباريسيَّةْ إذ لم يكن ْ هناكَ رحلةٌ... ولامنْ يرحلون.. فمن مطارشارل ديغُولْ إلى غُرْفتي في الفندقْ.. ومن غُرْفتي في الفندقْ.. إلى مطار شارل ديغُولْ هذا هو مخطَّطُ الرحلة الفاشلةْ.. ـ ماذا فعلتِ؟ لم أفعلْ شيئاً ـ هل اشتريتِ ثياباً جديدةً؟ لم أشترشيئاً.. ـ هل اشتريتِ عطوراً؟ لم أشترِشيئاً.. ـ مع مَنْ تناولتِ العشاءَ ليلةَ السبتْ؟ ـ مع الأشباحْ... ـ مع من رقصتِ؟ ـمع الأشباحِ أيضاً... ـ ماذا فعلتِ إذَنْ؟ ـ شتمتُ نفسي.. وشَتَمْتُكَ..وشَتَمْتُ فولتير..وروسو..وفيكتوروغو... وذرفتُ دمعةً على شهيدةِ العشقِ الإلهي، صديقتي..ماري أنطونيتْ... قَرَعتُ الجرسْ.. وطلبتُ عشاءً لشخص واحِدْ.. نظر النادلُ إليَّ بإشفاقْ وقال لي بتهذيب جمّ ولغةٍ فرنسيّةٍ راقيةْ ياسيّدتي: إنَّ امرأةً لهامثلُ عَيْيَيْكِ السوداويْنْ.. لاتتعشَّى وحدها في مدينتنا... هذاليس من تراث باريسْ.. ولامن أخلاقِها وأقفل الباب علَيّ واختَفَى في ظلامِ المرِّ الطويلْ.. حاولتُ أن أشاهدَ التلفزيونَ الفرنسيّ كانوا يحتفلونَ بالذكرى المائتينْ على هدم سجن الباستيلْ وأنا...منْ يهدمُ سِجْنِي؟... ويطلقُ سَراحي من هذه الغرفةِ الباردةِ الجدرانْ.. من يخرجني من زجاجةِ الضّجَرْ؟... تحاولُ مجلّةُ باري ماتش المرميَّةُ فوق السريرْ.. أن تكسرَ عُزْلَتي وتدخلَ في حوار ٍ حميم ٍمعي أعتذرُ منها.. لأنني مُتْعَبةٌ من السَّفَرْ وأدخلُ في نوبةِ بكاءْ... حاولتُ أن أطلُبَكْ من أيّ غرفةِ هاتفٍ في الجادَّةِ السادسَةْ.. لأقولَ لكْ: إنك مَلِكي...وحبيبي..وشمسُ أيَّامي ولكنني تراجعتْ.. حاولت أن أصرخ َ حتى آخرِ الصُّراخْ: أحبّكَ وأبكي حتى آخرِ البكاءْ.. ولكنني تراجَعْتْ.. حاولتُ أن أقولَ لكْ: إن عطْلَةَ نهاية الأسبوعْ التي قضيتُها بعيداً عنكْ تحوّلَتْ إلى خَنْجَر ٍ في لَحْمي.. وصداعٌ يحفُرُ جَبيني ولكنّني..خفتُ أن تزدادَ غروراً فوق غروركْ.. ونرجسيّةً فوق نرجسيّتكْ.. وتتركني مُعَلَّقةً على حبال أحزاني.. كنتُ أريدُ أن أكلِّمَكَ بالهاتفْ لأقولَ لكْ خُذْ أول طائرةٍ ليليّةٍ مسافرةٍ إلى باريسْ وأنقذْنِي من وَرْطَتي.. فخبزُالباغيتْ بَعْدَكَ ، لايُوَّكلْ.. وقهوةُ الاكسبرسو بَعْدَكَ، لاتُشْرَبْ وجريدةُ لومند بَعْدَكَ ،لاتُقْرَأْ.. وبرج إيفل ، فقد لياقتهُ الجسديّة ، وانحنى ظهرهُ.. ونابليون بونابرت ،حزمَ حقائبَهُ وغادرَ الانفاليدْ والجمهوريةُ الخامسةُ لم تَعُدْ ترفع أعلامَها... كنتُ أريد أن أعترف لكْ أنني وحيدة ٌ في باريسَ.. حتّى الوَجَعْ.. وضائعةٌ حتى الوَجَعْ.. وأفتقدُكَ حتّى الوَحَعْ.. ولكنني خشيتُ أن تشمتَ بي وترفضَ فوق رمادي.. كنت أريدُ أن أختبىءفي أشجارِ صوتكْ علَّهُ ينقذُني من هذا البرد الذي يخترقُ عظامي كنتُ أريدُ أن أتعلَّقَ بذراعيْك حتى أستعيدَ توازني فأنا بدونكَ عصفورةٌ مكسورةُ الجناحينْ ومركبُ يغرقْ.. ولكنني خِفْتُ أن تد فعنَني في ثلوج لامبالاتِكْ وتُقْفِلَ الخطَّ في وجهِي... كنتُ أريدُ أن أخبرَكْ أن سماء باريس لاتمطِرُ إلاعلى مِعْطَفِكْ.. ولوحةَ الموناليزا لاتبتسمُ إلالَكْ.. وأجراسَ كنيسة نوتردامْ لاتقرعُ إلاعند مجيئِكْ ومقاهي الحيّ اللّاتيني ، ومُتْحفَ اللوفر ، ومركزَ بومبيدو ، لاتتئالَّقُ إلابحضورِكْ كنتُ أريدُ أن أبوح لك بأسرار ٍ كثيرةْ ولكنني خِفْتُ أن تسخر من أفكاري وتقفلَ الخط في وجهي.. كنتُ أريد أن أقترح عليكْ أن تدعُوَني إلى ذلك المطعمِ الصغيرْ في شارع امستردامْ الذي صاغَ الأجبان الفرنسيَّةْ على شكل سمفونيَّةْ.. ولكنني خفتُ أن تخذلَني وتترُكني أنام بلاعَشاءْ... إنّ أخطرَ ما اكتشفتُهُ في رحلتي أن باريس هي من حِزْبِكَ انتْ.. لامنْ حِزبي أنا.. فهي لاترَحِّبُ بي وحدي ولاتستقبلني على المطارْ بالأزهارِ الجميلةْ.. ولاتأتي لزيارتي في الفندقْ ولاتدعوني عندما التجيءُ إليها بمفردي وإنّما تحِبُّنا معاً... أيها السِّيد ُ الذي يلعبُ بأقدارِي كما يريدْ.. ويخطَّطُ لأسْفارِي كما يُريدْ.. لقد حملتُ معي إلى باريسْ ملفّاً كاملًا لكل انتهاكاتِكَ ومُخاَلفاتِكْ وجرائِمك العاطفيَّة ولكن باريسَ مزَّقتْ أوراقي وانحازتْ إليكْ...
لو اكتفت بالمقدمة لكفتها.. وأجمل قصائدها الأولى،والخامسة وبلا شك السابعةالتي تنهيها قائلة: أيها الرجل الذي أعتز بصداقة يديه.. إذا قابلت يديك بالمصادفة في أي مطار..أو أي مرأ أو في أي مقهى من مقاهي الرصيف فسلم لي عليهما...