يعتبر علي الوردي معلماً كبيراً من معالم الفكر الاجتماعي ورائداً من رواد الفكر التنويري، النقدي في العراق، الذي شغل فراغاً واسعاً في الحركة الفكرية والثقافية والاجتماعية، وخلف وراءه ثروة فكرية قيمة كانت حصيلتها ستة عشر مجلداً ومئات الدراسات والبحوث العلمية والمقالات الصحفية، في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي. وبوفاته خسر العراق رائداً من رواد الفكر الاجتماعي في العصر الحديث
لقد كان الوردي شاهداً على أحداث قرن بكامله تقريباً. فقد فتح عينيه مع بدايات الحرب العالمية الأولى، وأسدلها وما زالت حرب الخليج الثانية لم تنته بعد. وكان في كل ذلك حاضراً، يستقرء الأحداث ويحللها وينقدها بأمانة، نابعة من استقلاليته الفكرية وموضوعيته العلمية، كما كان حاضراً وما يزال في وجدان ثرائه ويريده وأصدقائه وحتى نقاده لأنهم وجدوا في آرائه وأفكاره النقدية كثيراً من الأجوبة على تساؤلاتهم وتشخيصاً للكثير من مشاكلهم، وبخاصة ما يرتبط بازدواجية القيم. التي نتجت عن الصراع بين البداوة والحضارة، ومحاولته رسم ملامح شخصية الفرد العراقي وازدواجيتها، وكذلك ما أفرزته الحداثة والتحديث من تغير وتحول وصراع وتناشز اجتماعي. وهي مؤشرات على ما يحمله عراق اليوم من معاناة، والتي تنعكس على حالة الشكوى والتذمر التي تلفه والضياع الذي يحيط به، وذلك بسبب ما أصابه من مآسي ومحن ومظالم خلفتها سلسلة الحروب والانقلابات وتغير الأنظمة والحكومات واستبدادها
وكان الوردي قد أشار منذ أكثر من نصف قرن، وبجرأة متميزة وفكر ثاقب، إلى الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية والعادات والتقاليد البالية التي ما زالت تؤثر فينا وتنخر في مجتمعنا وتسيطر على تفكيرنا وسلوكنا، فكشف عنها وحذر العراقيين من مغبة استفحالها أو إعادة إنتاجها وترسيخها من جديد. وبذلك يمكننا اعتباره أول عالم اجتماع درس المجتمع العراقي وشخصية الفرد فيه دراسة اجتماعية-تحليلية رصينة، وأول من استخدم منهجاً أنثرو-سوسيولوجيا في دراساته وبحوثه، وأول من غاص في جذوره الخفية منقباً عن الظواهر الشاذة والغريبة وغير السوية، التي ليس من السهل التعرض لها ونقدها، لشدة حساسيتها الاجتماعية والدينية والسياسية. ولذلك نستطيع القول، أن الوردي هو أول من شخص تلك الظواهر الاجتماعية المرضية التي رزح تحت ثقلها المجتمع العراقي سنيناً طويلة، وبذلك استطاع أن يضع يده على الجرح العراقي العميق وقال: هذا هو الداء
ساهم الوردي مساهمات جادة فيما طرحه من أفكار وفرضيات في دراسة المجتمع العراقي وكرس حياته كلها لها، محاولاً تحليل أنماط الثقافة والشخصية من خلال تتبعه للتحولات الاجتماعية والتبدلات البنيوية التي حدثت في العراق والعالم العربي والإسلامي منذ نهاية القرن التاسع عشر، وما أفرزته من صراعات وتناشز اجتماعي بين القديم والحديث وبين البادية والحضر، التي شرحها في كتابه "شخصية الفرد العراقي"
وتعتبر مؤلفاته العديدة، وبخاصة "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي"، وكذلك موسوعته الاجتماعية "لمحات من تاريخ العراق الحديث"، بمثابة مراجعة جديدة وشاملة لتاريخ العراق الاجتماعي وفتح فيه باباً واسعاً للوعي به وإعادة إنتاجه من جديد، ولكن بشكل جديد ونقدي، مثلما وضع تصوراً واضحاً للتركيبة السكانية والمجتمعية التي هي تشكيل لظروف وشروط تاريخية واجتماعية واقتصادية-سياسية ما زالت تعيد نفسها اليوم، تلك المقدمات السوسيولوجية التي بينت بوضوح عمق ما يحمله العراق اليوم من تناقضات وصراعات واختلاف لا نعرف بعد نتائجها الوخيمة.
إن كتابات الوردي ومحاولاته ومناقشاته العلمية كانت إسهاماً ثرياً ومثيراً أغنى الحركة الثقافية والاجتماعية في العراق وتركت قراء وتلاميذاً ومريدين ما زالوا يستنيرون بأفكاره الاجتماعية الثاقبة وآراءه الجريئة ومنهجيته الفريدة التي حصلت على اهتمامات فئات اجتماعية عديدة ومختلفة
بغداد � الكاظمية 8 � 3- 1936 أكمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة في الكاظمية والدراسة الثانوية في بغداد. حصل على شهادة البكالوريوس آداب من قسم الاجتماع � كلية الآداب � جامعة بغداد 1962. وحصل على الماجستير في علم الاجتماع من جامعة فرانكفورت بألمانيا عام 1969. نال دكتوراه الفلسفة في الاثنولوجيا الاجتماعية بدرجة امتياز من جامعة برلين الغربية عام 1974. يحمل الدرجة العلمية أستاذ مشارك في علم الاجتماع. لديه خبرة تدريس معتبرة حيث درس في معهد الاثنولوجيا الاجتماعية � جامعة برلين الغربية 1972 - 1976، وقسم الاجتماع � كلية الآداب � جامعة بغداد 1977- 1980، وأستاذ زائر � معهد الاثنولوجيا الاجتماعية - جامعة برلين الغربية 1981- 1982، ومعهد علم الاجتماع بجامعة عنابة � الجزائر � 1983-1992. أعد البحوث الميدانية التالية : بحث طقوس العزاء الحسيني في عاشوراء في الكاظمية وكربلاء عام 1968 (انظر كتاب تراجيديا كربلاء). ومدينة النبطية في جنوب لبنان عام 1974، وبقايا النظام الامومي عند الطوارق 1986. شارك في مؤتمرات وملتقيات علمية عديدة، عربية وأجنبية, في برلين وفرانكفورت وفرايبورغ وبغداد والبصرة ولندن وبيروت والجزائر وعنابة ومدريد وغيرها. كما ألف وترجم تسعة كتب وعشرات البحوث النظرية والميدانية وباللغات العربية والألمانية والإنكليزية. وله كتب تحت الطبع والإعداد هي : علي الوردي شخصيته ومنهجه وأفكاره الاجتماعية، دار الجمل- كولون (سيصدر قريبا)، والنظرية النقدية- مدرسة فرانكفورت نموذجا. والثابت والمتغير في الشخصية العراقية، وفي سوسيولوجيا العنف والإرهاب.
كان علي الوردي يهتم اهتماما خاصا بمظهره وصحته لكنه لم يكن يهتم بأمور بيته ولم يكن يذهب للسوق لشراء المواد الغذائية واللوازم البيتية حيث ترك هذه المهمة لزوجته ، وكان يريد فقط أن يكون الطعام جاهزا متى شاء ، كان شديد الحرص على ماله وفي نفس الوقت لكنه كان سخيا مع نفسه حيث كان يتمتع بما تشتهيه نفسه من ملذات الحياة ، فقد إحدى عيناه بسبب الرمد الصديدي الذي اجتاح بغداد لكنه لم ييأس وراح يراجع أطباء العيون باستمرار للحفاظ على النافذة الوحيدة التي يطل منها على العالم والمجتمع.
انتقد البعض الوردي بسبب عدم اتباعه الطريقة الإحصائية المنظمة في بحوثه فهو كان يستخدم طريقة "ماكس فيبر" التي تعتمد على تكوين نموذج مثالي يساعد على فهم المعاني الذاتية التي يسقطها الأفراد على سلوكهم ، وكان يرى هذه الطريقة ملائمة للشعب العراقي لأنه مجتمع غير متحرر فأنت لا تستطيع أن تقرع باب أحدهم لتسأله عن رأيه في قضية معينة بسبب عدم توفر مناخ الحرية.
يرى الوردي - مثل ابن خلدون - أن الإنسان يستمد أخلاقه وقيمه من مجتمعه فلذلك تكون أخلاقه وقيمه غير ثابتة ، فالحقائق الإجتماعية نسبية وليست مطلقة ، وكان يرى مثل "منهايم" أن الحقيقة موجودة خارج العقل البشري وأنها ذات أوجه متعددة حسب موقع الرائي منها ، والعقل يقتبس من هذه الحقيقة وقد يضيف إليها من عنده جزءا آخرا ، والمعايير الأخلاقية الثابتة هي القيم الإنسانية العليا التي يتفق حولها جميع البشر أما القيم الاجتماعية فهي المتغيرة والمتبدلة.
كان من أوائل من نادوا بحرية المرأة لكنه في الواقع وقف ضد ممارستها حريتها وكان يراقب ابنته الوحيدة كلما خرجت للجامعة.
أحجم عن الدخول في حديث السياسة وكان كلما سئل عن أوضاع العراق رد أن الأخبار مثلما نسمعها من الراديو والصحف ونقرأ عنها في الصحف ثم يسأل السائل عن سعر الدولار في السوق ، وهذا ما يفسر غياب قلمه عن أعظم الأحداث التي حلت بالعراق من الحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت وحرب الخليج وحصارالعراق الخ الخ ، وكان أحيانا ينسب سبب انعزاله إلى الشيخوخة وتقدم السن، وأحيانا يقول أنه كان يمر بمرحلة فكرية شبيهة بالتي مر بها الغزالي فتقلب بين الشك والإيمان إلى رسى في ساحل الإيمان الصوفي الذي يختلف عن الطقوس التقليدية.
تناول الوردي موضوع ازدواجية الفرد العراقي والتي قد تنسحب على الفرد العربي بسبب القرب الجغرافي والاجتماعي ، وذكر من أسبابها اللغة العربية بسبب وجود الفرق الشاسع بين اللغة الفصحى واللغة الدارجة ، وبين لغة الكتابة ولغة التخاطب اليومي ، فصرنا نتكلم بلغتين واسلوبين كمن تقمص شخصيتين مختلفتين ، وصارت الفصحى داء ورثناه عن أجدادنا يستخدم في قصائد المديح الرنانة، فأصبحت الفصحى من أسباب ازدواج الشخصية فينا.
يلخص الوردي طرق علاج ازدواج الشخصية في ثلاثة أمور : نزع حجاب المرأة لإسقاط الحاجز الكابت لمشاعرنا وتصرفاتنا ، تقليل الفرق بين اللغة الفصحى والعامية ، وتنشأة الأطفال تحت إشراف أكفاء.
في دراسته للشخصية يرى الوردي أن الإرادة موجهة وليست حرة ، والذكاء وراثي وليس مكتسبا لكن من الممكن تنميته ضمن حدود معينة ، والإنسان يسير وراء الأنا ثم يأتي العقل ليبرر ما يرغب به ، وإن من مفاخر المفكرين العرب - كابن تيمية والفارابي والغزالي - أنهم انتقدوا الفلسفة العقلانية التي وضعت شروطا تعجيزية أرادت من الناس تحقيقها وعندما لم يحققوها نسبوهم إلى الجهل ، وهذا يرجع إلى أن الطوباويون يفترضون أن الإنسان حيوان عاقل قادر على تمييز الخير من الشر فإذا لم يميز نعتوه بالجها و أمطروه بوابل من المواعظ على توالي الأجيال دون أن يجدي ذلك في تغيير أخلاقه ، العقل لا يعمل إلا في نطاق محدود يصعب تجاوزه وعلى العالِم التعرف على تلك الحدود قبل أن يباشر صب مواعظه.
العقل البشري متحيز ولا يصلح أن يكون حكما إذا ما كان أحد طرفي النزاع ، واللاشعور يتمسك بالعادات والتقاليد التي نشأ عليها الفرد حتى لو كان مليئا بالخرافات ، وفي الوقت نفسه ينتقد هذا الإنسان خرافات الآخرين.
كما يرى ابن خلدون فإن الوردي يجعل من التنازع عنصر أساسي من عناصر الطبيعة البشرية ، ويستشهد بكلام الفيلسوف الذرائعي "وليم جيم الذي لا يرى العقل سوى عضو خلقه الله لمساعدة الإنسان في تنازع البقاء كما خلق الخرطوم للفيل والمخلب في الأسد.
شن الوردي حملة جريئة على النحو الذي رأى أن ثلاث أرباعه ممكن أن يلغى بدون حدوث ضرر ، حيث أن كثيرا من قواعده اختلقها نحاة مرتزقة في العصر العباسي أرادوا من ذلك التحذلق وترسيخ الطبقية حتى يصعب فهم اللغة على العوام ، فالنحو شر وبلاء على الأمة العربية.
انتقد الداروينية منطلقا من أن الإنسان خلق وما يزال كذلك وأن القرد خلق وما يزال كذلك أيضا ، وإذا حصل تطور عليهما فهو تطور بسيط ولا يمكن أن يفسر هذا الفرق بينهما مما يدحض نظرية التطور.
قائمة الكتب التي أعلن عنها لكنه لم يتمكن من إكمالها : نشأة الوعي السياسي في العراق الحديث / ازدواج الشخصية قديما وحديثا / تاريخ الصراع الطائفي في العراق / الحقيقة الغائبة في الإسلام / هابيل وقابيل / طبيعة البشر الذي عده كتاب عمره.
من الكتب المهمة في ما كتب عن الدكتور علي الوردي، الكتاب يأتي من أحد طلاب الوردي المجتهدين إبراهيم الحيدري، حاول ان يأتي بكتاب يشمل قصة حياة الوردي، واهم مراحل حياته، ثم يأتي بعد ذلك لمناقشة أهم آرائه في دراسة المجتمع العراقي، إزدواج الشخصية العراقية ونتاجات صراع البداوة والحضارة على شخصيات هذا المجتمع. وأخيرا يأتي أيضا على عناوين كتب الوردي وتصنيفها الى مرحلة ما قبل ثورة ١٤ تموز في العراق وما بعدها. كانت اراء الكاتب النقدية معتدلة، حيث بين اهمية اراء الوردي الثورية والمثيرة للجدل، والطريقة الجديدة -في وقتها- في دراسة المجتمع العراقي ومشاكله، والاسباب التي اعطته تلك الشهرة الكبيرة، الا انه ايضا اوضح الاراء المضادة وابرز ما جاء به نقاده غير القليلين، ونقاط اختلاف الكاتب مع الوردي.
الكتاب بصورة عامه متكامل ولكن الافضل لو وضع كلمه لمحه قبل العنوان لاننا لانستطيع دراسه الوردي ببضع مئات من الصفحات فكيف بافكاره وحياته ومؤلفاته وحتى انتقادات الاخرين له !
يقرأ الباحث إبراهيم الحيدري في كتابه «علي الوردي/ شخصيته ومنهجه وأفكاره الاجتماعية»، الصادر حديثا لدى «دار الجمل»، شخصية عالم الاجتماع العراقي الوردي وأفكاره. يبيّن ان الوردي كان رائداً من رواد الفكر التنويري النقدي في العراق وخلّف وراءه ثروة فكرية في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي. كان يستقرئ الأحداث ويحللها وينقدها، خاصة ما يرتبط بازدواجية القيم التي نتجت عن الصراع بين البداوة والحضارة في العراق، ومحاولته رسم ملامح شخصية الفرد العراقي وازدواجيتها، وكذلك ما أفرزته الحداثة والتحديث من تغير وتحوّل وتنافر اجتماعي، وهي مؤشرات على ما يحمله عراق اليوم من معاناة وتعكس الواقع العراقي المرير. أشار الوردي قبل أكثر من نصف قرن إلى الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية والعادات والتقاليد البالية التي ما زالت تؤثر في المجتمع العراقي وتنخره وتسيطر على تفكير نخبته وسلوكيته، كاشفاً عنها ومحذراً العراقيين من مغبة استفحالها أو إعادة إنتاجها. والحال ان علي الوردي درس شخصية الفرد في المجتمع دراسة اجتماعية تحليلية رصينة، مستخدماً منهجاً أنثروبولوجيا - سوسيولوجيا في دراساته وبحوثه، وغاص في جذوره الخفية منقباً عن الظواهر الغريبة وغير السوية التي ليس من السهل التعرض لها ونقدها لشدة حساسيتها الاجتماعية والدينية والسياسية. ثلاث فرضيات يستعرض الحيدري بايجاز فرضيات الوردي السوسيولوجية التي طرحها في كتابه «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» وهي ثلاث، كل واحدة منها تأثرت بعالم من علماء الاجتماع. تأثرت الأولى بعالم الاجتماع الاميركي مكيفر، والثانية بابن خلدون، والثالثة بعالم الاجتماع الاميركي اوجبرن الذي يرى ان الثقافات والحضارات الانسانية لا تندثر بفعل التقدم المادي. كانت الفرضية الأولى باكورة أعمال الوردي التي قدمها في محاضرة ألقاها في بغداد عام 1950 حول شخصية الفرد العراقي وأثارت جدالاً في الاوساط الثقافية آنذاك وشكلت محاولة اولية لتفسير المجتمع العراقي في ضوء ظاهرة «إزدواج الشخصية» كظاهرة اجتماعية لا نفسية باعتبارها نتاج وقوع المجتمع العراقي تحت تأثير نسقين متناقضين من القيم الاجتماعية، اذ يندفع بعض الافراد وراء نسق قيمي تارة ووراء نسق قيمي آخر تارة ثانية. غير ان «ازدواج الشخصية» اصبح اليوم اكثر انتشاراً بين فئات المجتمع العراقي، لا سيما بين المتعلمين منهم. لاحظ الوردي ان كثيراً من المتعلمين حفظوا الافكار والمبادئ الحديثة وتحمسوا لها ودافعوا عنها وانتقدوا كل من خالفها، لكنهم في الوقت نفسه لم يطبقوها، بل خالفوها بأنفسهم كل يوم في حياتهم العملية. كما تظهر الازدواجية في ظاهرة «الوساطة» حيث يدعو المرء الى المساواة بين المواطنين، لكنه في الوقت نفسه يحترم الوسطاء فيتقرب منهم ويمدحهم حين يحتاج الى مساعدتهم مع ما تحمله هذه الظاهرة من تناقضات. أما الفرضية الثانية فهي الصراع بين قيم البداوة وقيم الحضارة وترتبط بالفرضية الاولى وتعود مقدماتها الى محاضرة شارك فيها الوردي في مهرجان ابن خلدون الذي اقيم في القاهرة عام 1962. وقد لاحظ ان العراق يقف اكثر من البلدان العربية الأخرى على حافة منبع فياض من البداوة، إذ يتلقى منذ امد بعيد موجة بدوية بعد اخرى، ولا بد من أن يؤثر هذا المد على «طبيعة» المجتمع العراقي وعلى السلوك قليلاً او كثيراً، عن طريق انتشار العادات والتقاليد بين افراد الشعب العراقي. والفرضية الثالثة تدور حول التغير الاجتماعي الذي بدأ بعد الاتصال الحضاري مع أوروبا منذ بداية القرن التاسع عشر. فبعد دخول المخترعات الحديثة اصبح كل شيء ممكنا. فبعد دخول القوات البريطانية الى العراق حدثت تغيرات بنيوية عديدة سببت تناشزاً اجتماعياً ونفسياً عند فئات واسعة من المجتمع العراقي. فالحضارة الغربية الوافدة جلبت معها عناصر مدنية وحضارية عديدة كانت متقدمة علميا وتقنيا، ما اثار دهشة العراقي وجعله منبهراً امامها وتفجرت الصراعات بين مؤيدي الحضارة الغربية «المجددين» والواقفين ضدها «المحافظين» واعتبر البعض المجددين «كفاراً» في حين اعتبر المجددون المحافظين «رجعيين». شخصية الفرد قدم الوردي مساهمات جادة في ما طرحه من أفكار وفرضيات في دراسة المجتمع العراقي وكرس حياته كلها لها محاولاً تحليل أنماط الثقافة والشخصية من خلال تتبعه التحولات الاجتماعية والتبدلات البنيوية التي حصلت في العراق منذ نهاية القرن التاسع عشر وما أفرزته من صراعات وتناشز اجتماعي بين القديم والحديث وبين البادية والحضر، شرحها في كتابه «شخصية الفرد العراقي». تعتبر مؤلفاته العديدة، ولا سيما كتابه «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي»، كذلك موسوعته الاجتماعية «لمحات من تاريخ العراق الحديث»، بمثابة مراجعة جديدة وشاملة لتاريخ العراق
علي الوردي هو كاتب عراقي اول عالم اجتماعي كتب عن حياة الفرد العراقي وعن القيم والعادات. تحدث عن الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية والعادات والتقاليد البالية التي مازالت تؤثر على مجتمعاتنا اول من تستخدم منهجا انثروسوسلوجيا في دراسته وبحوثه. يرى الوردي - مثل ابن خلدون - أن الإنسان يستمد أخلاقه وقيمه من مجتمعه فلذلك تكون أخلاقه وقيمه غير ثابتة ، فالحقائق الإجتماعية نسبية وليست مطلقة ، وكان يرى مثل "منهايم" أن الحقيقة موجودة خارج العقل البشري وأنها ذات أوجه متعددة حسب موقع الرائي منها ، والعقل يقتبس من هذه الحقيقة وقد يضيف إليها من عنده جزءا آخرا ، والمعايير الأخلاقية الثابتة هي القيم الإنسانية العليا التي يتفق حولها جميع البشر أما القيم الاجتماعية فهي المتغيرة والمتبدلة تناول الوردي موضوع ازدواجية الفرد العراقي والتي قد تنسحب على الفرد العربي بسبب القرب الجغرافي والاجتماعي ، وذكر من أسبابها اللغة العربية بسبب وجود الفرق الشاسع بين اللغة الفصحى واللغة الدارجة ، وبين لغة الكتابة ولغة التخاطب اليومي ، فصرنا نتكلم بلغتين واسلوبين كمن تقمص شخصيتين مختلفتين ، وصارت الفصحى داء ورثناه عن أجدادنا يستخدم في قصائد المديح الرنانة، فأصبحت الفصحى من أسباب ازدواج الشخصية فينا.
يلخص الوردي طرق علاج ازدواج الشخصية في ثلاثة أمور : نزع حجاب المرأة لإسقاط الحاجز الكابت لمشاعرنا وتصرفاتنا ، تقليل الفرق بين اللغة الفصحى والعامية ، وتنشأة الأطفال تحت إشراف أكفاء
في النهاية الكتاب يلخص حياته و إنجازاته. وعدد موالفاته.
انا عادتا افضل قراءة السيرة الذاتية بقلم الكاتب نفسه، ولكن علي الوردي رفض ان يكتب سيرته مما اتاح للكتاب الاخرين الفرصة في طرح سيرته بدلا عنه. ما يميز الوردي انه كاتب فذ وجريء ومتمرد ولحوح اي انه انتقد مجتمعه العراقي بطريقة كانت وما زالت غير مقبولة ومثيرة للجدل. انا ارى ان افكار الوردي في العلوم الاجتماعية يجب ان تدرس. الوردي انتقد مجتمعه في الخمسينيات من القرن الماضي ولم يتغير المجتمع، يجب ان تُغير النفوس ويغرس افكار جديدة في عقول الاجيال الصاعدة. ولا يكون هذا الوعي الا بالاطلاع على ثقافات مختلفة والخروج من قوقعة المجتمع المحيط وعاداته ومفاهيمه. الوردي سافر واتيحت له فرصة المعرفة وهذا ما دعاه الى انتقاد مجتمعه وحاول قيام علم اجتماع عربي خاص بالمجتمع العربي كون المجتمعات العربية متأثرة بالبداوة والحضارة مما يصعب مقارنتها مع المجتمعات الاخرى ولكن الدعوة رفضت.
في النهاية الكتاب موجز جدا وافكار الوردي ليست بحاجة لمن يوضحها هي بحاجة لمن يفهمها وينقلها ويعلمها ويطبقها.
*اقصد بالافكار ( المجتمعية) المختصة في مجالهُ وبعيدة بعد تام عن اي مفهوم اخر.
كنت اتمنى ان يتعمق الكاتب أكثر في حياة علي الوردي الشخصية. صدمني أنه كعالم اجتماع لم يكن يساعد في بيته، انزلت تغريدة باقتباس من هذا الكتاب كانت تحوي "اذا كان علي الوردي من اوائل من نادوا بحرية المراة فإنه في الواقع وقف ضد ممارستها حريتها، كان شديد الحرص علي ابنته حيث كان يراقبها عند ذهابها للكلية او خروجها من البيت للقيام بأي عمل" اختلفت التعليقات فمنهم من شعر بالاحباط كما شعرت انا ومنهم من قال لربما كانت ابنته تتعرض للمضايقات لكون والدها شخص متحرر في مجتمع منغلق، ولكن هذا لا ينفي انه كان دوره في منزله سلبياً جداً . مررت على تحليل الكاتب لمؤلفات الوردي مروراً سريعاً لانني افضل قراءة مؤلفاته بنفسي وتحليلها كما اشاء ..