"قضمت قطعة من قلبي لأعيش، ومن يومها لا أتوقف عن أكله" تحت وطأة المشاعر وأحمال الذاكرة، وبين الأحلام واليقظة، كتبت هذه الرسائل بدقة الذي ينحت أعظم تماثيله، لتوضح لنا بشاعرية تامة معنى انطواء العالم في الإنسان، ومعنى الرحلة إلى أعماق النفس، بل الأنفس، أنفسنا جميعا، نحن الذين نبحث في البارحة أكثر مما نبحث في الغد. من هو جابر؟ كلنا من الممكن أن نكون "جابر". لأنك إذا أحببته بصدق سوف يكون صديقا. وإن شئت أن تسافر به بعيدا ربما يكون حبيبا، وإن أردت سيكون شبح إنسان. ذلك الطيف الخفي في كل الحكايات. ولو أضفنا القليل من الدراما لكان من الممكن أن نقول أنك تقرأ ذاتك بذاته، أو ذاته في ذاتك، لتظهر الحكاية الحقيقية بكل ثقلها ومتجردة من معاني السفر والحرية والتعاسة.
رحلة انتهت. كتاب نيسن دورما .. رسائل السهر. للكاتبة بثينة محمد. إصدارات دار أثر.
قرأت للكاتبة من قبل نصوص متفرقة، وكانت الدافع للحصول على الكتاب لما صدر، وهو مما حصلت عليه من معرض القاهرة لهذا العام ٢٠٢٣. أحب الكتب التي أحصل عليها في شهر يناير أو فبراير، لأني فيهما أودع عاما وأستقبل آخر. فأحرص عليها وأقرأها.
الكتاب نوع من الكتاب الذاتية، مكتوب بنصوص نثرية على هيئة رسائل. والنصوص والرسائل من أشكال الكتابة التي أحبها وأندمج معها. في الكتاب صوت بل أصوات شعرت بأنها لي أحيانا. فهي كتابة من جيلي وبنت هذا العصر. فاندمجت معها كأني كاتبها أحيانا، وكأنني الموجه له الحديث، تارة كقارئ، وأخرى كجابر، وثالثة كماركوس، إلا أنني مع الأخير هذا لم أندمج كما الأول والثاني.
من الوهلة الأولى، ومن العنوان نفسه تدرك أنك أمام كاتبة ذات اطلاع واسع، خاصة على الفنون والثقافة الأجنبية، فالعنوان معناه لا أحد ينام، وهو من أغنية إيطالية لما بحثت عنه. وكذلك في جنبات الكتاب وفي رأس معظم الرسائل تجد جملة أو اقتباسا يدلل على هذه الإشارة.
ثلاثون رسالة، تقع كل خمسة منها كمجموعة. إلا أنني لم أستطع فهم هل هناك تمييز في بعضها لتختص كل رسالة بالوقوع تحت هذا العنوان، وتلك تحت هذا.. لكني لم أنشغل كثير بهذا التفصيل، لأن الكتابة ذاتية، وصادقة لأنها نفذت داخلي مباشرة، والحرف على أناقته كان مباشرا دون تكلف. كتابة ممتلئة بالتساؤلات والأحلام والبحث والرغبات والخوف، والأمل!
في مفتتح الكتاب عبارة لاتينية: آمن لتفهم. وعلى رأس الرسالة الأخيرة عبارة لاتينية أخرى: أفهم لأؤمن. لفت انتباهي الأمر، فقرأت الرسالة الأخيرة مرة ثانية.
الرسالة الأولى كانت إلى جابر حيث كنت أراه دائما ابن هذه البيئة، والأخيرة إلى ماركوس، البعيد عن هذه البيئة.
وكل هذه التفاصيل والإشارات وربما الرمزيات التي قد يخترعها القارئ في النص ويطوع النص وفق هواه أو فهمه كانت لها تفاعل داخلي، وطالما حدث هذا فتلك أول إشارة عندي أن الكتابة جيدة. أما الإشارة الأخرى فهي قناعتي بعد الانتهاء أنه لو نشرت الكاتبة كتابا تاليا فسأحرص على الحصول عليه.
بابطبع الكتاب وصفحاته بها العديد من الخطوط والنقاط والتعليقات على الكلام، وهذا مما أحب الاحتفاظ به، لكنه يبقى دلالة على التفاعل.
وعلى عكس ما أشار أحمد كساب علي مرة أن الكتاب الأول هو كالولد، ويجب أن يتم تقييمه بأعلى النجمات، إلا أني هنا أضع اربع نجمات من خمس. لأني كما أشرت من قبل لم أفهم تماما التصنيف للرسائل، لذلك النجمة الناقصة هذه تعيبني أنا، وليس الكتاب.
الكتاب حتى الآن لليس له صفحة للأسف على موقع goodreads لذا لا استطيع وضع هذه المراجعة هناك. وحاولت رفعه إلا أن الأمور هناك تغيرت.
رواية جميلة اوي اوي وحزينة برضو ، بتحكي عن مجموعة رسائل بتبعتها الكاتبة لحد ويمكن يكون الحد دا نفسها مش شخص غريب ، بس بالنسبالي حسيت اني بكتب الكلام دا لشخص بعينه ، الرسائل كلها لمستني بشكل غريب وكأن كل الكلام دا كان جوايا بس مش قادره أقوله مش هقدر اكتب كل الاقتباسات اللي عجبتني لأنها كتيرة جدا بس هحاول اكتب شوية منهم
"لكني سأجن إن لم أخبرك أنني أغرق في دموعي في سواد هذا الليل"
"أعرف أن حلقة الكوابيس لن تنكسر إن لم أنهض عن فراشي . أعرف أن الناس عادة تهرب إلي الأحلام من واقعها ، لكنني أنا ، كنت أركض لأستيقظ "
"أعرف أني خائفة لكنني لا أعرف كيف يذهب الخوف "
"حين أقرأ ، لا يعود الصداع مخيفاً ، ولا الاختلاف مبررًا للوحدة ، لا تعود أفكاري منبوذة ، لأن لها صدى وأصدقاء ، ولا تعود مشاعري مبالغ فيها ، لأنها ليست مبتكرة ولا جديدة"
"لكنني أريدك أنتَ بانتظاري حيثما ينتهي الطريق ، أريد أن أحتضنك وأبكي دون لحظة توقف ، كأنني لم أبك من قبل ، كأنني لم أعرف الكلام من قبل ، وأنام .. كأنني لم أنم طيلة حياتي "♥️
على إيقاعات الليل العربي تتدفق مجموعة من الرسائل بعذوبة سردية لشخص اسمه جابر، وقد صاغت الكاتبة تلك الشخصية وكأنها قد نسجتها من خيال فاستحالت إلى لحم ودم وشعور حار يجعل حضورها طاغيًا رغم الغياب، فجابر لا يرد على الرسائل أو ربما يرد لكننا لا نرى ما يرسله، كل ما نراه هو حضوره في النص، كدافع للكتابة أحيانًا، وكمسار أحيانًا أخرى، مرات نشعر أن الكاتبة قد استحضرت شخصية جابر أمامها ربما في مقهى أو في ممشى ساحلي كي تسترسل في سرد محلق عذب يمر على كل شيء، الفلسفة، الحياة، الثقافة، أزمة الوجود والشعور، وبالطبع حياتها، ومرات نشعر أن جابر يعني للكاتبة شيئًا أكبر من ذلك وأعمق، ففي إحدى الرسائل تقول له «أنا أبحث عنك يا جابر، لأن البحث يعني أنك ضائع، مفقود، وهناك حاجة ملحة لإيجادك، أبحث عن نفسي معك». ظهرت الرسائل رغم تدفقها التلقائي كضفيرة من الشعر الممزوج بالتجربة والمعرفة، استطاعت الكاتبة أن تتداعي بانسيابية حرة على الورق لتصنع كيانًا إبداعيًا من وحي تجربتها وثقافاتها التي بدت متنوعة من الإحالات التي أحالت عليها. تلك الرسائل نوع جديد من السرد الذاتي الذي يستكشف نفسه في تقابلات شخصية وثقافية واجتماعية، حيث يضع الذات في مداراتها الحزينة والفرحة وينفخ فيها من دافع التعلق حتى تصير كتابة حية تكشف عن عمق تجربة الإنسان في ذلك الوجود. وفي ذلك تكمن متعة ذلك السرد الدافق الذي يحلق بنا في دوائر شتى.
كتاب ثقيل وخفيف في آن. خفيف لأن لغته بسيطة غير متكلفة، ولا تستدعي تكنيكات الكتابة الرياضية. وثقيل لأن ذات اللغة قامت على مفردات وتعبيرات وإيحاءات تتجه بالقارئ إلى الهاوية. كسابق رآى شريط حياته مر بطيئا أمامه وهو يسقط بسيارته في النهر بعد ارتطم بحاجز الطريق الذي لازمه منذ طفولته. لا يمكنني النظر إلى المتلقي جابر ومن بعده مؤخرا ماركوس إلا كما يتعامل من يعايش "اضطراب الهوية" المشخّص كاضطراب نفسي قد يستدعي المتابعة الطبية لاحقا، حيث يهرب العقل إلى استنساخ هوية بديلة أو هويتين إن استدعت الحالة. فيكون لكل هوية شخصيتها المنفصلة، تسمع أو تبادر بالتدخل برأيها. شخصيات بديلة ليست أقل أهمية وتأثيرا من صاحبها الذي استُسخت عنه. كنت أنتظر أن يشارك جابر بشكل أو بآخر لأُثبت نظريتي. هو شارك فعلا من خلال الاستدراكات التي أوردتها كاتبة الرسائل على لسانه في رسائها إليه وكأنها تحتج بها على بعض الأفكار، وهو أمر لم يكن كافيا في ظني. أعتقد أنني تذكرت الغداف لإدغار ومذكرات قبو، هناك دائما روح محبوسة، فليجأ الجسد أو تلجأ الروح ذاتها لبناء شباك لا يطل إلا عليها لتنجو. كتاب ناضج من الناحية الأدبية والسردية. مرة أخرة لغة واضحة متناسقة سهلة.
كتابة جميلة و سلسة ..مفعمة بالمشاعر و مختلف الثقافات تنقلك بين قراءة نفسك و محاولة فهم المحيط بك تساؤلات داخل الأجوبة كتابات للسهر و الليل و النهار و للعمل و للحياة من يريد أن يتنقل بين احاسيس مزدوجة في الحياة فعليه بقراءة هذا الكتاب و ننتظر المزيد لهذه الكاتبة المتألقة