منذ فجر التاريخ ومخاوف الإنسان الدينية تشكل له عالمه، والشيطان هو المفتاح الذي يساعده على فهم هذه المخاوف. فالإنسان قد صاغ مفهومه عن الشيطان قبل أن يستوضح مفهومه عن الله. والشيطان كان دائماً حنيناً إلى مرحلة كان الإنسان فيها جزءاً من الطبيعة، منسجماً معها ومتناغماً مع إيقاعاتها.
ولم يكن الشيطان في الديانات البدائية، مناقضاً للخير، بل كان جزءاً من نظام الطبيعة. وتحول الشيطان بالنسبة للإنسان، من الملاك الخير الطيب إلى إبليس اللعين، هو موضوع هذا الكتاب.
ولكن من الذي يستخدم الآخر: الإنسان أم الشيطان؟ سنرى في هذا الكتاب أن الإنسان قد استخدم الشيطان أكثر مما استخدم الشيطان الإنسان. وأن الشيطان كان ضرورة لكل من لديه مشروع مخالف لطبيعة الحياة أو طبيعة الإنسان.
الكتاب ليس تاريخا للشيطان، بالمعنى الكلاسيكي لكلمة "تاريخ"... فمن يقرأه متوقعا أن يتحدث عن مفهوم الشيطان لدى الشعوب والحضارات والديانات المختلفة... سيخيب أمله الكتاب يمكن تسميته: تاريخ الكنيسة القروسطية، تاريخ المهرطقين، تاريخ المستحوذين (أي الممسوسين)، تاريخ السحرة الذين أسلموا روحهم للشيطان، تاريخ محاكم التفتيش الكنسية، إلخ في الفصول الأولى، يتحدث الكتاب عن الشعوب البدائية (في أورويا فقط، فأوروبا هي النطاق الجغرافي للكتاب)، عن طقوس هذه الشعوب وعلاقتها بالطبيعة، بالآلهة، وبالأرواح الشريرة... رغم أن السرد مشوّش، قصص من هنا وهناك، أسماء كثيرة لشعوب وأماكن وأشخاص، انتقال "يبدو" غير منطقي في السرد، إلا أنك تحس نفسك تقرأ كتابا دسما لكثرةالمعلومات التي يوردها الكاتب، لكن استمرار الكاتب في استخدام هذا الأسلوب في كل فصول الكتاب، جعلني مربكا، ومن ثم أفقدني تقديري واهتمامي بالكتاب لقد أحسست وكأن الكتاب عبارة عن ثرثرة من كاتب واسع الإطلاع لديه الكثير ليقوله... لكن دون أن يكون ما يقوله مرتبطا بموضوع الكتاب بشكل مباشر... بل وحتى غير مباشر من ثم ينتقل الكاتب للحديث عن الكنيسة، ويبدو واضحا عداؤه الشديد لها وتحامله عليها، فيصبح الكتاب بعدها مجرد سرد لقصص عن جبروت الكنيسة وتسلطها، وعلاقتها بمخالفيها الذين تارة ترميهم بالهرطقة أو تتهمهم بالسحر أو بأنهم مستحوذين من قبل الشيطان، قصص كان بالإمكان اختصارها خصوصا أن الكثير منها حشو ومكرر أو غير مرتبط بالموضوع هكذا إلى نهاية الكتاب، حيث يخلص الكاتب إلى أن معظم الظواهر "الشيطانية" بمكن تفسير "باراسيكولوجيا" وردها إلى بقايا الإعتقادات الوثنية التي انتقلت إلى الإنسان الحديث من أسلافه البدائيين لولا أن الكتاب زاد ثقافتي فيما يتعلق بممارسات الكنيسة في العصور الوسطى... لبخلت عليه حتى بنجمة واحدة