كتاب خفيف رشيق...قد لا ترغب في شرائه لخفته وقلة ما فيه من معلومات. لذلك قرأته إلكترونيا وأرحت مكتبتي من عناء حشوها بمثل هذه الكتب.
الكتاب أصله مقالات منشورة في مجلة البيان، لذلك كانت خفيفة لمحدودية المساحة المعطاة للمؤلف.ورغم صغر الكتاب وسهولة لغته، إلا أنه لا يخلو من فائدة في العمل الدعوي والسياسي.
تحدث المؤلف عن بعض الظواهر السلبية المرصودة في عمل بعض الدعاة..فبعضهم منفر يرى أكثر الناس في النار..وغيرهم متساهل يرى أكثر الناس وخاصة الفساق من أهل الجنة..لذا تتفاوت حدة الخطاب لديهم إلى درجة يحتار الناس فيها عن حقيقة كونهم على الصراط المستقيم أم هم عنه بعيدون.
كذلك رصد المرلف ظاهرة في غاية الأهمية. وهي كون الدعوات الإسلامية تتحول إلى دعوة حزبية. فما يقوله الحزب هو الراجح في المسألة الفقهية، وما يفعله الحزب هو الأفضل..ويتفرع عن هذا كون الأفضل حزبيا هو النشيط الفاعل في العمل الحزبي.
وهذا يلغي قيمة التقوى كعامل جزئي في تفاضل الناس..ويصبح التقي لا يرجى منه إلا مباركة العمل الحزبي بوجوده فقط.
طبعا ما سبق ذكره قد تحاشى المؤلف ذكر كلمة حزب..حتى لا يحمل كلامه على نقد جماعة معينة..وهذه سمة النقاد في السعودية، حيث أنهم يمارسون الرقابة على أنفسهم حتى يكاد يكون كلامهم عمومات لا معالم واضحة لمن يجهل ما يجري على الساحة.
وقد أثنى المؤلف على الدعوة السلفية [لا يقصد الشيخ سلفيي الإسكندرية، بل يتحدث بشكل عام] لكونها تتمحور حول الدليل الشرعي، وليست حول الأشخاص. مع أن كثيرا من الظواهر السلفية يكاد يكون فقههم المقارن هو جمع أقوال الألباني وابن عثيمين وابن باز رحمهم الله..(لا أذكر من قال تلك العبارة قبلي..أهو يوسف سمرين أم كمال المرزوقي)..وبذا ضاع النفع من فقهاء المذاهب بين أولئك.وصارت السلفية تدور حول قول اثنين أو ثلاثة، وفي هذا الأمر برأيي نفي لبقاء الواقع السلفي مرتبطا بالكتاب والسنة..ولا ينفي هذا حقيقة أن الفكر السلفي مرتبط حقا بالكتاب والسنة..ويمكن للداعية الرباني أن يقوم المسار السلفي بالتوكيد على هذا الأمر في دعوته.
ظاهرة كنت أود لو أدرجها المؤلف أو ألمح إليها..وهي أن بعض الإسلاميين من دعاة وطلبة علم صغار يصنعون مواقف اجتماعية تروج بين العامة والجهال..بعضهم مثلا يجعل تسمية البنت باسم (لميس) مكروها لأجل شيوع الاسم بعد المسلسل التركي الشهير وهذا قد شاهدته بنفسي. آخرون يرغبون الناس عن تسمية أسماء أبنائهم باسم حسين وعلي باعتبار أن هذا قد يدل على تشيع صاحبه!..وهذا قد شاهدته في سؤال مرجه للشيخ محمد عبد الواحد الحنبلي.
صحيح أن المسمى لأولئك هو الجهلة..إلا أن بعض آرائهم قد تلقى رواجا خفيا، يضيع فيها صوت العلماء وسؤالهم، بسبب ما ظنوه من بضاعة مزجاة من أطراف العلم.
مما تحدث عنه المؤلف وأجاد، كان عن ظاهرة يصنعها الأتباع بعقلهم الجمعي..ويتبعهم فيها بعض الدعاة. وهو تضخيم الفقيه فوق قدره، حتى يرجى منه ما هو فوق طاقته، فيضيع جهد الفقيه وجهد الناس التي ترجو منه عملا بارزا كشخصه.
أيضا كانت هناك ظاهرة موجودة في الأوساط السعودية..وهي أن الداعية كان يستلم الحضور بالموعظة في غدوهم ورواحهم. فلو كان الحديث عن الطقس، فلا بد أن يدخل الوعظ في أي جملة مفيدة. حتى صارت لحظة دفن الميت في المقبرة فرصة للموعظة والتذكير..بما أن الميت ما زال طري اللحم،والأذهان مطواعة للوعظ في هذه الحالة!..تجدر الإشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخير الموعظة في وقتها لأصحابه وهم خير الناس بعده. كما أنه لم يحفظ عنه أنه وعظ في دفن ميت إلا مرة واحدة..فكان ترك الوعظ في ذاك المقام هو الأصل.
المهم أن الكتيب على اختصاره وعلى إبهامه وعدم تسمية الجماعات والتيارات باسمها، وهي سمة سعودية في الحديث..إذ يجري محو كل اسم من القصص بما يجعل القصة أقرب للخيال منها للواقع..أقول بالرغم من كل ما سبق؛ فهو نافع ومفيد للمبتدئين في العمل الإسلامي.