حسن عبد الله حمدان المعروف باسم مهدي عامل، ولد في بيروت عام 1936، كان مفكرا وطنيا علمانيا لبنانيا ابن بلدة حاروف الجنوبية قضاء النبطية.
تلقى علومه في مدرسة المقاصد في بيروت وأنهى فيها المرحلة الثانوية. نال شهادة الليسانس والدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون، فرنسا. درس مادة الفلسفة بدار المعلمين بقسنطينة (الجزائر)، ثم في ثانوية صيدا الرسمية للبنات (لبنان). انتقل بعدها إلى الجامعة اللبنانية معهد العلوم... الاجتماعية كأستاذ متفرغ في مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات.
كان عضوا "بارزا" في اتحاد الكتّاب اللبنانيين والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ورابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية. انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1960، وانتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر الخامس عام 1987.
في الثامن عشر من أيار عام 1987 اغتيل في أحد شوارع بيروت الوطنية، في تلك الفترة، مهدي عامل وهو في طريقه إلى جامعته الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية الفرع الأول، حيث كان يدرس فيها مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات. وعلى إثر اغتياله، أُعلن يوم التاسع عشر من أيار من كل عام "يوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي".
من مؤلفاته:
-مقدمات نظرية: لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني. 1972 الطبعة الأولى، 1986 الطبعة الخامسة.
-أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية. الطبعة الأولى 1974، الطبعة الثالثة 1989. ... -النظرية في الممارسة السياسية. بحث في أسباب الحرب الاهلية. الطبعة الأولى 1979. الثالثة 1989.
-مدخل إلى نقض الفكر الطائفي - القضية الفلسطينية في ايديولوجية البرجوازية اللبنانية. الطبعة الأولى 1980. الطبعة الثالثة 1989.
-هل القلب للشرق والعقل للغرب. الطبعة الأولى 1985. الطبعة الثالثة 1990.
-في عملية الفكر الخلدوني. الطبعة الأولى 1985. الطبعة الثالثة 1990.
-في الدولة الطائفية. الطبعة الأولى 1986.
-نقد الفكر اليومي. الطبعة الأولى 1988. (لم ينتهي).
له العديد من المساهمات النظرية المنشورة والتي ستنشر ضمن الاعمال الكاملة.
في الشعر: تقاسيم على الزمان، الطبعة الأولى 1974. فضاء النون، الطبعة الأولى 1984.
في حدود قراءتي، دا أكتر نقد جدي قرأته ل"استشراق" ادوراد سعيد، لإنه تمركز في منطقة، تمكن انطلاقا منها ، أن يعيد توجيه تهمة "الاستشراق" التجريديةإلى ادوارد سعيد، التهمة التجريدية، أقصد بها التفكير بأن مجتمعا ما، له فكر ثابت، غير متنوع يستحيل الهروب منه، فهو قالب يعيد إنتاج نفسه في مئات الآلاف الذين يحيون داخله، ومهما امتلك أحدهم فرادة ما، فهو بمجرد دخوله في اللعبة اللغوية للمجتمع، أي حين يحاول التنظير، ستضطره "اللغة المتاحة" لأن يقولب نفسه في حدودها، وبهذا يفقد فرادته، أو نقده للرؤية المجتمعية التي كان يرجو نقدها ، ادوراد سعيد انطلق في نقده لماركس واتهماه له ب"الاستشراق" بأن ماركس مهما فعل لم يكن قادرا على الخروج عل "المتاح أمامه من اللغة الأيدلوجية"، أي أنه رغم كونه متعاطفا مع البشر في الهند مثلا، فهو رغم ذلك حينما أعمل عقله_أي ماركس_لم يستطع سوى أن يعيد الأطورحة الاستشراقية نفسها مرة أخرى، أي أن يتكلم عن "دور انجلترا التنويري" وأثر استعمارها في "إعادة آسيا للحياة" مرة أخرى .. في المقابل، ينطلق مهدي عامل في نقده لنقده ادوارد سعيد، من نقد لمنطلقات سعيد البنيوية نفسها، فهو لا يعتبر أنه يمكننا الحديث عن فكر واحد متغلغل متماثل لذاته،يكون التناقض فيه بين "الأمة/المجتمع/الفكر المسيطر" وبين الفرد، يرى عامل هذا تصورا برجوازيا يتغاضى عن وجود مصالح وتمثيلات مختلفة باختلاف المواقع الطبقية والأيدلوجية لكل طبقة، بل هناك أفكار مختلفة، تنبع من المصالح الطبقية المختلفة، لتناقض الأطروحات الرئيسية ل"الفكر السائد"، ونفي هذا التناقض أو نفي احتمالية وجوده، هو استبطان للأيدلوجيا البرجوازية التي تحاول تأبيد نفسها، بنفي أي إمكانية حقيقية للاختلاف معها، وينهي عامل نقده باقتباس لسارتر يقول فيه : البنيوية هي آخر شكل من أشكال الأيدلوجيا البرجوازية الامبريالية ، هذا قد يكون صحيحا .. اعتقادي الشخصي، أن نص ماركس معل العراك التأويلي، الذي كان يتحدث عن احتلال بريطانيا للهند وأثر ذلك، ثم استشهاده بمقطع لجوته : أينبغي إذن لهذا التعذيب أن يعذبنا" مادام يهبنا متعة أعظم أولم تفترس أرواح لا تحصى،من قبل في عهد تيمور لنك" هو نص يحتمل التأويلين معا، أي يحتمل فكرة ادوارد سعيد عن أن ماركس أعاد إنتاج الاطروحة الاستشراقية، التي ترى أهمية دور الغرب في تنوير الشرق، وكما يحتمل كما أشار عامل أن ماركس كان يتحدث عن الثورة وأهميتها، وعن الدور التحفيزي "للطبقة الأخرى" في الثورة، كمتثير ضروري وبديهي لوجود الثورة أصلا، لكن بعيدا عن ماركس فنقد عامل للأثر التثبيطي لبنيوية سعيد، يظل مهما
هل القلب للشرق والعقل للغرب .. ماركس في استشراق إدوارد سعيد. مهدي عامل
دار الفارابي
تفسيري(فلسفة)
التعليق: مهدي عامل في هذا الكتاب يحاول التأكيد على أن إدوارد سعيد في كتاب الاستشراق قد وقع في نفس المشكلة التي حاول أن ينتقدها وهي أن الغرب ينظر إلى الشرق بنظرة الآخر الغريب أو ما يعرف بثنائية الذات والآخر، فإدوارد حسب مهدي عامل لم يستطع أن يتخلص من هذه المشكلة في الاستشراق حيث قلب الادوار وأصبح إدوارد هو الذات والغرب هو الآخر، أي أن الإستشراق قد قلب.
مهدي عامل، أو حسن حمدان صاحب السياط النقديّة، ثاني كتاب أقرَأه للرّجل، ومبدئيا هو رجل أمين في نقله ونقده فلا يلوي نصا ولا يحرّفه ولا يُخرجه عن سياقه بل يَعرض وجهة نظر مخالفه على أكمل وجه ولذا فأنت تحترمه سواءً قبلت بما يقول أم لا.
أمّا محتوى الكتاب فهو نقد لأطروحة الاستشراق لادوارد سعيد وهذا النقد، نقدٌ منهجيّ، في منطلقات الأطروحة وأسسها، فأطروحة الاستشراق تنطلقُ من فكرةٍ عامّةٍ مفادها أن الشرقَ شرقان؛ شرق حقيقيّ، وشرق مُتخيل صنعته الثقافة الغربيّة، بأدواتها ومؤسساتها. في الفصْل الأوّل يقف مهديّ عند هذه الوقفة السعيديّة بأن الشّرق المتخيل هو شرق صنعته الثقافة الغربيّة فقط، ولا يُكمل بقوله أنها ثقافة برجوازيّة لأن قولك أنها من صُنع الثقافة الغربية فقط يعني أن هذه الثقافة لا تاريخية -جوهريّـة- أي لا ترتبط بتاريخ معيّن ولا ببنية محددة في التاريخ.
عوار هذا الطّرح التأسيسي عند مهدي عامل أنهُ يُصور الثقافة البرجوازية أنها ثقافة مطلقة، كما تدعي وتريد الثقافة البرجوازية أن تكون، وأنها ثقافة أُحاديّة لا ينازعها منازع.
فضلّا عن أنه يجوهر هذا المنطق الاستشراقي ليجعله ملازما للثقافة الغربية دونما قيدٍ يُذكر، وهذا يسميه مهديّ الفكر القومي بما أنه يريد التفكير بمنطقِ الأمّة وجوهرة صفاتها.
التسليم بأحادية هذه الثقافة ومطلقيّتها، يجعل كلّ من يناوئ هذه الثقافة في مقصلة المنطق التماثليّ كما يسميه مهدي، وأُسميه أيضا المنطق الهووي؛ الذي يسير بثنائيات من قبيل: إمّا / أو.
فإما A or B
فإما كلّ أحدٍ يكتب عن الشرق يكون تابعا لهذه الثقافة الغالبة -الاستشراقيّة- وإما أن يكون متناقضا معها، ولكن في هذا التناقض لا يُفهم في طابعه الطبقي، إنما طابعهُ الذّاتي.
فطابع التناقض الذاتي يجعل الفرد ازاء الأمّة، جمعاء، وليس للفرد في المحصّلة إلا الخضوع لمنطق الأمة -الاستشراقي- وأدواتها.
أمّا المنطق الجدليّ فلا يسلّم بمبدأ الهوية المثالي الأحادي الذي يسير عليه المنطق التماثليّ فهو يرى أن الجدل سِمَة انطولوجية، ومنطقيّة، تجعل الاشياء في علاقة تناقضيّة، الشيء وضده في تركيب الاشياء، مثل ما تُوجد الطبقة البرجوازية بجوار نقيضها الطبقة البروليتاريّة.
إذن حين نفكر بالمنطق التماثلي لا نستطيع نفسّر الخروج عن المبدأ العام الذي انطلق منه سعيد، لذا سنمضي نلوي أعناق النصوص لتستقيم مع هذا المبدأ، كما حدث لماركس مع سعيد، فالأخير جعل ماركس تابعا للرؤيةِ الاستشراقية، التي هي في أساسها ثقافة برجوازية، فانظر كيف هذا المنطق التماثليّ جعل ماركس وفلسفته المناقضة مع الثقافة البرجوازية في صنفٍ واحد.
لا يسع الإتيان على كلّ ما حاجج به مهديّ ولكن التاريخية الماديّة تستطيع أن تنأى بنا عن هذا المنطق بافتراضها أن التاريخ مترحل، ومتغير في قفزات بنيويّة، وأن كل مرحلة تاريخية فيها بُنى معقّدة متصارعة تحددها القاعدة المادية =(نمط الانتاج).
أخيرا يأتي المؤلف على الإطار النظريّ الذي يمتح منه سعيد في أطروحته، وهي البنيوية الثقافية التي أتى بها فوكو، ولكن هذه البنيوية الثقافية مع اقرارها بترحل وتغيّر البُنى الخطابية فهي لا تقول لنا كيف تترحل، وبماذا ترتبط، أما ماركسيا فمعلوم أنها ترتبط بالقاعدة الماديّة لكن ماذا عن البنيوية الثقافيّة التي يريد سعيد أن يجعل خطاب الاستشراق هو خطاب جوهريّ لا يتعلق بطبقةٍ ما وإنما أمّة على اختلاف تاريخها.
كتاب من العيار الثقيل، حجمه لا يعكس ثراء محتواه، يتطلب معرفة بالفلسفة أولًا، وببعض السياسة ثانيًا. بدايته شيّقة ثم سرعان ما دخلت بحالة من الجمود والثقل القرائي المعرفي، إلى ما بعد الربع الأول من الكتاب ثم لتعتريني تلك الحالة اللذيذة التي تودّ التهام الكتاب كلّه، لتنهيه في جلسة.
وجدتُ اهتمامي الموجود مسبقًا في بعض العناوين، لفت نظري الكاتب، للمفردات التي يستخدمها إدوارد سعيد من قاموس اللغة الفرويدية في البنية النفسية كالطرد والمطاردة والإذعان والمصادرة، الأمر الذي يعكس صراع الفرد بين الفكر الجمعي الذي يلغي عقله، والفردي الذي يعززه ويستقر به.
يتطلب تركيزًا عاليًا، قائمة فهرس المحتويات كفيلة بشدّك.
كتاب نقدي للفيلسوف الشيوعي اللبناني مهدي عامل (حسن حمدان) بعنوان رئيسي "هل القلب للشرق والعقل للغرب؟" وآخر فرعي "ماركس في إستشراق إدوارد سعيد"، وقد صدر عنه في سنة ١٩٨٥ (عقب صدور كتاب البروفيسور إدوارد سعيد الأشهر المعنون ب "الإستشراق" - أو "Orientalism" باللغة الإنجليزية - سنة ١٩٧٨).
بداية، تجدر الإشارة إلى أني (إلى وقت كتابة هذه المراجعة عن كتاب مهدي عامل)، لم أقرأ كتاب "الإستشراق" لإدوارد سعيد (فيما عدا النصوص التي أوردها مهدي في كتابه بغرض نقده) وعليه سأؤجل إبداء رأيي في كتاب "الإستشراق" إلى حين أنتهي من قراءته.
ثانيا، أنصح قارئ هذا الكتاب بأن يبدأ قراءته من الملاحق الموجودة في نهايته (نصوص إدوارد سعيد من كتاب الاستشراق) ومن ثم قراءة نقد مهدي عامل لها، وهو ما سيساعد على وضع النقد في سياق واضح يسهل إدراك مضامينه.
وأننا إن أردنا تلخيص مضمون الكتاب وفكرته النقدية، يمكننا القول بأن هذا الكتاب، في المجمل، جاء للرد على ما ورد في كتاب إدوارد سعيد "الإستشراق"، وتحديدا في الجزئية التي تتعلق بما أورده سعيد عن طبيعة علاقة ماركس بالفكر الإستشراقي وبالشرق الآسيوي أو كيف تأول سعيد تلك العلاقة وفسرها، (أي عن أربع صفحات فقط من كتاب سعيد ١٧٠-١٧٣).
حيث يطرح سعيد، ضمن ما يراه نموذجا إستشراقيا مهيمنا على العقل الجمعي الغربي، فكرة أنه لا خلاص للمفكر والمثقف الغربي من الإرث الأدبي والعلمي العنصري التي بنته وتبنته المؤسسة الإستشراقية الغربية، المؤسسة التي وضعت الأساس، فيما بعد، للسردية الإستعمارية، مستشهدا بماركس كأنموذج للتدليل على صوابية نظريته. ماركس الذي رغم تعاطفه - بحسب سعيد وتأويله لنص ماركس الذي استشهد به - مع معاناة شعوب الشرق - شعب الهند تحديدا - من وطأة الاستعمار البريطاني، إلا أنه يرى - كما يوضح سعيد - بأن هذا الاستعمار وتوابعه ضرورة لدفع المجتمع الهندي نحو التحديث والثورة.
بينما يفند مهدي عبر نقده حجج سعيد وضيق زاوية رؤيته التي فرضها على نفسه بتبني المقاربة البنيوية المثالية الاختزالية ونظرية الهيمنة الثقافية المطلقة، التي تلغي التناقض والتنوع وتفرض نسقها على كل العقول ومختلف المناحي الفكرية بشكل شمولي، مجرد ومطلق، في حين أن المادية التاريخية التي يطرحها ماركس ويستشهد بها عامل، تنطلق من حقيقة الصراع الطبقي داخل المجتمعات ذاتها وصراع التناقضات في داخل البنية المهيمنة، التي تهدف من خلالها الطبقة العاملة إلى استبدال النموذج الرأسمالي الرجعي وثقافته المهيمنة بنموذج أقدر على تطوير المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم العلمي والمعرفي، ومن هنا يجب فهم نص ماركس على أنه تحليل تاريخي مادي علمي مجرد من العواطف ومن النزوع الأيديولوجي الدوغمائي. كما ألمح مهدي إلى ضعف الطرح الذي يختزل الغرب كله في الثقافة البرجوازية الرأسمالية (أو العقل)، والشرق كله في التراث الميتافيزيقي والمنظومة الأخلاقية التراثية التقليدية/العرفية الرجعية، مقارنة بمقاربة أكثر علمية في تحليلها للسيرورة التاريخية للمجتمعات وطبيعة الصراع الطبقي التي تحكم تطورها التاريخي والمعرفي والإترقاء بمواقفها "الأخلاقية" ضمن بما يتماشى مع سياق تطورها المادي والمعرفي.
وأنا هنا أتفق مع عامل في تفريقه بين الثقافة المهيمنة للطبقة البرجوازية وبين تنوع التيارات الفكرية في الغرب واختلاف انحيازاتها، كما هو الحال في الشرق، حيث من الممكن أن نستشعر، على سبيل المثال هذه الفروقات بمعاينة الانقسامات الحالية في المجتمعات الغربية فيما يتعلق بحرب الابادة الصهيونية على غزة (بين موقف الطبقة الرأسمالية البرجوازية المهيمنة الداعم للصهيونية وبين موقف جزء مهم من الطبقة العاملة الثورية المعارض للصهيونية)
كما أتفق مع عامل بأن قراءة سعيد لماركس جاءت غير دقيقة، وقد عابها القصور في فهم الفكر الماركسي واستيعاب منطلقاته وأدواته.
مأخذي على الكتاب أن به شيء من التكرار والاسهاب في شرح ذات الفكرة، وتكرار إيراد النصوص "مادة النقد".
كتاب مهم فيما يتعلق بتبيان فروقات زواية الرؤية ومن ثم منطلقات التأويل، وكذلك فروقات خلق، انتاج وتطوير المعرفة بين الثقافة البرجوازية الرأسمالية، والمادية الديالكتيكية، والفروقات بين البنيوية المثالية والمادية العلمية من منظور الفكر الماركسي. أنصح به.
إقتباسات:
"أما الفكر الذي يستوي عنده ظاهر الشيء والشيء نفسه فيلغي التناقض والصراع في تاريخ الفكر بين الأفكار، ويأخذ بواحدية الثقافة، إذ يرى في الثقافة المسيطرة، أو السائدة الطاغية، الثقافة كلها، ولا يترك لنقيضها إمكان وجود فهو فكر أقل ما يقال فيه إنه مثالي، يرى التاريخ بعين الفكر المسيطر ، حتى لو حاول أن يكون ضده." ص٨
"هذا هو القانون العام الذي يصوغه إدوارد سعيد للفكر، على قاعدة إلغاء الطابع الطبقي التاريخي للأفكار، وبالتالي، على قاعدة إلغاء حركة الصراع والتناقض بينها. فالحقل الفكري في مجتمع ما، هو عنده حقل الفكر السائد وحده، وبنية هذا الحقل بنية بسيطة تنحصر في بنية هذا الفكر، إذ لا وجود لغيره." ص١٠
"هكذا يقع الفكر المحكوم بمنطق التماثل في مأزق يُسقطه على الفكر المحكوم بمنطق التناقض، فينسب إليه ما ليس فيه من توفيق بين طرفي تناقض يقيمه بين المشاعر الانسانية والضرورة التاريخية، بينما التناقض الفعلي في النص هو القائم في حركة الصراع المادية بين جمود البنية الاجتماعية التقليدية ومقاومتها التغيير، وبين الضرورة التاريخية لتغييرها. وما هذه الحركة سوى الحركة الديالكتيكية التاريخية. ولا توفيق بين طرفي التناقض، بل وحدة تناقضية بينهما هي وحدة صراع." ص١٥
"إذا راجعنا النص السعيدي، وجدنا أن ماركس يفلت من قاعدة الفكر الاستشراقي ويخرج عليها باستنكاره عذابات الشرقيين، بينما يعود إليها صاغراً في كلامه على الضرورة التاريخية لتحولات المجتمعات الشرقية. وهذا تأويل يستوقف حقاً، لا لأنه يسيء فهم ماركس وحسب، بل لأنه يكشف عن بنية الفكر الذي به يتأول إدوارد سعيد النص الماركسي. من جهة الشعور، العاطفة، الإحساس، أي بكلمة من جهة القلب يخرج ماركس، بحسب هذا المؤلف، على بنية الفكر الاستشراقي، لكنه يعود من جهة العقل، فيندرج فيها. كأنه في صراع بين القلب والعقل. كأن القلب للشرق، والعقل للغرب، فإن نطق القلب وسكت العقل، انهزم الفكر الاستشراقي." ص١٩
"كأني بمؤلف «الاستشراق» يستعيد ضمنياً، في هذا المنحى من فكره، مقولة سادت في الفكر السائد - أعني المسيطر - في القرن التاسع عشر، هي التي تستبدل التناقض الذي له في العلاقة الاجتماعية، طابع طبقي، سواء في حقل الفكر أم السياسة أم الاقتصاد، بتناقض آخر له طابع فردي، من حيث هو قائم فيها بين الفرد والمجتمع، أو بين الفرد والأمة، أو بين الفرد والدولة. فالتناقض الاجتماعي ليس قائماً، بطرفيه بين الفرد والأمة إلا في مثل هذا الفكر الذي يستعيده الفكر القومي." ص٢٢
"يبتدىء التأويل بتشويه جذري، لا للنص وحده، بل لبناء الفكر الماركسي بكامله، بإلغاء الأساس المادي الذي يقوم عليه بناء هذا الفكر في جديده الثوري، ضد الفكر السابق عليه." ص٣٥ * عن تأويل ادوارد سعيد لنص كارل ماركس في كتاب الأول المعنون ب "الإستشراق"
"أن يذهب التأويل في التشويه حتى هذا الحد، أمر يستوقف حتى من ليس يعرف من الماركسية سوى ألفها وبائها. وألفها أن للتاريخ حركة مادية تحكمها قوانين موضوعية هي التي تحدد فيه ضرورة التغيير الثوري. فالتاريخ لا يأتمر بإرادة الذات الانسانية، بل هي التي تأتمر به. لكن التأويل لا يعترف لهذا الفكر بجديده." ص٣٥-٣٥
"لكن ما نود الإشارة إليه الآن هو أن التأويل السعيدي لا يقتصر على تصور ماركس للشرق وحده، بل يطال النظرية الماركسية في كامل بنائها. فبإلغائه الطابع المادي لهذه النظرية، إنما هو يلغي جديدها الثوري ويلغي بالتالي تناقضها التناحري مع الفكر البورجوازي المسيطر، فيتم له - أعني التأويل - حينئذ إدراجها في البناء النظري لهذا الفكر، كعنصر من عناصره، ويتم له، بتكرار منطلقه المعرفي الضمني إثبات أن فكر الفرد، حتى لو كان فكر ماركس، عاجز عن الخروج على الفكر المسيطر الذي هو هو فكر الأمة السائد." ص٣٦-٣٧
"من زاوية الأخلاق ينظر المؤلف في الاستشراق ويدينه، ومن زاوية الأخلاق أيضاً ينظر في الاستعمار ويدينه. ويظن أن التحرر من فكر الاستشراق ومن فكر الاستعمار - إن لم نقل من الاستعمار نفسه ومن الامبريالية - يكون بموقف أخلاقي هو تغليب للقلب على العقل." ص٣٨-٣٩
"خطأ التأويل متعدد الأوجه مترابطها. إنه يكمن في أن التأويل يحاكم النص الماركسي محاكمة أخلاقية. ويكمن أيضاً في أنه يُسقط عليه منطقاً ليس منطقه، بل هو منطق فكر التأويل نفسه الذي يستبدل التناقض المادي في حركة التاريخ الموضوعية بتناقض شكلي في صيغة : إما ... وإما. ويكمن كذلك في إحلاله التناقض الذاتي بين القلب والعقل محل التناقض الطبقي في العقل نفسه، بين شكل منه هو الخاص بالفكر البورجوازي المسيطر، وشكل آخر هو نقيض هذا الشكل المسيطر، وهو الخاص بالفكر البروليتاري الثوري." ص٣٩
"لكن القضية، في هذا المنظور، ليست قضية أخلاقية، وحلها ليس، بالتالي، حلاً أخلاقياً. إنها، في النص الماركسي، قضية الثورة الاجتماعية في ضرورتها التاريخية. هذا ما يؤكده ماركس مباشرة بعد إدانته الاستعمار الانكليزي وآثاره المدمرة، إذ يقول، مستدركاً : "لكن هذا ليس هو السؤال الحق، بل السؤال هو هل يستطيع الانسان أن يحقق مصيره دون ثورة جذرية في الوضع الاجتماعي لآسيا؟"." ص٤٠
"هل أفلت صاحب "الاستشراق"، في نقده الفكر الاستشراقي، من ثنائية الشرق والغرب التي يقيمها هذا الفكر نفسه، والتي هي هي ثنائية الذات والآخر؟ ما نظنه أفلت منها، بل لقد جاء، بالعكس، نقده الاستشراق محكوماً بها، وقام على تربة الفكر الاستشراقي نفسه بأن اكتفى بقلب تلك الثنائية، فأكدها، فصار فيها الشرق هو الذات والغرب هو الآخر. هذا ما يضيء لنا سبب الإعجاب الشديد للمؤلف بأعمال جاك بيرك وبمنهجه، فثنائية الذات والآخر هي بالضبط التي تحكم هذا المنهج. ليس بنقد هذا النقد الذي يستعيد منطق الفكر الاستشراقي نفسه في تحديد العلاقة بين الغرب والشرق كعلاقة ذات بآخر. فسواء - أكان الاستشراق واقفاً على قائمتيه، أو مقلوباً على قاعدته، فإن المنطق منه واحد لا يتغير." ص٤٨
"لكن حين ينطلق نقد الاستشراق من مواقع الاستشراق نفسه، ومن قاعدته النظرية - أو بالأحرى الأيديولوجية ، فيرى في الفكر المادي التاريخي فكراً لا يختلف في الجوهر، عن الفكر البورجوازي المسيطر، بل يرى فيه مثيلاً له، من حيث أن الجوهر منهما واحد، هو هو الفكر الغربي، يعجز النقد حينئذ عن فهم تلك العلاقة الامبريالية، ويعجز تالياً عن فهم جوهر الاختلاف بين هذين الفكرين، وعن فهم علاقة التناقض الطبقي بينهما." ص٤٩
"كالمقياس في سيرورة أي نظرية علمية، أو أي نظرية تدعي العلمية لنفسها، في شتى مجالات المعرفة، هو في نهاية التحليل، قدرتها الفعلية على معانقة الواقع المادي في تعقده، وعلى معرفته. أما رفض النظرية لمجرد كونها غربية، فهو رفض لعلمية المعرفة، ينقاد إليه من ينزلق فكره إلى مواقع الفكر الاستشراقي." ص٥٥
"فالاستشراق الذي ينقده إدوارد سعيد في نقده الفكر الماركسي كفكر استشراقي "لا يمثل ببساطة بعداً هاماً من أبعاد الثقافة السياسية - الفكرية الحديثة، بل إنه هو هذا البعد". إنه، بتعبير آخر، حاضر في هذه الثقافة، من حيث هو قوامها. فنقد تلك النظرية يكتسب، إذن فاعلية أكبر بنقدها في انتشارها في كتابات تعالج قضايا فكرية يتمحور حولها الصراع الايديولوجي في عالمنا العربي." ص٦٦
"ليس غريباً، والحالة هذه، أن تلتقي البنيوية الثقافية التي تميز الفكر الفوكوي بالعدمية النيتشوية، على أرض نظرية واحدة تتقابل فيها النزعتان، كأن الواحدة منهما الوجه والأخرى القفا، هذه تستدعي تلك، والعكس بالعكس، فتتصالح الامبريالية العقلانية مع العدمية المعادية للعقل، في تأكيد وحدانية العقل، وبالتالي، في رفض العقل الثوري، نقيض العقل المسيطر." ص٧٣
"هذا يعني، باختصار، أن المواقع الفكر في علاقات الانتاج المعرفي طابعاً طبقياً هو نفسه طابعها التاريخي الاجتماعي، من حيث هي بالضرورة، في الكل الاجتماعي الواحد، في علاقة بمواقع الطبقات الاجتماعية في علاقات الانتاج المادي." ص٧٥
"تاريخ المعرفة هو، بالعكس، تاريخ الثورات المعرفية التي تحدث في هذا الحقل تغييرات بنيوية تنتقل به من بنية إلى أخرى في صراع معرفي هو صراع طبقي بين فكر مسيطر وفكر نقيض، أو بين فكر باتت بنيته ��ائقاً لانتاج العلمي من المعرفة وفكر آخر نقيض تفتح بنيته لإنتاج هذا الجديد من المعرفة فضاءات الإمكان الواسعة، أو قل إن بنيته هي هي بنية هذه الفضاءات نفسها." ص٨١
"لذا وجب القول إن الصراع المعرفي بين العلمي والايديولوجي هو صراع طبقي في الفكر نفسه بين موقعين طبقين نقيضين في علاقات الانتاج المعرفي : موقع هو موقع الفكر المسيطر بسيطرة الطبقة المسيطرة في علاقات الانتاج المادي، وموقع هو موقع الفكر الثوري النقيض الذي هو هو فكر الطبقة الثورية النقيض في هذه العلاقات من الانتاج." ص٨٢
"على نقيض هذا الفكر الذي، في كتاب الاستشراق مثلاً ، يرى أن إنتاج المعرفة لا يتم إلا من موقع العقل الجمعي في وجوده المؤسسي." ص٨٤
"هذا ما يمكن للقارىء أن يلمسه في ضوء ما سبق من تحليل سريع لآلية التوسع المعرفي في إعادة إنتاج الفكر المسيطر في شكل من القول هو الذي يظهر فيه من موقعه الطبقي المسيطر في حقل علاقات إنتاج المعرفة، كأنه قول الجمعي الذي لا عقل إلا في قوله، ولا قول سواه. وما هذه الآلية سوى آلية التوسع نفسها في إعادة إنتاج رأس المال الامبريالي في نزوعه الدائم إلى استتباع كل إنتاج خارجه، وإلى استتباع علاقات هذا الانتاج وأدواته، بتحويله له إلى انتاج رأسمالي مرتبط به ارتباطاً تبعياً، في أشكال متنوعة من التبعية." ص٨٨-٨٩
"في الفكر، كما في السياسة والاقتصاد، تنزع البورجوازية المسيطرة دوماً، من موقع طموحها إلى تأبيد سيطرتها الطبقية، إلى رفع زمن واحد معين من أزمنة البنية الاجتماعية إلى المطلق، هو زمن تجدد هذه البنية (أو إعادة إنتاجها)، في زمن تجدد سيطرة البورجوازية المسيطرة." ص٩١
"ذات يوم، في مطلع الستينات، قال سارتر عن البنيوية إنها آخر شكل من أشكال الايديولوجية البورجوازية الامبريالية. ربما كان محقاً في قوله."
لم أكن بحاجة لأن أدخل في متاهة الكتاب لأعلم بأن للشرق وللغرب قلب وعقل! فأنا قارئ عادي لكنني أدرك بأن احتكار العقل ليكون للغرب تصريح يخلو من المنطق! وكذلك الأمر بالنسبة لاحتكار القلب في جغرافية الشرق! البنية الفكرية لكل المجتمعات هي نتاج النفس البشرية المكونة من قلب وعقل .. وروح.