ولد الشيخ العلامة أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر في جمادى الآخرة سنة (1309هـ - يناير 1892م) بمدينة القاهرة، ثم ارتحل مع والده إلى السودان، حيث كان قد عُينَ قاضياً فيها، ثم مكث مدة بالإسكندرية وبعدها انتقل إلى القاهرة فأقام بها بقية عمره.
بدأ طلب العلم مبكرًا، حيث أكب على الدرس والتحصيل، ينهل من العلوم الشرعية واللغوية، فدرس على الشيخ محمود أبو دقيقة الفقه والأصول حتى تمكن منهما، وحضر دروس أبيه -العالم القاضي محمد شاكر- في التفسير والحديث والفقه الحنفي والبيان والمنطق. وبعد أن ارتحل إلى القاهرة كان لا يكاد يسمع بعالم ينزل القاهرة حتى يتصل به، فتردد على العلامة عبد الله بن إدريس السنوسي محدث المغرب، وقرأ عليه، فأجازه برواية الكتب الستة، واتصل بالشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وأحمد بن الشمس الشنقيطي، وشاكر العراقي، وطاهر الجزائري، ومحمد رشيد رضا، وسليم البشري شيخ الجامع الأزهر، وقد أجازه جميعهم بمروياتهم في السنة النبوية.
وقد هيأت له هذه اللقاءات بعلماء الحديث والتتلمذ على أيديهم أن يبرز في علوم السنة، وأن تنتهي إليه إمامة الحديث في مصر بحيث لا ينازعه فيها أحد، إضافة إلى كونه فقيهاً وقاضياً وأديباً وناقداً.
وأما مسيرته الأكاديمية فقد حصل على الشهادة العالمية من الأزهر سنة (1336هـ = 1917م)، واشتغل بالتدريس فترة قصيرة، ثم عمل بعدها في القضاء، وترقى في مناصبه، حتى اختير نائبًا لرئيس المحكمة الشرعية العليا، ثم أحيل إلى التقاعد سنة (1371هـ = 1951م)، ثم تفرغ بعدها لأعماله العلمية حتى وفاته.
محقق العصر الحديث
وجّه الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله جلّ طاقته وجهده إلى بعث التراث الإسلامي ونشره نشرًا دقيقًا، وكان من ثمرة ذلك:
- تحقيق كتاب الرسالة للإمام الشافعي: وهو أول كتاب ينشره بين الناس، وكان تحقيقا على غير ما اعتاد الناس أن يقفوا عليه من تحقيقات المستشرقين، وجاء عمله نموذجًا لفن تحقيق التراث، فقد اعتمد على أصل قديم بخط الربيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعي كتبه في حياة إمامه، ووضع مقدمة ضافية للكتاب بلغت مائة صفحة، وخرّج أحاديث الكتاب تخريجًا علميًا دقيقًا، مع فهارس شاملة، مع تعليقات وشروح تدل على سعة العلم والتمكن من فنّ الحديث.
- تحقيق أصول كتب السنة: اتجه الشيخ أحمد شاكر إلى تحقيق أصول كتب السنة، فحقق جزأين من سنن الترمذي، وأخرج الجزء الأول من صحيح ابن حبان، واشترك مع الشيخ محمد حامد الفقي في إخراج وتحقيق تهذيب سنن أبي داود.
- التحقيق المُبهر لمسند الإمام أحمد: أطلق الشيخ أحمد شاكر طاقته لتحقيق مسند الإمام أحمد بن حنبل، وهو أضخم دواوين السنة، وكان التعامل مع المسند يحتاج إلى معرفة واسعة وعلمٍ مكين، فالكتاب يقوم على جعل أحاديث كل صحابي على حدة، فمسند ابن مسعود مثلاً يضم الأحاديث التي رواها دون ترتيب وهكذا، وكانت صعوبة التعامل مع المسند مصدر شكوى من كبار المحدثين وأعلامهم، وهو ما جعل الحافظ الذهبي يتمنى أن يقيض لهذا الديوان الكبير من يخدمه ويبوبه، ويرتب هيئته.
وكان عمله في تحقيق المسند عظيمًا فأخرج منه خمسة عشر جزءًا على أحسن ما يكون التحقيق؛ فقد رقم أحاديث الكتاب، وعلّق عليها وخرّجها، وحكم عليها صحة وضعفًا، وضبط أعلامها، وشرح غريبها، وجعل لكل جزء فهارس فنية دقيقة.
يقول الشيخ محمد حامد الفقي في وصف عمل الشيخ أحمد شاكر في "المسند": "فهذا العمل العظيم حقاً، ليس وليد القراءة العاجلة، أو إزجاء الفراغ فيما يلذ ويشوق ويسهل؛ وإنما هو نتاج الكدح المتواصل والتنقيب الشامل والتحقيق الدقيق والغوص العميق في بطون الكتب وثنايا الأسفار؛ وقد أنفق فيه صديقي نحو ربع قرن من الزمان، لو أنفقه في التأليف أو في نشر الكتب الخفيفة لكان لديه منها الآن عشرات وعشرات، ولجمع منها مالاً جزيلاً وذكراً جميلاً؛ ولكنه آثر السنة النبوية وتقريبها لطالبيها، على كل ذلك، فحقق الله أمله وبارك عمله".
- تحقيق كتب في علوم أخرى: لم تقتصر جهوده على ميدان السنة يحقق كتبها ويخرجها للناس في أحسن صورة من الضبط والتحقيق، بل كانت له جهود مشكورة في ميدان اللغة والأدب، فأخرج للناس "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، و"لباب الآداب" لأسامة بن منقذ، و"المعرب" للجواليقي، واشترك مع الأستاذ عبد السلام هارون في تحقيق "المفضليات" و"الأصمعيات" و"إصلاح المنطق" لابن السكيت.
- أهم شروحه في علوم الحديث: قام بشرح كتاب "اختصار علوم الحديث" للإمام ابن كثير في كتاب سماه "الباعث الحثيث"، وشرح أيضًا: ألفية الحديث للإمام السيوطي.
وفات:
توفي شمس الأئمة الشيخ أحمد محمد شاكر في السادس والعشرين من ذي القعدة سنة (1377هـ)، الموافق للرابع عشر من شهر يونيو سنة (1958م)، وله من العمر ست وستون سنة، رحمه الله رحمة واسعة.
فقد اختَلَف العُلماء في الإشهاد على الطَّلاق، فذهب للوجوب أبو محمد ابن حَزْم، وبعضُ العُلماء المعاصرين؛ كالشيخ أحمد شاكر والشيخ أبو زهرة، وهو قولُ الشيعة الإماميَّة. واحتج أبو محمد ابن حزم بقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. قال في "المحلى": "وكان مَن طلَّق ولم يُشْهِد ذَوَي عدل، أو راجَعَ ولم يُشْهِد ذوي عدل - متعدِّيًا لحدود الله تعالى، وقال رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: "مَن عمِل عملاً ليْس عليه أمرُنا فهو رد". واستدلُّوا بظاهِر الآية، وبحديث عمران بن حُصين: سئل عن الرجُل يطلِّقُ المرأة ثمَّ يقع بِها، ولَم يُشْهِد على طلاقِها ولا على رجْعَتِها، فقال: "طلَّقت لغير سنَّة، ورجعتَ لغيْرِ سنَّة، أشهِدْ على طلاقِها، وعلى رجْعَتِها، ولا تعُدْ" (رواه أبو داود وابن ماجه، وصحَّحه الألباني). قال الصَّنعاني في "سبل السلام": "دلَّ على ما دلَّت عليه آية سورة الطَّلاق، وهي قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: 2]، بعد ذِكْره الطَّلاق، وظاهر الأمر وجوبُ الإشْهاد، وبه قال الشَّافعي في القديم، وكأنَّه استقرَّ مذهبه على عدَم وجوبه، فقد قال المرزعي في "تيسير البيان": وقد اتَّفق الناس على أنَّ الطَّلاق من غير إشهاد جائز". وذهب جُمهور الفقهاء إلى أن الإشهاد ليس شرطًا لصحَّة الطَّلاق، وأنَّ الأمرَ في الآية يُحْمل على الاستحباب في هذه المسالة يبدو لي الأن الأولى بالقبول في هذه المسالة هو ما ذهب إليه القائلون بأن الإشهاد على الطلاق واجب، وأن الطلاق الذي لم يشهد عليه طلاق بدعي غير معتبر، وغير واقع، لأن المطلق خالف أمر الله عز وجل في وجوب الإشهاد على الطلاق، مضيفًا: وهذا هو ما ذهب إليه الشيخ محمد الغزالي حيث يقول: ".. وأستطيع أن أضم إلى ذلك رفض الطلاق الذي ليس عليه إشهاد، فالشاهدان لا بد منهما لقبول العقد والرجعة والطلاق على سواء، وخير لنا نحن المسلمين أن نقتبس من تراثنا ما يصون مجتمعنا ويحميه من نزوات الأفراد، أما الزهد في هذا التراث كله فهو الذي فتح الطريق لمحاولات تنصير قوانين الأسرة». ينبغي أن نضع في اعتبارنا أيضًا أن أن تغير الظروف وانتشار الناس وكثرتهم في عصرنا قد أوجبت العمل بالمصالح المرسلة في توثيقه». ومن ثم فمن لم يشهد على الطلاق كان طلاقه للبدعة لأن المطلق خالف أمر الله عز وجل في الإشهاد على الطلاق لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده كما هو الشأن عند الأصوليين.
وألمح إلى رأى الشيخ أحمد محمد شاكر موجهًا الاستدلال بهذه الآية: ".. والظاهر من سياق الآيتين أن قوله :"وأشهدوا " راجع إلى الطلاق والرجعة معا والأمر للوجوب لأنه مدلوله الحقيقي ولا ينصرف إلى غير الوجوب -كالندب-ـ إلا بقرينة ولا قرينة هنا تصرفه عن الوجوب بل القرائن هنا تؤيد حمله على الوجوب: لأن الطلاق عمل استثنائي يقوم به الرجل، وهو أحد طرفي العقد، وحده سواء أوافقته المرأة أم لا ، وتترتب عليه حقوق للرجل قبل المرأة، وحقوق للمرأة قبل الرجل وكذلك الرجعة ويخشى فيهما الإنكار من أحدهما فإشهاد الشهود يرفع احتمال الجحد ويثبت لكل منهما حقه قبل الآخر فمن أشهد على طلاقه فقد أتى بالطلاق على الوجه المأمور به ومن أشهد على الرجعة فكذلك ومن لم يفعل فقد تعدى حد الله الذي حده فوقع عمله باطلًا لا يترتب عليه أثر من آثاره. و استدلوا أيضًا بما أخرجه عبد الرازق عن ابن سيرين أن رجلًا سأل عمران بن حصين أن رجلًا طلق ولم يشهد قال بئس ما صنع طلق في بدعة وارتجع في غير سنة فيشهد على طلاقه وعلى رجعته، موضحا: وهذا يدل على وجوب الإشهاد على الطلاق وإلا كان بدعيا لأن المطلق خالف أمر الله عز وجل في وجوب الإشهاد على الطلاق.
وتابع: واستدلوا بالقياس على النكاح: فكما أن النكاح لا ينعقد صحيحًا إلا بشهادة ذوي عدل من المسلمين، فكذا الطلاق، إذ ليس البدء أولى من الإنهاء ، فكلاهما واجب احتياطا واهتماما بأمر الأبضاع.