قرأته مع شيخي الفاضل والعلامة صالح بن عبد الله العصيمي المدرس بالحرمين الشريفين. لم استفد من شيخ فاضل كثيرا كما استفدت من الشيخ العصيمي على قصر المدة التي حضرت فيها درسه. ففي درسه كان يرشدنا إلى كيفية تقييد الفوائد، ويصحح لنا بعض أخطاء مصححي الكتاب بناء على قراءته المكرورة للكتاب. وقد أشار إلى هذا في درسه بأن من أكبر مشاكل طلاب العلم عدم تمكنهم من تقييد الفوائد من الكتب المطولة. بل يرشدنا أيضاً إلى غريب التركيبات اللغوية ومدى فصاحتها في الكتاب. وقد رأيت بعد هذا ألا أدع هذا الشيخ دون ملازمة لغزارة ما يرشدنا إليه.
الكتاب حوى رسائل علماء نجد منذ ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتوالي علماء نجد.وقد مر على عهدهم مشاكل كثيرة كان كلامهم فيها هو الترياق الناجع والجواب النافع في تمييز الحق من الباطل.
كثير من هذه المسائل ما زال يعاد بين الشبان السلفيين ..المندفعين منهم. وبعضهم قد ينحرف إلى التكفير دون تثبت بسبب عدم اطلاعه على كتب العلماء. منها مثلا تكفير بعض الشبان (وهم أقلية) للحكومات بسبب صلات بلادهم الدبلوماسية بدول كافرة. وهذه القصة لها نظيرها في الدرر السنية. فقد كفّر شابان فارسيان في المنطقة الشرقية بالسعودية أمرائهم من آل سعود قديما لعلاقتهم بملوك المصريين!
كذلك من المسائل التي تتبين من هذا الكتاب بوضوح معاناة أئمة الدعوة من تشويه متعمد يتعرضون لها من خصومهم. فمن مدع بأنهم استحدثوا مذهبا خامسا إلى قائل بأنهم يحرمون زيارة قبر النبي، إلى قائل بأنهم يكفرون عامة الناس. وقد ظهر في الكتاب جهودهم في مراسلاتهم للأمراء والعلماء لبيان حقيقة دعوتهم وأنهم ما هم إلا امتداد لعلماء الإسلام من قبلهم.
ليتني قرأته قبل ذلك حتى لا أحمل في قلبي بغضًا لمن أقاموا الدين في زمنِ الفتن. الكتاب جميل في كثير من القضايا الفقهيّة والكثير من الرسائل عن حقيقة الدعوة النجديَّة التي وصفت حينها ومازالت بالدعوة التكفيريَّة فوالله لم أرَ الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب إلا داعيًا إلى الله بما يوافقُ ما أتى بهِ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ولم يخترع ويبتدع في دعوته ما ليس من الدين ولكنَّ الناس لا تحبُّ الناصحين .
المُشكلة الوحيدة في الجزء الأول بأنَّه تعرَّض في أكثر من نصفه لبيان حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب في رسائل تقريبًا مكررة الأفكار.. وغير ذلك فالكتابُ قيِّم أنصحُ كلُّ مسلمٍ بقراءته في زمنٍ اختلط فيه الحقُّ بالباطل والجهلُ بالعلم.