رواية تأسرك بعالمها وبأسلوب كتابتها الغريب؛ لا توجد مشكلة هنا تحدث وتتصاعد ثم تحل مع نهاية الرواية، بل أن الأمر أشبه بأنك مررت بالكاتب فى قريته بالجابون وقت العصر فناداك لتشرب معه كوبين من العرق وجلس يحكي لك حكايات في قلب حكايات عن أماكن وأشخاص وقبائل وعن مشاكل المدينة وإهمال الأسلاف، ثم فجأة ناداه أحدهم فقام وتركك.
بأناقة ومتعة بالغة يقدم لك الكاتب ما يريد قوله، المدينة ليست سيئة، العالم يتقدم وتجب علينا مواكبته ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن نترك جميعا القرية، والأكيد أنه لا يعني أبدا أن نترك الأسلاف وحكاياتهم وخبراتهم وحكمتهم التي تنتقل لنا جيلا بعد جيل وإلا فسنضيع جميعا، وسنتوه تماما فى هذه الحياة.
سقى الجابونيين الأرض بدمائهم ليحصلوا على الاستقلال، وحصلوا عليه فأصبح أمام الجيل الجديد تحد أخر وهو ألا يضيعوا، وأصبح على جيل الأباء والأجداد مسئولية أخرى وهي أن ينقلوا الحكمة والتاريخ لهم.
يا لقلة معلوماتنا عن الجابون، ولعدم وجودها بلغتنا العربية على الإنترنت حتى أن ثمة حيوانات وأشجار لم أجد لها صورة وهو ما أضفى على الرواية جوا غرائبيا جميلا لأننا نفتقد للمخيلة والمعلومات عن هذه البلاد، كما أن الكاتب كان يستخدم فى حديث العم مآ والأخرين الكثير من الأمثلة والحكم المرتبطة تماما بالبيئة للتعبير عن شىء أو رأي ما وهو ما كنت أقف أمامه عاجزة تماما عن فهم المقصود منه. الكلام عربي بسيط ولكني لا أفهم الصلة بينه وبين الحدث؛ فكنت اأشعر بأنني قذفت في وسط الجابون أرى الطرق والأسواق والمدن والأنهار وأسمع الناس تتحدث ولكني لا أفهم اللغة وهو ما كان تجربة ممتعة وغريبة جدا وليس مشكلة أبدا.
كان العم مآ (غالبا كعادة كبار السن فى بلاد كثيرة فى أفريقيا من قراءاتي) يستغل أي مناسبة ليحكي لمن حوله سواء كانوا أطفال أم كبار حكاية فى وسط الحديث عن شىء أخر أو فى وسط حكاية ما، وهو ما اكتشفت مع القراءة إنها طريقتهم لنقل حكمة الأسلاف وذاكرة القبيلة.
رواية تحكي عن شخص محبوب من الجميع وله مكانته فى المجتمع يقوم برحلة من القرية للمدينة للقاء بنته والعلاج ويقضي معها وقت ثم يعود لقريته، معظم صفحات الرواية تتحدث عن احداث رحلة العودة وما تعرض له الركاب خلال الرحلة ومن ثم العودة والجزء الاخير فى قريته. تتحدث الرواية عن الكثير من التقاليد والعادات والديانات والمعتقدات الجابونية حيث أن الكاتب جابوني والرواية أيضا تحدث في أفريقيا، كانت رحلة ممتعة عرضتني لثقافة لم أقرأ عنها من قبل.