قضيت ليالي أفكر ماذا تكون أولى كلماتي في هذه المذكرة، فعقلي عبارة عن مخزن من الذكريات لم أحسن ترتيبها خلال أعوامي السبعين المنصرمة فأصبح مكدَّسًا لا يتسع لمزيد من الأحداث. فالزحام وتشابك الحكايات يجعل منِّي مشوشًا تظهر وتختفي أمام عينيّ ومضات من الماضي أحاول الإمساك بها، لكنها تتسرب من بين أصابعي وينطفئ وميضها لتحلَّ محلها ومضة أخرى لذكرى أكثر قسوة. فقررت أن أتوقَّف عن كتابه مذكراتي وأجعل هذه الذكريات والحكايات حبيسة في نفسي لتدفن معي عندما تتوقف ساعات الزمن معلنة عن رحيلي من هذا العالم فتتحلَّل مع جسدي المتهالك وتصبح عدمًا بهذا الوجود اللا متناهي إلَّا أن خوفي من العدم والمجهول الذي ينتظرني خلف أبواب الموت المغلقة هو ما جعلني أعود إلى مكتبي في منزلي البسيط بضواحي المعادي أجلس مع صديقي الوحيد؛ الصمت الذي تعوَّدتُ عليه طوال أربعين عامًا منذ أن رحلت زوجتي تاركة لي ميراثًا من الحزن والألم فأخرجت دفتري وشرعت في كتابة هذه المذكرة التي هي حيوات عاشها آخرون منذ سنوات وكنت أنا الحارس الأمين عليها وكاتم أسرارهم التي لم أبُح بها لأحد من قبل. ففي محلي الكائن في شارع تسعة تستقر مئات الأنتيكات المعروضة للبيع، ولكل أنتيكة منهم قصة تسكن داخلها وتصرخ لكي تعبر حاجز الجماد لتُسمِع العالم حكايتها.
"الأنتيكة ليست مجرد قطعة صماء تركها أناس آخرون من أزمنة بعيدة، لكنها شاهد على أحداث وربما تكون في بعض الأحيان هي البطلة الرئيسية لهذه الحكاية." بطل الرواية عجوز شغوف ومولـع بالتحف والأنتيكات القديمة، يقضي جل يومه في متجره وتحديدًا في القبو والذي يخفي فيه عن أعين زبائنه نوعًا خاصًا من الأنتيكات، قطع خاصة لم تكن فقط شاهدة على أحداث عصيبة، بل وبعضها يحوي بداخله الشر الذي يهدد بالانطلاق في أي لحظة إذا ما وقع في الأيدي الخاطئة، قطع من ماضٍ سحيق تحمل كل منها سرًا خاصًا، على مدار الرواية يسرد لنا العجوز قصة بعض هذه القطع التي غيرت حياة أصحابها تمامًا.. الرواية المناسبة في الوقت المناسب، قرأت الرواية في فترة كنت أعاني فيها من الفتور والملل من القراءة وكانت هي بمثابة الحل المثالي، فالتشويق والغموض يحيط بالرواية منذ بدايتها ويدفعك رغمًا عنك لالتهام الصفحات لمعرفة المزيد والمزيد. تأتي الرواية على هيئة قصص منفصلة بأفكار مختلفة صاغها الكاتب بأسلوب بسيط، سهل ومشوق ومن بين ٤ قصص فضّلت أكثر آخر قصتين. في النهاية، استمتعت بالرواية وأنصح بها خصوصًا للمبتدئين ولمحبي الغموض والتشويق. تقييمي ٣.٥/٥⭐⭐�