الملح مفسدة الأرض و الإستبداد مفسدة الوطن.. تروي الأسطورة القديمة أن الرومان احتلّوا قرطاج فأهلكوا فيها الحرث و النسل، ثم زرعوا أرضها ملحا حتى لا تثمر بعدها أبدا. لعلّ الأسطورة كانت رمزية، كما تدّعي الرواية التي بين أيدينا، و هؤلاء الحكام المفسدون البغاة هم الملح الفاسد القديم الذي زرعه الرومان بأرضنا! كتبت هذه الرواية تحت النير الثقيل، في أحلك زمن عرفه هذا الوطن المنكوب بأهله، فصوّرت آخر حدود مهانة البشر، و انهيار كل قيمة و معنى، و انسداد الدروب و الآفاق، حين ينحدر البشر إلى حضيض الحيوانية، و ينتهون إلى إفلاس القلب و الروح.. لكنّ الراوي، من قاع الظلمة، قد حدس نورا مبهرا وراء السور العالي، فأخبرتنا هذه الرواية، مثل إنجيل البشارة، أن الله قد بدأ للتو ينقّي بيدره في قرطاج الحبيبة.
ولد بنصر الله جنوب القيروان حيث زاول تعليمه الإبتدائي بمدرسة العجاجنة.. تابع تعليمه الثانوي بسيدي بوزيد حيث تحصل على شهادة الباكالوريا آداب. تابع دراسته الجامعية بدار المعلمين بسوسة اختصاص اللغة و الآداب العربية، حيث تعرّض إلى ملاحقات و تتبع أمني، ثم محاكمة سياسية. خرج من سنوات الهرسلة الأمنية و أيام الثورة، بأعمال روائية بدأ في نشرها على التوالي :
ملح قرطاج : في تعرية النظام البوليسي الاستبدادي و كشف ملامحه القبيحة الفزاعة : في تحليل الهشاشة الداخلية لسلطة الاستبداد يسقط الشاه : مقاربة روائية لانهيار الدكتاتورية المدوي، و ما يعقبه من صراع بين قوى الثورة و قوى الردة أبناء بورقيبة : تكشف الآليات الغامضة التي حولت البورقيبية من ثورة تحرر إلى جهاز قمع سياسة الخنازير : عمل قصصي صادم في فضح الساسة المتلونين الذين يديرون الشأن السياسي بأخلاق الحظيرة.
يشتغل الكاتب حاليا موظفا بوزارة البيئة و التنمية المستديمة.
كتاب كالفحيح يتسلل غاضبا من بين قضبان السجون. فيه الكثير من المرارة و القهر، و فيه الكثير من اللعن و الغضب. نصوص جميلة تشي ببلاغة صاحبها و فصاحة لسانه، لكنّها نصوص مفككة، مهترئة أحيانا، تبدو كأنما هي أضغاث أفكار مشتتة فرممها و زيّنها و حاول الوصل بينها، و هذا لا يشبه الرواية من حيث هي فكرة واحدة تتسع و تتمدد و تتشابك و تلد. تحسب الأمر قدرة من الكاتب على القصة الملتوي الذي لا يعترف بخط الزمن، لكنّك تكشف فيما بعد ثغرات منطقية تثبت تفكك الرواية بعض الشيء.. و حتى تطور الشخصيات يسقط أحيانا في فخ التفكك، فمسعود فاقد الذاكرة، يذكر صفية، و مسعود خائر القوى، مغسول المخ، يغضب و يزمجر، و عسكر الدولة التي تغسل أمخاخ المساجين و تعرف كل شبر في عقولهم، عاجزة عن استنطاقهم. ثم إن قسم غسل المخ، أراد به صاحبه شيئا من التجديد و التوغل في عالم الخيال العلمي، فسقط في عالم السذاجة الفكرية و العلمية. و هو ديدن الكثير من الكتاب العرب. و أبسط القول أن دولة تقدر على تحديد خريطة لكلّ شفرات الدماغ و فهم كل مشاعر المرء، لهي دولة لا تستحق ثوارا يغامرون من أجل إصلاحها، بل لعلّها خاوية من السجون!
رواية ملح قرطاج للهادي التيمومي عن دار الجنوب أكثر ما شدني للرواية ظروف كتابتها الصعبة التي لا تخلو من المغامرة الكاتب سجين سياسي ذاق جل أنواع العذاب في سجون بن علي 💔 و ترجم احاسيسه بكلمات مشفرة لغة ابتكرها في زنزانته كي لا يكتشف ما يكتبه أحد و بقي تحدي إخراج الوريقات من السجن عالقا الى أن ابتكر طريقة مجنون خطيرة و مبدعة تمكن من خلالها من تهريب روايته كي ترى نور الحرية قبله الرواية جمعت بين قوة النص و جزالة الاسلوب و مررت مرارة دفينة وصفت المهانة التي عاشها الكاتب و المجردة من مقومات الكرامة الإنسانية البطل مناضل من الفلاقة رفض ترتيبات الحكم الذاتي التي أبرمها بورقيبة مع المستعمر الفرنسي تمسك بنهج الكفاح المسلح فالقي عليه القبض بخديعة و رمي في مستشفى للأمراض العقلية أين وقع بين يدي ضابطين فاسدين سخراه لتهريب المخدرات بعد أن أذهبا عقله