موضوع النص الديني خطر، ويجب الدخول فيه بحذر شديد، بسبب صعوبة الموضوع من ناحية وبعض ردود الفعل التي تكون غير متوقعة من ناحية أخري.
يمثل الكتاب مجموعة من الأفكار المنظمة التي تحاول بناء نسق لطبيعة النص القرآني بشكل موجز بدون الدخول في التفصيلات وإشكالاتها. ويختلف مستوي الأفكار التي تتناول النص الديني بداية من طبيعة النص مرورا بالنظام الداخلي للنص انتهاء بتأويل النص. وبذلك يمكن وصف الكتاب بالثراء الفكري نظرا لتعدد الأفكار وتعدد مستويات تناولها
في نوفمبر من العام الماضي، ولمدة شهرين تقريباً، قدّم الأستاذ مصطفى مقرراً دراسياً على موقع رواق للتعليم المفتوح عن طبيعة النص القرأني بعنوان "مبادئ تأسيسية في طبيعة النص القرآني" وهذا الكتاب يُعتبر تفريغاً نصياً لمادة ذلك المقرر. يحاول الحسن في هذا الكتاب -كما هو واضح من عنوان المقرر- التطرُّق إلى مواضيع مختلفة، تبدو غير مترابطة (وقد ذكر لي هذا أكثر من شخص) حول النص القرآني، إلا أنه لحظةَ تدرك أنه لا يسعى لتقديم أكثر من ركائز أساسية يُمكن أن تعيد وتُنظم أسئلتنا حول طبيعة النص القرآني، ستجد الخيط الرابط بين هذه الأفكار المُتناثرة واضحاً، وقد حاول تقديم هذا بشكل مُيسر بعيداً عن الحشو والتفاصيل، أي بشكل "موجز"ا
يختار المؤلف الفصل بين النص والتأويل، ومع أنها عملية صعبة في كثير من الأحيان، لكنها عملية تُنظم وتسهل عملية البحث هنا -رغم أنه سيدخل في بعض تفاصيل التأويل أحياناً-، وما ينطلق منه، هو أن لكل نص "طبيعة" خاصة، أو تصور مُعين في أذهاننا، سواء وعينا بها أم لا، هذه الطبيعة تؤثر في تأويلنا (أو قراءتنا) للنصوص؛ فمثلاً للدليل الإرشادي (الكاتلوج) طبيعة مُعينة، تجعل من الغريب أن نستشهد بأحدها في سعينا الوجودي أو حياتنا إلخ، وللنصوص الأدبية كذلك طبيعة مُعينة، وفي هذا السياق يدور البحث: ما طبيعة النص القرآني؟
يُفضّل الحسن المدخل اللغوي كمدخل للبحث عن جواب لهذا السؤال، ويرى هذا المدخل هو الذي له العلاقة الأهم في فهمنا لطبيعة النص، ويبرهن على هذا من خلال توضيحه بأن المدخل العقدي عند التدقيق لا يؤثر كثيراً في تعاملنا مع النص -على عكس ما هو شائع- ويمكن أن نرى هذا بكل وضوح عند المدرسة البيانية في التفسير؛ فالجُرجاني الذي ابتدع نظرية النظم في محاولة لفهم الإعجاز القرآني (وطبيعة فهم الإعجاز هي بحد ذاتها محاولة لفهم طبيعة النص، كما يقول المؤلف) هوأشعري العقيدة، أي لا يقول بخلق القرآن، وصاحب الكشاف (الزمخشري) معتزلي العقيدة، أي يقول بخلق القرآن، ومع ذلك نرى الزمخشري يُطبّق نظرية النظم في تفسيره دونما أي فرق يُذكر، بل حتى أنه يذكر بأن القول بخلق القرآن "أدلّ على الإعجاز" وهذا يختلف عن ما يحاول تقديمه كثير من المثقفين العرب بخصوص المعتزلة، ومن أن عقيدتهم أدت لنتائج مُختلفة عن العقيدة الأشعرية.
بنيوية دي سوسير تم تجاوزها، لكن الحسن يراها مُلائمة لتشكيل أرضية صلبة نقف عليها إذا أردنا بحث اللغة؛ فيقوم بشرح أهم أفكارها في الفصل الأول. أما الفصل الثانية فيناقش مفهوم التاريخية، ويعرض آراء نصر أبي زيد، والجابري في هذا الموضوع، وينقدها، ثم يعرّج على أسباب النزول، حيث يرى بأنها محاولة أولى في فهم طبيعة النص، لكنها لم تتقدم، ويفنّد الرأي القائل أن النص القرآني لا يُفهم بمعزل عن أسباب النزول، لسبب بسيط، وهو أن أغلب الآيات نزلت ابتداءً ومن غير سبب، ويدعو إلى ما أسماه سياق النزول، أو السياق التاريخي لنزول الآيات القرآنية (كان من ضمن مخططات المؤلف لرسالة الدكتوراة هو بحث هذه الفكرة: سياقات النزول، لكنه عَدل عنها وبحث في فكر أركون وأبي زيد عوضاً عن ذلك) . والفصل الثالث كان عن مناقشة المدخل العقدي، بينما الرابع عن الأحرف السبعة الذي فيه البحث عن موضوع شديد الحساسية، وهو تواتر القراءات، وختم الكتاب بفصل القرآن في عهد النبوة ومابعد عهد النبوة، ويمكن أن أجمل ما يقصده في هذا الفصل في قوله: "أن النسق الإسلامي الذي قام في عصر النبوة هو أحد ممكنات الدين، وليس هو الدين ذاته"ا
أستطيع استشفاف أن أبرز ما يرمي إليه الكاتب في مناقشته لتواتر القراءات، والقران في عهد النبوة وما بعده، بل وربما بحثه عن طبيعة النص الذي تسبق عملية التأويل والقراءة، إلخ هو توسيع دائرة الحقيقة، وتبيين نسبية الكثير من المسائل التي نعتقد صلابتها، وبالتالي، ومن خلال بحث هذه الأمور، يوضّح لنا أن الدين ذو طبيعة فردية في الأساس، وإن صدق ظني هذا، نفهم حينها لماذا ختم كتابه بالحديث عن سلطة المؤسسة الدينية ومساوئها .
الكتاب يتحدث عن طبيعة النص القرآني كما حدد المؤلف في العنوان وأعاد التأكيد في المقدمة على ذلك، وحدد أيضا بأن القرآن نص لغوي وتعامل معه على هذا الأساس في الكتاب تعامل مع النص القراني من ثلاث جوانب، النص القرآني بصفته نصاً لغوياً وذلك في الفصل الأول، ثم الطبيعة التاريخية للنص القرآني، وبعدها المدخل العقدي، الفصلين الأخيرين عن الأحرف السبعة ثم القرآن في عهد النبوة وما بعد عهد النبوة اعتمد المؤلف على البنيوية كمنهج لفهم طبيعة النص اللغوي، وتحدث في الفصل الأول عن القرآن بوصفه نصاً لغوياً، وتحدث عن اللغة بوصفها بنية، وبنية اللغة. ما لفت انتباهي هنا أن المؤلف اعتمد على البنيوية، دون أن يشرح كيف يعتمد على البنيوية كمنهج في قراءة نص مقدس؟ وهل يمكن الفصل بين صاحب النص وهو الله في حالة النص القرآني وبين النص؟ وهل يمكن حصر الدراسة على النص وأجزاءه والعلاقات بينهما، بدون تجاوز قداسة النص مثلاً؟! تحدث في هذا الفصل عن بنية النص، الدال والمدلول وغيرها، لكن ماتحدث عن الفكرة المقصودة بالضبط الفصل الثاني كان عن تاريخية النص القرآني وتحدث فوراً فيه عن تبريراته لتوظيف تاريخية النص، والتي تم رفضها بسبب النتائج والتوظيف لهذا المنهج في تجارب سابقة (تجربة نصر أبو زيد، وتجربة محمد عابد الجابري) وقام بانتقاد التجربتين. في المدخل العقدي تحدث عن قضية خلق القرآن، وقضية الإعجاز في القرآن، لينتهي بأن الخلافات العقدية، لا تؤثر على المدخل الذي يراه لطبيعة النص القرآني وهو المدخل اللغوي. سأتجاوز فصل الأحزف السبعة وانتقل للفصل الأخير وهو القرآن في عهد النبوة وما بعد عهد النبوة، خاتمته تحديداً مُحيرة، في حين أن الكتاب كان يقدم المنهجين اللغوي والتاريخي كمقترحات للتعامل مع النص القرآني، ويبرر للتاريخي، تأتي الخاتمة وكأنها نتيجة تم تقريرها، لا فقط توقعها أو التنبأ بها !! استعجال مربك لي كقارئة الكتاب يسترسل في الأمثلة بشكل ممل، وعدد من الأمثلة لم أستطع أن أجد بينها وبين الفكرة أي رابط، ويوجز في الأفكار بشكل مخل أحياناً، والكتاب أقرب لمقالة من كونه كتاب
ببساطة كتاب جيد كمدخل لدراسة طبيعة النص القرآني ويشرح لك آليات فهمه كنص عربي نزل في وقت معين من الزمن ويطلعك على بعض النظريات في علم الدلالات اللغوية ومفهوم التأريخانية - الموضوع المزعج لكثير من العلماء - مما جعل منه كتابا جميلا في هذا المبحث ومقدمة جيدة لأي قارئ مهتم بهذا المجال
كتابٌ أراد له صاحبه أن يكون مثيرًا للتفكّر والأسئلة، من غير ما وصول بقارئه إلى شاطيء الإجابات الجاهزة أو المقترحة. ولعلّ الكاتب قد اختار هذا خشية المؤسسة الدينية خاصة وأنّه يعيش في شرق السعودية. عرض الكاتب لآلية التعامل البنيوي مع النص، مذكّرًا انّ القرآن نص لغوي. ولكنّه لم يضرب مثلًا لهذه الطريقة في التعامل مع النصّ القرآني. ولم يبيّن كيف يتميّز النص "الإلهي" في هذه الحالة عن النصّ البشري. وفي حديثه عن تاريخية النصّ، وعلى الرغم من تفريقه بين التاريخية اللغوية والتاريخية التوظيفية إلّا أنّه عاد-بتناقض- ليشير إلى أنّك لا تستطيع التعامل مع القرآن كنصٍّ قانوني صارم! وفي هذا الباب لم أجد نقده دقيقًا لفكرة "نصر حامد أبوزيد" لتاريخية النصّ. كما أرى أنّ أضعف فصول الكتاب هو الفصل المختصّ بالأحرف السبعة، فقد خلط الكاتب بين الحروف والقراءات، كما قفز إلى استنتاج لم يقم عليه دليل وهو أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم (أجاز) بمعنى السماع والموافقة الأداء المختلف للتلاوة (الأصول). كما أنّه جعل التيسير والتسهيل خلافًا لاتساع المعنى. وهذا غير صحيح إذا ما فرّقنا بين الأصول والفروش في القراءات. ختامًا، هذا جهدٌ مشكور للكاتب، وليس أكثر من بذرٍ للأفكار والأسئلة. وكلما قرأت بحثًا جادًا في المسائل الدينية شعرت بعبء المسلمات الخادعة التي تنوء بها عقولنا.
يصح أن يقال في هذا الكتاب أنه مازال بذرة تحتاج لوقت وجهد أكبر حتى تنمو وتتشكل فباسثناء الفصل الأول والفصل الثاني، اللذان يشكلان نصف الكتاب، فإن بقية الفصول (وعددها ثلاثة) مازالت بحاجة لقدر أكبر من الدراسة والبحث، بل إن بعضها قد احتوى أفكارا، هي برأيي خطيرة، مثل الفصل الرابع عن الأحرف السبعة (وأعني تحديدا آخر ثلاث فقرات في هذا الفصل)، ولا يمكن إلقاء القول فيها جزافا بدون تمحيص ودراسة عميقين
أعرف بأني لن أكون محايدًا بشأن هذا الكتاب، ولو حاولت، لأن المؤلف صديق قريب جدًا. الكتاب جميل جدًا وبسيط في طرحه، وعميق أيضًا، وواضح بشكل كبير بحيث يمكن أن يكون أول كتاب تقرؤه في هذا المجال، ووجدته متماسك بشكل جميل أيضًا .. أنصح به للمهتمين بهذه الأفكار
سيبقى السؤال يتكرر بشكل دائم عند التفكير بأي رأي نسقطه على شيء ما, هل يجب النظر له من خارجه أم من داخله؟ وهل يتكوّن معيار القيمة بالمقارنة مع أقرانه في نفس المجال أو ما اختاره الشي�� لنفسه؟. ولعلّ الأفضل دائماً � على الأقل في النصوص � هو ما يقوله النص عن نفسه وما يحدّده له من دور. يقول مصطفى في المقدمة "لا أميل كثيراً إلى الأسلوب الأكاديمي ولا إلى الكتب كبيرة الحجم ولا أحبّ التوغل كثيراً في التفاصيل". محاولاً جعل كتابه " مجموعة من الأفكار المنظمة تبحث عن بناء نسق لطبيعة هذا النص", ولأن "موضوع النص الديني خطر ويجب الدخول فيه بحذر, بسبب صعوبة الموضوع من ناحية, وبسبب ردّة الفعل التي قد تكون غير متوقعّة ومبالغ فيها من ناحية ثانية, لذلك يجب البحث دائماً عن ما يمكن أن يقال وسط أزمة حريّة الرأي في عالمنا العربي" تجعل الكثير مما يمكن أن يقال في طيّ المسكوت عنه. هنا يضع الكتاب خارطته التي سيتحرك بها والمجال الذي سيدور فيه وهو إيجاد طبيعة للنص القرآني
في الكتاب خمس فصول, يأخذ كل واحد منها القرآن من زواية مختلفة للنظر في طبيعته, لغوياً وتاريخياً وعقدياً ومسألة الأحرف السبعة وفي النهاية القرآن في عهد النبوة والقرآن حاضراً. الكتاب حاول طرح الأمثلة لتبسيط الأفكار والتي كانت غير متوافقة مع المفهوم الأصلي ولذلك كانت تُنقص الفهم أو تشتته عن الفكرة المراد توضيحها. في فصل التاريخيّة بعد أن يفرّة بين مستويين منها,و بين المفهوم والتوظيف, يأخذ المؤلف حالتين وهي نصر حامد والجابري, في الحالة الأولى ينتقد مفهوم نصر للعلاقة بين الإنسان والنص ويقول "أعتقد أن خطأ نصر أبو زيد هو حين عدّ الأنساق متغيرة والإنسان ثابتاً في مكان وزمان ما, وبالتالي أصبحت المعادلة مستحيلة في رأيه, ونحن نقول أن الأنساق متغيرة والنصوص تجري في داخلها والإنسان يتكون في داخلها كذلك" وهذا نقد � أتفق معه تماماً - في عمق رؤية نصر أبو زيد
الحالة الثانية مع الجابري, انتقده من جانبين (نظري وتطبيقي) الجانب التطبيقي فيه آراء كثيرة وجدلٌ كبير وهي مسألة ترتيب سور القرآن. لكن أريد أن أتكلم عن انتقاده من الناحية النظرية, يقول مصطفى الحسن "أعتقد أن هذه النظرية مستلهمة أو مأخوذة من نظرية شلايرماخر وهو فيلسوف ألماني (...) ولذلك فالتأويل السيكولوجي يعرفنا على فرادة المؤلف وعبقريته الخاصة, وهذا التعرف يتم من خلال مشاركة المؤول الوجدانية للمؤلف (...) شلايرماخر من الشخصيات المؤثرة في نظرية التأويل وفي تراكمها المعرفي وتطورها, ولكن نظريته تم تجاوزها إلى نظريات أكثر نضجاً (...)" مكملاً شرح نظرية شلايرماخر, وينتهي بعدها إلى ملاحظة أنّ "النقد موجه في حال التطبيق على النصوص البشريّة, وليس حين يكون النص ذا مصدر إلهي, فهي نظرية ترتبط بكون النص صادراً عن بشر (...) ونحن نعلم أنه لا يمكن التعامل مع الإله بوصفه بشراً ولا يمكن العثور على نفسيته" وهنا خطأ منطقي منهجي في النقد, فالانتقاد كان لشلايرماخر على نظريته ولم ينتقد المطلوب هنا وهو الجابري, وبعدها تم إسقاط أخطاء شلايرماخر على عمل الجابري
الكتاب قيّم, فيه البحث والربط بين علوم كثيرة, سأختم بخاتمة الكتاب "النص حالة موضوعية, أي أنه ليس مجرد علامات تثير المعنى وتحيل إلى معنى آخر إلى ما لا نهاية, إنه ليس كذلك ابداً, بل هو يحمل معنى وحقيقة, لكنها شديدة الإتساع بحيث يبدو النموذج القرآني نوذجاً ذا نماذج, وكأنه الصراط المستقيم يحمل في داخله صراطات مستقيمة متعدّدة, وهذا لا يمكن أن يكون إلا بإعادة الاعتبار للتجربة الفردية, والسماح لها بالظهور, وهذا ما لا يمكن إلا بإتاحة حرية الرأي الديني
موجز في طبيعة النص القرآني" لد.مصطفى الحسن كتاب جميل-من الشبكة العربية دار نشري المفضلة- يلخص أهم معالم طبيعة النص القرآني و كيفية التعامل معه ، بطريقة ممتعة و مبسطة الاسلوب مع و ان الكتاب ثري بالنسبة لأسلوبه و صفحاته، و صدقوني ستأقرأون شيئاً مختلفاً فالكاتب هدفه كما قال في المقدمة ((اتمنى أن أضيف فكرة تساعد غيري على التفكير)) بصراحة لم يكن يعجبني علم الهيرومنطيقا و طريقة العامل مع القرآن الا بعد ان استمعت و قرأت ما يقدمه د.مصطفى ، و أتطلع لقراءة بقية كتبه ، الرجل يقدم إنتاجا ثقافياً راقياً ، تابعوا مقالاته و هنا يوظف مفهوم التاريخية -الذي يكش من سماعه أغلب المتخصصون في القرآن الكريم- بشكل جميل و واقعي مبني على أسس علمية
كنت أبحث عن تمهيد أو مقدمة مختصرة للبدء في القراءة في علوم القرآن. احترت بين مقدمة الجابري وكتاب مصطفى الحسن واخترت كتابه. لن يندم أي قارئ لهذا الكتاب على اختياره، فقد بسّط المؤلف أفكاره وجعلها مباشرة متلافيا الخوض في التفاصيل قدر الإمكان. القرآن.. لغةً، تاريخاً، مرجعاً، صراعًا، تطوراً، قبل وبعد النبوة، نقلا شفهيا وكتابةً والكثير الكثير من المواضيع المتعلقة. من أروع ما قرأت في التمهيد قبل الخوض في علمٍ ما.
يقدم الكتاب موجزا في طبيعة النص القرآني بمعنى الكلمة .. قدم القرآن كنص لغوي لم ينفصل عن المنظومة اللغوية التي امتلكها العرب بل جاء متماشيا ومتفاعلا معها .. استحضر مفهوم تاريخية النص مقارنا وناقدا لرأي نصر ابو زيد والجابري بطريقة محفزة للكثير من الاسئلة .. مؤكدا في جزئه الاخير على كون النص يحمل معنى وحقيقة شديدة الاتساع ولبلوغها لابد من اعاجة الاعتبار من التجربة الفردية والسماح لها بالظهور مما يلزمنه المزيد من حرية الرأي الديني ..
الكتاب ينطبق عليه مقولة خير الكلام ما قل ودل. موجز يتحدث عن طبيعة النص القرآني بما يرتبط بخاصية التأويل بطريقة رائعة ومبسطة. وأكثر ما أحببته بأن الكاتب يحرك القارئ ويفتح أمامه مجالات عديدة للبحث والتعمق.
مقاربة ثرية رغم الإيجاز، للنص القرآني، ميزها التحديد والعمق، في قالب نوعي ذو تفرد.
يسعى مصطفى الحسن في كتابه "موجز في طبيعة النص القرآني" إلى تعريف القرآن من حيث كونه نصا لغويا "عربيا" مع رصد الدلالت التي يحيلها هذا التعريف على عملية تأويله (بمعنى قراءته وفهمه)، وكيف تم التعامل مع هذا النص في زمن النبوة والأزمان التالية له ، حيث حصر طرحه في محاولة كشف طبيعة نص القرآن وانعكاس تلك الطبيعة على عملية القراءة والفهم وكان قد إختار لهذه العملية مدخلين، اللغوي والعقدي، الأمر الذي خدم الطرح، وأعانه على إيصال الفكرة.
قيمة الكتاب تتجلى في محاولته إعادة إكتشاف أهم نص عرفته البشرية، على الأقل بحسب اعتقاد المسلمين منهم، إكتشاف يتجاوز الترديد الروتيني لمنطوق النصوص أو مفاهيم المؤسسات الدينية الجامدة والقاطعة - والمجانبة لأوجه الحقيقة في كثير من الأحيان بحسب ما أرى لا ما يرى المؤلف- عن ما هو القرآن وكيفية تأويل آياته وما هو أفق الحقيقة التي تتسع لها مضامينه، كما أنه إشتمل على نقد لرؤيتي نصر أبو زيد ومحمد عابد الجابري لأهمية تاريخية القرآن (الاول كنص سيرة تاريخية والثاني أهمية ترتيب النزول لفهم كنه الرسالة)، حيث رأى المؤلف نقيض ما رأوا وقد دلل بحججه على رأيه، ورغم كوني لا أتفق مع كثير مما ذهب إليه، إلا أن لعملية النقد (فعل النقد) الفكري بذاتها، من حيث كونها أداة حضارية فعالة لنقاش الأفكار وطرح الآراء وإمتحان قوة الطروحات بتجرد، عندي مكانة خاصة من التقدير والاهتمام .
مأخذي على الكتاب هو التضارب في تحديد مكانة "التأويل" من موضوع الكتاب، تارة يدرج على أنه أحد المحاور الرئيسية وفي صميم المضمون المطروح، وأخرى يشار إليه كتفاصيل نافلة تتجاوز (خارج) موضوع الكتاب الرئيس.
الكتاب يمكن أن يوصف بأنه عصف ذهني لتجلي ماهية النص القرآني ونقطة بداية لأبحاث ودراسات بهذا الصدد كما أنه يشكل حافز بتنوع أفكاره وطبيعة نقاشاته، لطرح العديد من الأسئلة الهامة في هذا الإتجاه؛ أنصح به.
إقتباسات من الكتاب:
"الإنسان ينتج لغته بإستمرار، وأن اللغة هي مخزن الثقافة، وهي نظام تفكير."
"فالقارىء يقرأ القرآن بفكره، وفي المجتمعات الشمولية بفكر الجماعة ويساهم في ترسيخها، والمستمع يجد أن الفكر الديني السائد هو ما ينطق به النص؛ لأن القارئ مُنتَمٍ إلى هذا الفكر، مُنتَمٍ في شكله وأفكاره وتفسيره، فكذلك تكون قراءته كإضفاء الشرعية على كلامه."
محاولة إجتهادية لفهم مختلف عن الفهم السائد في عصرنا الحالي، والأكيد أن الفهم السائد ليس فهما بالمعنى المعروف بل هو حجر على العقل ومنع عن التدبر بدعاوٍ كثيرة! وينبغي السماح بالتجربة الفردية في فهم القرآن ما دامت لا تخالف ثابتا من الشرع، فهذه هي معجزة القرآن الحقيقية: تأثيره في الأفراد ليخرجوا من مأدبته بغير ما دخلوها.
أورد "د.مصطفى الحسن" في المقدمة أن القارئ لن يجد في الكتاب كل شيء فهذا موجز لا أكثر ..! لكنني مع كل فصل من فصول الكتاب كانت ترافقني القصاصات الملونة التي امتﻷ� بإشارات حول النص القرآني وماهيته من حيث اللغة ومدى اتساع المعنى كمدخل، ثم "التاريخية"؛علاقة القرآن الكريم بالزمان والمكان، وحول مفهوم "التأويل " والغاية منه ثم عرضه للجهاز المفاهيمي و "رؤية العالم" بوصفها المحصلة الوجودية أو الفلسفية لكل جهاز مفاهيمي ،والتعرض لفكر الجابري عن (التكون والتكوين )والانطلاق للحديث عن أسباب النزول وماهو مدى ارتباطها بفهم النص القرآني .. و عرض جزء من مشروع نصر أبو زيد عن اكتشاف "المتتاليات الفكرية " في نموذج أهل السنة ..
يطرح موضوع "الأحرف السبعة " و "القرآءات" من الزاوية التي تهم البحث وهي فهم طبيعة النص والتأويل وهنا نجد أن الكاتب يحافظ على تركيز القارئ دائما خلال الفصول..
وفي الفصل الآخير يأخذنا معه حيث الرعيل الأول والزمن الأول بتوصيف موضوعي وموفق في حديثه عن "القرآن في عهد النبوة" و عن معنى كونه نزل منجما ؛أي ملاصق للتطبيق العملي والمسلمون يقبلون القرآن ويتشربون معانيه زمنا بعد زمن ومرحلة بعد مرحلة فيتحول القرآن إلى واقع !
يشير إلى حضور النبي -صلى الله عليه وسلم -في النص القرآني بشكل كبير وبعض الأحداث بإمكاننا فهمها على أنها علاقة بين الله ورسوله وهو ما يمكن أن نسميه ب"التجربة الروحية"، خصوصا إذا انطلقنا من فكرة أن الدين في جوهره فردي؛ لذلك كان إبراز أهم تجربة بشرية بين الإنسان وخالقه أمر ضروري جدا خاصة أنه يتحدث عن حالة معاصرة له وليست سابقة للنص،وهو متضمن لهذه التجربة الروحية وهذا السلوك للصراط المستقيم .. يقول د.مصطفى الحسن في خاتمة موجزه الغني والفريد ،، "النص حالة موضوعية، أي إنه ليس مجرد علامات تثير المعنى وتحيل إلى معنى آخر إلى ما لانهاية، إنه ليس كذلك أبدا.. بل هو يحمل معنى وحقيقة؛ لكنها شديدة الاتساع بحيث يبدو النموذج القرآني نموذجا ذا نماذج، وكأن الصراط المستقيم يحمل في ذاته صراطات مستقيمة متعددة، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بإعادة الاعتبار للتجربة الفردية و السماح لها بالظهور.. و هذا ما لا يمكن إلا بإتاحة حرية الرأي الديني "
الكتاب كان في بدايته أفكار تتجمع في ذهن المؤلف للمشاركة بها في المنصة التعليمية " رواق " ، بعد أن انتهى من كتابة المسودة رأى بأنه من الممكن أن تكون هذه المادة في كتاب صغير . الكتاب اشتمل على خمسة فصول موجزة جداً جاءت بالتسلسل الآتي : القرآن الكريم بوصفه نصاً لغوياً ، النص القرآني ذو طبيعة تاريخية وفيه تحدث عن توظيف نصر أبو زيد ومحمد الجابري لمفهوم التاريخية ، المدخل العقدي ، الأحرف السبعة ، القرآن في عهد النبوة وبعد عهد النبوة . الكاتب شرح المفاهيم بدقة وحذر وبكثير من الأمثلة التي تُبين المقصود ، لم يمنح أجوبة ولم يثني على فكر معين ، تتابعت صفحات الكتاب بهدوء يقود للبحث الشخصي . الكتاب جيد ، الحقيقة مللنا الحديث السائد والمُكرر وقولبة الأجوبة ، نعم لا تستطيع قول كل شيء لذلك لا بأس من القليل علّه يُحرك فكراً ويطرح سؤالاً ، خصوصاً في ظل دُول احتكرت الحديث الديني وتأويل النصوص في فئة مُعينة لصالحها ، لذا يُعبر الكاتب بقوله : " موضوع النص الديني خطر ويجب الدخول فيه بحذر ، بسبب صعوبة الموضوع من ناحية ، وبسبب ردة الفعل التي قد تكون غير متوقعة ومبالغ فيها من ناحية ثانية ، لذلك يجب البحث دائماً عن ما يُمكن أن يُقال وسط أزمة حرية الرأي في عالمنا العربي عموماً " .
يبدو أن الكتاب عميق ويخدم الباحثين في طبيعة النصوص القرانية وعلومها أكثر من القارىء العادي على الرغم من تبسيط المؤلف للطرح وللمفاهيم ايضا أبدع في الفصل الثاني في تحليلاته ورده على نصر ابو زيد والجابري في مفهوم التاريخية
أعدت قراءة الفصل الأول مرتين لاني أول مرة أقرأ هذه المفاهيم - القران الكريم بوصفة نصا لغويا
موجز موفق من الدكتور يقدمه في قراءة جيد وجديدة في طبيعة النص القرآني .. فما اللغة بذاتها وتفاعلاتها وتناسقاتها والفكر المجتمعي يقدم الدكتور محاولة لتوسيع أفق البعد اللغوي القرآني بعيداً عن الجمود وأحادية الفهم.
الطرح والعرض سلس ما بين الفكرة والمثال .. ربما لم يخض في كثير من التفاصيل "بإرادته" ليحقق مصطلح "موجز" .. ولكنه أوصل ما يريد بشكل متقن.
كتاب جميل يعطيك بعدا آخر وزاوية أخرى للنظر في القرآن الكريم موجز غير متبحر كان في الأصل مسودة محاضرات للكاتب لذلك أسلوب عرض الافكار ومناقشتها أقرب لتفريغ المحاضرات في كتاب رغم أنني وجدت بعض الافكار قد استعصت قليلا إلا أن الكاتب ذللها بأسلوبه السهل والمدعم بالأمثلة
يورد مصطفى الحسن في مقدّمة كتابة أن غايته إحداث تفاعل بين القارئ والنّص بما يجعله منشغلاً بالسؤال والبحث أو بما معناه. وهذا ما يحصل عند القراءة ، الأسئلة التي يخلقها النص تشكّل أنواراً في الرحلة .. أنواراً أوّلية وأساسيّة .. من المهم ومن الضروري ألا يغفل الإنسان عنها .. وأن تتعبه