قرأت� زيارة عاشوراء هناك لأول مرة، كانت حالتي مثل حالة إنسانٍ عطشانٍ تائهٍ في الصحراء فارتوى من سيل الأمطار فجأة. كن� لأول مرة أبكي على أمرٍ يختلف عن تعلقاتي في هذه الدنيا، أي عائلتي وعملي، شعرتُ بخفة وتحرر من كل القيود لدرجة أني رأيتُ نفسي في كربلاء. كا� القارئ يقول: "أنا مسرور لأنني غلامٌ في مجلس الحسين... وأنا غلام من كان غلاماً للحسين...". عندم� عدتُ إلى المنزل كنت أرغب في طرق أبواب منازل القرية واحداً واحداً وأطلب المسامحة من أهاليها وأقول لهم إنّ حسين غلام الشرير قد مات هذه الليلة.
عن الغفلةِ التي يمدُّ إليكَ اللهُ فيها حبلًا اسمه الحُسين، فيحملك في سفينتِه التي لا أوسعَ ولا أسرع في لججِ البحارِ منها.
كثيرًا ما ذكَّرني الكتابُ بِالحُر، فما أحلى أن ينظرَ إليكَ الحُسين (عليه السلام) بعد بُعدِك عنه، يأخذ بيدِك، يهديك، فتكون غلامَه.. غلامَه فحسب.
هذه مذكِّراتٌ للمُقاوِم "غلام حسين" والذي كان "حسين غلام" قبل أن يهتدي دربَ المقاومة، ينقلنا فيها من طفولتِه وشبابه الممتلِئين شقاوةً ومشاكسةً وبعدًا عن الدين، إلى اهتدائه بالحُسين إلى صفوفِ المقاومةِ والدفاع عن الإسلام.
إن أكثر ما أحببته في الكتاب، ولعلَّه السبب الذي دفعني لمواصلته رغم تململي في كثيرٍ من الأجزاء، هو عرضه للشخصية غير المثالي، فهو لا يكتفي بعرض إيجابيات غلام حسين والفصول المضيئة من قصته كما في غالبية كتب الشهداء والمقاومين، بل يريكَ الشخصية كما هي، الشخصيّة التي تشبهك في إنسانيتها، الخطّاءة التوّابة، وعن نفسي، فهذا التشابه يجذبني، بينما العرضُ الملائكي المثالي للشخصيات ينفِّرني منها أحيانًا؛ لأنني أحسبه نصف الصورةِ لا كلها، وأراهُ بعيدًا عن الواقعيةِ فيزعجني.
تململتُ في بعض فصول الكتاب كما ذكرتُ توًّا، فوتيرةُ السرد فيه كانت واحدة دون ارتفاعٍ أو انخفاض، ووددتُ لو قُسِّمَ إلى فصولٍ ذات عناوين للأحداث والمذكرات بدل أن تتتابع في فصلين أساسيين (فصل حسين غلام وفصل غلام حسين) الذي يحتوي الواحد منهما على الكثير من القصص المرتبة زمنيًا، المفتقرة للعنونة.
لا يخلو الكتاب من الأخطاء اللغوية، النحوية منها على وجه الخصوص، والتي ما كانت قليلة أبدًا، ولعلي اعتدتُ مثل هذا في الكتب المترجمة فصرتُ أصحح ما أقرؤه تلقائيًا، وهذا لا ينفي انزعاجي منها.
على الرغم من ذلك، لا أنكر استمتاعي واندماجي وتأثري خاصةً عند نقطة التحول من حسين غلام إلى غلام حسين، وسأدعو كما دعا هو في آخر سطور الكتاب، أن يجعلنا الله غلمانًا للحسين، وأن نبقى غلمانًا له هو فحسب.