تتتبّع رواية “سب� رسائل إلى أم كلثوم� قصّة عائلة صغيرة في قرية جليليّة نائية على مدار شهور عدّة، تبدأ يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، اليوم الذي اندلعت فيه الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى. مصطفى الأب (45) رجل امتثاليّ يريد العيش بسلام ولا يتدخّل في السياسة، فيما تتابع زوجته هاجر (35) السياسة وأخبارها بصمت. وأمام مناظر القمع والضرب والقتل الآتية من الضفة الغربيّة وغزّة تكتب في دفترها الصغير مشاعرها وقصائدها لفلسطين والشهداء والحبّ، إلى جانب رسائل طويلة تكتبها لأم كلثوم. بموازاة اندلاع الانتفاضة وأثرها الكبير على النسيج الاجتماعيّ في القرية، يعود حبيب هاجر السّابق الذي غادر البلاد قبل 9 سنوات للدراسة في ألمانيا، وليستقرّ هناك متخليًا عن حبيبته الأولى. تُشكّل هذه العودة نقطة ارتباك وتوتر كبيريْن على هاجر ورغباتها وتخباطتها في الحياة، وتدفعها أكثر وأكثر إلى تبيّن علاقتها السيّئة مع زوجها. وبين هذيْن المحوريْن تتابع الرواية تطوّر العلاقة وتعقّدها بين مصطفى وهاجر من جهة، وبينهما الاثنين وبين ولديْهما يزن (11) ونور (10). هذه رواية ترصد التغيّرات الحياتيّة التي تطرأ على الناس العاديّين في ظلّ الأحداث السياسيّة الكبيرة، من دون رتوش أو مهادنة، ومن دون الوقوع في فخّ المباشرة السياسيّة، ومن خلال طرح الأسئلة الصعبة والقاسية حول فلسطينيّي الداخل وواقعهم، وحول مفهوم العائلة والأمومة والحب. رواية تتمحور في صلبها حول ثيمّة السّلطة والامتثاليّة (conformism)، وتفعل ذلك من خلال تفكيك الشخصيات الأربع المركزيّة والسير معها نحو النهاية الصعبة.
رواية قد تبدو للوهلة الأولى أنها تسير بوتيرة ناعمة. تتناول حياة عائلة في الداخل الفلسطيني المحتل في فترة الانتفاضة الأولى، وكيفية تعاطي فلسطينيي الداخل المحتل مع أحداث الانتفاضة الدائرة في الضفة الغربية وقطاع غزة. تتطرق لحالة التشرذم والصراع التي يعاني منها الفلسطينيون هناك مع هويتهم كفلسطينين يعيشون كمواطنين في داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي.
تتصاعد الأحداث على المستويين السياسي والاجتماعي في بناء الرواية بشكل كبير (يحرق الدم) لا سيما على مستوى علاقة أفراد أسرة فلسطينية مكونة من الأب والأم وطفليهما.
لن أخوض في تفاصيل العمل حتى لا أحرق أحداثه، لكنني سأقول بأنني كرهت هاجر (الأم) كثيراً، وكرهت طفلها نور. لم أستطع التعاطف مع أي منهما. التمييز بين الأطفال قد يعود بنتائج كارثية على العائلة. النهاية المتوحشة لهذا العمل تُثبت صحة ذلك. كنتُ أتنمى نهاية مختلفةً ليزن، الطفل الآخر للعائلة. ظلمه علاء حليحل كثيراً، والنهاية برأيي كانت قاسية في حق يزن. بعد أن انتهيت من قراءة هذا العمل، كان كل ما شعرت به هو الغضب من علاء حليحل وعلى علاء حليحل وعلى شخصيات عمله هاجر وطفلها نور!
هذا عمل سأحتاج فترةً ليست بالقصيرة لأخرج من الحالة النفسية السيئة التي وضعني فيها!
تفاصيل حياة يومية روتينية لأسرة فلسطينية في ثمانينات القرن العشرين تسير ضمن إيقاع هادئ و لكنه هدوء الظاهر فقط أما الباطن فيغلي بالرفض : رفض الأم هاجر للأب مصطفى و بالتفرقة في التعامل بين الأبناء نور و يزن . شخصيات العمل تتطور في بنائها و في علاقاتها و تتلون بألوان نفسية مختلفة بين حب و كراهية و غيرة سواء بين الزوجين أو بين الأخوين و هذا التطور معرفه من خلال الاحداث و من خلال رسائل هاجر للمطربة أم كلثوم تحكي لها عن حياتها الأسرية و تفصح من خلالها عن عالمه العاطفي الداخلي اتجاه زوجها و أبنائها . العمل مكتوب بلغة سلسة مطعمة باللهجة الفلسطينية المحلية 👍👍. عمل مميز رغم انه مؤلم .
الرسائل التائهة بين أم كلثوم وعلاء حليحل كلنا قابيل، ما زال يبحث هابيله.... كيف يمكن رصد حياة مجتمع أو وطن كامل من خلال تفاصيل يوميات أسرة صغيرة قوامها أربعة أفراد؟ وكيف يمكن أن نعيد رصد خطايا الجنس البشري الأولى، بحيث نحررها من كتب التاريخ، وننقلها إلى دفاتر يومياتنا، فتمسي أقرب إلى الحقيقة؟ يعتقد القارئ للوهلة الأولى، أنه أمام حكاية اجتماعية عن أسرة مأزومة، على الأقل في المستوى الظاهر من تفاصيلها، بينما المستوى الثاني (الأعمق والمخفي)، الساري في خلفية المشهد بسلاسة وبراعة، يرصد ملامح الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وما صاحبها من تغيرات نفسية واجتماعية، ربما لوحظت بعد اندلاعها بسنوات.
لا شياطين ولا ملائكة أربعة أفراد، أب منزوٍ صموت، غارق في صراعين، صراع ظاهر مع زوجته وأحد أبنائه، وصراع مستور مع ذاته. ثم أم سبحتْ في فضاءات نهر الغرام، السارية بضفاف حنجرة أم كلثوم، وأحبت ولديها بعاطفة غير متساوية. ثم لدينا ولدين، شقيقين في العاشرة والحادية عشر من عمرهما، لكنهما متباينين أشد التباين، أحدهما حريص على حصد نظرات الإعجاب والتقدير من عيني أبويه، فيهتم بدراسته ويتفوق، والثاني له روح طلوق تشبه روح أمه، بل يمنح الدراسة أكثر مما يمنحها صبي حالم، يحب الطبيعة والمروج والكلاب. يبدو أن الأخوان على وفاق، وأن علاقتهما جيدة إلى حد ما، لكن تطور مسار الحكاية يسلط الضوء على الشرخ المتنامي بينهما، الناتج عن تفضيل الأم للصغير نور، وانحياز الأب السافر للكبير يزن. كلاهما امتداد لأحد أبويه، الصغير متمرد له روح فراشة، والثاني ممتثل لم هو ملزم به، سلبي النزعة، إلى حين يقرر إلحاق الضرر. نحن هنا أمام نماذج تنبض بالحياة لبشر حقيقيين، كبارًا كانوا أو صغارًا، بشر يقفون على الحد الفاصل بين الخير والشر، بحيث يمكن للقارئ أن ينحاز إلى أحد الشخوص، قاطعًا بكونه بريء كالثول الأبيض إذ بحلو من الدنس، بينما الشخص ذاته قادر على الإتيان بالشر والأذى، وإلحاق كافة أنواع الضرر. الشخوص الأربعة هنا، نصف ملائكة ونصف شياطين، أين أنهم يشبهوننا، جميعاً...
الحب كمرادف للنكبة، والسلبية كراية تعلن الانسحاب من الواقع هاجر، ابنة الخامسة والثلاثين، تشبه كثيرًا وطنها المنكوب، أو على الأقل؛ نصف هذه الشعب، العائش أسفل خيمة الفقد والكدر، هاجر العاشقة، التي عرف قلبها الحب وعانى قسوة الهجر والغدر، هي من تتابع أخبار القضية، هي الروح الحبلى بقصائد مبتسرة، وخطابات لم ترسل، ورسائل تشتل في عدمٍ هو أقرب إليها من واقع اضطرت لقبوله، ولم تحب من مفرداتها شيئا، إلى النظرة المتمردة الحالمة في عيني نور. هي من تُظهر في أكثر من موضع، أن النكبات لم تفارقها، نكبة الوطن، ونكبة القلب التي خلّفها حبيب آثر مطاردة أسراب المهاجرين، على الوفاء لعهدٍ قطعه لحبيبته. أذكر هنا حوارًا عبقريًا ورد في الرواية، حين سألت هاجر ولديها عن بيوت من حجر تشير إليها، ولمّا قالا إنهما لا يبصران شيئًا حيث أشارت، أجابت عن سؤالهما المعلّق: "هذا هو معنى النكبة". أما مصطفى، زوج هاجر وابن عمها، فهو الشخصية المحورية في الطبقة الأولى من النص، هو العاشق الذي لم ينس أن امرأته لم تزل وفيّة لحب الرجل الذي هجرها، وهو الذي يود لو ينال أبناءه قدرًا أكبر من التعلم والثقافة، وهو الرجل السلبي الذي يحاول محو ذاكرة نكبته في محجره، حيث يصنع الحجر والرخام، يحاول مصطفى الابتعاد عن السياسة، ويتحاشى أن تطأ قدمه موضع ظل من يتحدثون في شؤونها، ليعيش نكبته الخاصة، النكبة المتنامية في صدره، وفي بيته، حيث ترك زوجة تحلم بسواه، وولدًا لا يشبهه في شيء. من دلالات هذه الشخوص المصنوعة من لحم وروح، أن الذاكرة التي تحتفظ بالنكبة، تعيش ألمًا وهجرانًا دائمين، وتسبح في عوالم الماضي، حدّ الكتابة إلى امرأة ماتت قبل عقد ونيف من الزمن (أم كلثوم)، عندما لا تجد في محيطها من تثق في مشاركته نوبات البوح. الحب المغدور به، في هذه الحكاية، معادل للنكبة، ويعبّر بشاعرية ورقة بالغة، عن ندوب تترك في القلوب، في إثر هجرة حبيب، أو نفي وطن. أم مصطفى، قهو شخصيّة مركّبة، برع الكاتب في خلقها بأناة واقتدار، فهو الفلسطيني الجانح إلى السلم، الذي عرفت دواخله الكثير من التقلّبات والصراعات، ولامته نفسه كثيرًا، فتقلّي من حال إلى حال، ولولا أنني لا أود إفساد تحوّلات هذه الشخصية، لاستفضن في مدحها تفصيلاً... وعنوان النص ذاته لا يخلو من ذات التأويل، إذ يصرخ باستغاثة صريحة إلى الماضي، بكل ما فيه من شجون وفرح، وأحلام وردية ذبلت في أطر سوداء، وتاريخ منكوب يود المرء لو يغيّره، ولو في شرفات الخيال. وحين يحضر الخيال، لا مفر من استدعاء أم كلثوم...
ما صنعته الانتفاضة... أجساد تدفن، وأرواح تبعث من رقادها لا يغفل عاقل تلك الدلالات والرموز البارقة في خلفية كل مشهد، فأثر الانتفاضة كبير، وإحياؤها للثورة ملموس في كل قلبٍ اعتاد مذاق المهادنة الصورية، فهو يهادن ولا يأمن طرف الآخر، يصمت ولا يضمن صمت العدو، بيد أن الانتفاضة تغير ذات القلوب، وتروّض النفس الأمارة بالسكوت، فتجبرها على الكلام، أو الفعل، ولو كتم ذلك في الخفاء.
رصد لحظة الشقاق من ناحية أخرى، يعرض هذا النص مشهدًا قاسيًا (يترك لدى القارئ عدة كدمات نفسيّة لا تشفى بسهولة)، فهو يجسّد بعبقريّة مشهد الشقاق الفلسطيني عقب الانتفاضة بسنوات، وكيف نجحت قوى الاستعمار والاحتلال في شق لحمة الصف الوطني، بحيث بات الأخ لأخيه غريمًا، لا يتورّع عن إيذائه، ولا تخلو يديه من حجر قابيل المسنون، الجاهز للانقضاض على هابيل، في أول اختلاف، لا ريب أنه آتٍ.
ختام انتفاضة الوطن، المتزامنة مع انتفاضة قلب هاجر يوم عاد الحبيب الغادر عقب تسع سنوات في ألمانيا، تضوّي على حقبة نفسية وتاريخية مهمّة في تاريخ هذا الشعب، الفضاء المكانيّ هنا يدور في قرية صغيرة في محيط الجليل، بينما الزمان ممطوط من عهد النكبة حتى ما بعد الانتفاضة، وربما حتى خريف العام الماضي. جاءت الانتفاضة لتكشف عن قصائد هاجر في دفاترها، ورسائلها الضائعة إلى ربة العشق أم كلثوم، ولتحيي الروح في قلوب دفنت ثورتها تحت مسمى السلم، وكأن الانتفاضة هنا، حلقت في كل قلب، قصيدته الخاصة. عقب ذلك، وهو لا يصح إخفاءه، تفجّر الرواية في خاتمتها صرخة احتجاج هادرة، تحيلنا إلى زمن الخلق الأول، ولتكشف أننا، نحن أنصاف الملائكة وأنصاف الشياطين، أقرب في نزعاتنا إلى الشر، إلى القسوة، مؤكدةً أننا جميعًا، كمذنبين أو كضحايا، لا نخلو من الذنوب، ولا من القدرة على الإيذاء. رسالة أخيرة، مفقودة كما حررت هاجر كلماتها وقصائدها في دفاترها، وكما أرسلت لأم كلثوم لرسائل لم تقرأها الأخيرة، لأنها ببساطة، ميتة، فقد تركت أم كلثوم بدورها عدة رسائل لهاجر ومصطفى، لكنها بطريقة ما لم تصلهما كما هو مُفترض، ولعل من أهمها ما قالته في ختام رائعتها "ألف ليلة وليلة": "قول: الحب نعمة؛ مش خطيّة الله محبة الخير محبة النور محبة..." لكن أحدًا هنا لم يسمع ما نصحت به أم كلثوم، ولم يؤمن واحدٌ منّا، أن الله، هو المحبة. فتلك الكلمات، لو سمعها قابيل، لجنّب هابيل سورة الغضب، وفجأة الموت...
شكرًا علاء حليحل لقد بتّ أحد كتابي المفضلين بعد أورفوار عكا، ثم هذه القطعة الفنيّة متقنة الصنع...
مراجعة رواية #سبع_رسائل_إلى_أم_كلثوم للكاتب #علاء_حليحل 📝 :
♥️رواية مأثٌرة وموجعة جدٌا،تركت لديٌ أثرا عميقا حقيقة. رواية ذكية،طرحت مواضيع عدة بطريقة منفردة وجعلت منها متعددة التأويلات،إلى جانب اللغة الجميلة والجذابة والشاعرية للكاتب،لغة عذبة ودافئة.جمع علاؤ حليحل بين اللغة الفصحى والفصيحة وبين الحوارات والنقاشات الشيٌقة باللهجة العاميٌة الفلس-طينية فأضفى ذلك طابعا خاصٌا. العنوان أيضا ذكي ،يجلب القارئ ويشده.العنوان في ظاهره رسائل إلى "كوكب الشرق" ام كلثوم، صاحبة الأغاني الخالدة عن الحب والعشق.أم كلثوم أو "الستٌ" او "سومة" التي لقٌبت بمعبودة الجماهير وكانت السبع رسائل المعنيٌة فعلا موجٌهة لها، لكن هذه الرسائل إنٌما هي إلا حكاية أو بالأحرى حياة عائلة تبدو مشؤومةو حكاية وطن منكوب يشبهها. كذلك الغلاف معبٌر جدٌا ولا نفهم معناه إلاٌ بنهاية الرٌواية. ♥️رواية في ظاهرة إجتماعية لكنٌها سياسية، أسريٌة،جندريٌة،تربويٌة و نفسية في كل تفاصيلها. تقع احداث الرواية في قرية صغيرة في محيط الجليل،تحديدا في بداية الإنت-فاضة الفلسط-ينية الأولى أو إنت-فاضة الحجارة التي بدأت في ديسمبر 1987 وكان ذلك في ج-باليا في قطاع غز-ة ثمٌ إنتقلت إلى كلٌ قرى ومدن ومخيٌمات فلس-طين ويعود سبب الشرارة الأولى هو قيام سائق شاحنة إسرائ-يلي بدهس مجموعة من العمٌال الفلسطنييٌن على الحاجز الذي غ-زٌة عن بقيٌة الأراضي منذ ن-كبة 1948. الرواية هي عبارة عن يوميٌات عائلة فلسطي-نيٌة من عرب الدٌاخل الفلسطيني المحتٌل تعيش في مكان منعزل تقريبا عن بقية اهالي القرية التي يعيشون بها، محاطون بالطٌبيعة والمناظر الخلاٌبة لكنٌهم أيضا يعيشون في رهبة وخوف دائم من جهاز الشاباك و المستوطنين الفراكش.أسرة تتكون من أربعة أفراد،لن اكتب الكثير عنها لكي لا أحرق الاحداث فقط سانقُل كيف قدٌمهم لنا الروائي أوٌل الرواية لأنٌه لاحقا هناك العديد من التطوٌرات. الأب مصطفى يعمل في محجر ويوزٌع طلبيات للحجارة والرخام.ربٌ أسرة كتوم،صامت،صارم مع عائلته وقاس في تصرٌفاته،سلبي، لا يتدخل بالأمور السياسية،يعيش صراعا داخليا. هاجر وهي الشخصيٌة المحوريٌة والتي من خلالها نتعرٌف على اغلب الاحداث. إمرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها ،تزوجت إبن عمٌها منذ إثنتا عشر سنة،بعد أن تخلٌى عنها حبيبها وحبٌها الأوٌل جمال وغادر للعمل بألمانيا.هاجر إمراة وربٌة بيت مثاليٌة،متعلٌمة ومثقٌفة،تركت كل شيء بعد زواجها فكان عالمها هو سعادة وإستقرار بيتها وخاصٌة إبنيها.هاجر تحب كثيرا أمٌ كلثوم وتعشقها وتعشق كلٌ ما يتعلٌق بها من كاساتيت ومجلات وجرائد،تستمع إليها يوميٌا.إختارت منذ زواجها أن تكتب في دفاتر إلى "سومة" وراحت تخاطبها كصديقة مقربٌة،تشكيها همومها،اسرارها،خيباتها وآمالها وتكتب لها رسائل بها كلٌ ما يخالجها ولكنٌها أبدا لم ترسلها خاصٌة وأنٌ أم كلثوم توفٌيت منذ سنة 1975 أي منذ إثنتي عشرة سنة. يزن طفل في العاشرة من عمره،طفل مميز،مثالي،هادئ،رزين،يحبٌه والده كثيرا ويميل إليه لكونه مطيع ونجيب. نور طفل في التاسعة من عمره،طفل شقي جدا،متمرٌد،دائما ما يخالف الأوامر،لا يحب الدروس ولا أي شيء يتعلٌق بها،طفل حالم،تحبٌه والدته كثيرا وتميل إليه كثيرا لطبعه الذي يشبه طبعها. وأضيف إلى الشخصيٌات جروا بنٌيا "ركس"كان دورُه فاعلا وحاسما في الرواية. عائلة بسيطة ، تبدو عاديٌة ككلٌ العائلات ،يعيشون روتينهم اليومي حيث الولدان يلعبان و لديهم مغامرات جميلة تجمعها، وزوج وزوجة لا مشاكل بينهما. لكن كل شيء ستتغيٌر وتيرته مع تطوٌر الاحداث. فالرواية بدت هادئة النسق والاحداث ،ثم بدأ النسق يتصاعد تدريجيا والأحداث تتسارع والتشابكات بين الشخصيات تحتدٌ إلى غاية الوصول إلى نهاية أعتبرها موحشة وغير منصفة.
♥️الشخصيات الرئيسة في الرواية وهم الزوجين والولدين مرسومة بكل دقٌة و مدروسة بعبقرية. تطوٌرها وتحولٌها من النقيض إلى النقيض كان بغاية الإبداع وذو دلالات مهمة جدا. أظنٌ أن كلٌ قارئ للرواية سينحاز ويتعاطف إمٌا مع مصطفى ويزن او مع هاجر ونور وحقيقة إلى حدٌ الآن مشاعري متضاربة وربٌما أبدو غريبة ولكن إحساسي يدفعني لأن أميل أكثر إلى مصطفى ويزن لأسباب عدٌة لن اذكرها لكي لا احرق الأحداث رغم إعجابي الشديد بافكار و مواقف هاجر القوية والصلبة والحاسمة التي احببتها وشخصيٌة نور الحيٌة.
♥️الرواية كما أشٌرت مشحونة وغنية بالرموز والدلالات وهي تعكس واقع فلسطي-ني مؤلم. هاجر هي رمز للشعب الفلسطي-ني،المنكوب،المحتلٌ.هاجر المقاومة، التي ستحاول ان تنصُر قضيٌتها،هاجر المتمرٌدة،الثٌائرة،الباحثة عن الخلاص والتحرٌر من الماضي والذٌاكرة في صورة حبيبها السابق وحاضرها المتمثل في زوجها.هاجر التي ترى مستقبلا أفضل لنفسها والنهوض بنفسها.
مصطفى هو ذلك الفلسط-يني الممزٌق بين الخنوع والثورة.ذلك الذي لا قدرة له على السيطرة والتحكم في ماض وذاكرة تلاحقه(النك-بة),ماض راسخ ولا يمكن محوه.في حيرة أيٌ طريق يختار؟ يزن هو ذلك الفل-سطيني المستقبلي الذٌي يسعى جاهدا لتحقيق ذاته والإعتماد على نفسه. نور ايضا يمثٌل الصٌنف الآخر للمستقبل،نسخة مصغٌرة للفلس-طيني الثٌائر. الأخوان متناقضان وذلك ليس إعتباطيا فهما يمثٌلان ذلك التضارب والإنشقاق والإصطدام بين شقٌين في الشعب الفلسطيني. المحجر له دلالة كبيرة فالحجارة هي رمز للإنتف-اضة،الحجارة كانت وسيلة الهجوم والدفاع التي إستخدمها المقاومون ضدٌ عناصر الجي-ش الإسر-ائيلي وهي شكل من أشكال الإحتجاج العفوي الشعبي على الاوضاع المزرية بالمخيمات و القمع الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية والإحت-لال. بذلك فإن الرواية تطرح موضوعين في نفس الوقت : الأسرة والمقاومة يمشيان في طريق متواز. ♥️بذلك فإن المواضيع المطروحة عديدة جدا العلاقات الأسرية،العلاقات الزوجيٌة،علاقة الإخوة ببعضهم،التمييز بين الأطفال ونتائجه،عن العنف الموجه ضد المرأة سواءا نفسيا أو لفظيا،الفرق في المستوى الثقافي والتعليمي بين الأزواج،الأميٌة،السلطة الأبوية،خضوع المرأة في مجتمع ذكور. ومن جهة اخرى عن المقاو-مة ،عن الماضي،عن الذاكرة،عن النسيان،عن التحرٌر،عن التمرٌد والثٌورة عن القهر،عن الظلم،عن القمع،عن الإحت-لال،عن الإنتهاك،عن تأثير الإحتلال على فلسط-يني الداخل،عن الإنتناء،عن الهوية وعن التمزٌق بين الهويٌة الفلس-طينية التي سُرقت منهم و الهوية الإس-رائيلية المفروضة عليهم،الشعور بالعجز والكبت والألم،عن التمرٌد والثورة على الوضع المزري الذي يعيشه الفلس-طينيون.
♥️الكتابة والفن كانا ملجآ هاجر والقلم كان وسيلتها للتعبير وللثورة.كانت رسائلها بمثابة البوح بما هو مسكوت عنه وبمثابة الخروج من صمتها.ام كلثوم ألهمتها وأحيت ذلك الهيجان والغضب والسخط الذي إحتواها لسنوات.وجدت في "سومة"نفسها وإمراة مثلها وتشبهها صمودا وقوٌة وصلابة.أحبٌت قيمها ومُثلها وكانت السبب في إتٌقاد شرارتها وشرارة قلمها. الكتابة كانت الس-لاح المتبقٌي لها للمق-اومة. رواية عن الصمود والمقاومة وتبقى المراة الفلسطي-نية من أعظم النساء،تمثل الأم والأرض والوطن والأجيال القادمة. احببت كل سطر في الرواية وهناك العديد من الإقتباسات الجميلة جدا.
يضع الروائي علاء حليحل أم كلثوم في قلب قضية بلده وتفاصيل حياة أبطاله في رواية "سبع رسائل إلى أم كلثوم" حيث يجعل بطلة روايته هاجر تكتب رسائل شديدة الرقة والشاعرية تحاول من خلالها أن تشرك فيها مغنيتها المفضلة التي خففت عنها ظلمة لياليها تفاصيل حياتها، تكتب هاجر بطلة الرواية رسائلها السبع إلى "حبيبتها سومة" كما تسميها، وتتذكر فيها كل شريط كاسيت استمعت إليه وكيف كان ذلك مؤثرًا وفارقًا في حياتها، تقول لها في إحدى هذه الرسائل (سأقو� لكِ ماذا كان سيحدثُ لو أنّكِ لم تُولدي، أو أنّكِ ظللتِ مُغنيّةَ تواشيح وأدعية: كان الحبّ سيكون أخرسَ عند عشرات الملايين من الناس الذين لا يعرفون كتابة الرّسائل ولا نظم القوافي ولا التعبير بكلماتٍ يرونها كبيرةً لا تلائم مقاس أفواههم؛ كان التنفس سيكون أقلّ متعةً لأنّ الملايين لن يشعروا بلهب الآهات التي تخرج من حنجرتكِ وتستقرّ في أعماق صُدورهم؛ كان الماء سيكون أقلّ عذوبةً لأنّ ملايين العطاشى الذين يُردّدون الكلمات معكِ عن ظهر قلبٍ، لن يعرفوا طراوة المياه الباردة التي تنزل الجوف بعد ترديد مقطع "حفضل أحبك من غير ما أقولك" ..) هكذا تبدو الرسائل هنا وسيلة للتعبير البطلة عن مشاعرها من جهة، وفرصة أخرى لمشاركة حبيبتها عددًا من التفاصيل والأحداث القاسية التي تمر بهم، حتى مع يقينها أن هذه الرسائل (التي تكتبها في 1987 وما بعدها) لن تصل إلى أم كلثوم، ولكنها تؤنسها وتخفف عنها ما يدور حولها، مثلما تفعل أغانيها التي جعلتها تعيش أجمل أيام حياتها. ولا تقتصر الرسائل على عرض تفاصيل الحياة والانتفاضة والحرب وغيرها، ولكنها تشاركها أحلامها العاطفية وانكساراتها كما تشاركها قراءاتها وتناقشها في أفكار إميل حبيبي في "المتشائل"، وتبثها شكواها من زوجها مصطفى الذي تراه مستسلمًا لما يجري حوله لا يخرج للمقاومة أو حتى الاعتراض مثلما يفعل بقية الفلسطينيين، في النهاية يمثل حضور أم كلثوم بأغانيها ومشاركة البطلة مشاعرها إضافة مختلفة للرواية. . من مقال .. أم كلثوم ملهمة للروائيين
أن المقاومة -أي مقاومة- تتجسد في الفكرة البسيطة الخلابة: أن نتذكر كل يوم أننا على قيد الحياة. في الحياة انتصار على القمع واليأس والطرد
يأتي الكاتب الفلسطيني علاء حليحل بعد رائعته التاريخية (أورفوار عكا) الصادرة عام 2014 ليؤكد لنا انغماسه في الهم الفلسطيني ورغبته في تتبع حالة المجتمع عبر عائلة صغيرة في فترة الثمانينات من القرن الماضي. وفق علاء في نقل التفاصيل والمشاعر بالإضافة إلى الوصف الخلاب للطبيعة بكل تجلياتها في تلك البقعة عند تلة البلوطة! عن نفسي أحببت المكان وكأنني داخل لوحة فنية عن تلك البقعة الساحرة. بيت ومحجر وسهل أخضر، وأم تحن للرومانسية في حياة جافة وزوج جامد المشاعر يملك محجرا وأبوة صارمة. يزن ونور أبناء الطبيعة والعزلة وجروح الطفولة، أسرة صغيرة منعزلة وفي الخارج انتفاضة ضد الظلم وعالم تتشكل ملامحه القاسية شخصية يزن ونور ذكرتني بشخصية الطفلين التوأم في رائعة أغوتا كرستوف الدفتر الكبير. مواضيع مثل الأخوة والحرب والطفولة كانت حاضرة في العملين بالإضافة لرابط عاطفي بين طفلي علاء وطفلي أغوتا التوأم، كلاهما يشعرك بالتعاطف الشديد والأسى على حال البشرية، متجاوزين رمزية المستقبل فكلاهما يمثل شقاء الحياة في بيئات الحرب رسائل أم كلثوم لم تكن المحور الرئيسي للحكاية ، كانت وسيلة بوح شاعري عن حياة ترفضها البطلة هاجر، الأم التي وجدت نفسها في محيط الرتابة واستبداد الزوج. تمرد هاجر حمل عنصر المفاجأة كما حدث مع نضال مصطفى الخفي *الحزن الكبير يجب أن يحبس في مكان ضيق صغير كي لا يكبر