مادة هذا الكتاب ليست من حكايات أيام زمان، بل هي وقائع حصلت ووثقها شهود عيان ناجون من جحيم مجازر حافظ أسد ونظامه، إذ رأوا بأعينهم عذابات المضطهدين، واحتضنوا بأيديهم أجساد الشهداء، وسمعوا بآذانهم أنين وصرخات الأطفال واليتامى، ومزقتهم آهات الأرامل والثكالى، وهم عاجزون عن تقديم شيء يخفف عنهم عذاباتهم، وقد قدر لهم أن ينقلوا للأجيال بعضاً من صور ظلم وإجرام نظام آل أسد، وشيئاً من آلام الأبرياء والمظلومين، وأن يوثقوا صبر المقهورين وتضحياتهم. وما دفعني لكتابة هذا الكتاب ما وجدته من شح في توثيق هذه الفترة الدامية من تاريخ بلادنا وخاصة محنة مدينة حماة، وإعراض الكثيرين ممن عايشوا تلك الأحداث من توثيق مشاهداتهم، وبالأخص تجاهل قيادات جماعة الإخوان المسلمين عن كتابة توثيق موضوعي لأخطر مرحلة مرت بها الجماعة، وعلى الرغم من إصدار عدد من قيادات لمذكراتهم، إلا أنهم تجنبوا الحديث عنها لأسباب تنظيمية وشخصية يهدف الكتاب لتحقيق أمرين: الأول : وثيقة حية لشعبنا لما فعله حافظ أسد ونظامه المجرم في كل مدينة وقرية سورية، من قتل للأبرياء وسجنهم وتشريدهم، وسرقة ونهب للممتلكات الخاصة والعامة، وتدمير للمدن على رؤوس أصحابها والثاني : يخص جماعة الإخوان المسلمين التي فشلت في أسقاط نظام حافظ أسد، لأسباب ربما تكون معلومة للبعض ومجهولة لآخرين. بدأت بكتابة هذه الوثيقة بعد المجزرة مباشرة عام 1982م، ولكن أسباباً كثيرة حالت دون اكتمالها ونشرها، ورغم تباعد زمن إصدار هذه الوثيقة عن تاريخ وقوع أحداثها، إلا أنني أعتقد أنها ما زالت هامة جداً لما تتضمنه من توثيق لمشاهدات حية عايشتها وشهدتُها بنفسي، وأخرى نقلتها نقلاً مباشراً عمن عاشها أو كان شاهداً عليها. وأهم ما قمت به في هذا الكتاب هو الربط التاريخي، الذي يبين نشوء الطائفية وتسللها وتسلطها على أجهزة الأمن والجيش والحكم، كما بينت ما استطعت رؤوسها الحقيقين الذين سعوا إلى إنشاء تنظيماتها، ودعوا إليها ومارسوها تحت ستار حزبي مضلل، وقاموا بتقنين القمع والظلم بقوانين تعسفية جائرة لا شك بأن انقلاب 8 آذار عام 1963م أوجد في المجتمع السوري شريحة طفيلية رخيصة، لا ضمير عندها ولا قيم ولا أخلاق، ولا تنقصها كل رذيلة أو دنية، وكان الاستبداد والقمع والظلم سبيله للسيطرة على كل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وغيرها.