مذيع مصري الجنسية يعمل في قناة الجزيرة القطرية، من مواليد 16 يوليو 1962، يقدم برنامج بلا حدود وشاهد على العصر. وهو إعلامي ذو حضور قوي عُرفت عنه جرأته في عرض الحقائق وإتزانه وجديته خلال مواجهة ضيوف البرنامج.
انتهيت من قراءة كتاب (تحت وابل النيران في سراييفو) للصحفي أحمد منصور ويقع في (260 صفحة) من طبعة (دار ابن حزم).
- أحمد منصور يقول أنه من أحب الأعمال إلى نفسه العمل الميداني، وهذا أمر إذا نظرت إلى إنتاج هذا الصحفي سوف تجده حقيقة ماثلة على الأرض، فقد شارك في تغطية حرب أفغانستان في الثمانينيات واستمر ثلاث سنوات وهو يغطي ثم أخرج كتاب (تحت وابل النيران في أفغانستان)، ولما بدأت مأساة البلقان ذهب هنالك كصحفي تابع لصحيفة المجتمع الكويتية وبقي -حوالي 4-5 شهور- وخرج بكتاب (تحت وابل النيران في سراييفو)، ثم بدأت حرب العراق وغطاها وبالأخص معركة الفلوجة وخرج بكتابين (قصة سقوط بغداد) و (معركة فلوجة وهزيمة أمريكا في العراق) ثم لما بدأت الثورة السورية دخل أيضًا ولكن يبدو أنه كبر على التغطيات المتواصلة فقام بعمل مقابلة مع أحد قادة أكبر الفصائل هناك وهو أمير جبهة النصرة أبو محمد الجولاني.
إذن تجد أن في هذا الشخص ولع التغطية وليست التغطية الباردة، بل داخل معامع القتال ووسط القصف والحصار، ثانيًا الميزة التي تراها حاضرة في كتابات هذا الشخص هي حب التوثيق، والشغف به، وهذا الأمر جعله لاحقًا يُقيم برنامج في الجزيرة قد أُشتهر به وهو (شاهد على العصر)، وقد أقام لقاءات تأريخية وثقت الكثير من الحوادث سواء على المستوى الشخصي (أي مستوى الضيف) أو المستوى العام وتأريخ المنطقة، وبعض هذه اللقاءات طُبعت لاحقًا على شكل كتاب مثل اللقاء مع (الشيخ أحمد ياسين، وجهيمان، والسادات، وحسين الشافعي، والأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود).
والميزة أو الخاصية الثالثة التي ربما تكون متواجدة في كتاباته سابقًا هو وجود الهم الإسلامي، وهم العمل الإسلامي، ولكن ربما أن نمط الكتابة هذا لا يصلح في البيئة الحالية التي يتواجد هو بها فربما يرى المتابع أنها قلت في خطاباته.
- اعتمد أحمد منصور على ثلاث أمور -غالبًا- في إيراده المعلومات في كتابه هذا: * اللقاءات الشخصية مع بعض الشخصيات القيادية مثل ( الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش � ونائب الرئيس أيوب جانيتش � العميد عصمت حجيتش � وزير شؤون الأمم المتحدة في حكومة البوسنة والهرسك حسن مراتوفيتش). * المشاهدات الشخصية. * التقارير الموثقة من بعض الصحف والقنوات الإعلامية بتواريخها.
الكتاب يتكلم عن القضية البوسنية التي بدأت في مطلع التسعينيات مع تفكك الاتحاد اليوغسلافي وإعلان بعض الجمهوريات –الت� كانت ضمن الاتحاد السابق- استقلالها، ومع التنوع العرقي والديني حصلت مواجهات ثلاثية (الصرب الأرثوذكس / البوشناق البوسنيين المسلمين / الكروات الكاثوليك).
طبعًا من المفارقات العجيبة حتى ترى مدى هشاشة خصومك هي أن الاتحاد اليوغسلافي من أقوى الجيوش الشرقية تسليحًا، وبعد تفككه كان الوريث الشرعي له هم الصرب فكانوا يملكون ترسانة ضخمة من الأسلحة (الثقيل والمتوسط والخفيف) وبدأوا قتالهم للبوسنيين بعد إعلان البوسنة استقلالها رغم أن جيش البوسنة لا يملك أي عتاد عسكري يعتد به، ومع وجود الفارق الضخم والهائل -لم يستطع الصرب القضاء على البوسنيين، ولم يستسلم البوسنيون رغم أن حصار عاصمتهم سراييفو امتد لأكثر من ألف يوم مما جعل أحمد منصور يقول أن هذه المدينة دخلت موسوعة جينيس كونها أكثر عاصمة قد تم حصارها في الوقت الحاضر- ولكن في الوقت نفسه سقطت العديد من المناطق وأصبحت هنالك حروب غير متكافئة فخرج الرئيس علي عزت بيجوفيتش وأعلن عن بدء حرب عصابات؛ لأن كما أسلفنا لا تسليح جيد للجيش البوسني لدولة مستقلة للتو لا تملك ما يجعلها قوية، وغير مدعومة من محيطها الأوروبي. (بخلاف كرواتيا لما استقلت تم دعمها من قبل الدول الأوروبية في مواجهة الصرب حتى رضخوا للأمر الواقع).
طبعًا هنا أحمد منصور يتكلم ويرى أن ما حصل للبوسنة من خذلان بل وتواطؤ أوروبي هو ضرب من ضروب معاقبة لهذا الشعب الذي كان قبل قرون محاصر لفيينا ورأس حربة للجيش العثماني في اكتساح أوروبا، ولا يمكن هنا إنكار حصول التواطؤ على أساس الدين، و كذا النصرة و الدعم تكون على أساس الدين مثل دعم الدول الأوروبية لكرواتيا الكاثوليكية ودعم الروس الأرثوذكس لإخوانهم في الدين والعرق وهم الصرب، فهذه الدول -وهذه النقطة سوف تراها واضحة وبشكل أعمق في كتاب شكيب أرسلان: (لماذا تراجع المسلمون وتقدم غيرهم)- يجب أن لا تغتر بالشعار العلماني التي ترفعه، والصورة النمطية الخادعة في أذهان البعض وهي أن هذه الدول قد تخلت أو تحللت عن دينها وأصبحت علمانية تناوئ الدين، بل هي كما ترى تقيم التحالفات والدعم أحيانًا على أساس الدين، هذا ناهيك عن صنيعهم أثناء فترة الاستعمار في تنصير الشعوب وتبديل أديانها!! مثل ما حصل لأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا ومحاولة تنصير البربر المغاربة. ولا يطالب أحد بالتحلل من الدين -التحلل المطلق- إلا الحمقى والمغفلين من بني جلدتنا الذين يظنون أن الدول الغربية قد انسلخت من دينها بالكلية بإقامة نظام علماني دون النظر إلى الصورة بكليتها!
عمومًا في اللقاء مع أحد القادة الميدانيين أو المسؤولين يذكر أن المقاومة بدأت بالأسلحة الخفيفة وبنادق الصيد ثم على ما تم اغتنامه من الصرب، وهذه سجية شعب عزم على المقاومة حتى آخر رمق، وإلا ما أسهل أن ينسحق نفسيًا ويستسلم ويقول لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، فالفرق بين القوتين هائل، ومع ذلك حاول أن يبدأ بما يملك وحاول لاحقًا أن يوازن الكفّة بينهم وبين الصرب.
طبعًا هنالك فصول في الكتاب تتكلم بإسهاب عن دور الأمم المتحدة وتواطئها في هذه الحرب إلى جانب الصرب أو تخاذلها عن نصرة المظلومين كعادتها إن كانوا الضحايا مسلمين، وهذه الصورة النمطية واضحة وضوح الشمس في كبد السماء لدى القادة البوسنيين وهذا ما حدى بأمثال علي عزت بيجوفيتش أن يقاطعوا ممثلي الأمم المتحدة في القضية البوسنية، وضوح موقف الأمم المتحدة أو الدول الكبرى لدى قادة وشخصيات بارزة في القضية الشيشانية والبوسنية كان مبكرًا وتُرجم إلى تصريحات وأفعال على الأرض، ربما هذا بخلاف ممثلي الثورة السورية في الجانب السياسي ممن لا زالوا يحسنون الظن ويأملون وربما يعتقدون أن الحل بيد الأمم المتحدة!
والأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها تُشدد على دخول الصحفيين العرب والمسلمين، بما أن سراييفو كانت محاصرة فلا سبيل لدخولها إلا عن طريق الأمم المتحدة وتكون عبر موافقتهم أو عن طريق التهريب، وقد حكى أحمد منصور هنا ما حصل للصحفي يحيى غانم التابع لصحيفة الأهرام المصرية من مماطلة حتى يتم إخراج بطاقة الدخول إليه، وهذا الأمر الذي جعل أحمد منصور لا يدخل بطريق رسمي وإنما عن طريق التهريب من خلال النفق، (والنقق هو ما أنقذ سراييفو وجعل الحياة فيها سارية وهي من فكرة جنرال مصري تابع للأمم المتحدة كما قال ماجد المدني في كتابه عن البوسنة).
وبعدما دخل رأى أن دور الأمم المتحدة ليس هو الدور المنوط بها والواجب عليها القيام به، وفيه من التواطؤ و التخاذل و موقف المتفرج على رؤية المذابح دون تحرك، وإنما لا يتحرك إلا بعد انقشاع الغبار لأخذ القتلى من المسلمين ودفنهم!
وبعض هذه صور كالتالي: - مخالفتهم للمادة 51 من الفصل السابع من ميثاقهم، ومنع الدولة البوسنة من الحق الشرعي أو الطبيعي من الدفاع عن نفسها وذلك بمنع تصدير الأسلحة إليها حتى لا تزيد النار اشتعالًا كما يقولون بينما كان الصرب يصلهم الدعم دون انقطاع ودون اتخاذ أي تدابير جدية تُجفف هذا الدعم!
- تفرج القوات العسكرية الموجودة التابعة للأمم المتحدة على المذابح التي كان يقيمها الصرب، دون تحرك أو محاولة منع، إلا في حالة واحدة وهي كتيبة بنغالية تابعة للأمم المتحدة لما انهزم المسلمون في أحد محاور مدينة بهاتش قام بأقل الواجب وما هو مطلوب منه وهو الحيلولة دون المسلمين والصرب، فما كانت مكافئته من قِبل الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي إلا باستبعاد الكتيبة البنغالية وإحلال مكانها أصدقاء الصرب وأحبائهم وهم الروس والذين دعموا الصرب بكافة الأشكال من دعم عسكري واقتصادي وبشري وعلى العلن وفي وسط الحرب!!!
- ثم ترتب على هذا رفضهم إدخال أي قوات أممية تابعة لدولة من العالم الإسلامي.
- وكذا إعلانهم أن سراييفو مدينة آمنة! رغم عمليات القنص والاستهداف العشوائي من مناطق الصرب داخل وخارج المدينة لم تنقطع، وإعلان المدينة آمنة يعني عدم قدرة الجيش البوسني على الهجوم على هذه المناطق كون المدينة آمنة، فلم تكترث الأمم المتحدة بحال المدينة الفعلي وبإعلانهم هذا أرادوا الإبقاء على الوضع كما هو عليه ومنع البوسنيين من الدفاع عن أنفسهم!
- حوصرت سراييفو من كل المناطق إلا من جهة المطار وكانت هنالك هجمة شرسة تصدى لها الجيش البوسني من أجل السيطرة على المطار؛ لأن من سيسيطر عليه سوف يحقق مكسبًا مهمًا وقويًا في الحرب، فما إن انكسر واندحر الصرب سارع الفرنسيين التابعين للأمم المتحدة للسيطرة على المطار وإخضاعه لهم! وبعد سيطرة الفرنسيين لم يستخدم المطار إلا قليلًا ولم يستخدم الاستخدام الحسن في تحسين ظروف المدينة المحاصرة!
- والتأخر أحيانًا في نقل كميات الطعام مما يؤدي إلى فساده وعدم صلاحيته للأكل.
- الازدواجية في التصريحات، والاتهامات، وغيرها من الوقائع المذكورة في الكتاب.
مع التنويه أن زيارة المؤلف وإصداره للكتاب كله قبل حصول مذبحة سربرنيتشا التي توجت الأمم المتحدة دورها المتواطئ في البوسنة من خلالها! ولكن إرهاصاتها كانت بادية في الكتاب، وتكلم عن اتفاقية سربرنيتشا التي بدورها جُرد المسلمون من سلاحهم مقابل حماية الأمم المتحدة لهم! ولكن حقًا كما قال أحدهم: وهل مآسينا إلا من الأمم المتحدة؟!
***
عاش المؤلف تجربة الحصار، وسرد شيء من حقيقتها وواقعها، فالناس في ظل الحصار وشح المؤن وارتفاع الأسعار قررت التخلي عن كل ما تملك في المنزل من أثاث، ومستلزمات، وهدايا ثمينة وغيرها، وأحد هؤلاء السكان يقول: ما فائدة الهدية التي وإن ارتبطت بذكريات جميلة مع أشخاص غالين عليَّ وأنا وأبنائي لا نجد ما نأكل؟!
وتضاءلت الرواتب وقَلّت (وكان سكان البوسنة يتعاملون بالعملة الألمانية ونادرًا جدًا ما يتعاملون بالعملة البوسنية)، فمثلًا راتب المسؤولة في قسم العلاقات الدولية في التلفزيون البوسني كان (6 ماركات ألمانية) وكانت تقول لأحمد منصور: براتبي هذا يحتاج أن أعمل نصف سنة حتى استطيع أن اشتري كيلو لحم! وأما الحديث عن التفاوض مع الصرب وإنهاء الحرب فالقادة البوسنيون يقولون أن الصرب متغطرسين ويريدون إنهاء الأمور عسكريًا لأنهم يرون أن الكفة في صالحهم، وأنهم لن يدخلوا في تفاوض جاد إلا إذا حصلت الموازنة بين القوى، أو كما يقول علي عزت بيجوفيتش في المقابلة مع أحمد منصور: (هذا العالم لا يزال غابة حيث يسود فيه قانون الأقوى، وبالتالي يجب أن تكون قويًا حتى يتركوك تعيش آمنًا بسلام).
وفعلًا ما أن تحققت معارك بدر البوسنة، ومعركة الكرامة وكذا الفتح المبين، وتغيرت دفة المعركة وبدأ الصرب بالاندحار إلا وبدأ قادة الغرب بالضغط الجدي والفوري على الصرب من أجل القبول باتفاقية دايتون التي أنهت الحرب في البوسنة. فحقًا كما قيل: إن العالم لا يحترم إلا أصحاب الأقدام الثقيلة!
***
- وتكلم كذا أحمد منصور عن المؤسسات الغربية ودورها المشبوه والخفي في البوسنة، والتي أحاطت نفسها بشيء من السرية، وعن تركيزها على النشاطات الثقافية والتعليمية حصرًا من أجل تغيير ثقافة الجيل الناشئ من البوسنيين.
- وتكلم عن المؤسسات الإعلامية البوسنية في التلفاز والإذاعة والصحف وعن تنوعها وتوجهاتها وأبرز مشاكلها.
- وتكلم عن صحو الصحوة الإسلامية التي دبت في الشعب البوسني، فالهجمة الصربية والكرواتية لم تحصل إلا لأن هؤلاء مسلمون فتم قتلهم واضطهادهم من أجل دينهم، وهذه الهجمة لم تجعل هؤلاء يتحللون من دينهم خوفًا على أنفسهم بل على العكس رجعوا إلى دينهم بعد أن كانوا مسلمين بالاسم، فزاد رواد المساجد من الشباب بعد أن كانت حكرًا على كبار السن، وامتلأت مراكز تحفيظ القرآن عن بكرة أبيها من الجنسين، وارتدت النساء والفتيات الحجاب بعد أن كان مهجورا!
فالكتاب يعطيك شيء أشبه باللمحة عن الوضع البوسني ويمكن أن تتوسع لاحقًا بقراءة مراجع متعددة، والكتاب رغم عدد صفحاته إلا أنه من القطع الصغيرة ويمكنك إنهاءه في جلستين لسهولة لغته وبساطته.
من اكتر الكتب تأثيرا بي ... كل ما ذكر في الكتاب كان بالنسبة لي من الامور البعيدة جدا تعيش مع الكاتب احداث الحرب والهروب من القناصات ودخول الانفاق .. الخيانات.. المجازر .. مواقف الدول كل ذلك كان بالنسبة لي اقرأ قصة اقرب للخيال بالنسبة لواقعنا حينها الى ان وقعت الحرب وتجسدت احداث الكتاب كما هي امامي
للأسلوب الصحفي مذاق خاص، تتلذذ به دوماً.. لكن أسلوب أحمد منصور الصحفي هو دون المستوى مقارنة بمستواه في البرامج التلفزيونية.. على كل حال، ما يهم في هذا الكتاب كان الحقائق الذي يحملها. وحقاً كم كانت موجعة ... وكأني أرى ما يحدث لسوريا الآن ...