هناك عدة فرضيات وتفاسير لنهضة الإمامِ الْحُسَيْنِ. وهذا الكتاب ينطلق من فرضيَّةِ أَنَّ المرء عند لحظةِ اتَّخاذ القرار قد يجِدُ بعَقلِهِ أنَّ المُحْتَمَلَ على درجة عالية من الأهمية والخُطورة، فيتَّخذ قراراً بالإقدام، بغض النظر عن قوة الاحتمال أو ضَعْفِهِ، ومهما كانت الكلفة عالية. والإمامُ الْحُسَيْنُ كان قد واجه تحدياً خطيراً عند قرَّرَ مُعاوية توريث السلطة لابنه يزيد؛ فهو من ناحية كان يشْعُرُ بقدر من التقييد (الشَّرْعي أو الأخلاقي أو حتَّى العُرْفي) بسَبَبٍ صُلْحِ أخيه الإمام الحسن، ويشْعُرُ من ناحية أخرى بضرورة التحرك، وأنه لا يمكن أبدأ تمرير هذه الخُطوة والسكوت عنها؛ لأنَّها تُودّي إلى مسخ كامل للإسلام. لذا انتَظَرَ الإمامُ الْحُسَيْنُ ال حتَّى تُوفي مُعاوية، وحصل فراغ سياسي، وأراد يزيد مَلءَ هذا الفراغ، هنا قرر له القيام بنهضة إصلاحية. وقد رأى ببصيرته الإلهية النافذة، عند المُوازنة بين قوة الاحتمال وأهمية المُحْتَمَل أنَّه لا بدَّ من القيام بهذه النَّهْضةِ دون تردُّدٍ مهما كانت النتائج؛ بمعنى أنه حتى لو كان احتمال نجاح النهضة - بملء الفراغ السياسي من خلال إقامة حكم إسلامي قائم على أساس القسط - احتمالاً ضعيفاً أو غير مُرجح، فإنَّ أهميَّة المُحْتَمَل بإنقاذ الإسلام من المُسْخِ من خلالِ الأَمْرِ بالمعروف والنهي عن المُنْكَر، والتنسيق مع الآخَرينَ للقيام بهذا الواجب الكفائي، يُحتم عليه أَنْ يُقدِمَ على هذه الخُطوة دون تردد. وهذا نجاح للنهضة بمعنى آخر، وإن أدى إلى استشهاده. فكان لديه الله - من ناحية - قرار استراتيجي برقْضِ مُبايعة يزيد مهما كانت العواقب وكانت لديه � من ناحية أخرى - سلسلة من القرارات التكتيكية التي تفْرِضُها المُتغيرات الميدانية المرتبطة بمدى تفاعُلِ النَّاس مع نهضَتِهِ. كاتب هذه السطور يرى أنَّ هذا التفسير هو العدَسَةُ المُناسبة التي يمكن أن ننظر من خلالها إلى تفاصيل الأحداث، التي سيتكفل الكتاب ببيانها.