من أين يبدأ «الرّوع وأين ينتهي؟ هل ينتصب فزاعة في الحقل ترعب الآخرين وتطردهم بقوّة الوهم؟ أم ينتصب في ذواتنا المحجوبة عنا فيحدّد سلوكنا ويوجّه مصائرنا؟ وما مصير ضحية «الروع»؟ هل تعيش العمر في سجن أوهامها؟ أم تستيقظ من سباتها يومًا لتُصبح فزّاعةً تزرع الرعب في النفوس وتتلذذ بسطوة الخيال؟
يقودنا زهران القاسمي في روايته الجديدة إلى أرض الخوف أي إلى أكثر المناطق ظلمة في باطن النفس البشرية، فنتابع حكاية الفزاعة مع بطله «محجان» ونحن نظنّه الشخصيّة المحورية في الرواية، حتى إذا ذهبنا فيها أشواطًا لم نجد بطلًا غير الخوف. فلا طفولة إلا طفولته ولا شباب غير شبابه، فإذا كبر واكتمل استوى فزاعة في الحقل ترى، لكنها في الباطن لا ترى.
رواية تدور حول الرعب بنكهة عمانية . محجان بطل الحكاية مزارع في قرية عمانية يصنع "روعا" فزاعة حقل و يحملها مسؤولية حماية مزرعته من كل كائن حي يريد بها السوء و لتكن حاملة لروحه المشروخة و لرعبه الخاص و حتى لكراهيته فيقدم لها قرابين لتحقق له طلبه و لتتحول الى كابوس مقيم لا يرضى الا بتوحد محجان بها ليصبحا واحدا و ليتحولا الى أسطورة مرعبة تكشف الجانب المظلم من الإنسان. العمل مكتوب بلغة سلسة منفتحة على اللهجة المحلية التي أصبحت محددا للبعد الجغرافي الذي يتحرك فيه الكاتب.
القراءة الثانية للكاتب العماني "زهران القاسمي" بعد روايته "تغريبة القافر" التي فازت بجائز البوكر العربية لعام 2023، مع روايته الأحدث "الروع"، التي تُعد بمثابة تأكيداً على موهبة الكاتب المختلفة، التي تنقلنا إلى عمان، ونعيش فترات زمنية مختلفة، ولن يُمكنك بعد قرائتين للكاتب أن تتجاهل الخصائص المميزة لنصوصه، منها مثلاً أنك تشعر أنه ينقل عمان إليك، فالشروحات المتضمنة لألفاظ وأحداث وأفعال من البيئة العمانية الاجتماعية والثقافية، تجعلك تتفهم أبعاد الأحداث بشكل أوسع، ولا تكون تائهاً، ربما التيه عموماً يكون بسبب الأحداث التي يمر بها بطل الرواية، ولكن، ليس سببها اختلاف ثقافي أو زمني.
من الخصائص المميزة أيضاً أن النصوص تحمل دلالات ورمزيات عديدة، يُمكنك أن تلاحظها وتفك شفراتها، ويُمكنك أن تتقدم دون حلها، ولن تتأثر كثيراً، فدائماً ما تكون الأحداث غنية، مليئة بالتفاصيل، ومدهشة، وتدفعك للتساؤل عن الإنسان ووجوده، ولكن يُمكن القول أن الرمزيات التي يُمثلها محجان وروعه أكثر كثافة وتعقيداً من التي مثلها سالم بن عبدالله بن جميل في "تغريبة القافر"، فالأحداث تتقافز بين التيه والدهشة والغموض، حتى تأتي النهاية لتؤكد على أن الرواية أعمق وأكبر مما تبدو، وهنا تختلف الدلالات من قارئ لأخر، ففي أوقات أجد الرواية تدور عن الخبل والجنون الذي يمس المرء، وأحياناً أجدها تتحدث عن الخوف وما يفعله بالإنسان، فـ"محجان" رغم طوله الفارع يُمكنك أن ترى خوفه، وإنعزاله عن مجتمعه، فهل مسه الجنون من الوحدة؟ أم الوحدة جعلته خائفاً ومرتاباً؟ هذه أسئلة لا تنتظر أن تجد إجاباتها بسهولة.
بالإضافة بالطبع إلى أسلوب "زهران القاسمي" نفسه الذي تشعر بسلاسته وشعريته، هناك خليط من الكلمات العمانية التي تصف بيئة وجغرافية الأحداث، ولكنك تفهمها بسهولة وعادية من سياق الأحداث، ناهيك عن الدلالات الضمنية للنهاية التي انتشرت طوال الأحداث ولكنك لن تراها بوضوح إلا عند النهاية، مما يؤكد أن هذا العمل لا يُقرأ مرة واحدة، فبعد دهشة المرة الأولى، نحتاج إلى قراءة ثانية لمزيد من الفهم والتأكد واليقين.
مراجعة لكتاب : #الرّوع اسم المؤلف : #زهران_القاسمي دار النشر : #مسكيلياني نوع : تصنيف ' الكتاب :#رواية عدد الصفحات : 154 __ النبذة : من أين يبدأ الرّوع وأين ينتهي؟ هل ينتصب فزاعة في الحقل تُرعب الآخرين و تطردهم بقوة الوهم؟ أم ينتصب في ذواتنا المحجوبة عنا فيُحدد سلوكنا و يوجه ضمائرنا؟ و ما مصير ضحية"الرّوع" هل تعيش العمر في سجن أوهامها؟ أم تستيقظ من سُباتها يوماً لتصبح فزاعة تزرع الرعب في النفوس و تتلذذ بسطوة الخيال؟
اقتباس الكتاب : "يحتاج كل شخص إلى وخزة حتى يصحو"
الرأي الشخصي : يأخذنا زهران القاسمي في روايته "الرّوع" الى داخل النفس البشرية و ما قد تعانيه من تراكمات نتيجة للاوهام و الخرافات و ينتهي بها المطاف الى الخوف والجزع والتهيؤات التي لا يأتي من ورائها سوى المزيد من الخوف لتجدها في النهاية داخل سجن كبير لا تستطيع التحرر منه لانه أحكم سيطرته عليها فأصبحت أسيرة للخوف ولا شي سوى الخوف. اسلوب سردي رائع و مشوق كعادة استاذ زهران و ادخال الامثلة العمانية الشعبية بين الحوارات اضاف نكهة جميلة للرواية.
في دائرة من الشك وشيء من الهذيان تبدأ الرواية وفي ثلاث دوائر متقاطعة. تتفرع أحداثها بين إجمال وتفصيل يميّز الرواية بأسلوب سردي رائع بداية من دائرة الحدث الغريب عن شيء من الحلم وجاثوم ورؤى ضبابية لا توحي بمعنى محدد ولكنها تفسر الكثير وانتهت إلى الروع.
الدائرة الأولى تفصيل، الروع وتكوينه كيف صنع ولما وأدواته والصعوبات ورحلة محجان في البحث عن ما يناسب الروع ليكتمل، مشاهد مفصلة تتدخل في رحلة بناء عصيبة وتضع أول خط في تكوين الدائرة الصغيرة.
الدائرة الثانية إجمال، عن الحياة حياة محجان واسمه وزوجته حارته ووظيفته كيف عاش وكيف اختار، وكيف كان يقرر قرارته، التي بدأ لأجلها رحلته في إحياء المزرعة، ومدى نجاحاته التي عاشها ولاحقها بحرص ليصل لمبتغاه الذي لم يحدده قط، وإذا وضعنا في وسط الأحداث ماذا بعد؟ لكانت حالة محجان التي آلت إليها في الدائرة الثالثة بين الإجمال والتفصيل لن تكون متوقعة.
الدائرة الثالثة إجمال وتفصيل، مجموعة صعوبات حاول محجان مرارًا حلها، هل تكفي الروّع وماذا أصابها بعد ما كانت كافية إلى أي مدى يصل رعبها ولأي حدٍ من الممكن أن تبعد كل ما يضر؟ وهذا إجمال. أما التفصيل الذي تابع خط السرد هنا كان محجان وصراعه مع أهل القرية وهو صراع قام على الفكر والعاطفة على فكرة أن ماذا لو كان مشركًا، وعن عاطفة قادها الظن من طرفهم، وهو قاده الغضب أو بكلمات أخرى العشق والعاشق مجنون، وهكذا أكد هو ظن أهل القرية به، أنه جن جنونه وشك آخر تبعه جدل عن الروع ومحجان وهل هما نفس الشخص؟ وهكذا انتهت الرواية.
أدهشتني اللغة التي كانت العامل الفارق في تفصيل المشهد وملامسته لخيال القارئ بشكل متقن فمن دهليز داخل المنزل إلى شكل المنزل وسط الحارة، والسرد الذي أُتقن بشكل متوازن ينتقل من حالة عامة إلى حالة خاصة مفصلة تدخلك وتعيدك لعدة نقاط مرت ونقاط لاحقة.
لغة جميلة سلسة.. احببت الأمثال العمانية.. في البداية لم افهم مغزى الروع (الفزاعة) الا في منتصف الرواية.. يتحدث عن الخوف الكامن فينا ان كنا سنواجه مخاوفنا ام سنجعلها تتحكم فينا..