تلمس ملامح الاختلالات المنهجية، وآثارها البحثية من الدراسات العلمية المهمة والتي لم تأخذ حظها من النظر والدارسة، وهذه الورقة محاولة لتسليط الضوء على جانب من جوانب الاختلال المنهجي، والتي ولدت حالة من الطمأنينة العقدية بالخرافة والأسطورة، تضع الورقة عقيدة الغيبة الكبرى للطائفة الشيعية تحت مشرحة البحث لتكشف كيف تمت محاولة البرهنة والتدليل لمعتقد نشأ في ضوء الفلسفة الغنوصية بأدواتها العرفانية، لتحبس نفسها بين فلسفتين فلا هي بالتي استبقت صورتها العرفانية، ولا هي التي ترحلت للصورة البرهانية المنشودة.
يُبرز هذا الكتاب المشكلة المعرفية داخل المذهب الشيعي ، هذه المشكلة المعرفية هي التي تفسر جميع تناقضاته على مستوى المسائل ، فالكتاب ليس معنيًا برصد جميع التناقضات داخل المذهب الشيعي الإثنى عشري ، ولكنه يهتم بنقد أصول الاستدلال ، فالمسائل هي ثمرة الدلائل ، ومع ذلك سيكتفى الكتاب ببيان التناقض المنهجي من خلال نموذج واحد وهو نموذج الغيبة الكبرى .
ليس من قبيل المشكلة � فيما أعتقد- بيان أن كثير من العقائد المكونة لفرق الضلال هي من قبيل الأساطير بمحاكمتها إلى مُحكَم الكتاب والسنة وهو جهد معرفي مشكور ، ولكن محاولة العثور على الجذور الفكرية أو الفلسفية لتلك الأساطير لا يساعد على نسفها فقط بل نسف المذهب القائم على أساسها ، ومن هنا بمكن أن نجد التأطير المناسب لفكرة الخلاص الشيعي ، ونسأل ما العلاقة بين فكرة " الخلاص من الظلم المسلط عليهم ممن يسمونهم النواصب- أهل السنة- برجوع الإمام " وبين فكرة " خلاص الروح من المادة- التي تمثل الظلام- لتتحد مع الإله " وهي الفكرة الغنوصية الفارسية ؟! .
هنا يبرز أصل استدلالي هام من مصادر الشيعة الإمامية وهو أصل " الغنوصية العرفانية " منذ أول متكلم بإسم العقائد الإمامية وهو " هشام بن الحكم" ، وهذا الأصل هو لبنة أساسية في طرح دكتور عبد الله الدعجاني لبيان تناقضهم المنهجي ، وهو أصل معروف لدى حتى المستشرقين ، ففي كتاب المستشرق الألماني هاينس هالم عن الغنوصية في الإسلام يقول بكل وضوح أن الغنوص الإسلامي ظاهرة شيعية [ الكتاب متوفر على النت من منشورات الجمل ] ، فالمعرفة الغنوصية=المعرفة الباطنية= معرفة بلا واسطة عقلية أو نقلية كالكشف أو الإلهام أو التلقي السري عن النبي � صلى الله عليه وسلم حتى بعد وفاته كما يزعمون .
يحاول الدكتور الدعجاني � باحث رائع حقيقة- إلقاء الضوء على العرفان الشيعي الإثنى عشري وجذوره الفلسفية ، فهو كرؤية مرتبط بالرؤية الفلسفية الميتافيزيقية ، فالأئمة الإثنى عشر- بزعمهم- خُلقوا من مادة نورانية =وهي نظرية كما يقول الدكتور على سامي النشار تقترب من الثنوية الفارسية والأفلاطونية المحدثة ، بل توحي بحلول الإله في الأئمة كما قال بذلك الكاشاني والخميني [ وأنا أحيل حقيقة لفهم هذا الأمر بالتفصيل إلى دراسة ممتازة للأستاذة إيمان صالح العلواني بعنوان مصادر التلقي وأصول الاستدلال العقدية عند الإمامية الإثنى عشرية عرض ونقد � أحيل إلى المجلد الثاني المبحث الثاني في الفصل الخامس بعنوان فلسفة الإشراق ومدى تأثر الإمامية بها ص 935 طبعة دار التدمرية ] .
وفق هذه الرؤية العرفانية أصبح الإمام معصومًا بل ومصدر المعارف ، فوُضِعُوا في مرتبة الأنبياء فلا تفسير للقرآن إلا عن طريقهم ، ومن ثم أسسوا لمنهج استدلالي باطل وهو " الظاهر والباطن " مما أنتج تأويل باطني دفعوا به النصوص النقلية كي يقوموا بتسويغ نظرية الإمامة ، وفي تلك المرحلة تم تنحية العقل ، فالعقل عندهم حجاب للتلقي عن الأئمة والإمامة ، وأسياد تلك المرحلة كما يقول الكتاب هم الإخباريون =الذين اقتصروا على الأخبار وجمدوا عليها ومنعوا الاجتهاد .
في مرحلة لاحقة سيتأثر الشيعة الإمامية بالمعتزلة عقيدًة ومنهجًا ، ومن ثم تظهر" العقلانية " بقوة فيحدث عقلنة لقضياهم العرفانية بأسلوب اعتزالي [ في أواخر المائة الثالثة كما قال ابن تيمية ] ويُوصف هؤلاء بـ الأصوليين ، فمحاولتهم للجمع بين " المنهج العرفاني العقلي " وقضاياهم الأسطورية كالغيبة الكبرى أوقعهم في تناقض معرفي ، فكيف يعيش إمامهم كل هذه المدة الطويلة التي تصل إلى 1200 سنة وقد تمتد لآلاف السنين داخل سرداب سامراء ؟ فهي شخصية طوباوية أو كما يقول ابن تيمية [ ليس له عين ولا أثر ، ولايُعرف له حس ولا خبر] ، والغريب كما يقول الدعجاني أن عقيدة الغيبة محل اتفاق بين الإخباريين والأصوليين ، ولكن يجب أن أضيف أن الأستاذة إيمان العلواني في كتابها الذي أشرنا إليه قالت أن ثمة خلاف ولكنه خلاف صوري ، فمع إيمان الأصوليين بالغيبة مثل الإخباريين إلا أنهم أرادوا تطبيق مبدأ النيابة العامة .
هنا تمت محاولة لعقلنة أسطورة الغيبة الكبرى على يد " محمد باقر الصدر " ويصفه الدكتور الدعجاني بأنه عميق الفكر والأثر لاشتغاله بالفلسفة العقلية وعلومها ، ويتعجب من أسر عقلية الصدر الجبارة في سجن الغنوصية ، فمحصل أدلته على وجود المهدي أمران : الإمكان العقلي [ الفلسفي والعملي والعلمي ] والإعجاز .
فهو يحاجج في الإمكان الفلسفي في كون امتداد عمر الإنسان لآلاف السنين ممكن منطقيًا إذ الحياة لا تستلزم الموت السريع، ويرد عليه الدعجاني بكون هذا إمكان ذهني ، وأنه لا تلازم بين الإمكان الذهني والوجود الخارجي ، فمورد النزاع هو وجود المهدي وجودًا خارجيًا لا ذهنيًا .
أما الإمكان العملي يرى أنه لا علاقة له بإثبات وجود المهدي، وإنما ذكره إتمامًا لقسمة الإمكان ، أما الإمكان العلمي يحاجج في كون ثمة أشياء ممكنة علميًا وإن ظلت غير ممكنة عمليًا كالصعود للزهرة مثلًا ، ويرد الدعجاني أن امتدادر عمر الإنسان لآلاف السنين مستحيل استحالة مركبة ، فمن جهة الشرع أعمار الأمة بين الـ 60 والـ70 تقل قليلًا أو تزيد قليلًا ، ومن جهة الحس والعقل فالضرورة العقلية محكومة بالضرورة التجريبية ، وهي أن كل إنسان يصل إلى 100 سنة في أمة محمد عليه السلام يصاب بالشيخوخة والموت .
أما في دليل الإعجاز فهو يحاجج أن طول عمر المهدي معجزة إلهية يمكن أن تُعطل السنن الكونية ، ويرد الدعجاني أن وصف الشيء بكونه معجزة هذا فرع عن وجوده ، ولا تكون معجزة إلا إذا كان لها وجود خارجي ، فإذا قيل نُقلت لنا كسائر المعجزات ، قيل فمن نقلها سوى امرأة مجهولة وهي " حكيمة بنت محمد " ، فكيف يمكن اعتبار خبر امرأة مجهولة في تقرير أصل اعتقادي ؟! فتواتر شرط النقل شرط لإثبات المعجزة كما قال ابن حزم .
الكتاب من الكتب المهمة كسائر كتب الدكتور الدعجاني ، ويمكن أن يكون مفيد كمدخل للقاريء بعد ذلك لدخول عالم القراءة عن الشيعة والتشيع الإثنى عشري .
في بيئة يغلب عليها التشيع لا غرابة في أن تسمع من الدعوات القائمة على تصريحات "مغردي تويتر من الشيعة" (من أهل السنة) كـ: "لا حقيقة لخلافٍ بيننا وبينكم." أو -وهو الأكثر-: "نحن لا نسب الصحابة كما يفعل غلاة الشيعة." مع الحذر المتشكك لضرورة معرفة عقيدة التقية عندهم. فتجد السني على أقل تقدير متوقفاً في الحكم على عقيدة هؤلاء بدوافع واهية مكرورة. في هذا الكتاب -على صغر حجمه- يستعرض الدكتور أصول أصوليات الشيعة الإمامية دون الحاجة للمقارنة مع أصول الإسلام -المعرفية-، ليبيّن لمن كان له أقل نظر التنافر المنهجي بين معتقدين لا يجمع بينهما سوى بعض قوالب لفظية، وبعض صور تعبديّة. أكثر ما لفت انتباهي هو تأثرهم بغنوصية أديان ومعقدات سابقة تهيمن عليها الترميزات والأسطورات - لا لعجيب أمرٍ... بل لأن هذا من الملاحظ الذي لا يحتاج في تثبيته إلا قليل بحث وتأصيل وهو ما قدمه الدكتور في كتابه. إضافة على ما قاله -وهو ليس محوراً في الموضوع- فقد بيّن أن لهم أصولاً تجسيمية دون أن يستعرض شيئاً منها، وهي كذلك تلفها العرفانية والرمزية - ومذكور شيء منها في:[ مقالة التجسيم - فهد هارون ]
قدم لنا الدكتور الدعجاني ورقة بحثية لا تطول إلى بحث كامل يحاول فيها التعمق قليلا في الأصول التي تقوم عليها العقيدة الاثناعشرية بشكل خاص والعقيدة الشيعية بشكل عام .. يتعامل الباحث بشكل منظم للغاية جعل البحث يخرج بهذا الشكل من القصر ، يصف بشكل رئيس التناقض القائم بين النص والعقل في العقيدة الاثنا عشرية .. الكتاب يقوم بصفة خاصة على هدم الأصول التي قام عليها الفقه الشيعي ، هذا لو سمينا ما عندهم هو فقه ، يصيب الكاتب في توصيفه أن الاجتهاد وابوابه تعتبر مازالت معطلة في الفقه الشيعة ، وأن ولاية الفقيه التي حدثت أعقاب الثورة الايرانية في السبعينات لا يمكن أن نسميها بشكل أو بآخر هي اعادة لفتح باب الاجتهاد داخل الفقه الشيعي ، هذا لأن الشيعة لا يمتلكون علوم أصول فقه من الأساس ، بل هم يعتمدون على تفكير غنوصي شديد يعتمد على الإلهام أو العرفا الباطني في استنباط أحكام الفقه والتي يدّعون أنها نور أتاه الله إلى الأئمة ، المعصومين من وجهة نظرهم ، لا يتوقف الكاتب عند هذا الحد بل يذهب أكثر من ذلك ليقوم بتدمير أحد ركائز العقيدة الاثناعشرية آلا وهي الغيبة ،أو غيبة الامام كما يدعون .. العيب الوحيد من وجهة نظري أن الكاتب اختار موضوعا يصلح لبحث عميق للغاية ومستفيض أيضا ثم وضع فيه ورقة بحثية ليخرج بمجموعة من النقاط - لا أنكر مطلقا انه وفق فيها جميعا - ولكن كان ينقصه مزيد ومزيد من الاستفاضة ، لعل من يحتاج إلى متابعة أكثر نحيله إلى رائعة الكاتب " أحمد الكاتب " في كتابه تطور الفقه الشيعي من الامامة إلى ولاية الفقيه ..
عقلنة الأسطورة قراءة نقديقة للتناقض المنهجي في أصول عقيدة الشيعة الإثني عشرية "الغيبة الكبرى نموذجاً"
يرى المؤلف "عبدالله الدعجاني"، أنه لدى الشيعة في عقائدهم أساطير وخرافات نزلت محل الطمئنية والسكون لديهم، وذلك للخلل المنهجي في عقيدتهم، ولايضاح هذا الأمر ينتخب نموذجاً يضعه تحت منضددة التشريح هو : (عقيدة الغيبة الكبرى)، يبين المؤلف -في هذا الكتاب- كيف تمت البرهنة على هذه الفكرة وأنها نشأت في ظل فلسفة غنوصية بأدوات عرفانية .
الشيعة يعتقدون بأن الإمام هو : (مبدأ الوجود والمعرفة، ثم الاستدلال بالنصوص الدينية مستخدمين عقيدة : (الظاهر والباطن)، ينتقد المؤلف مناهج الشيعة ويتطرق إلى أدلتهم، منها تطرقه لوجود المهدي، فيقول بأن محمد باقر الصدر، أخفق في اثباته بماوصفه بالإمكان المنطقي والعلمي.
الكتاب جدير بالقراءة، وقد بوبه في فصلين : الفصل الأول : العرفان الشيعي الإثنى عشري وجذوره الفلسفية الفصل الثاني : عقلنة العرفان بالبرهان عند الشيعة الاثنى عشرية : "عقيدة الغيبة الكبرى نموذجاً"
عدد صفحات الكتاب : ١٤٤ صفحة/ قطع متوسط، صدر عن دار تكوين للدراسات والأبحاث .
This entire review has been hidden because of spoilers.