What do you think?
Rate this book
240 pages, Paperback
First published January 1, 2015
اشتمل هذا الكتاب على تأريخ لتجربة دخول جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية العملية السياسية بعد ثورة يناير ،من وجهة نظر نقدية لتجربتهم، و لذا فقد فكرت في أن أمضي وقتا للتفكير إن كان الكاتب قد حاول إنصاف الدعوة السلفية و حزبها و حاول تفسير الأمور من وجهة نظرهم أم لا، و لكنني تراجعت عن هذا العزم، إذ أنني وجدت ��ن كل أرائي الخاصة التي توصلت إليها خلال تلك الفترة، توافقت و الاستنتاجات التي خلص إليها الباحث في كتابه.
منذ جاءت إرهاصات ثورة يناير، و قد تميز موقف الدعوة السلفية بالإسكندرية بالتناقض الشديد لمواقفهم قبل الثورة، فتحول موقفهم من الثورة من التشكك في البداية إلى التهدئة ثم إلى الموافقة و التهنئة، و من ثم ظهر أول اختلاف عظيم على آراء الجماعة في مسألة الترشح على البرلمان قبل الثورة، فقد كانوا يرفضون هذه المسألة أصلا و قطعا، و من بعد جاء عام ٢٠١٣ و ما حدث فيه من انشقاقات داخلية و تقارب مع الأحزاب الليبرالية، و أخيرا فقد انحازوا إلى صف الانقلاب العسكري، رغم رفضهم لدعوات الإطاحة بمرسي قبل ٣٠ يونيو بأيام.
توصل الكاتب في بحثه إلى تسعة أسباب لتفسير مواقف الدعوة و حزب النور بدءا من الثورة، و ألخصها في خمسة:
١- استطاع الجيش احتواء شيوخ الدعوة السلفية، و إيهامهم بتدينهم و حبهم للدين، و إظهارهم الحرص على تطبيق الشريعة، فطفق شيوخ الدعوة من بعدها يروجون لما رأوا، بعد أن كانوا قبلا لا يرون بجواز الالتحاق بالجيش، و كانوا يسفهون أحلام الإسلاميين في التغيير من خلال البرلمان، لأن الجيش، على حد قولهم، سيكون بالمرصاد لأي محاولة جادة للتغيير.
٢- كانت هناك ندية كبيرة و تشاحن بين الدعوة السلفية و الإخوان المسلمين، يعود إلى زمن انضمام أعضاء الجماعة الإسلامية أواخر السبعينيات إلى الإخوان المسلمين، كان هذا التشاحن يظهر أحيانا و يخفت أحيانا، كان يظهر خصوصا في كل مناسبة للانتخابات يدخلها الإخوان المسلمون و يعارضهم فيها شيوخ الدعوة، و كان الطرفان يحاولان قدر الإمكان التهدئة و إظهار روح الود بينهما في العديد من الأحيان، و قد ظهرت هذه الندية جليا في انحياز الدعوة لصالح الانقلاب.
٣- ترفض الدعوة السلفية أية مواجهة بالقوة أو ثورة إيثارا لحفظ الدماء، فهم يفضلون السلامة و مصلحة استمرار الدعوة و ألا يتم استئصالها، و كان هذا عاملا أساسيا في كل مواقفهم ، قبل الثورة و بعدها، رغم اختلاف مواقفهم الجذري في مسألة شرعية الحاكم.
و حقيقةً لا تقدم الجماعة أي تنظير أو رؤية حقيقية للتغيير، حتى في مسألة تطبيق الشريعة، و تتلخص رؤيتهم في التغيير في "تربية الناس على الإيمان" حتى تصير أمة مؤمنة بحق، فينصرها الله. و إن كانت السذاجة و انعدام الرؤية في مناهج التغيير قد أصابت كل الفصائل المصرية دون تمييز، مع اختلاف الدرجات.
٤- طغيان الجانب البرجماتي في قراراتهم على الجانب الأصولي، ما أدى لوقوعهم في كل ما انتقدوه على الإخوان المسلمين تقريبا.
٥- سيطرة ياسر برهامي و تلاميذه بشكل مطلق على مجلس إدارة الدعوة السلفية و المناصب العليا في حزب النور، و انصهار الدعوة و الحزب معا، رغم التصريح المواضح بفصل الدعوة عن الحزب، و قد كان لهذ أكبر الأثر في انحراف الحزب الواضح، و تحيزه ضد الإخوان المسلمين من أول عام ٢٠١٣.
كان من الواضح من قبل الثورة، أن ياسر برهامي كان الأكثر تأثيرا بين الناس و الأعلى من حيث القدرة التنظيمية، حيث كان مشرفا على شؤون الطلائع الدعوية في الجامعات، و في نشاط الدعوة خارج الإسكندرية، فكان من الطبيعي أن يكون له الكثير من الأتباع الأوفياء، و قد استغل هذا في إقصاء كل من عارضه من الدعوة و الحزب، و العمل على السيطرة على المناصب المهمة في المؤسستين.
كنت قد انخرطت في عامي الأول في الجامعة مع الدعوة، ومن بعد تقاعست عن العمل معهم لأسباب ضغط الدراسة و ظروف أخرى شخصية، حتى انقطع الاتصال بيني و بينهم، فلما جاءت الثورة حمدت الله على هذا، إذ أن هذا الانفصال مكنني من أن أكون أفكاري بعيدا عن سيطرة و هيبة أسماء بعينها، و لما علمت بنية الدعوة دخول البرلمان، تضارب هذا القرار مع ما حفظته من موقف الدعوة من البرلمان قبل الثورة، و ظل هذا التناقض في جانب تفكيري، حتى جاء الانقلاب، فوجدت أن كل ما اُنتِقد على الإخوان المسلمين، قد وقعوا فيه، سواء صدر هذا منهم أم لا، فلما قرأت هذا الكتاب تأكدت من صحة ما وصلت إليه من أفكار.
من الواضح أن الكتاب في أشد الحاجة في أن يتم مده ليشمل الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠١٥! أتمنى من الكاتب ألا يتأخر في هذا.