أبو الفرج علي بن الحسين الأموي القرشي الأصفهاني يرجع نسبه لبني أمية (284هـ/897م - 14 ذو الحجة 356 هـ/20 نوفمبر 967م) من أدباء العرب، صاحب كتاب الأغاني، وجده مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية؛ وهو أصفهاني المولد بغدادي المنشأ، كان من أعيان أدبائها ومصنفيها، وروى عن كثير من العلماء، وكان عالِماً بأيام الناس والأنساب والسير، وله أشعار كثيرة. أخذ العلم عن علماء بغداد والكوفة وأهم علمائه أبي بكر بن دريد ومنهم أبي بكر بن الأنباري ومحمد بن عبد الله الحضرمي والحسين بن عمر بن أبي الأحوص الثقفي وعلي بن العباس المقانعي والفضل بن الحباب الجمحي وعلي بن سليمان الأخفش ونفطويه ومحمد بن جعفر القتات وغيرهم.
-- صدر الأصفهاني هذا الجزء بترجمة متوسطة لنابغة بني جعدة و أخباره و هو صحابي شاعر و من المعمرين و قد عاصر الجاهلية و الإسلام معا، و قد قيل في سبب تلقيبه بالنابغة أنه مكث عقودا لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله، و قيل أيضا : إنه كان ينظم الشعر في الجاهلية ثم أرتج عليه فيه ، ليعود إلى النبوغ فيه في الإسلام. ثم انتقل الأصفهاني إلى سرد شيئ من أخبار حرب البسوس الشهيرة بين بكر و تغلب و التي دامت أربعين سنة بسبب قتل جساس بن مرة البكري لكليب بن ربيعة التغلبي، ثم إلى أخبار الهذلي المغني و شيئ من قصصه و أخبار غنائه، إلى ترجمة شاعر قريش و الزبيريين عبيد الله بن قيس الرقيات الذي صار مخصوصا ببني مروان بعد أن دالت لهم الدولة و السلطان، ثم إلى حياة المغني مالك بن أبي السمح و أخبار مجالس غنائه صدر الدولة العباسية، ثم إلى نتف من أخبار النهدي و الوليد بن عقبة بن أبي معيط، إلى أن نصل إلى تلك الترجمة الحافلة التي خص بها المؤلف إبراهيم الموصلي أكبر موسيقار عربي في عصره و هي أكبر ترجمة وصلتنا للرجل و فيها قصصه مع الغناء و التلحين و التغني بالشعر القديم و مجالس الأنس و السمر و غيرها، و فيها ما يمتع القلوب و يطرب الأسماع من الحكايا و المسامرات و غير ذلك، تليها ترجمة حافلة أخرى لابنه إسحاق بن إبراهيم الموصلي و الذي خلفه على عرش الفن و الغناء و فاقه فيه، و كانت له وجاهة عظيمة عند خلفاء بني العباس و بلغ من شهرته و إتقانه لفن الغناء أن أورد له الأصفهاني قصصا عجيبة في المناظرات الفنية بينه و بين غيره من المغنين بحيث أنه كان يصحح آداءهم للأغاني و يتحداهم جميعا ثم يهزمهم في صناعة الألحان و الترنم بالأغاني و الضرب على الآلات الموسيقية و خصوصا آلة العود.
-- كان هذا الجزء حافلا بالصور الحية للجوانب الثقافية و الفنية و الإجتماعية من حياة المجتمعات أيام بني أمية و بني العباس، بالإضافة إلى الجم الكثير من أخبار الحروب و بعض أيام العرب في الجاهلية و الشعر السياسي و مجالس الفن و مجامع الغناء التي كانت تعقد في قصور الخلفاء و الأمراء، و الملاحظ هنا أن الغناء العربي قد بلغ أوجه في أيام العباسيين على الرغم من أن خلفاء بني أمية كانوا يكرمون المغنين و يرفعون من شأنهم أيام كانوا ملوكا على دولة الإسلام، إلا أن بني العباس فاقوهم في ذلك و أربوا عليهم كثيرا.
يبتدأ الأصفهاني هذا الجزء من الأغاني بأخبار الشاعر النابغة الجعدي وهو شاعر من مخضرمي الجاهلية والإسلام، متضمنًا في أخباره وقائع حرب البسوس؛ ثم ينتقل إلى سيرة شاعر قريش في الإسلام عبد الله بن قيس الرقيات، متضمنًا في سيرته بعض من أخبار الصراع بين الزبيريين والأمويين؛ ثم ينتقل إلى أخبار مالك بن ابي السمح المغني مولى أل جعفر والذي أدرك دولة بني العباس؛ ثم ينتقل إلى أخبار الوليد بن أبي عقبة ومنها نافذة على أحداث فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه؛ ثم يتوقف وقفة طويلة عند اخبار إبراهيم الموصلي المغني وولده إسحاق، وهي وقفة غنية بالنقد الأدبي والتأريخ لفنون الشعر والغناء والموسيقي، وكذلك بالصراعات السياسية في أوج ازدهار دولة بني العباس.
هذا الكتاب من أشهر مؤلفات المكتبة العربية ومن أهم كتب التراث ولايقل شهرة عن "ألف ليلة وليلة"، و"رسالة الغفران" للمعري، ومؤلفات الجاحظ، و"مقدمة" ابن خلدون. وأتمنى أن لايتوهم البعض أن الكتاب هو فقط دراسة لمستوى الأغنية العربية الجاهلية منها وماتم تأليفه في القرون الأولى؛ بل يتناول الموسيقى والشعر والكثير من المعلومات والمادة التاريخية في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام والعصر الأموي والعباسي إلى منتصف القرن الرابع الهجري (منتصف قرن 10 م)، وهو جهد عظيم قام به الأصفهاني. ولايعاب عليها غير ميله لتسجيله للكثير من المعلومات التاريخية غير المثبتة والتي استلها من مصادر ضعيفة في الرواية التاريخية من المدونات العربية القديمة والمعاصرة للمؤلف، وهو ماجعل المؤرخ العراقي الكبير وليد الأعظمي يضع كتابًا بعنوان (السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني) وهو واضح الغرض من عنوانه وعندما قرأته فيما مضى بعد قراءة (الأغاني) وجدته وهو كتاب رغم ميله للمدرسة النقدية الإسلامية التي لا تراعي (أحيانًا) بقية المدارسة النقدية الأدبية والتاريخية إلا أنه أحسن تناوله ونقده.
قام الأصفهاني بتأليف كتابه لأجل الموسيقى لاشيء غير الموسيقى حيث حرص على توثيق الأغاني التي كانت متداولة في بلاط الخلفاء خصوصًا العباسيين فجاء الكتاب يحمل كمية معرفية في الأدب أعتبر به الكتاب موسوعة غاية في الروعة وكذلك جاء بمعلومات تاريخية (جلها مكذوب) والكثير من سير الشعراء والأدباء.
كانت الأغاني (القصائد) التي تجاوزت الـ(100) هي من إختيار الموسيقار العربي إيراهيم الموصلي، ويضاف إليها أغاني من إختيار الأصفهاني نفسه، وقد صدر له تهذيب ولا أقصد ذلك التهذيب التي يتناول طمس الكلمات والأشعار الجنسية بل هو تهذيب عمد لتخفيف الكتاب من تسجيل لحن القصيدة وذكر عروض (تفعيلات) القصيدة ووزنها الشعري والأشعار الخارجة عن وحدة القصيدة المغناة ونقرات الصوت (اللحن المغنى) الخفيف والثقيل، وحذف الأسانيد التي (لا تهم) جمهور كبير غير قارئ للتراث لكنه يهتم للمعلومة كجزء من النص. لهذا كثرت الإختصارات لهذا الكتاب في وقت مبكر منذ بداية القرن (5) الهجري وصولًا للقرن (8) الهجري وكذلك في العصر الحديث.
مما وجدت في هذه الموسوعة النفيسة : الكثير من الكذب والتحريف لكن هذا الكذب لمن هو مطلع على كتب التراث وكلاسيكيات العرب في الأدب والتاريخ والشعر وتنوعه في القراءة لن يقف أمام هذه الأكاذيب فسرعان ماسوف يفندها خصوصًا تلك التي خص بها الخلفاء من العصر العباسي الأول وهذا ليس لأن المؤلف يعود بنسبه لبني أمية � وهى نقطة مهمة قابلة للتشكيك � ولكن تناول حتى خلفاء من غير بني العباس، وتناول شخصيات من آل البيت بروايات (باسانيد ضعيفة) المصدر تضج بالكذب والخرافات.
محاولة تدعيم معلوماته الأدبية على حساب التاريخ وهذا يضعف قيمة الكاتب قبل كتابه. إلا أن الغريب هو بقاء الكتاب مكان ريادة لغزارة المادة التشويقية القصصية التي تستهوي القارئ.
وفرة المادة الأدبية حيث أن القارئ / ـة سيخرجون بكمية هائلة من المعرفة التراثية.
الكثير من دواويين الشعراء المطبوعة منذ بدايات القرن الماضي أخذت مايقارب (50 %) من مادة الشاعر من هذا الكتاب إضافة لبقية كتب التراث كمعجم ياقوت الحموي، والمبرد وطبقات الجمحي، وصبح الأعشى والحماسة لأبي تمام وغيرها. فقد ضم الكتاب موسوعة عظيمة لشعراء العالم العربي منذ العصر الجاهلي حتى العصر الرابع الهجري وسيرهم الذاتية وهو من الاستطراد التي وقع فيه المؤلف عند ذكره لإحدى الأغنيات فيورد الكثير من قصائد الشاعر فحمل الكتاب ما يشبه ديوان شاعر ما.
يضم الكتاب أسماء وسير أشهر المغنين والمغنيات الشهيرات لقرابة (4) قرون يكاد يكون الكتاب هو الأول في توثيقهم.
يصور الكتاب الحياة العامة للعصور العربية منذ الجاهلي حتى العصر الإسلامي في العهد الأموي والعباسي فينقل لنا مرحلة اجتماعية أكتفى الكاتب بذكر جانب الرفاهية مع المبالغات ليستقيم أصل الكتاب مغ غاية المؤلف (وذلك موضوع آخر).
تصوير (بغداد) وبعض مدن العراق التي كانت مكان ثقل مركز الحكم العباسي كمنطقة لا تهتم بغير الخلاعة وتغييب كامل لدورها الريادي في ذلك الوقت.
رغم ذكره لكامل حياة (هارون الرشيد) وماجرى في عصره وندمائه وشعرائه بحديث يطول لدرجة الملل إلا أن ثمة تغيب لشاعر كبير وهو (أبو نواس) وهذا غريب جدًا فهل سقطت سيرته من الكتاب؟ ولا أظن ذلك ولكن يبدو أن ثمة تعمد لإسقاطه من قبل المؤلف.
يجب تصنيف الكتاب أنه كتاب مسامرة مثل (العقد الفريد) للأندلسي ابن عبد ربه، و(بهجة المجالس وأنس المُجالس) لابن عبد البر القرطبي وغيرها من مؤلفات المسامرة والمتعة وليس كتابًا تاريخيًا إخباريًا ولكن هذا لا يعفيه من النقد.
من أشهر نسخ هذا الكتاب نسخة (مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة) والتي بدأ تحقيقها منذ (1927 � 1974م = 1345 � 1394هـ) مع (مطبعة وزارة التربية والتعليم)، و(الهيئة المصرية العامة للكتاب). أي مدة قاربت الـ(50) وهي ما ننصح بها لعناية نخبة من خيرة المحققين العرب من مصر وهي نسخة في (24) جزء.