إعادة انتاج التراث الشعبى ، واحد من الأعمال الفائزة فى المسابقة العربية الكبرى للتراث فى دورتها الثانية لعام 2014 والتى تنظمها كل عامين المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم " ألكسو " فى مجال صون التراث اللامادى. ومؤلف الكتاب الفائز هو الدكتور سعيد المصرى استاذ علم الاجتماع والأنثروبولجيا بكلية الآداب جامعة القاهرة. وإذا كانت الجائزة تعطى الأولوية للجهود المتميزة فى مجال حماية التراث الثقافى اللامادى فإن الكتاب الفائز يمثل أول دراسة علمية رصينة تعتمد على بيانات ميدانية شاملة فى محاولة لفهم آليات استمرار عناصر التراث الشعبى وقدرتها على الحياة فى ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية الكبيرة فى عالمنا العربى. من المعروف أن التراث يمثل ساحة للصراع الدائر بين قوى التغيير (باسم الحداثة) والقوى المضادة للتغيير (باسم الدفاع عن الموروث) . ويقصد بإعادة الإنتاج الثقافى � بحسب ما جاء بالكتاب - قدرة اساليب الحياة فى أى مجتمع على استمرار أهم ملامحها عبر التغير.وهذا يعنى ان انتقال العناصر الثقافية الشعبية عبر الأجيال او من خلال التواصل الانسانى لا يعنى استنساخا كاملا وحرفيا لكل ملامحها ولا يعنى ايضا فنائها واستبدالها كليا بعناصر أخرى جديدة . فالبشر يواجهون الحياة بما لديهم من موروثات ثقافية ، وبهذه الموروثات ومعها يغيرون حياتهم ويتغيرون . لقدركزت الدراسة على عمليات إعادة إنتاج التراث الشعبى فى حياة الفقراء، باعتبارهم يشكِّلون جماعات تقع في أدنى السلم الطبقي، مما يعني أن إمكانياتهم الاجتماعية والاقتصادية، بل والثقافية بالمعنى الرفيع للثقافة، لا تتيح لهم سوى فرص قليلة ومحدودة للتواصل مع الثقافة الحديثة والتغيرات العالمية، ويفترض أن هذه الوضعية الطبقية للفقراء تساهم في خلق تجربة طبقية ذات طبيعة خاصة في إعادة إنتاج الثقافة الشعبية، وهنا تحاول الدراسة الكشف عن حدود هذه التجربة، وإلى أي مدى يعد الفقراء قادرين على الإنتاج والتداول الثقافي رغم تدني أحوالهم وندرة إمكانياتهم. يضاف إلى ذلك أن بحوث التراث الشعبي تبرهن دائمًا على شدة ارتباط الفقراء بالتراث الشعبي، فهو بمثابة رأسمالهم الحقيقي في ظل حرمانهم من الوصول إلى الموارد والأصول، ولهذا تفترض الدراسة أيضًا - في منطقها النظري- أن أساليب حياة الفقراء تنطوي على قدر من الثراء ينبغي الكشف عنه لأنه يعبِّر عن سر بقائهم رغم ظروفهم البائسة، كما أن أساليب حياتهم تنطوي على قدر من الاختيار رغم ارتباطها بالندرة والضرورة، وأن حياة الفقراء تمتزج فيها أيضًا العوامل البنائية والثقافية المولدة للفقروالمناوءة له . اتخذت الدراسة من العلاقة بين الديناميات الطبقية والديناميات الثقافية إطارًا لها، وفي ذلك انطلقت الدراسة من تصور مؤداه أن العلاقة بين الطبقة والثقافة إشكالية وغير قابلة للاختزال في بعد واحد أو رؤية مبسطة، فرغم وجود قاسم مشترك من التراث الشعبي يتخلل كل الفئات والطبقات الاجتماعية في المجتمع المصري، ويتجاوز بذلك الحدود الطبقية والمكانية، فإن البعد الطبقي يلعب دورًا مهمًّا في تشكيل تباين العناصر التراثية بين مختلف الطبقات، بالإضافة إلى تباين الطرق التي ينظم بها السلوك واستراتيجيات الفعل من طبقة إلى أخرى، وعلى هذا الأساس افترضت الدراسة أن فقراء الحضر، شأنهم في ذلك شأن الجماعات الطبقية الأخرى في البناء الطبقي المديني، لديهم قدرات وتجارب في ممارسة التراث الشعبي على نحو متجدد. وعلى الرغم من كون الفقراء يشغلون وضعًا أدنى في البنية الطبقية، ومستبعدين من الوصول إلى الموارد، ويحتلون وضعًا هامشيًّا في التفاعل مع الثقافة الحديثة، فإن وضعيتهم هذه يمكن أن تساهم في خلق تجارب مهمة وثرية في تحديد التراث لكي يظل حيًّا وماثلاً في ذاكرتهم وعونًا لهم على مواجهة أعباء الحرمان، وبذلك لا يكون إنتاج التراث الشعبي وتداوله حكرًا على مواقع طبقية بعينها، فكل الطبقات، بما فيها الفقراء، تنتج التراث الشعبي، ولكن بدرجات وحدود متباينة، وهذا التباين الطبقي هو الذي يفسر أيضًا التفاعل بين الطبقات والذي بمقتضاه تنتقل عناصر ثقافية من بيئة طبقية إلى أخرى. وفي ضوء هذه الفرضية حاولت الدراسة التعرف على أهم عمليات الإنتاج والتداول الثقافي بين الفقراء وما هي خصائصها ومحدداتها، ومجالاتها ومسارات التداول وحلقاته التي تمر عبرها المنتجات الثقافية؟ وفي إطار الإجابة على هذه التساؤلات الرئيسية حاولت الدراسة أن تتعرف على مدى حاجة الفقراء المستمرة إلى التراث في حياتهم اليومية، والكيفية التي تتولد بها هذه الحاجة وكذلك الآليات التي يمارس بمقتضاها التراث على نحو متكرر، وحاولت الدراسة التعرف على أشكال ممارسة الفقراء لخبرات محددة مع التراث عبر الأحداث المهمة في حياتهم ومواقف الحياة اليومية التي يعيشونها، وكيفية الاحتفاظ بهذه الخبرات في الذاكرة الجماعية وكذلك الآليات التي يتم بمقتضاها الاحتكام إلى هذه الخبرات في أحداث ومواقف متجددة بما يجعل التراث يتفاعل مع الماضي والحاضر، وأخيرًا حاولت الدراسة رصد مظاهر التفاعل الثقافي بين الفقراء والوسط المحيط بهم والذي أنتج صورًا مختلفة من الاستعارات الثقافية أضيفت إلى المخزون الثقافي للفقراء، بالإضافة إلى رصد أهم ملامح الجهود الفردية والجماعية الخلاقة في تحديد التراث وابتكار عناصر وإضافات جديدة، وفيما يلي أعراض لأهم النتائج: بناءا على ذلك يمكن عرض أهم النتائج الخاصة بعمليات إنتاج وتداول التراث بين الفقراء بمختلف مستوياتهم الطبقية، وذلك على النحو التالي: 1- تناولت الدراسة عملية تواتر العناصر التراثية في حياة الفقراء اليومية وذلك من خلال ممارسة عادات الطعام، وتبين أن تكرار بعض الممارسات في حياة الفقراء يتوقف على مدى حاجتهم إلى تلك العناصر التراثية التي يمكن استخدامها في تنظيم أساليب حياتهم، وخصوصًا فيما يتعلق بالعلاقة بين الحاجات والموارد، وهناك أربع آليات تعمل على توليد الحاجة المستمرة للتراث وتكثيف حضوره في الحياة اليومية وهي: التوافق مع الضرورة وتوظيف العلاقات التضامنية والتماثل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والشعور بالرضا. وأكدت البيانات المستخلصة من أساليب حياة الفقراء على انسجام ممارسات عادات الطعام القائمة على الضرورة مع ظروف الحرمان وقلة الدخل وتقلبات ظروف العمل، ولهذا يميل الفقراء إلى اختصار عدد الوجبات اليومية واللجوء إلى أساليب وحيل تعزِّز الإشباع، وارتباط موعد الوجبة الرئيسية بمدى التقلُّب في ظروف العمل، فوجبة الغداء الرئيسية تتناسب مع من يعملون بانتظام ويعودون من عملهم في أوقات منتظمة خلال فترة الظهيرة. بينما تعد وجبة العشاء رئيسية بالنسبة إلى الذين يعملون في أوقات غير منتظمة، كما يعتمد الفقراء على الإكثار من النشويات في طعامهم وقلة البروتينات والفاكهة واستهلاك الأطعمة منخفضة التكاليف. إلى جانب الاعتماد على بدائل رخيصة من الأطعمة المكلفة. وتشير النتائج إلى استخدام الفقراء لأدوات بسيطة في الطعام تتسم بخامات رديئة ورخيصة وقابلة للتبادل في نطاق الجيرة، والأدوات بالنسبة إلى الفقراء ليست مكملة لأي رغبته في المكانة ولا يثير إظهار بساطتها أمام الناس أي خجل، ويميل غالبية الفقراء إلى تكثيف استخدام الأدوات وتنويع وظائفها. ويميل الفقراء إلى عدم الاكتراث بالنظافة وتوظيف الحيز المكاني لأكثر من غرض ومراعاة تحقيق الإشباع واقتسام الاستمتاع بالطعام، ويظهر ذلك من خلال ترتيب الطعام الذي يبدأ في الغالب بوفرة من الخبز وينتهي بقيود صارمة في توزيع اللحم، وللطعام الجماعي قيمة مهمة في حياة الفقراء يحرصون عليها دائمًا، ويقل التزام الأسرة الفقيرة بالقيود الشكلية في آداب الطعام كغسل الأيدي أو ترتيب الجلوس، فهناك مرونة تفرضها الضرورة وتزيد المرونة في نظام الوجبات بصفة عامة كلما ساءت الأحوال الاقتصادية. وفيما يتعلق بتوظيف العلاقات التضامنية، فقد أظهرت النتائج اعتماد الفقراء على شبكة العلاقات التكافلية في المواءمة بين حاجاتهم ومواردهم، وتعد علاقات التضامن بمثابة مورد رئيسي في حياة الفقراء، يمكن توظيفه في تخفيف أعباء الحرمان، وتشير النتائج إلى بعض مظاهر ذلك مثل اقتسام نفقات الطعام داخل الأسرة، وهذا يعني تقسيم أعباء تدبير مكونات الوجبات ومستلزمات الطعام على كل من يساهم في دخل الأسرة، وهذا يضمن استمرار توفر الطعام وتعزيز الروابط الاجتماعية، ومن مظاهر التضامن اقتسام أدوات الطعام ومستلزماتها فيما بين الجيران بطريقة مرنة، ويتم ذلك بين الفئات المتماثلة نسبيًّا في خصائصها. ويتخذ الفقراء من عادات الطعام مجالاً لتكريس التماثل من خلال المشاركة في تناول الطعام، ومع ذلك فإن علاقات القوة داخل الأسرة هي التي تفرض نمط الذوق السائد، بالإضافة إلى عوامل أخرى كتكلفة الطعام، وتلعب التنشئة الاجتماعية دورًا في نقل الخبرات وتداول الأذواق عبر الأجيال، ولا يقف التماثل عند مجرد الغذاء المفضل، بل التعبير عن الحرمان وإخفاء النعمة، ففي ظل انعدام الخصوصية والمراقبة، المتبادلة يتعين على الفقير أن يتظاهر بالتماثل، وبقدر ما يعبر ذلك عن تبادل منافع، فإنه يعبر أيضًا عن حلقة مفرغة من الحرمان لا فكاك منها. ويحرص الفقراء على تحقيق الرضا بأي صورة ممكنة ويتم ذلك بالقناعة، والنظرة الإيجابية لحياة الحرمان وتحقيق المتعة في تناول الطعام والحرص على طعام المناسبات. 2- عالجت الدراسة عملية استعادة التراث في حياة الفقراء والكيفية التي يتم بها الاحتكام إلى الخبرات الماضية مع التراث في الأحداث المهمة في الحياة وخلال مواقف الحياة اليومية، وقد كشفت النتائج أن استعادة التراث في حياة الفقراء تتم بطريقتين، الأولى تعتمد على احتكام الشخص لخبراته الماضية والثانية تعتمد على احتكام الشخص لخبرات الآخرين الماضية مع التراث، وتعتمد هذه الطريقة على التفاعل الإنساني، وبالتالي تتعدد مصادر الاحتكام إلى التراث ويتفاعل فيها الماضي مع الحاضر، ويلاحظ أن الاحتكام إلى التراث يبدأ من الخبرات الأقرب إلى الذهن والمتاحة والتي يسهل استعادتها وتوظيفها، ثم الخبرات الأكثر تعقيدًا وصولاً إلى الاستعانة بتجارب المحترفين في مواجهة أحداث الحياة. وقد بينت الدراسة أن ثمة ثلاث عمليات للاستعادة وهي التفسير والتبرير، والنصح والتوجيه والنقد والسخرية، وتعد عناصر التراث الشفاهي كالأدب الشعبي وبعض جوانب من المعتقدات أكثر قابلية للاستعادة في الحياة اليومية. وتشير النتائج إلى أن محددات الاحتكام إلى التراث تختلف باختلاف الأشخاص والمواقف والأحداث والسياقات، بالإضافة إلى اختلاف طبيعة العنصر الثقافي ذاته، ويميل الفقراء إلى الاستعانة بالتراث السحري في مختلف المواقف والأحداث التي تنطوي على مشكلات أو أزمات، ويتم توظيف الأمثال في العديد من مواقف التفاعل وأفعال الكلام. تناولت الدراسة عملية الاستعارة الثقافية التي يمارسها الفقراء في إثراء رصيدهم الثقافي بعناصر جديدة تنتمي إلى فئات أخرى، وتبين أن الفقراء ليسوا منعزلين عما يجري حولهم بل لديهم القدرة على التفاعل مع العالم المحيط بهم، وهناك أربع آليات تعمل على توليد الحاجة المستمرة للاستعارة وهي: المحاكاة والتلقي والتدين والاستهلاك، فهذه الآليات تتيح للفقراء القدرة على تبني العناصر الثقافية الجديدة. وكشفت النتائج عن مصادر مختلفة للاستعارة أهمها الطبقة الوسطى والأجهزة الثقافية والإعلامية. وفي النهاية قدمت الدراسة بعض الملاحظات حول مظاهر الإبداع الثقافي في مجال الأمثال والأغاني والحكايات، ودلَّلت على أن التراث يتجدد عبر انتقاله من جيل إلى جيل، وهناك إبداعات للجيل الجديد تملأ فراغات الذاكرة الجماعية وتسقط عمدًا من التراث ما لا يتناسب مع حاضرها وتضيف عناصر جديدة تجعل من العنصر التراثي شيئًا حميمًا للجيل الجديد، وبعض الصياغات الجديدة أو المبتكرة هي تنويع من صياغات قديمة تتناسب مع الحاضر، وللمبدعين قدرات خاصة في القيام بهذه العملية، رغم أنهم فقراء ويستمدون رؤى العالم من تلك البيئة الفقيرة.
الدراسة دقيقة فى منهجها المحكم وثرية ببيانات متعددة لمختلف عناصر التراث الثقافى فى محاولة للتوصل إلى آليات محكمة لإعادة انتاج التراث الشعبى ، والكتاب يمثل محاولة جادة وغير مسبوقة لبناء نظرية لإعادة انتاج التراث الشعبى .وبناء على ذلك طوَّرت الدراسة تصورًا لعمليات إعادة الإنتاج الثقافة الشعبية تم تحديده في أربع عمليات، وهي: تواتر التراث ، واستعادة التراث ، واستعارة التراث ، وإبداع التراث. وسوف القى الضوء باختصار هلى كل عملية منها. ولهذا توج الكتاببالجائزة هذا العام بجدارة .
لقد وجدت هذا الكتاب أثناء بحثي عن كتاب آخر. لفت انتباهي فقررت أن أقرأه، هذه الدراسة في علم الاجتماع فتحت عيني على الكثير مما لم أكن أعرفه، كل هذه التفاصيل والأرقام والحقائق جعلتني أرى الناس بشكل مختلف. شكرا لصاحب الدراسة الثرية.
كيف يستعين الفقراء-على اختلافهم-بالتراث لمواجهة ندرة الموارد المتاحة؟ أو كيف يتحايل الفقراء لمواجهة الحياة، مستعينين بتاريخ طويل من أساليب التعايش والتأقلم مع ظروف الفقر والإفقار تفاصيل دقيقة ومؤلمة عن أساليب تدبير لقمة العيش - التي تشكل حرفيا الجزء الأكبر من النفقات وتلتهم الدخل الشحيح أصلا - وتأثير التفاعل بين أسر الطبقة الواحدة والطبقات المختلفة على أساليب الحياة التقليدية للفقراء والمخزون الثقافي الذي يُعاد إنتاجه وتعديله باستمرار.
ناس فوق وناس تحت ما حدش فينا بيختار هي بتيجي بالبخت (بالبخت) ما فيش قبليها إنذار خلاص أزميلي إتحطيت أهلاً بيك في الواقع هنا الشغل ع البايظ هنا الدنيا بتضاجع