مقتطفات من كتاب العرب والمستقبل للكاتب كريم أبو حلاوة
------------------ التفكير في المستقبل يغدو أكثر إلحاحاً في مجتمعات تشكو من شدة الانهماك في الماضي وثقل الذاكرة التاريخية والحضور القوي والضاغط للتراث ------- صحيح أن الزمن ثلاثي الأبعاد، وأن معرفة المستقبل تتطلب فهم الماضي وإدراك الحاضر، لكن من الصحيح أيضاً أن الغرق في الماضي، أو التبعثر في الحاضر دون أفقٍ لا يساعد في بناء المستقبل. ------- مستقبلنا سيتوقف على الأرجح، على ما نفعله اليوم وما سنفعله غداً وسيتبلور ويتشكّل من خلال أساليب إدارة مواردنا وكيفيات تثمير طاقاتنا، سيتحدد من خلال سياساتنا في التعليم والاستثمار والصحة والبيئة، سيتحدد من خلال مبادراتنا وإرادتنا الهادفة إلى امتلاك عوامل القوة في عالم اليوم وعلى رأسها المعرفة والتكنولوجيا والحرية، لأن التنافس على امتلاك هذه المقومات سيكون مجال تسابق الأمم والشعوب ------- إن لم نبادر دوماً إلى صياغة ملامح وعناصر المستقبل ونضعه بأنفسنا، فمن المؤكد أننا بذلك نكون قد تخلينا عن مهمتنا الأساسية وقدمنا للآخرين ما يكفي من الذرائع والأسباب للقيام بذلك ------- إما أن نتولى مسؤوليات مصيرنا أو سيصنعه لنا الآخرون على مقاس مصالحهم وطموحاتهم، إذ لامكان للفراغ الاستراتيجي في عالم الغد. -------- نريد ديمقراطية تناسب مجتمعاتنا وتعترف بخصوصياتنا الحضارية والثقافية الإنفاق العام وتحديد الأولويات التنموية على ضوء المتغيرات -------- الغني اليوم ليس غني الأموال فقط بل غني المعرفة، والفقير أيضاً ليس فقير الدخل فقط، بل فقير المعلومات، هذا إضافة إلى العلاقة المؤكدة التي تربط بين ارتفاع الدخل وتحسن المعارف والعكس بالعكس -------- إن الإنسان الفاعل في النظام الجديد هو إنسان متعدد المهارات وقادر على التعلم الدائم، الأمر الذي يتطلب سرعة التكيف والتأقلم مع التبدلات المتواترة الناتجة عن الطبيعة الاقتحامية والتحويلية للتكنولوجيا والتي تؤثر بشكل ملموس على النظم الاجتماعية والثقافية، وطرق العيش، وعادات الاستهلاك، ومعنى العمل ومكانته. -------- المواهب الفردية ـ على أهميتها ـ لا تستطيع العمل والمنافسة في بيئة إقليمية ودولية تتحول بشكل متزايد نحو المأسسة والتنظيم وحصر المعارف والتقنيات الأكثر تقدماً في أكاديميات ومراكز بحثية تستقطب الكفاءات من كل أنحاء العالم، لما تملكه من عوامل الجذب التي تبدأ بإعطاء تعويضات ومداخيل مغرية ولا تنتهي عند توفير الحريات الأكاديمية والإمكانات التقنية والإدارية بكل ما أثبتته في الميدان من الفاعلية والجدوى. -------- 90% من العلماء الذين أنجبتهم البشرية خلال كامل تاريخها يعيشون الآن بيننا. كما أن غالبية هؤلاء أي أكثر من 90% منهم يعملون في البلدان المتقدمة. وتشير المعطيات إلى أن البشرية قد راكمت في العقدين الأخيرين من المعارف مقدار ما راكمته طوال الآلاف السنين السابقة التي شكّلت التاريخ الحضاري للإنسانية -------- الاستثمار في مناجم العقول هو الاستثمار الأمثل والأكثر جدوى وفاعلية وديمومة -------- 50% من الموظفين السوريين البالغين مليون شخص لا يتعدى تحصيلهم العلمي المرحلة الثانوية بما في ذلك الشهادة الإعدادية والابتدائية والملمين بالقراءة والكتابة. -------- كل سنة في الكلية تزيد الدخل بمقدار 10 ـ 15% في أمريكا، بالمقابل تزيده بحوالي 3.5% في القاع العام في سوريا، الأمر الذي يؤكد أهمية إعادة النظر بمعايير واستراتيجيات التوظيف. فهذه النسبة المنخفضة لمساهمة التعليم في زيادة الدخل، أضعفت حافز التعليم الذي يعتبر أهم محركات التنمية المستدامة كما تؤكد تجارب عديدة في أوروبا وأمريكا وآسيا -------- تبنت سنغافورة ثلاث أولويات لنظام التعليم بالجودة هي، تطوير المهارات الفكرية وتعزيزها، واستغلال تقنيات المعلومات في التعليم والتعلم، إضافة إلى التعليم الوطني -------- النجاح باقتصاد المعرفة والاستفادة من مزاياه التنافسية مرهون بعمليات الدمقرطة وضمان حرية تدفق المعلومات وتعزيز المشاركة السياسية للمواطنين بوصفها شرطاً لنجاح السياسات التنموية -------- إن المستقبل للمجتمعات التي ستشارك في توظيف وإنتاج المعرفة بكفاءة في شتى مناحي الحياة. فالمعرفة ثروة وقوة في آن معاً -------- نظراً لسرعة التحولات المحلية والعالمية، فإن الشباب في المنطقة العربية يعيشون مرحلة انتقالية لم تحسم خياراتها بشكل نهائي بعد. وباعتبارهم من أكثر الفئات الاجتماعية انفتاحاً على الثقافات الأخرى، وأشدها تطلعاً وطموحاً، فإنهم أكثر ميلاً إلى قيم التجدد والتغيير وأكثر تمرداً على ما يحيط بهم من قيم ومعايير وخيارات اجتماعية وسياسية وحياتية --------- لقد آن الأوان لنعترف، كأهل ومربين، أن الحياة تتغير باتجاهات قد لا نرغبها دائماً. وأن الشباب يميلون إلى التأثر السريع بما يحيط بهم من متغيرات محلية وعالمية عبر التقليد والمحاكاة رغبةً في مجاراة الجديد والتميز بالمظهر واللباس وأنماط السلوك. وبما أن إنكار المشكلات أو التقليل من تأثيرها لا يعني زوالها أو معالجتها، فإن العبرة في كيفية تناولها قبل أن تتحول إلى حالات مستعصية وبؤر للتعصب والعنف أو دوافع للانحراف السلوكي وتعاطي المخدرات كعلاج وهمي لحالات اليأس والإحباط وانعدام الأمل. --------- يريد الشباب من المجتمع أن يعترف بخصوصية سنهم ويوفر لهم إمكانيات التعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم دون خوف أو مواربة، ويطلب الشباب من الأهل الكف عن التدخل الوصائي في شؤونهم، ومنحهم فرصة المشاركة في تقرير ما يخص حياتهم الشخصية ومستقبلهم التعليمي والمهني وفقاً لميولهم وتأهيلهم واستعداداتهم الخاصة. فهل من سبيل للوصول إلى المطالب المحقة لدى الطرفين؟ في مجتمعنا للأسف , لا ! --------- العربي وكما تقدمه وسائل الإعلام في الغرب الأوروبي الأمريكي وخصوصاً في السينما والتلفزيون، أما سائح ثري يمضي معظم وقته في هدر الأموال وملاحقته الحسناوات والتواجد في النوادي الليلية ومجالس اللهو، أو إرهابي متعصب ومتخلف وخطر على مثل الغرب ومعتقداته. وفي الحالين يتم مسخ الإنسان العربي والمسلم واختزاله في بعض الصفات والخصائص المنتقاة وتقديمه للجمهور الغربي بوصفه عدواً غامضاً وشهوانياً وعنيفاً. ---------- إن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل ----------- النص ليس نصاً على المراد وحده، إنما هو حيز يخفي حجباً واستبعاداً وكبتاً، ومهمة النقد هي ان يقوم بتفكيك الخطاب للكشف عن الوجه الآخر للأمور. ----------- يعاني الشباب العربي المتعلم من مشكلة العزوف عن القراءة. حيث تبين العديد من الاستبيانات ودراسات الرأي العام أن القراءة تأتي في آخر قائمة اهتمامات الشباب أي بعد الرياضة ومشاهدة التلفزيون وقضاء الوقت مع الزملاء والأصدقاء وارتياد المقاهي والنوادي ودور السينما وغيرها. وهذا ما يدلل على نخبوية الثقافة وانفصالها عن الفئات الأوسع في المجتمع، فالمثقف العربي ما زال يعاني من دوره النخبوي رغم محاولاته المتواصلة لتقديم مشاريع نهضوية، وإصلاحية أو ثورية، تتوخى تحقيق الحرية أو تَمثّل العدالة وتقديم الخلاص باسم الإسلام أو القومية أو الحداثة. وسرعان ما انكشفت المزاعم النخبوية، وخبا بريق الشعارات، وفقد المثقف النخبوي مصداقيته وانكفأ صاحب المشاريع الكبرى إلى مؤخرة الفاعلين الاجتماعيين، وأصبح من أقل هؤلاء قدرة على التأثير في مجرى الأحداث ومن أكثرهم استنكاراً لما يجري وصدمة بما يحدث واستياءً مما تؤل إليه الأمور ----------- مشكلة المثقف العربي لم تعد قائمة بينه وبين نفسه فحسب، بل هي وقبل ذلك مشكلة علاقته بالسلطان السياسي المستبد، وبالمجتمع أو الناس، إذ يفترض بأن المثقف يعمل لهم ولأجلهم، وسرعان ما يجد نفسه معزولاً عنهم وغريباً عن معاناتهم وأحلامهم فيلجأ أمام هذا الموقف الإشكالي، إلى التعالي الأكاديمي والدفاع النرجسي أو اليأس والانطواء ويعتبر أن مهمته تنحصر في التعبير أو التأمل بدلاً الاستنهاض أو المشاركة. ----------- تتمثل حالة الاستقطاب الثقافي الذي يعيشها العالم المعاصر في كل من ثقافة الصورة المرئية بوصفها تجسيداً لمذهب اللذات الحسية وأداة اقتصاد السوق المعرفية من طرف، والثقافة الأصولية بما تعنيه من نزعة ماضوية ونظام عقيدي يسبغ على عصبيتها واتباعها طابعاً مثالياً غير قابل للتساؤل والنقد من طرف آخر. ----------- تقليص الإنسان واختزاله في بعده اللذوي الاستهلاكي في ثقافة السوق تفضي إلى حصر قيمته وتميزه بما يستهلك. ويقوم الإعلان بوصفه "صناعة الموافقة وبيع الأحلام" بتعطيل الميل العقلاني والحس النقدي عند المتلقين. فتتخلق هويات جديدة عند الرجال والنساء مقطوعة الصلة بواقعها وتاريخها ومرجعياتها الثقافية تتمركز حول حمى الاستهلاك التي تبتكر نجومها وتفرض المعايير الجمالية والنماذج السلوكية وصورة المرأة النمطية وما يتصل بها من مواصفات في الشكل واللباس والمكياج والشعر والقوام، وبما تستدعيه من عادات غير صحية، وتنافس في الاقتناء والاستهلاك ومقاييس جمالية لصياغة الذوق العام، معظمها غربية ومعممة عبر وسائل الإعلام، وقد لا تناسب العديد من المجتمعات ----------- إن علاقة التقليد والمحاكاة تدفع بالعديد من شبابنا، والنساء منهم على نحو خاص، إلى بذل كل شيء في سبيل الظهور وفق المعايير والمواصفات المطلوبة. ما يؤدي إلى تبني نماذج وقيم وعادات الغالب بتعبير "ابن خلدون" أو السائد المهيمن بعبارات اليوم. وبما يرافق هذه الممارسات وينجم عنها من شعور بالاستلاب والغربة عن الذات والمجتمع. في نفس الوقت الذي لا تمكّن هؤلاء من تحقيق رغبة التطابق مع النموذج فنكون أمام من يسميهن "بيير داكو" على سبيل التهكم ب "ناصلات اللون". ----------- نجحت الذكورة في تدجين الأنثى لا عن طريق القمع الاجتماعي فحسب، بل عبر استيلائها على اللغة التي أصبحت مثل مختلف جوانب الثقافة الأخرى منحازة للرجل، حتى حين تستخدمها المرأة الكاتبة. ----------- النساء اللواتي وصلن إلى مراكز القرار لا يغيرن شيئاً جوهرياً، بل ينفذّن سياسة النظم القائمة بانضباط أكبر من الذكور أنفسهم ----------- ما يفصل بين استلهام التاريخ والنهل من حكايات الشعوب، وبين الانكفاء إلى الماضي والضياع فيه، هو عمق المعالجة ومدى الشفافية التي يتحلى بها النص ------------ كما أن مصير الفرد يصبح قليل الأهمية إذا ما قورن مع مصير المجتمع، كذلك حال مصير جيل أو حقبة مقابل مستقبل الأمة ومصيرها. ------------ التغيرات السريعة التي يعيشها المجتمع العربي في الثقافة والإعلام وأنماط العيش سرعان ما انعكست على طموحات الشباب وثقافتهم. فالشباب يميلون إلى التأثر السريع بما يحيط بهم من متغيرات ومشكلات لأنهم أكثر تقبلاً للجديد وأكبر ميلاً للمحاكاة، ويملكون نزوعاً قوياً للتمرد على ما يعتقدون انه تقليدي ومحافظ، لذلك يتجه معظمهم إلى الاختيار وفقاً لرأيه الشخصي وعدم الخضوع لرغبات الأسرة عند اختيار زوجة المستقبل، ويحرص بعضهم على التعلق المفرط بالمظاهر والتميز عن الآخرين في المأكل والملبس ووسائل الترفيه ------------ إنسان الاغتراب هو أقدر الناس على الحب لأنه أكثرهم حساسية وأغزرهم شعوراً وأنظفهم وجداناً. والروح الحساس عالي القدرة على تذوق الجمال فضلاً على أنه مترع بالحنين إلى الاتصال الأصلي الذي هو الحب بأم عينه ------------ أخطر النتائج المترتبة على العولمة وباعتراف معظم الباحثين تلك المتصلة بمخاطر الاقتلاع الثقافي والخوف من فقدان الهوية لدى العديد من الأمم والشعوب التي تعاني من ازدياد هامشيتها في خضم التحولات التي يشهدها العالم المعاصر ------------- ليس المستقبل، فيما أظن، معطىً مكتملاً وناجزاً نذهب إليه، ولا قدراً محتوماً كتب علينا من قوى غيبية أو جهات دولية أو نتيجة خصائص بيولوجية وانتروبولوجية راسخة في معطيات التاريخ والجغرافيا، وهو قبل ذلك ليس نتيجة مؤامرة عالمية كانت وما تزال تحاك ضدنا، رغم صلته أي مستقبلنا بكل العوامل السابقة، مستقبلنا سيتوقف على الأرجح، على ما نفعله اليوم وما سنفعله غداً وسيتبلور ويتشكّل من خلال أساليب إدارة مواردنا وكيفيات تثمير طاقاتنا، سيتحدد من خلال سياساتنا في التعليم والاستثمار والصحة والبيئة، سيتحدد من خلال مبادراتنا وإرادتنا الهادفة إلى امتلاك عوامل القوة في عالم اليوم وعلى رأسها العلم والتكنولوجيا والحرية، لأن التنافس على امتلاك هذه المقومات سيكون مجال تسابق الأمم والشعوب. فإن لم نبادر دوماً إلى صياغة ملامح وعناصر المستقبل ونضعه بأنفسنا، فمن المؤكد أننا بذلك نكون قد تخلينا عن مهمتنا الأساسية وقدمنا للآخرين ما يكفي من الذرائع والأسباب للقيام بذلك. فإما أن نتولى مسؤوليات مصيرنا أو سيصنعه لنا الآخرون على مقاس مصالحهم وطموحاتهم، إذ لامكان للفراغ الاستراتيجي في عالم الغد