يعدُّ موضوع الفكر السياسي الإسلامي من الموضوعات الحية في ثقافتنا اليوم.
وفي سياق تلك الدراسات التي تعالج هذه القضية؛ يأتي هذا الكتاب محاولةً للفهم والمقاربة، عن طريق النظر في بعض إشكاليات الفكر السياسي الإسلامي؛ ومن أبرزها:
* إشكالية الجذور المدنية للفكر السياسي الإسلامي.
* إشكالة أصالة الفكر السياسي الإسلامي، وصفائه النوعي.
* إشكالية علاقة الوحي بالسياسة.
ولم يفت المؤلف أيضًا أن يسلط الضوء على نقاط لا تقل أهمية عمّا سبق، فناقش السلطة السياسية في دولة الرسول صلى الله عليه وسلم، والفكر السياسي الإسلامي قبل عصر التدوين، وخلال عصر التدوين، وعرج على الفكر السياسي الصوفي. كما سعت هذه الدراسة إلى جمع ما تفرق من العبارة السياسية الإسلامية في مظانها المختلفة، وبيان خصائصها النوعية، وإشكالياتها الأثيرة، وذلك في محاولة للوصول إلى أصول النموذج الفكري السياسي الإسلامي ومقوماته العامة، ذلك أن مثل هذا الإدراك متعذر، وغير ممكن من خلال المقاربات الجزئية (التي تتناول قضية محددة) والتجزيئية (التي تتناول فنا معينا مثل الآداب السلطانية)، والتي انتشرت بكثرة في العقود الأخيرة.
وإذا كانت عملية توثيق العبارة السياسية الإسلامية وجمع بعضها إلى بعض عملية مهمة واستراتيجية في مثل هذا العمل، فإن ربط هذه العبارة بسياقها المحلي والإقليمي لا يقل أهمية عن التوثيق، ومن ثم رام المؤلف في أكثر من موضوع إيجاد الصلة والرابط بين العبارة السياسية من جهة، وبين ما كان يعتمل في أرضها من صراعات وتحيزات من جهة ثانية، الشيء الذي يجلعها في كثير من القضايا في كثير من القضايا تتخذ شكل سوسيولوجيا تاريخية للأفكار.
أول كتاب أقرأه للدكتور و لا أظن انه الأخير ... ببساطة ممتاز ، شامل لكافة معالم الفكر الإسلامي و تجلياتها الفلسفية و السياسية و الفقهية و الكلامية ... تحدث عن مكانة الإستدلال بالقرآن و السنة في تطوير هذا الفكر من عهد النبوة ش الخلافة الراشدة ثم الفتنة فالدولة الأموية وصولا إلى عصر التدوين مع العباسيين و ما بعده ليستخلص منه الإجابة عن التساؤل حول مدنية الدولة في الإسلام من دينيتها و أي الصبغتين تطغى على الأخرى ... إن أردتم الإجابة اقرأوا الكتاب ففعلا يستحق عناء الإبحار بين صفحاته ... أكثر ما راقني في الكتاب و في الكاتب انه ليس حبيس عصور اندثرت و إنما يبحث في طياتها عن اجابات لحاضرنا اليوم
قدم جبرون تفسيره للخلط بين الديني والسياسي. منبهًا إلى الدور الرئيسي الذي لعبته الفورسة (التأثر بالفكر الفارسي)، وكذا محاولة استثمار النصوص الشرعية بقاعدة «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب». واستدل بندرة النصوص الشرعية في تبريرات الفرق الإسلامية لمواقفها السياسية، في المراحل المبكرة. لكن البحث، إجمالًا، يعيبه المزاعم المرسلة، وتجاوز الثغرات، التي كانت في حاجة إلى توضيح ومناقشة، أو دليل أو أكثر، أو حتى الإحالة إلى أعمال أخرى. مثل وصية الرسول بإجلاء المشركين عن جزيرة العرب، وبداهة انفصال الديني عن السياسي في الوعي الإسلامي المبكر. كما أهمل الكتاب مقالات أهل الحديث، وموقفهم السياسي، بشكل تام. إلا أنه عمل � بلا شك � يستحق النقاش، ويشجع على البحث، سواء للمؤيد والمعارض، ويحفز على دراسة حقبة لم تنل الاهتمام اللائق. وفي ذلك وغيره إثراء للمكتبة العربية، ومزيد إيضاح لحقيقة العلاقة بين الديني والسياسي، أبرز الإشكاليات التي شغلت الفكر العربي على مدى القرن الأخير. حتى كأنها متاهة تستنفد الجهد العربي، وتقيد الأفق السياسي، وتغبن حق إشكاليات مصيرية أخرى.
#قراءة_2024 (11) نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره، امحمد جبرون، 256ص ................... هذا الكتاب من أجمل الكتب التي يمكن أن تقرأها في هذا الباب، أي في الفكر السياسي الإسلامي، وامتاز الكتاب بالأصالة والعمق في التحليل والتعليق والمقارنة، مع سهولة في العرض والسرد، لا يمل الإنسان من قراءته فهو موجه للمتخصص وغير المتخصص، والحقيقة أن الباحثين المغاربة لهم جهد طيب في الدراسات التاريخية والفكرية خاصة. تناول المؤلف في الفصل الأول السلطة السياسية في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فتحدث عن الجذور المدنية للشرعية والدولة والعلاقة بينهما، وتناول "صحيفة/ دستور دولة المدينة" بالدراسة والتحليل، وتطور السلطة بين الديني والمدني، وكذلك الحديث عن المؤسسات والهياكل التي كانت قائمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وكان الفصل الثاني عن الفكر السياسي قبل عصر التدوين، أي في الفترة من 11- 132هـ أي من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى الدولة العباسية التي بدأ فيها التدوين في الفكر السياسي والعلوم الأخرى، فذكر المؤلف حفظه الله أن كتب الأمثال والمسامرات والآداب والخطب والرسائل وآثار المتكلمين الأوائل وآراء الفقهاء كانت تحمل بوادر الفكر السياسي الإسلامي، وكان يغلب عليها عدم الاستقلال المعرفي والتداول الشفاهي، والتعلق بالبيئة التي ظهرت فيها وعادات العرب السياسية، والتأثر بالمحيط الثقافي آنذاك، وجاء بأمثلة كثيرة من هذه المؤلفات. أما الفصل الثالث فكان عن عصر التدوين وبداية الكتابة في موضوع الفكر السياسي، والعلاقة بين الوحي والسياسة، وقسم نصوص الفكر السياسي في عصر التدوين إلى: كلام سياسي، وفقه سياسي، وآداب سياسية، وفلسفة سياسية، وهذا التقسيم يبدو أنه فريد ويحمل فكر المؤلف ومنهجه الرصين في العرض والتحليل. وانتهى الكتاب بالفصل الرابع الذي تحدث فيه عن الفكر السياسي الصوفي وعلاقة المتصوفة بالدولة والسلطان ومنهج التصوف في تدعيم مبدأ الإصلاح بالحكم والآداب بدلًا من الإصلاح بالأحكام الشرعية. امتاز الكتاب بعرض المؤلف لآراء من سبقه في هذا المجال بالنقد والتحليل وإضافة رأي من جانبه حولها، فلم يأخذ كل شيء وله تعليق على كل ما ينقله، ورأي المؤلف قوي وأدلته مقنعة في الحقيقة. إن مُجمل الحديث عن الفكر السياسي يدور حول السلطة والدولة والمجتمع والعلاقة بين الشريعة والدولة وكل المؤلفات التي ظهرت بعد ذلك كانت ترجع إلى الشريعة لتدعيم سلطة الحاكم سواء كان من الخلفاء أو من الولاة الذين يحكمون تحت غطاء الخلافة. والهدف من هذه المؤلفات هو تقديم النصح للخليفة أو الحاكم في الحفاظ على الشريعة ونشر الإسلام وتطبيق العدل في الدولة والقيام بالحروب ضد الأعداء والحفاظ على بيضة الإسلام. كان للصراع المذهبي في العصر العباسي الطويل من ظهور نفوذ الأتراك والبويهيين والسلاجقة دور كبير في نشأة الكتابة في الفكر السياسي، فأغلب المؤلفات التي كُتبت كانت موجهة للحاكم والذي كتبها كان يعمل في دولة هذا الحاكم إما في القضاء أو وظائف إدارية أخرى، وكان لنقل وترجمة الكتب من اليونانية والفارسية دور كبير في ظهور هذه التأثير في كتب الفكر السياسي فوجدنا حكم ومواعظ ومصطلحات من الفلاسفة والفرس جنبًا إلى جنب مع أقوال الفقهاء وآيات القرآن والأحاديث النبوية. تناول المؤلف مؤلفات الشيعة حول الإمامة وكذلك مؤلفات الخوارج والإباضية فيما بعد، مثل كتاب الدليل والبرهان للورجلاني ت 570هـ، وأغلب من تحدث عن هذا الموضوع أهمل مؤلفات الشيعة في الفكر السياسي وهي مهمة وموجودة. ذكر المؤلف أن لفظ "الجمهور وأهل السنة" له معاني عديدة متشابكة، ويدخل ضمن هذا اللفظ "المعتزلة والأشاعرة"، ومن أشهر مؤلفات المعتزلة في الفكر السياسي العثمانية للجاحظ والإمامة للقاضي عبد الجبار. بدأت الإرهاصات الأولى في عصر التدوين في الفكر السياسي في كتب فقه الأموال فكتاب الخراج لأبي يوسف يعقوب ت 182هـ أول المؤلفات في هذا الباب، وكانت نتيجة لتوسع الدولة وتنظيم الأموال (الغنيمة والفيء والجزية) وضبط موارد الدولة ونفقاتها. ومن كتب الآداب السياسية الأدب الكبير والصغير لابن المقفع، والتاج للجاحظ وكتاب السلطان لابن قتيبة الدينوري ضمن عيون الأخبار، ونصيحة الملوك للماوردي وسراج الملوك للطرطوشي. بعد قراءة هذا الكتاب الماتع حقًا يتضح لنا أن الفكر السياسي الإسلامي كان موجودًا وظاهرًا في الدولة الإسلامية، قبل ظهور التدوين، وكان ظهور المؤلفات حول هذا الأمر بهدف الحفاظ على سلطة الحاكم مهما كان ولكل كتاب قصة في التأليف هدفها في النهاية الحفاظ على الدولة، وتدعيم سلطة حاكم والدفاع عنه وفقًا لمنهج المؤلف وعقيدته، وكان تقديم العقل على النقل وذكر نصائح وحكم ومواعظ فلسفية في هذه المؤلفات نابع من التأثير الساساني والفارسي واليوناني ولا يخلو كتاب في الفكر السياسي من هذه الأمور. وأخيرًا الكتاب مهم جدًا، مبذول فيه جهد كبير، قائم على منهج قوي رصين في دقة اختيار المصادر وعرضها وتحليلها، ويمكن جعل هذا الكتاب نظرية للمؤلف جديدة في الفكر السياسي الإسلامي. د. محمد عبد العاطي محمد غرة رمضان المبارك 1445هـ سوهاج المحروسة