ففى كتابنا فى ماهية اللغة وفلسفة التأويل تشكل تلك الفلسفة تيارا اساسيا فى الفلسفة المعاصرة يشارك فيه العديد من كبار الفلاسفة فى القرن العشرين وحتى وقتنا الراهن، والحقيقة ان هذا التيار يهتم فى المقام الاول بتأويل النص : كالنص الفلسفى والدينى والادبى والتاريخى، وغير ذلك من النصوص المدونة فى الكتابة ولكنه يمتد أيضا ليشمل تأويل كل شيء يكون قابلا للفهم والتعقل : كالرموز والاساطير وظواهر الفن، وربما لهذا السبب اصبح التأويل � بدعة � فى الفلسفة المعاصرة كما يقول جادامر، فكل اتجاه يريد ان يصف نفسه على انه � تأويلى “� ولا شك ان التأويل قد اصبح مطلبا ملحا فى حياتنا الفكرية المعاصرة التى يسودها الاغتراب بسبب تعقد وتذر المعرفة، وبسبب التباعد بين ثقافة الماضى والحاضر، والصراع بين ثقافات وعقائد الشعوب رغم كل مايقال عن فوائد العولمة وذرائعها التكنولوجية التى ستعمل على تقارب الثقافات، وما الى ذلك من وعود ذائفة او مستترة تحت غطاء ايدلوجى سياسى، ولا شك ايضا ان ادوات التأويل التى كانت معروفة فى ثقافتنا الاسلامية فى العصر الوسيط، والتى لايزال البعض يستخدمونها الى يومنا هذا، هى ادوات محدودة وقليلة الحيلة فيما يتعلق بتفسير ظواهر حياتنا المعاصرة، ومن ثم فإن من يضطلع بمهمة التفسير الآن، لابد ان يكون متسلحا بمعرفة واسعة فى مجال العلوم الانسانية المعاصرة كعلوم التاريخ، اللغة، الانثروبولوجيا، السوسيولوجيا والسيكولوجيا فضلا عن الفلسفة فى المقام الأول.
-وُلِد في القاهرة في 7 نوفمبر 1954. -أستاذ علم الجمال والفلسفةالمعاصرة بكلية الآداب - جامعة القاهرة. -رئيس قسم الفلسفة الأسبق بكلية آداب القاهرة. -الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بمصر حتى 30 مايو 2013. -رئيس تحرير سلسلة الفلسفة التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. -له ثمانية عشر مؤلفًاوعشرات الدراسات العلمية المحكمة في كبرى الدوريات العلمية,وترجمات لبعض من أمهات الكتب.
هذا الكتاب رائع جداً و إن كان من أول وهلة لتصفحه لا يجذبك ، ربما لكونه لا يحتوي على مقدمة متقنة مُدخِلة للموضوع ، سأذكر هنا أنني عرفت المؤلف "سعيد توفيق" لأنه هو من ترجم كتاب شوبنهاور "العالم إرادةً و تمثلاً" من الألمانية للعربية.
الكتاب متخصص يطرح بشكل مجمل رؤية مفكرين اثنين هما :- "هيدجير" و "جاديمير". كلاهما ألمانيان متخصصان في فلسفة اللغة و التأويل - المعروف بالهيرمونطيقيا.
أجمل الأطروحات التي في الكتاب هي التعرض لمفهوم اللغة كبيت للوجود و أنه لولا اللغة لما كان للوجود هذا التمثل ، و أن الكلمة و اللغة هي ما تميز الانسان عن غيره من الموجودات في طريقة التواصل و فهم العالم.
أطروحة رائعة أخرى يطرحها "هيدجير" منتقداً التعليم المنهجي للفلسفة الذي جاء به سقراط و ينتقد ما مضت عليه الجامعات في اوروبا ، مذكراً ان الفلسفة هي ما تتعالى فوق المناهج. و يربط "هيدجير" بين الفلسفة و الشعر مستذكراً صراع افلاطون الذي كان محباً للشعر لكنه انحاز للفلسفة خوفاً من اكاذيب الشعراء.
في مقابل ذلك يتخذ "هيدجير" موقف المنصف للشعر ، المتذوق له. الذي يعتبره لب اللغة و خادمها، موسعاً مفهوم الشعر ليشمل كل ماله فنية و شاعرية.
لا أنسى ان اذكر ان الكاتب يتعرض للاية " و علم ادم الاسماء كلها" و يقول انها تعني انه علمه الاشياء كلها.
العنوان: في ماهية اللُّغَة وفلسفة التأويل. المؤلِّف: د. سعيد توفيق تقييم: ٤/٥
”اللُّغَ� هي بَيتُ الوجود� ”نحن� لا نتحدّث من خلال اللُّغَة، بل الحقيقة أن العكس هو الصحيح، إنَّ اللُّغَة هي التي تتحدّث من خلالنا� ”إنَ� اللُّغَة تتحدّث عن طريق القَول: أي الإظهار�.
ينقسم الكتاب إلى قِسمين، الأول في ماهيّة اللُّغَة، حيث يقوم فيه د. سعيد توفيق بشرح ماهيَّة اللُّغَة في فلسفة مارتن هيدچر تحديدًا [١٨٨٩-١٩٧٦م] وهي دراسة موجزة ورائعة جدًا في أفكار هيدچر عن اللُّغَة والشِّعْر والفن والحقيقة، من حيث البُعْد أنطولوچي لهم، بعيدًا عن الفهم التقليدي، أو كما يصفه هيدچر نفسه - بعيدًا عن "اليَومي".
تتضمّن الدراسة شرحًا لمقالة مارتن هيدچر في اللُّغَة بعنوان: الطريق إلى اللُّغَة «جَلب اللُّغَة بوصفها لُغَة داخل اللُّغَة». والشرح يتمحور حول فهم هذا العبارة التي هي العنوان تحديدًا، والذي هو خُلاصة لماهية اللُّغَة كما يفسّرها هيدچر.
إنَّ التكلُّم؛ أي: الكلام من حيث هو عمليّة تلفُّظ صوتي Vocalization، هو خبرة ظلّت أمدًا طويلًا في حاجة إلى تعريف سديد؛ لأن التفسير الفزيولوچي الصوتي � السمعي لأصوات اللغة لا يعرف شيئًا عن الخبرة بأصلها الكامن في الصّمت، ولا يعرف سوى القليل عن الكيفية التي بها يهب الصّمت صوتًا للُّغَة. وهذه الخبرة باللغة التي لا نلتفت إليها أو نتأمّلها بسبب طرائقنا التقليديّة في فهم اللغة، التي تعضدها الدراسات العلمية، والتي تقف عند سطح اللغة � هذه الخبرة ينبهنا هيدجر ويقودنا إليها على النحو التالي:
”إنَ� التكلُّم Speaking يتم تعريفه بوصفه عملية التلفُّظ النطقي للفكر بواسطة أعضاء الكلام. ولكن التكلُّم هو في الوقت نفسه إنصات Listening! ومن المعتاد وضع التكلم والإنصات في حالة تقابُل: فشخص ما يتكلّم والآخر يُنصِت. ولكن الإنصات لا يصاحب التكلم ويكتنفه فحسب، مثلما يحدث في الحوار؛ فتزامن التكلم والإنصات له معنى أوسع من هذا. فالتكلُّم هو نفسه إنصات. فالتكلُّم هو إنصات للُّغَة التي نتحدثها. وهكذا، فإنه يكون هناك إنصات لا أثناء، بل قبل ما نتكلّمه. وهذا الإنصات إلى اللغة يأتي أيضًا قبل كل أشكال الإنصات التي نعرفها... إننا لا نتحدّث فحسب اللُّغَة - بل إننا نتحدث عن طريق اللُّغَة. ونحن يمكن أن نفعل ذلك فقط لأننا دائمًا ما نكون قد استمعنا إلى اللُّغَة. فما الذي نستمعُ إليهِ هناك؟ إننا نسمعُ اللُّغَة تتحدّث!�.
والقسم الثاني يتحدّث عن المذهب الهرمنيوطيقيّ "فلسفة التأويل" عند الفيلسوف الألماني جادامير [١٩٠٠ - ٢٠٠٢م] أحد تلامذة هيدجر. وهو شرح وتقديم لنظريّته الهرمنيوطيقيّة / التفسيريّة، بإسهاب لا يستدعي الملل أبدًا.