تكاد مشكلة الانحرافات السلوكية تكون أهم المشكلات التي عانت ولازالت تعاني منها المجتمعات الإنسانية. إلا أنها في وقتنا الراهن أخذت تغزو كل المجتمعات بلا استثناء بصورة سريعة وقوية. ولعل ذلك يرجع أساساً إلى ابتعاد الناس عن التركيز على العملية التربوية وفقا للأسس التربوية، ولعلها إحدى نتائج الحياة الحضارية الجديدة التي نعيشها الآن. فكما أن للحياة الحضارية جوانب إيجابية تتمثل في سهولة الحياة والتطور العلمي والصناعي وما إلى ذلك فإن لها نواحي سلبية تتمثل في ضعف العلاقات الاجتماعية والانشغال الدائم بمستلزمات الحياة ومن ثم الابتعاد نوعا ما عن الحياة الأسرية مما يضعف من النتاج الأسري ويعمل على خلخلة الركائز الاجتماعية.
لقد بحث كثير من الكتاب والمفكرين في هذا الشأن وحاولوا تحديد هذه المشكلة وتفكيكها في صورة خامات أولية بسيطة من أجل فهم صحيح لهذه المشكلة وبالتالي محاولة وضع الحلول المناسبة. إلا أن هذه الدراسات كانت موجهة نوعا ما إلى طبقة معينة وفئة محددة من الناس هم أهل الاختصاص في حقول التربية والاجتماع وعلم النفس، فكانت إذا ما طالعها غير المختص وجد فيها تعقيدا أو صعوبة في الفهم.
ومن هنا، قد يلاحظ القارئ الكريم أن هذه الدراسة ق لا تختلف كثيرا من حيث المحتوى عن تلك الدراسات المطروحة، إلا الباحث حاول أن يجعل من هذا الكتاب مادة بسيطة في متناول يد الجميع فعمد إلى اتباع أسلوب مبسط مع قدر الإمكان الابتعاد عن المصطلحات المعقدة التي تحرف ذهنية القارئ عن الفكرة الرئيسية بما ينطوي تحتها من معان معقدة تفوق قدرات الذهنية ومخزونات اصطلاحية العامة.
وانطلاقا من مبدأ الوقاية خير من العلاج ركزت هذه الدراسة على مرحلة الطفولة على اعتبارها المرحلة الأكثر أهمية في عملية خلق وتشكيل الشخصية الإنسانية، فتناول الباحث بعد عرض موجز لمظاهر السلوك الاجتماعي، معالم الشخصية الإنسانية وعوامل تكوينها وتشكيلها. ولما كان للأسرة الأثر البالغ في خلق هذه الشخصية وبلورة المفاهيم الاجتماعية في طياتها، فقد أفرد باباً منفصلاً لتسليط الضوء على هذه المرحلة. كما اشتمل هذا الباب على أساليب التربية الصحيحة وغير الصحيحة في تنشئة الطفل والنتائج المترتبة عليها. ينتقل الباحث بعد ذلك للحديث عن المرحلة الثانية آلا وهي المدرسة، فيركز الحديث على جوانب التغيير في المحيط الاجتماعي والفروق بين البيئتين الأسرية والمدرسية، ومدى تأثيرها في إكساب شخصية الطفل ملامحها العامة. واستطراداً للحديث عن مراحل التنشئة يستعرض الباحث "المجتمع" بصورة عامة والمعايير التي يعتمدها المجتمع للتمييز بين أنماط الشخصيات السوية والمعتلة وتقرير أنماط السلوك المباحة أو اللا مباحة.
وفي ختام البحث يفرد الباحث باباً يستعرض نماذجاً لبعض الانحرافات السلوكية مع استعراض بعض الإجراءات الوقائية والعلاجية العامة لهذه الانحرافات. وكانت النماذج التي تناولها البحث هي: السرقة، الجريمة والجناح، الإدمان على الكحول والمخدرات، والانحرافات الجنسية، على اعتبارها أكثر الانحرافات شيوعاً وأكثرها خطورة وأثراً من الناحيتين الفردية والاجتماعية.
الدكتور نادر الملاح، كاتب وباحث بحريني، حاصل على درجتي الدكتوراة والماجستير في الإدارة. صدرت للباحث مجموعة من الكتب خلال الفترة 1998م حتى 2008، من بينها بحث اجتماعي يعالج ظاهرة الانحرافات السلوكية في المجتمعات الإنسانية تحت عنوان (لماذا انحرف طفلي؟)، وبحث اجتماعي تربوي يتناول مرحلة المراهقة تحت عنوان (وحش قادم اسمه جرائم المراهقين)، وبحث اجتماعي قرآني تحت عنوان (أوراق اجتماعية من وحي القرآن). ويأتي كتاب (النظام الإداري الإسلامي) � 2008- ليكون أول بحث إداري متكامل يسبر أغوار الفكر الإداري الإسلامي من خلال التحليل العلمي لنص رسالة خليفة رسول الله (ص) الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لمالك الأشتر، واليه على مصر، وهي الرسالة التي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة كمرجع ووثيقة وحيدة لنشرة العدالة على مر التاريخ.
وللباحث مجموعة من الإسهامات الفكرية من خلال مشاركاته الواسعة في المنتديات الفكرية والمقالات الصحفية التحليلية. والباحث هو صاحب ومدير شبكة (تربية نت � )، وهو أول موقع تربوي اجتماعي متخصص باللغة العربية على شبكة الإنترنت، والذي انطلق في العام 1998م، وتجاوز عدد زواره من كل أقطار العالم مليوني زائر بمعدل يومي يتراوح بين 1000-1500 زيارة. وقد أحرز الموقع قبل توقفه في 2012 أربع جوائز وطنية للمحتوى الإلكتروني الثقافي هي: جائزة البحرين للمحتوى الإلكتروني الثقافي 2005 جائزة البحرين لأفضل المواقع الإلكترونية 2006 جائزة البحرين للمحتوى الإلكتروني الثقافي 2007 جائزة البحرين للإحتواء الإلكتروني 2009
أما على الصعيد المهني، فالملاح هو مؤسس ومدير شركة إتقان للاستشارات والعلاقات العامة، ومجموعة إنماء للخدمات التعليمية والتدريبية، والتي يتفرع عنها مركز إنماء للتدريب والتطوير بمملكة البحرين.