الأستاذ محمد بن حمد الصوياني هو معلم تربية إسلامية في مدينة الرياض برز في التأليف منذ أن كان طالباً جامعياً تميز في تخريج الأحاديث الصحيحة، ويكنى أبا عمر. هو كاتب سعودي صاحب عامود الجانب الأبيض في جريدة الرياض. ولديه عدد من الكتب من طباعة مكتبة العبيكان.
لم أتمالك نفسي .. وأنا أقرأ آخر أحداث سيرة المصطفى عليه الصلاة و السلام .. بكل بساطة أجهشت بالبكاء � عندما تقرأ سيرة النبي المصطفى عليه الصلاة و السلام .. وتصل إلى أواخر حياته .. حجة الوداع ، مرضه و اشتداده .. تأثر الصحابة من حوله .. موته .. الفاجعة التي حلت بصحابته .. لا تمتلك إلى البكاء و الدعاء للنبي عليه الصلاة و السلام �
مقتطفات سريعة من آخر أيامه : - النبي يختار : الرفيق الأعلى ويكررها - فاطمة تنعى ابيها في مشهد مؤثر : "يا أبتاه أجاب ربأ دعاه .. يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه .. ياأبتاه إلى جبريل ننعاه" - أبو بكر بثبات المؤمن يرى صاحبه قد فارق الحياة : ( بأبي أنت و أمي طبت حياً وميتاً) .. � صلى الله وسلم عليك يا رسول الله . أشهد أنك أدّيت الأمانة وبلغت الرسالة .. فجزاك الله خيراً �
ياحبيبي يارسول الله بأبي انت وأمي طبت حياً وميتاً ..الى الرفيق الأعلى ياخير خلق الله أجمع الى الرفيق الأعلى الى حيث الرحمات ..إلى الرفيق الأعلى وقلبي يبكيك يارسول الله يامن ارسله الله رحمة للعالمين يامن كان أرحم الناس بالناس وأحبهم اليه نشهد انك قد أديت الامانه ونصحت الأمة ..اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا وصفوتنا وقدوتنا محمد رسول الله الذي فارق الحياة جسداً لكنه بقي سنة ومنهجاً.. لقد علمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف نصنع الحياة..كيف نشرق كالشمس في عروق المستقبل وأجياله ..فصلى الله عليه وسلم وجزاه عنا خير ماجزى نبياً عن أمته وجمعنا به في فردوسه الأعلى ووفقنا لاتباع سنته والعمل بمنهجه وطريقته.
النبي � يبشر أصحابه بخمس خمس هبات من الله لنبيه ولهذه الأمة تفيض رحمة ورأفة بهم.. وعزاء لهذا الجيش الذي عانى الكثير ولم يسعد بلقاء العدو وقطف الشـهادة.. يقول أحد المشاركين في هذه الغزوة: يقول عبد الله بن عمرو بن العاص: «إن رسول الله � عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى وانصرف إليهم فقال لهم لقد أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهن أحد قبلي: أما أنا فأرسلت إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلي إنما يرسل إلى قومه. ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لملئ منه رعباً.. وأحلت لي الغنائم أكلها وكان من قبلي يعظمون أكلها كانوا يحرقونها.. وجعلت لي الأرض مساجد وطهوراً أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت وكان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم... والخامسة هي ما هي قيل لي سل فإن كل نبي قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله» و يقصـد بها شفاعته لأمته يوم القيامة حيث يقول «� لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً»
وقد أعطى الله للنبي � أربع شفاعات يوم القيامة: الأولى: هي الكبرى وهي التي يقبلها � تلبية لنداء البشر جميعاً بعدما يعتذر الأنبياء للناس عن مخاطبة الجبار يوم القيامة.. يقول �: «إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له: اشفع لذريتك فيقول: لست لها ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى عليه السلام فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى عليه السـلام فإنـه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمد � فاوتي فأقول أنا لها».
الثانية: شفاعته لأهل الكبائر من أمته يقول �: «فأقول: أنا لهـا.. فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله ثم أخر له ساجداً فيقال لي: يا محمد.. ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع.. فأقول: رب أمتي أمتي.. فيقال: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة مـن إيمـان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول أمتي أمتي فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: يارب أمتي أمتي فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل»
الثالثة: شفاعته لإخراج أناس من أهل النار من الذين ارتكبوا ذنوبـاً كبيرة وكثيرة لكنها لم تصل إلى حد الشرك الأكبر.. وهي الشفاعة التي يختص بها الله سبحانه وتعالى.. يقول �: «ثم أرجع إلى ربي في الرابعـة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال لي: يا محمد.. ارفع رأسـك لك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من قال لا إله إلا الله»
الرابعة: شفاعته لعمه أبي طالب أن يخفف عنه من العذاب فيوضـع على جمرتين على شكل نعلين من النار يغلي منهما دماغه يقـول «أبـو سعيد الخدري: إن رسول الله � ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه »
كان الصحابة ينصتون إلى تلك الهبات الإلهية ويرجون الله شفاعة نبيه � .. وكان النبي � يواصل تعليمه وتثقيفه لأتباعه في أي مكان وأي زمان.. هاهو داخل خيمته الصغيرة التي تقصدها خطوات الصحابي عوف بن مالك وبعدما وصل قال رضي الله عنه: «أتيت النبي � في غزوة تبوك في آخر السحر وهو في فسطاطه فسلمت عليه وقلت: أأدخل يا رسول الله؟ فقال: ادخل.. فقلت: كلي؟ فقال: كلك.. وهو في قبة مـن أدم فقال عدد ستاً بين يدي الساعة: موتی ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً» وهذا الحديث من معجزاته عليه السلام..
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ. بالجزء الرابع يكون ختام السيرة النبوية الشريفة،فالشكرُ للهِ في بدءٍ ومُختَتمٍ. هذه سيرة سيدنا محمد � التي بالرغم ما مضى على أحداثها من سنوات طويلة مازلنا نتفيأ ظلالها الوارفة في هجير الحياة،ونهتدي في ظلمات الحياة والنفس بسنا نورها الذي لا يخبو كلما راجعنا أحداثها العظيمة،وكلما توقفنا عند موقف هنا أو هناك لرسول الله � نشعر كأننا حديثي العهد به يسكب من سكينة نفسه الشريفة في أنفسنا فتطمئن.السيرة الشريفة صاغها الصوياني جزاه الله خيرًا كقصة في أربعة أجزاء،بأسلوب أدبي لا يخلو من الفوائد،رائع ومختصر وسلس ومنظم وشيق للغاية،كل جزء يترك القارئ في شوقٍ للتالي،ووثقها بالأحاديث الصحيحة المخرَّجة،وطرزها بتعليقه الطيب الحكيم الموشى بخيوط ذهبية من عاطفة الحبّ لرسول الله � التى تمسّ شغاف القلب بدون افراط فيها أو تفريط. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد،وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. واجزه عنّا خير ما جزيت نبيًا عن أمته. آمين آمين آمين.