اسمع، مسألتك واضحة تماماً، بينك وبين هذا العالم جدار يراك ولا تراه، لم تصنعه أنت بل صنعه هو، وإدانتك له لن تكفيك، يجب أن تعثر على حل يريحك وعليك أن تكسر هذا الجدار، كل يوم جديد يمر عليك يصبح الإحساس بالأمان محض هراء مثل قطة وحيدة في صحراء، أنت لا تستطيع الوقوف على قدميك الآن، ربما كنت تستطيع وأنت تحت التعذيب لأنك تحب الحياة، تشبثتَ بها وقررت وقتها ألا تسقط تحت أقدام الأوغاد، لكنك الآن لا تستطيع أن تمنع اصطكاك ركبتيك، رغم أنه الآن فريسة بين يديك بعد أن كنت أنت الفريسة، ألف ولام التعريف تفرق كثيراً بين نكرة وبين المعرف، أنت كنت نكرة وستظل، وهو معرف وسيظل، لا تجعله نكرة في عينك حتى ولو كان في عين الملائكة والشياطين والتاريخ، حتى تستطيع أن تقف أمامه وتقضي في أمره، أنت لا يمكن لك أن تقتل النكرات، تريده معرفاً واضحاً كرأس أبي جهل، لو ظهر في عينيك كنكرة لن تتقدم قيد أنملة تجاهه، كن واضحاً مع نفسك للمرة الأخيرة واتخذ قرارك بالنهاية قبل أن يلعب فيها فيلليني، احتمل واحداً قوي الشخصية واقض في أمره، من يأتون لعيادتك كلهم ضعاف، خذ قرارك الآن بلا تردد، أنت لم تقتله ولم تعذبه لكنك أيضاً لن تسامحه، نعم لن تسامحه، قلها بصوت عالٍ، إذا كان لا بد من الخطأ فارتكابه في الفعل خير من ارتكابه في اللافعل، هكذا قال فيلليني الذي يخرج من ركنه الآن ينادي بصوت جهوري: مشهد النهاية، أكشن، أكشن.
في كل مرة تقرأ فيها عمل يتكون من التركيبة الآتية؛ أدب سجون+سياسة+تعذيب، ستجد أنه بطريقة أو بأخرى ومهما اجتهد الكاتب كي تأتي روايته مختلفة عن سابقتها ستجد أنها بشكل أو بآخر مألوفة بالنسبة لك؛ الوحشية ذاتها، همجية الإنسان ذاتها، والعبث-دائمًا وابدًا- ذاته لا يتغير.
الحق أن أكثر ما يُثار بداخلي أثناء قراءة هذا النوع من الأعمال ليس الضحايا الذين ينصب تركيز الجميع عليهم إن لم يكن شفقة وتعاطفًا فعلى الأقل اهتمام بالمصير، بل الذي يجذب انتباهي حقًا هو السجان/الشرطي أو في رواية أخرى كلب السلطة.
ما أعجبني في هذه الرواية على الرغم من تركيبها البسيط الذي يبدو في كثير من الأحيان وكأنه مجرد خواطر أو كتابة نثرية وعلى الرغم من أحداثها وقصتها التي تُشبه قطع البازل المبتورة والغير مكتملة التي لا تعطي صورة معينة أو ذات مغزى وعلى الرغم من عدد الشخصيات القليل للغاية (عليّ أن أعترف أنها مرسومة بدقة) أقول أنه على الرغم من كل ملاحظاتيّ تلك إلا أن أكثر ما أعجبني بها هو أن الكاتب لم يجعل فقط الضحية/ المسجون/ المُعذّب هو من يحكي قصته بل أيضًا سجانه.
وعلى الرغم من الحكاية باختلاف الرواة إلا أنها انساقت خلف تيار التعاطف السائد المنحاز فقط للضحية حتى بلغ تأثير ذلك على طريقة سرد السجان لحكايته، فكنت أشعر أحيانًا أن الضحية تتقمص دور سجانها وتحكي على لسانه فقط لأجل أن يُعرض السجان أمامنا بشكل ساخر ومُضحك ولكن في ذات الوقت بجبروت لا يخنق في داخل القارئ تعاطفه تجاه الضحية!
الحق أنني -كقارئ نهم- أتمنى أن اقرأ ولو مرة واحدة رواية للسجان؛ بقبحه وحُسنه، بعيوبه وميزاته، ألم يكن السجان بشريّ كالضحية تمامًا؟ ما الذي جعلهم يخوضون طرقًا مختلفة تُمجد الضحية وتجعلها تستأثر بكل الشفقة بينما يحظى الآخر بكل السُخط؟ لست بلهاء كي أجزم أنني لم أتعاطف مع الضحية لكنني أيضًا أود لو ننفض لمرة واحدة أحكامنا المُسبقة والجاهزة ونبحث في ظروف كل منّا قبل الحكم عليه حتى وإن كان سجانًا.
نحن لسنا قديسين، نحن فقط نرتدي قناع الوعاظ، نتشدق في كل مناسبة بدزينة من المبادئ والفروض الأخلاقية؛ حين يحدث هذا عليك أن تفعل ذاك وحين يحدث هذا عليك ألا تفعل ذاك. لكننا حين سنمر يومًا بالتجربة هل ستقف مبادئنا هذه على قدمين تدافع عن نفسها وتُثبت وجودها في دواخلنا أم أنها ستخذلنا وسنخذل نحن أيضًا أنفسنا؟
السجان في البدء لم يولد هكذا بل ولد مثلنا، كأحد بني آدم الذين يولدون بظروف اجتماعية ونفسية معينة ومبادئ تتصارع مع تلك الظروف؛ هل هذا يعني أن ظروفه تلك مبررًا لما يقترفه فيما بعد؟ كلا. لكن من منّا لديه الجرأة كي يجزم أنه إذا ما مرّ يومًا ما بالظروف ذاتها لن يصبح كما السجان أو أشد؟ كلنا جبابرة، كلنا ظلمة، نحن فقط لم تُتاح لنا الفرصة لفرض سيطرتنا بعد.
السجان والمسجون، هما الاثنان ضحية المجتمع ذاته. لا تحاربوا السجان، حاربوا الخوف الذي يصنع السجان. لا تحاربوا السجان، حاربوا ذلك الواعظ الذي يقبع بداخل كل منّا ويصور لنّا أننا أفضل من السجان. حاربوا -أقول حاربوا- السجان، ولكن ذلك الذي يقبع بداخل كل منّا وينتظر فرصته للانقضاض.
- هل تعرضت للتعذيب من قبل؟ - لا يا سيدتي، تعرضت للعشق
غلافٌ مخادع يسيطر عليه اللون الأخضر وعنوانٌ ملفتٌ يدعو القارئ لتناول الرواية وقراءتها على وجه السرعة، هذا الخداع لا يلبث ان ينكشف في الإهداء الذي ذيّله الكاتب بإسمه الأول فقط تاركًا المجال للقارئ امكانية ان يؤول الإسم ذاته، فوحيد قد يكون اي وحيدٍ في هذا العالم العربي!
حذاء فيلليني، رواية نفسية تجريبية تجري أحداثها في دواخل شخصياتها أكثر بكثير مما تجري خارجها، لكأن الكاتب أراد ان ينقل كل الصراعات والحوارات والتداعيات التي تعصف بدواخل شخوصه قبل ان تقوم بالفعل او ردّة الفعل.
استعمل الكاتب تقنيات متعددة منها ما هو معروف ومنها ما هو مبتكرٌ ونادر: ترك الشخصيات تعبر عن نفسها تمامًا واغتال الرواي العليم، وبذلك نحن امام رواية متعددة الأصوات، والأصوات تختلف عن بعضها البعض ويمكن لمس ذلك في النص. امّا الإبداع الحقيقي فكان في حوار المونولوجات حيث استطاع الكاتب ان يخلق حوارًا بين ما يفكّر به شخصٌ وجواب الشخص المقابل دون كلام مباشر بينهما. هل اكتفى بهذا؟ لا، بل أضاف تنويعة بتواتر ضميري المتكلم والمخاطب وتحوير المخاطب او نقله ما بين الشخصية والشخصية والشخصية والقارئ، وبذلك خلق تواصلًا ما بين القارئ والنص بإشراكه في الجواب على الأسئلة الكثيرة التي يطرحها النص والتي بقيت مفتوحة تنتظر من يملأ بعض فراغها.
تقنية الفراغات والمساحات المفتوحة استمرت مع بناء الشخصيات، فشخصيات النص تنتظر من يكمل بنائها، وإكمال البناء هو في اتخاذ القرار او المسار الذي ستأخذه الشخصية والذي سيقرره القارئ بعد انتهائه من القراءة. وههنا يكون الكاتب امينًا لعنوانه ولذلك العبقري المجنون فيدريكو فيلليني الذي يترك الكثير من المشاهد تنتج ذاتها بذاتها دون سبق تصوّر او نهاية واضحة قاطعة.
تطرح الرواية الكثير من الأسئلة لعلّ أهمّها، برأيي، ماذا يفعل المظلوم اذا وقع جلّاده تحت يديه، وهل الإنتقام هو الحل ام الغفران؟ سؤال يتوسع مداه خارج النص لنسأل أنفسنا هل علينا ان نبقى عالقين في الماضي او علينا طيّ صفحة الماضي نهائيًا والشروع بالحياة والتطلع الى المستقبل، وهذا السؤال لا يبقى محصورًا بالأفراد بل يتعداه الى الشعوب المحتجزة داخل حلقة مفرغة تجتر تاريخها يوميًا دون تقديم شيء لحاضر ومستقبل البشرية.
من المآخذ على الرواية هو نقضها لشموليتها: فالنص الموجّه الى العالم العربي بأكمله في حوار مع بداية النص (انا عربي) يذكّرنا بقصيدة "فتى الأدغال" لأحمد مطر، وتنويع اللهجات (شامية، لبنانية، مصرية، مغربية،..) لتكمل هذه الشمولية حدّه النص حين وصف الطبيب نفسه بـ "فيلليني الشام"، هذا الربط المكاني قيّد الشصية في جغرافيا واحدة ناقضت منطق النص.
إشارة اخيرة الى الربط ما بين فيلليني والنص، فقد كان ترابطًا عضويًا وليس اسمًا تسويقيًا لا يأخذ من المعنى سوى العنوان، فالكاتب متمكن جدًا من أساليب فيلليني في البناء السينمائي واستعمل تقنياته وأطروحاته لا بلّ أتى به شخصيًا الى نصّه وجعله "يوجّه" او "ينصح" الطبيب بكتابة "فيلمه" الخاص، اي حياته ومستقبله الآتي.
رواية شاقة وشائقة، قانطة وساخرة، لكني لمست الضوء المتولّد من عمق دياجيرها.
ملاحظة: استضفنا الكاتب في نادي صنّاع الحرف، وكان حورًا راقيًا وممتعًا.
كعادة الروايات الجميلة، تنتهي بسرعة :) . كيف يمكن أن تكتب عن القمع والاستبداد والظلم بطريقة مختلفة؟!ّ في رواياتنا العربية هناك ـ كما يقولون ـ تاريخٌ كبير من الظلم تم رصده بشتى الطرق، فهل يمكن أن تخترع طريقًا جديدًا مختلفًا. وتنجح في جذب القارئ إلى ذلك العالم مرة أخرى؟! . هذا ما فعله وحيد الطويلة باقتدار في هذه الرواية التي كنت أتمنى أن تطول أكثر من ذلك . أول هدايا العيد الجميلة . شكرًا على هذا الجمال، هكذا يتحوَّل الضحية أخيرًا إلى جلاد، وهكذا يجد الفرصة أمامه أخيرًا للتشفي ورد الصاع صاعين، هكذا يستنفر الكاتب أيضًا توحش الإنسان حينما تمتهن كرامته وتداس إنسانيته، ثم يجد الباب مفتوحًا لرد اعتباره لنفسه، وبطريقة لم يكن ليحلم بها، ويبدو السارد/الرواي واعيًا لعملية السرد وطريقة الحكاية موجهًا خطابه في مراتٍ عديدة للقارئ، وكأنه يكسر هنا إيهام الرواية ويحوِّل الأمر إلى تقريرٍ عن حالة تدور بيننا باستمرار وبشكل مخزٍ وفاضح في أحيانٍ كثيرة.
تعود الحكاية إلى بدايتها، فيبدأ السارد بحكاية قصته مع جارته التي أحبها، تلك التي أوقعته في حبائلها واستدرجها ضابط كبير فلقي مصيره الأسود ذلك. كان قد نسي كل هذا حتى أعادت الحكاية إليه -وللمصادفة- زوجة الضابط المخلوع الذي أحيل على المعاش ويجلس الآن أمامه مهزومًا مخذولاً !
تكشف الزوجة المسكينة للطبيب المعالج حقيقة تفاصيل حياتها القاسية مع ذلك الضابط منذ اكتشفت حقيقته وما يفعله في المسجونين، وما كان يفعله معها، وما عرفته عن خياناته المتعدد ، ولعل الحديث عن ذلك النوع من الضباط ووسائل تعذيبهم غدا أمرًا معتادًا متواترًا اعتادت الروايات عليه، لاسيما تلك الروايات التي تتناول قضية القمع والظلم والاستبداد فتعرض الوجه الأسود لذلك المستبد/الظالم والذي كثيرًا ما يتمثل في ضابط شرطة أو من يمثله، ولكن هذه المرة تجد نفسك متورطًا في التعاطف مع هذا الضابط ذلك أنه لا يحضر هنا ليكون معبِّرا عن السلطة الغاشمة وتجبُّرها، بل يبدو مجرد أداة من أدواتها وفردًا مسحوقًا تحت هيمنة تلك السلطة منفذًا للأوامر متناسيًا آدميته وطبيعته جاعلاً من توحشه وتغوله وسيلة لإثبات ذاته أمام هؤلاء المساجين المساكين أيضًا!! كتبت عنها لــ إضاءات
بعد أن كنا نهرب من بؤس الواقع ببعض الخيال، أصبح الخيال غير قادراً على مجاراة بؤس الواقع! ___ رواية هى الوطن العربي!
خليط من أدب السجون، الذي من كثرة تكرار ما يُحكى فيه أصبح مكرراً بل وعادياً. والسياسة، خاصة معاملة الحكومات والضباط مع معتقلي الرأى. والسوداوية، متمثلة في الواقع الذي نعيشه.
بالبداية هي رواية فريده من نوعها يمكن تصنيفها أدب سجون أو رواية رمزية أو نفسية ، لا آدري أقع في حيره لأول مره تنتابني ��ند قراءة عمل ، وكأن الكاتب أطاح بكل قواعد كتابة الرواية وخلق لنفسه طوطم خاص به وحده ، قائلآ : سأحدثكم عن حالة الخوف والزعر الذي يمر بها الضحية بعد تعذيب جلاده له ، ولم يذكر اي بلد وقع بها الأحداث فالوطن العربي واحد وإن اختلف شعبه ، لكني شعرت بأنه يتحدث عن سوريا بالأخص .
تتحدث الرواية عن مطاع الذي قابل جلاده بعد مرور عشرين عام في عيادته الخاصه ، فقط تعرف عليه من صوته ، ولك أن تتخيل بعد مرور هذه السنوات أن جلادك وقع بين يداك لتشعر بحاله البطل ..
هنا يبدأ الصراع بين الرغبة في الأنتقام والثأر للماضي او المضي قدمآ والنظر إلي المستقبل والعفو عنه لكونه اصبح إنسان ضعيف بين يده .
يبدأ البطل يحدث نفسه في إحدي المشاهد قائلآ : حاول أن تعترف ان كوب الماء الذي مددت يدك به إليه وهو مشبوح أمامك خلق علاقة إنسانية ما بينكم ، كما أن قرص الدواء الذي أعطيته إياه ليهدأ ذات مره جعله ينظر إليك بامتنان .
تشاركه في الرغبة من الأنتقام والقصاص منه زوجته الذي أتت معه وتبدأ في سرد تفاصيل عده عن علاقتها معه ومدي بشاعة الجلاد وإضطرباته وتكشف عن نقاط ضعفه وهي ابنته المريضه .
يتخيل فيلليني الثأر منه عبر زوجته بأن يغتصبها أمامه تاره أو بأن يقطع أجزاء من جسده وتتوالي تخيلاته ، لتكتشف بالنهاية ان كل ما حدث هو مجرد حلم وهنا تتضح علاقة بطل الرواية بالمخرج الإيطالي فيلليني.
موضحآ الكاتب ذلك بقوله : ان الفرق بين البطل وفيلليني انه كان يحلم اما البطل لا يري غير كوابيس ، كان يري الفيلم كله في احلامه لقطة لقطة والبطل لا يري فيلمه الخاص به علي هيئة كوابيس ..
جسد الكاتب الأبعاد النفسية ببراعه وكيفية تحول الأنسان لشخص اخر وكأنه مصاب بإزدواج في الشخصية ، شخص يريد ان يثأر لنفسه وأخر خاضع يحاول تقبل ما حدث له رغم انه يعاني من ندب لا تمحوها الزمن ....
يلقي الكاتب ببريق من الأمل أمامك حينما تقرأ وكأنه يحاول أن يساعد كل من تعرض للتعذيب ولم يستطيعوا أن يصرخوا أو الذين صرخوا ولم يسمعهم احد كما قال بالإهداء ، أن يبين له أن العالم ملئ بهم ولابد من محاولة إغلاق سراديب الألم .
أكثر ما أعجبني بالرواية :
1 - محاكاة الكاتب لفيلليني المخرج الإيطالي أو كما ذكر انه فنان يرسم لوحته البديعه عبر أحلامه .
2- لغة الكاتب البديعه وتجسيد الأبعاد النفسية ببراعه علي الورق ، وكأن البطل تسلل إلي نفسك .
3_ تعبير الكاتب عن المرأة وإحتياجتها بأدق التفاصيل واذكر ان ذلك يصعب علي رجل ان يستشفه لكني وجدته يعبر بطلاقه بحته عن عاطفتها واختلاف تكوينها النفسي عن الرجل .
4-تجسيد النهاية علي هيئة مشاهد فيلم بسبب ولع البطل بفيللني وكأنه يتقمص دوره أو لبس الحذاء الخاص به ليتبع خطواته ..
صدمني الكاتب بأن الرواية بكافة مشاهدها كتبت علي القهوة وذكر أسمائهم ، كيف لك أن تفعل ذلك بحق كلماتك البديعه ، قل لي بربك أي تعويذة جعلتك ترتكب جريمة مثل هذه بحق القارئ وتضعه بحرية البحث عن جواب ..
لكن لابد من توجيه تحية لك لعدة أشياء :
انك تتبع اكثر أسلوب أحبه وهو التجرد بكتاباتك ، تتحدث بطلاقه لا تخشي سلطة أو قارئ خجول قد يتخذ من ذلك ذريعه لقول أن الكاتب تعدي حدود المعقول وكيف له ان يتطرأ لموضوعات مثل هذه .
بالنهاية وبدون مجامله مني ككقارئه تكن لك محبة كبيرة ، أستطعت أن تجعلني أحيانا اقرأ الجمله مرتين وهذا شئ يندر حدوثه . اتمني لك المزيد من الأبدعات وأن تعدد جرائم محبتك بحق القراء .
اعتبر الرواية حاله خاصه وكتبت لقارئ بعينه وليست لكل القراء .
أكملتها على مضض فقط لوجود اسم فيلليني على الغلاف..الموضوع طرق عدة مرات تشبعنا منه في أدب السجون و من قرا حكايا تزمامارت وما كان يحدث بفيلا المقري لن يدهشه شيء بعد مرتبط بالعسكر او التعذيب..هنا وحيد الطويلة حاول أن يعالج أثر ذلك..لكن لم اقتنع بالأسلوب احيانا أقرب طريق للعقل ابسطها..أو بالعكس تكثيفها لكن ليس بالحشو المفرط..الغلاف وتصميمه جميل على فكرة.
وحيد الطويلة في رواية "حذاء فيلليني": أساطين السلطة في مونولوج احتكاك الأجرب بالخشبة... وفرض التخلّف "القومي!"
بإبرة طرّاز عتيق، شكّ وحيد الطويلة كلماته الحادّة على قماشة مسرحه الروائي. ولأنّ الرواية تتعلّم من المجتمع قبل أن تُعلّمه، أتتنا حذاء فيلليني بواقعيّتها المدوّية، التي ربّما لا نريد مواجهتها، شلّالَ قهرٍ. هي واحدة من الروايات التي فور إتمامها تحضّك نفسك على أن تعود وتتصفّحها. وحيد كتب وأجاد، لا فقط في كتابة واقعنا المجلود على صليبٍ جُلجلته أبديّة، لكنّه أيضًا ذكّرنا همسًا وصراخًا، أمرًا وتشفّعًا بأن نسامح الطغاة... هكذا ننتقم منهم من دون دسّ يدنا في جرنٍ يعمّد بالدم لا الماء. دعانا وحيد الطويلة لطرح الهموم المشتركة، وللإجابة عن تلك الأسئلة التي تنخر في رؤوسنا دونما ملل، فكان القارئ ليس فقط شريكًا في قراءة الرواية، لكنّه كان أيضًا بطلًا من أبطالها غير الأبطال... إذ كلّ شخوص وحيد الطويلة منكسرين كأعلام منكّسة. جماليّة كتابة وحيد الطويلة هي في إشراكك معه بخلق الشخوص، أنت هنا تترك مقعد المتلقّي لتصبح مطاعًا لا مطيع! فوحيد الطويلة يعطيك الحقّ بالتمرّد عليه وعلى شخوصه ونهج النهاية التي تختارها. أنت الذي يقرّر، إن أردت قتل الضابط فهذه السكّين لك، وإن كنت تريد الغفران... فالباب أمامك، افتحه... وغادر... وحلّق. بلوَر وحيد في روايته ملامح السينما الفيللينيّة في مشاهده. كلاكيت أوّل مرّة، أكشن! يبدأ المشهد...! ستوب! ينتهي المشهد. لكنّها خدعة، فمشاهد وحيد لا تنتهي، تبقى تطنّ في أذنيك كحشرة مزعجة. تحاول قتلها لتجد نفسك تصفع وجهك. تهرب الحشرة وتُخرج لك لسانها شامتة منتصرة. إنّه الخبث الروائي. الاختيال المجازي والصور السينمائيّة المُغرقة في الخيال العبثي التجريدي كانت المحرّك الأساس لهذه الرواية المرصوفة بلبنة المونولجات الداخليّة المرتبطة بالحوار مع الأنا والآخر، فتخلّى الطويلة عن الحوار مستعيضًا عنه بالمونولوج ليكون بذلك أوّل من أسّس تقنيّة الحوار بلغة المونولوج على مدار رواية كاملة ولسان جميع الشخوص. علامات السخط وعدم الرضا والثورة في شخصيّة مطاع (أرفض استخدام اسم مطيع الذي صنعته الدولة له). هو كان كما قال عبد الرحمن الخميسي يومًا: "أنشغلُ بالدفاع عن قيثارتي ولا أعزف ألحاني...". مناصفةً بالكبير الراحل عبد الرحمن الخميسي كان مطاع مهمومًا مكدودًا لعشرين سنة، يحاول أن يحمي قيثارته "حياته ووجوده وكينونته"، ولكنّه أبدًا يم يعزف لحنًا "لم يعش"، كمن عُلِقت حياته بانتظار أن يقابل جلّاده... فقابله... وبدأت محنته. هُشّمت القيثارة وحلّق اللحن بعيدًا. مطاع الذي ذاق ألوانًا قاتمة من القسوة والذلّ والخوف تأبّط حياته كمن يحميها. أضاعها كثرما خبّأها. فضحت الرواية الإنفاق السفيه للحكومات المخزية وأجهزة الأمن العوراء التي تجلد بالعصا في سجونها، وبقضيبٍ متدلٍّ فوق الأسرّة في إسقاط سياسيٍ على مفهوم الاغتصاب. الضابط هنا لم يكن يغتصب زوجته (الوطن)، وزوجات رفاقه (الحكومة نفسها ومؤسّسات الدولة وأموالها)، لكنّه يغتصب الشعب (مطاع انموذجًا) ليكتمل الثالوث غير المقدّس في مِطحنة القضبان (قضيب السجن، قضيب الجسد، وقضيب آلة التعذيب). أتت لغة وحيد في هذه الرواية بسيطة، لكن بجزالة فيّاضة... كأنّه أرادنا أن نستيقن مغزاه بدقّة، فملأ أقداحنا إبداعًا وحَيرة. هل علينا أن نسامح؟ أن نغفر لمن قتل وعذّب؟ أم علينا أن ننتقم... وبذلك نكون قد انتحلنا الطغاة وجصّصناهم فينا لنخلق طاغية جديدة نموّه لا يتوقّف كالقرّيص الذي يدمّر الحدائق؟ وحيد الطويلة بروايته هذه حطّ عنه وعنّا بعض الأوزار، وخطّ سفرًا موجعًا في إنجيل حياتنا الظالمة... فكان بُوُلسًا منفيًّا ملاحقًا يحمل رسالته الانسانيّة على ظهره بقجةَ أوجاع. أطلقوا الرصاص على بقجته... فنزّت حبرًا على وجهه وجسده... هذه رواية تواجه الإسراف في الظلم والتفريخ الغبي للمزيد من الطغاة... ليتك يا وحيد تجمع أوراقها في عقول القرّاء لتشعل بها النيران... كما أراد الخميسي أن يفعل بموسيقاه. استضفنا وحيد الطويلة في نادي صنّاع الحرف في جلسة استمرّت ما يقارب الثلاث ساعات، وكان حُسن التحفّي بنا، رائقًا رقراقًا ظريفًا خفيفًا.
“القب� مكان ، معتم الرؤية ، الكل يقرفص على ركبيه ، ينتظر جلاده ، في الخلفية أصوات ، صرخات و آهات مع التعذيب ، فرحتهم بخروجهم من القبو إلى السجن “الزنزانة� . يخرجون إلى الدنيا بعد نزع أرواحهم ، ليصبحوا مثل الأموات ، و أحلامهم مقتصرة على الأنتقام من معذبهم � . -نفسي ممزوج بأدب سجون . -مفتتح الرواية ، عظمة ، الذكاء في أستاذنا “وحيد� ، جعل المفتتح نظنه المكان في السجون ، و هو من مخيلة “الشخصية� و نحن في مكان آخر . -قوة اللغة و التشبيهات ، عظمة فوق الخيال . -السرد ، سرد شعري ، منمق . -يمكنك اجتلاب ، عدة اقتباسات ، الدالة على قوة اللغة المتماسكة . -ما أثارني حقيقي ، تقنية كل فصل من حيث مفتتح يجذبك ثم تكتشف مفأجات في الفصل نفسه ، تظن أشياء ثم تدرك أشياء أخرى ، تبعد عن ذهنك (حبكات ملتوية في كل فصل ) . -وصف الحالة الشعورية للشخصية و هواجسه من بداية الرواية إلى آخرها . -جمال الإسقاطات و الرموز . -كم من التشبيهات و الصور الجمالية ، لا حصر لها ..يرجع أيضا� لقوة اللغة و تماسكها . -رمزية الحذاء : لها معنيين في نظري : -المعنى الأول : معرفة شخصية أو هيئة الشخص من خلال حذائه ، مثال بيادة الجندي أو العسكري ، تختلف عن حذاء المرأة ككعب. المعن� الثاني �: always put yourself in the other's shoes 👠👇🏻� بمعن� : أن تتعاطف مع الشخصية ، و ماذا يحدث إذا كنت مكانها �. -كلمة فيلليني : “كن� لا أعلم معناها ، إلا أن وجدت معناها في الواية ، تمعنت في أخذ المعلومات أكثر عن شخصية “فيلليني� الإيطالية و ما مر به ، و أيضا� في نظري ، حالة “الشخصي� � شبيهه بحال “فيلليني� و يحتاج القاريء ، ليبحث عن أوجهه التشابهه . -جاء على بالي للحظة ، فيلم زوجة رجل مهم . -رمزية اسم مطاع و تغييره إلى مطيع : كنوع من التهكم على أسمه ، لأن حالة الشخصية عكس أسمه. -تأكيد على فكرة تعذيب السجون يبدد أرواح المعذبون ، بجعلهم أموات على الأرض . “أحك� عن تعذيبي وحدي ، أنا الآن فرد عنين الروح ، و هو أيضا� فرد برتبة جلاد ، أو جلاد برتبة فرد ، اشف غليلك و عقم جراحك ، جراح روحك التي لم تندمل يوما� ص٤٤ . -أعجبني تعريف “القبو� من منظور “مطيع� ، “القب� مكان آخر غير السجن ، جحيم آخر ، القبو مكان تحت القبر ، مكان الحساب على الأرض ، يقيمه آلهة من البشر ، لم تمر عليهم كلمة الرحمة في “قامو� الحياة� ص٤٩ . - تذكرت أثناء قراءاتي ، فيلم احنا بتوع الاتوبيس ، بدخولهم القبو بححج واهية مثل “مطيع� و دخوله القبو بسبب حبه ل فنيللي ، و تسميه المولود بن لادن ص٥٣ . -تكرار كلمة آهه ، قول “آه� ، كربط آلام الوجع قبل دخول “مطيع� القبو و أثناء التعذيب ، و ذلك في أول الرواية ص١٩ “مشه� كان فيلليني يحبه� / أثناء الدنيا ثم أثناء التعذيب .
-الرجوع بالزمن ، الFlashbacks ، اتقن بإحترافية . -الحالة الشعورية لزوجة الجلاد في منتهى الجمال ، مش ممكن العظمة ، بداية من ص٧٧ . -فقرة أنواع التعذيب ، كانت مؤلمة لي ، الفقرة الرابعة فيص٨٦ . -أعجبني فصل تبرير الجلاد ما يفعله من منظوره ، بمعنى ما يدور داخل عقله ، و هو تهكم على أفعاله الشنيعة ، الذي أودي بحياة كثير من الأبرياء ، بغشوميته .
-اسم مأمون من آمن / اسم رمزي يعكس شخصيته و ما يشنه من مظالم للناس . -حبكة ملتوية ذكية عند إدراكنا أنه يحدث الشيطان ثم وجدناه يحدث “فيلليني� . -الفصل العاشر : جعل السرد حوار ، بين الجلاد و مجلوده . -رأي بصراحة في شقيين :- -تغيير الضمائر من فقرة إلى أخرى ، كان جديد علي ، مما أصابني بعض التوهان ، بمعنى فقرة “مطي� � يتحدث ثم بعدها “الجلاد� ثم “زوج� الجلاد و مطيع� ..أتحدث عن آخر ثلاث فصول . -و أيضا� السرد طغي على إيقاع الأحداث في آخر ثلاث فصول من (١٠ إلى ١٣ ) و كنت أود أن يمتليء ببعض الأحداث ، لتصبح وجبة متكاملة . -الفصل الأخير ، مختلف و غير متوقع . -أعجبني الإشارة الأخيرة ( الصفحة القبل الأخيرة) . -جذبتني آخر صفحة في الرواية (كتبت الرواية في المقاهي التالية ، لأني من الأشخاص التي تؤمن بالأماكن التي تخلق و تهيئ جو الكتابة . -أستمتعت بها جدا� و إن طالت أيام قراءاتها . -تقييمي ٤ من ٥
أحب ان اقرأ مرة فى السنة كتاب عن أدب السجون.."هذا ما يحتمله قلبى و عقلى " ... و بما انى لم اقرأ لوحيد الطويلة من قبل فقررت ان يكون كتاب السنة حذاء فيللينى و لأنى احب فيللينى فأردت ان اعرف ما وجه الرابط بين الاسم والقصة ... لم اجد بها جديد سوى علاقة الضابط بزوجته و فقط ... النهاية احبطتنى فى العمل كله لم استسيغها ..وجدت الكثير من الصفحات التى اعتبرتها حشو لا داعى لوجوده و تكرار لكلام سابق فى المجمل رواية عادية عن هذا الادب لم تضف لى جديد
عندما تفقد القدرة على الصراخ . رواية نفسية في أجواء كابوسية على وقع صوت الحذاء و في إطار كوابيس فلليني في زمان عشناه ونعيشه و قد نعيشه في المستقبل اذا لم يكن هناك تغير في المنظومة السياسية. هي حكاية مطاع معالح نفسي الذي اعتقل و عذب في "القبو"المعتقل بدون تهمة جادة و لقاءه بجلاده في حركة "كارما" و هو مشلول على كرسيه فنكون أمام صراع ببن الواجب المهني تجاه الجلاد لانه مريض و الواجب الذاتي تجاه نفسه التي تم انتهاكها و استباحتها. عبر مونولوجات داخلية متقاطعة في إطار تعدد الأصوات ندخل إلى عوالم شخصيات الرواية : مطاع الذي أرغم بالتعذيب ان يكون مطيعا و الجلاد (الكعب العالي) السادي و الزوجة المعذبة و الأب و الجارة و مأمون الغائب الحاضر عند جميع الشعوب هذه الشخصيات قدمت بلغة بسيطة حملت على أكتافها افكارها و أبعادها النفسية فكانت أداة طيعة لهذه العملية. الرواية هي مانيفستو وجع و ألم . سعيدة بالتعرف على الاستاذ وحيد طويلة و على كتابته المميزة و سعدت بالنقاش المميز في نادي صناع الحرف .
أعجبتني حالة التحرر الغير مشروطه التي سرد بها الكاتب روايته ،أشعر كأنه كشط تلك الطبقه التي يتخفى خلفها الانسان بأرادته او بدون أرادته بوعيه او بدون وعيه. كما انه نحي الفلسفات جانبا وجرد الشخصيات من المناهج التي يلبسها لتحسن سلوكه ومظهره وقدم ما يعتريه حقا،وماتدفعه الفطره والشهوه للاقدام على فعله . امام السلطه والخوف وحب الانتقام تكون النظريات والمبادئ ترف ! ادوات الكاتب ،سلطه وعشق وخوف وبشر يعبرون عن ذواتهم الحقيقيه ويتبدلون خلالها. الضابط الذي يبحث عن السلطه حتى لاتدوسه اقدام السلطه نفسها،يسعى لان يكون جزء منها! تلك السلطه التي تجعل الانسان يطلق العنان للحيوان بداخله ،لن يوقفه احد اذا دنس الانسانيه لانه اليد التي ينبغي ان تمنع ،انه السلطه ،وسلط الضوء على العلاقه بين السلطه والجنس ،لا الوم الكاتب على الفاظه وتعبيراته التي اخجلتني كثيرا،الربط كان ضروري لانه حقيقي. جعلني اتسأل ما هي السلطه؟ هل الحاكم،ام معاونيه ،ام انه الهيكل كله الذي يبطش بالرعيه كرجل ماجن يأدب أمراءته اذا رفضت مجونه وله الحق في ذلك لانه يوفر لها الامان من باقى الذئاب الذين يعرفهم جيدا لانه منهم ! يجب ان تطيع السلطه وان كانت عمياء وظالمه والا بطشت بك ،فلتتحمل النتيجه وحدك لانها مهلكه. ثم مطاع الاسم الوحيد في الروايه والبقيه رموز تدور في فلكه ،الانسان المعذب ،الخائف ،العاشق ، الحائر بين رغبة الانتقام والمسامحه . مطاع الذي وجد مخرجه في النهايه مع حبيبته ،خرجا معا من القبو لو انه نساها ربما ظل عالقا هناك. يصفون الروايه انها واقعيه ،نعم هي كذلك ،السيد وحيد نقل بصدق وصراحه اضطراب الانسان وعشقه وخوفه وجشعه.
فكرت ان اعود إليها مرة أخري،والعوده لقرأتها فرضت على،وانا لا اعود لكتاب قرأته ابدا ،هذه سابقه .
قصة الرواية جيدة، واللغة جيدة جدا، بدايتها مُبشرة ثم أنتقلنا شيئاً فشيئاً للتكرار واستعراض العضلات في اللغة، رغم أنها رواية قصيرة إلا أنها ثقيلة في القراءة وتشعر بأنك تتعلم القراءة من جديد، ذلك المزج بين السينما والحياة رائع جداً ولكن أين تلك القصة أصلاً، ابتلعت تلك الصدفة التي جعلت ذلك الضابط الخبيث يقع تحت أيدي الطبيب الذي وقع يوماً ما ضحية له وأبتلعت أيضاً أن زوجته حكت له كل شيء بدون سابق معرفة ... وبعد ذلك وجدتنا نكرر ونكرر ونكرر...
أتمنى أن اقرأ عمل أخر للكاتب يجعلني متحمساً بعد اول عمل بيننا غير موفق.
لا اعرف ما حكايتي مع كتابات وحيد الطويلة، كلما بدأت إحداها تتداعى الأفكار لرأسي، وحلاوة اللغة تجري في فمي، ولعبة الاقتباسات لا تنتهي، ولكن بمجردالانتهاء منها ويصبح المطلوب إعداد ريفيو يليق بما قرأت، حتى أفشل تماماً،لربما هوالخرس الذي يصيب المشاهد أمام لوحة عظيمة، أو هو الاكتفاء بمذاق الحلاوة في فمي دون حاجة لتنظيرات،أو لربما هو "الخوف" ، الخوف من كتابة "لا تليق بكل هذا الجمال، لست في موقع الناقد ، أنا أقل منه بكثير ، اقولها لنفسي لأبرر الكسل أو الخوف. أنا استمتعت بالرواية، استمتعت باللغة التي تستحق عن جدارة ألف وألف نجمة، استمتعت بالألاعيب السردية، الحوار النفسي والأصوات المتعددة على لسان مطيع أو مطاع، ولعبة المواجهة بين شخوص الرواية ولو كانت مواجهة متخيلة داخل عقل المعالج النفسي، فقط كنت اتمنى لو أن تلك المواجهة كانت أقل استرسالا في بعض المقاطع مثل مواجهة الضابط والمعالِج النفسي، وأكثر ما اعجبني لعبته في المشهد الأخير
في الواقع دي من أكتر الروايات اللي أرهقتني جداً، بعض المشاهد من دقة وصفها كانت بتدفعني للقيء، لكن خليني أشبد بحاجتين اتنين: أول حاجة، الإهداء "إلى الذين صرخوا ولم يسمعهم أحد. إلى الذين لم يستطيعوا أن يصرخوا." الحاجة التانية: هي حوار مطاع مع الشيطان. عايزة أقول اني استمتعت بشدة .
حذاء فيلليني ، رواية ستدخلك داخل دهاليز النفوس البشرية ، ينجح وحيد الطويلة ببراعة مذهلة في خطفك ، أو إجبارك على أن تسحب بداية الخيط بحثا عن الفيل كما أشار في مقدمة روايته مستشهدا بمقولة فيلليني المخرج الإيطالي الشهير الذي عرف بتمرده وميله لكسر تابوهات الحياة وتذليلها ليرسم بها لوحاته السينمائية ، محطما كل القيود المجتمعية والتقاليد الحجرية . يبدأ الطويلة أحداث الحكاية بداية غير تقليدية ، والراوي هو البطل الذي على لسانه ستروى معظم الأحداث ، ويشاركه عدة شخصيات ممن اقتسموا معه أهوال حكايته ، سواء من فعل وارتكب السبب الذي دفع البطل إلى مأساته ، أو من عانى مثله ، أو من سيلهمه وسيلة النجاة ! وفي الروايات ذات أسلوب السرد متعدد الأصوات لن تشعر بملل ، خاصة إن كان الانتقال من شخصية راوية إلى أخرى يتم بسلاسة ودون قفزات . فالقاريء الذي يبدأ بجذب طرف الخيط ، سيجد نفسه مأخوذا فيما بعد ، ولن يشعر بنفسه وهو يجد أن الخيط قد تشعب إلى عدة خيوط ، كل منهم يقوده إلى حكاية ، وسيجد أن الخيوط ستتضافر في جديلة مثل جدائل البنات ذوات الشعر الطويل ، لتجدها قبل النهاية قد انفرطت مرة أخرى وقد وصلت بك إلى نهاية العقدة والنهاية المفاجئة والممتعة ، التي يمتزج فيها الحلم والخيال بالواقع الذي طالما حلم به البطل ، وما هو حلمه ؟ لابد أن تقرأ وتستمتع بالتفاصيل لتعرف . ستتساءل ربما ما هي الدولة المقصودة ؟ ثم ستتجاهل هذه التفصيلة ، ولن تترك في حيرتك ، ولاحقا من خلال الأحداث سيفصح عنها . اتخذ الأديب وحيد الطويلة عنوانا للرواية غريبا نوعا ما ، ولكن عندما تقرؤها ، سيتبادر إلى ذهنك فورا عدة معاني وراء الحذاء في بلادنا العربية ، فهو يختلف في شكله وم��هره حسب الشخص ، ويشير دائما إلى حالته المادية أو إلى مكانته الاجتماعية وسلطته ونفوذه ، فأصحاب النفوذ لا يسيرون في الرمال فتجد دوما أحذيتهم لامعة وبراقة ، مشيتهم فيها خيلاء وغطرسة ، خطواتهم على الأرض ثقيلة وتثير في النفوس شعورا مقبضا . وهي أيضا تشير لخطوات الخائف ، فالخائف يتسلل بخفة فإما أنه يصف خطوته بأنه لا يكاد يحرك قدمه داخل حذاءه ، أو أنه يخلعه حتى لا يحدث ضجيجا . وهي أيضا أداة انتقام وامتهان ، فأنت حين تبغض شخصا ما وتقرر الابتعاد عنه تقول :" لقد خلعته كما أخلع الحذاء البالي من قدمي ، أو لقد شطته بحذائي ، أو ضربته بالحذاء ". وآخر مشهد رأينا فيه الحذاء يستعمل كأداة قتل وتعذيب عندما ضغط الشرطي الأمريكي بحذائه على رقبة المواطن الزنجي فخنقه وأنهى حياته ، ياله من مشهد مؤلم وقاس جدا . لقد أثارت معاناة البطل في نفسي مشاعر مختلطة ، وتوحدت معه ووجدتني أسأل نفسي نفس السؤال :" ترى هل يجب على الإنسان منا إذا تعرض لظلم كبير أن يسعى للانتقام مهما كلفه من ثمن وربما يجد نفسه أصبح جلادا آخر فاقدا لمشاعر الرحمة والنبل والعطف ؟ أم يكتفي بما رآه من عقاب سماوي يهبط عليه فيحاول أن ينسى ليشفي نفسه من آثار العذاب والامتهان وسنوات ضاعت خلف أسوار السجون وفي غياهب الزنازين ؟ لا تتوقف الرواية من خلال أبطالها عن إسقاط قارئها في بحر الحيرة ، فالإنسان منا لن يستطيع مهما فعل أن يمحو آثار صفعات الزمن ، وندبات الآلام والجراح التي اكتوى بها سواء في جسده أو في روحه . ستندهش هنا من قدرة الطويلة على التنقل بك من حالة لحالة ، فلكل دوافعه ، فلن تقدر على لوم البطل على الأفكار الشريرة التي هاجمته عندما رأى جلاده خانعا وضعيفا أمامه وقد حلت به عدالة السماء ، فسقط في بئر العجز ، حتى وجهه استدار لليسار إلى الابد ،وكأن الإرادة الإلهية أرادت أن تختار له الوجهة التي طالما طارد من يمثلونها ونكل بهم ، متهما إياهم بالخيانة والعمالة ، كعادة جنرالات السجون في أنظمة الحكم الديكتاتورية التي لا تعرف الرحمة. وقد عبر عنها بأسلوب جذاب ، عندما وصف حالة الطبيب النفسي الذي يفاجأ بحالة مرضية تباغته بدخولها العيادة رفقة الزوجة الشامتة ، ويصف شعور الطبيب الحيادي في البداية الذي يعبر عن دهشته " حتى لو كنت تملك قلباً باردا ككل الأطباء ، يجب أن تنحني بأسفٍ شديدٍ أمام رقبة محنية عكس اتجاه الحياة ! القصة ليست في التعاطف وإن تعاطفت ، القصة فيما تفاجئك به الحياة وهي تلعب بقسوة في مصائر البشر " . ** من خلال عدة أصوات ، سيدهشك الكاتب بقدرته على وصف مشاعر كل واحد منهم ، الزوجة التي تسعى للانتقام من زوجها ، لما أذاقها طوال سنوات زواجهما من إذلال واغتصاب يومي ومهانة ، فأرادت كسر هيبته بخيانته . أيضا هناك حامل المحفة والذي يتضح أنه هو نفسه من قدم التقرير الكاذب عن البطل "مطاع" وتسبب في سجنه ، وهو أيضا يلتمس لنفسه الأعذار والدوافع المشروعة من وجهة نظره ، وأنه رغم قدرته على الإيذاء ضعيف وعاجز ولا يملك مستقبله ، ولا يقدر على تغيير حياته للأفضل ، يسيطر عليه شعورا قاتلا بالدونية والضآلة . أحد أهم الرواة هو فيلليني نفسه ، فهو يشفق على البطل الذي أحبه فيزوره ، ويحاوره ، ويمد له يد العون ويطلب منه ألا يتخلى عن أحلامه ، وأن يستعين بشعاره المفضل الذي وضعه في العيادة " الأحلام آخر ما يموت " . يقول "مطاع " مخاطبا فيلليني :" لولا أنهم شوهوا ملامحي لمضت في طريقها إلى تقاسيمك ، صرت أرتدي القبعة واخترعت لك حذاءً قلت إنه الموديل الذي تفضله ، رغم أن قدميك صغيرتان وقدمي كبيرتان " فيرد فيلليني :" أنا كنت أحلم بالأفلام وأنت تحلم بي ، لذا فنحن متعادلان ، لكن لا تنس أنني من ساعدتك أن تصل إلى حقيقتك أنت ، أنا أتيت لأجلك فقط لأنك آمنت بي" فيلليني لديه مفتاح الخروج من الورطة ، ويعطي للبطل البوصلة التي ستقوده للاتجاه الصحيح . ترى هل قوة الحلم هي التي ستنتصر ؟ ويقدر مطاع أن يرمي خلفه وإلى الأبد شخصية "مطيع" التي اكتسبها خلال سنوات سجنه ، فيعود من جديد "مطاع " غير مطيع ؟ و ينجح في تحرير نفسه من قفص الكوابيس اليومية التي تطارده في صحوه أكثر من نومه ؟ هل سينقذه فيلليني من حالة الرعب التي أصابته من مجرد لمس مفاتيح الكهرباء التي تذكره بوسيلة التعذيب البشعة عندما تسري الكهرباء في الجسد الآدمي فتنفضه نفضاً ، فلم تعد لديه الجرأة حتى على إشعال الضوء أو إطفائه ؟ هل ستقدر معجزة الحب على أن تعيد له حياته مجددا بعد أن يئس من استعادتها واستكمالها بشكل طبيعي مثل البشر الأسوياء ؟ #abeer.soliman
لم استطيع اكمالها لا ادرى العيب في ام فيها لا اعرف هل تحسب على ادب السجون ام ماذا و لكنها جعلتني اشعر بالتشتت و لم استطيع ان احدد فكرة لها او حبكة ربما فى النصف الاول منهاكان هناك الصراع حول هل من الممكن مسامحة الجلاد ام الانتقام و لكن النصف الثانى منها به عديد من الافاكار لم افهمها ربما العيب في
الرواية غارقة بالتكلف والتكرار + (الحشو) والأسوأ طغيان أساليب السكارى وهي أنك تشعر وأنت تقرأ أن الكاتب يكتب أي شيء أي فكرة أي كلمة دون تناسب دون ترابط إنها العشوائية وكأننا نسمح لأحد السكارى بالحديث بما هب ودب
اللغة في الرواية مناسبة للمواقف ومتقنة رغم قلة الأحداث
كما لا تخلو الرواية من الأفكار التي تُحترم وتعتبر رائعة إن استخدمت بأسلوب آخر الأسلوب من النوع الذي لا أفضله ومع السلبيات الأخرى لا أظن أن الرواية تستحق القراءة عند الكثيرين ليس من عادتي تنفير القراء من كتاب ما لكن هناك الأجود والأفضل والأمتع
نفس الحكاية القديمة قدم الزمان والصراع الأزلي بين الخير والشر ، بين السلطة الغاشمة وضحاياها من الشعب المقهور ، بين الإنسان ونفسه المعقدة ، أحلامه وطموحاته وأطماعه وخيباته المتكررة ، انتصاراته وهزائمه على نفسه وعلى الحياة كلها، بين مطيع ومطاع، وقهر الإنسان ومسخ روحه وكسر إرادته ، بغية كل الطغاة وأذنابهم عبر الزمان، بين شهوة الانتقام أوالسمو بالنفس . . السرد كان شيقا كعادة وحيد الطويلة ، الحوارات قوية وبشكل خاص الحوارات الداخلية للشخصيات مع أنفسهم أو خيالاتهم ، الشخصيات موظفة بشكل جيد لا يوجد شخصية زائدة أو بدون هدف. . مأخذي الوحيد هو التكرار الكثير الذي يصل لحد الملل من الأوصاف والمشاهد الجنسية الذي يسيطر على نصف الرواية على الأقل. . لكن كأغلب أعمال وحيد الطويلة هي رحلة شيقة وممتعة داخل النفس البشرية.
أوطان المفعول بهم في أدب وحيد الطويلة الإله فيلليني يخرج من باب الليل، تاركًا وقع حذائه!
تنويه | "كتابة طويلة عن وحيد الطويلة؛ أنصح أصحاب رصيد الصبر المحدود بعشرة أسطر بعدم القراءة"
من يقرأ للكاتب المصري القدير وحيد الطويلة، يميّز فورًا أنه ساقطٌ في شرك لا يَسهل الفكاك منه، ومن يستمع إلى عباراته التي تصهر الضمائر في صوتٍ وحيد، صارخٌ ومبحوح، يُدرك أنه يستمع إلى نغمة جديدة، مُختلفة عن كل المعروض في أسواق الطرب والأدب. ولعلّ اختلاف كتابة وحيد الطويلة عن معاصريه، وعن أساتذته وتلامذته على حد سواء، يرجع إلى مجموعةٍ من العناصر التي أختزلها إذ أقول؛ جرأة الاقتحام، وشجاعة الطرح على تمويهاته المكشوفة عمدًا، وألعابُ الضمائر التي ترمي إلى استخلاص صوت الضمير من زحمة الكلام، وتخقيق الوحدة بين القارئ والنص كواحدٍ من شخوصه. لا يمكن هنا الفصل بين القارئ والمكتوب، وإن كان وحيد الطويلة حاضرًا في نصوصه، فهو بهذا يؤدي مهام مُخرج يوجّه القارئ ليتفاعل ويتماهى مع الشخوص، لذا فحضوره في طيّات حكايته واختباؤه في هوامشها وحواشيها، ليس من باب فرض الرأي وتمرير أيدولوجيته الخاصة على حساب المتن، إنما هو حاضر كشاهد عيان، ومدير تصوير، وربما كمحامٍ يزجُّ موكليه في قفص اتّهامٍ شيّده بقلمه، ثم يهبّ واقفًا أمام القارئ/القاضي، ليصرخ باعتزاز وتحفّز "حاضر عن المتهمين"!
"إلى الذين صرخوا ولم يسمعهم أحد، وأيضاً؛ الذين لم يستطيعوا أن يصرخوا"، بهذه العبارة يفتتح وحيد الطويلة روايته حذاء فيلليني، لكن الواقع يؤكد أن كل رواياته صالحة لأن تبتدئ بذات الاستهلال، حتى في "جنازة جديدة لعماد حمدي" التي أستهلها بعبارة تقطر سخرية وألمًا "إلى المسجلين خطرًا، تصحبكم السلامة"، وفي باب الليل التي أهدى افتتاحيتها لابنته التي تحبه أكثر من رئيس الجمهورية، أيّة جمهوريّة؟ لا يهم! فوحيد يسعى إلى إثبات أن الوحدة العربيّة لم تتحقق إلا في توزيع أنصبة القهر بالتساوي بين الشعوب. عوالم وحيد الطويلة تعكس زيف الواقع وهشاشته الزجاجيّة، كأنما يصحبنا العم وحيد، في كل رواية، ببسمته الراسخة وانفعالاته الآنية الصادقة، وقبعته الفيللينيّة، إلى عوالم تتراص فيها بيوتُ شُيّدت من زجاج، تكفي طرقة واحدة على جدرانها لتحيلها هشيمًا، كاشفة عن عورات الحياة الحقيقية، وسوءتها المقدّسة، في جوف كل بيت، وفي قلب كل إنسان. الشخوص في حكايات الطويلة حفنة من المهزومين، لا يُمكن أن نُحيل تلك الملاحظة إلى إفراط الكاتب في التشاؤم والسوداويّة، بقدر ما تُمثّل تلك الحكايات -في مجموعها- صفعة هادرة تحيل قارئها إلى الواقع الذي يغض عنه العقل.
في "باب الليل � منشورات ضفاف - ٢٠١٣"، حيث "كل شيء يحدث في الحمّام" - والحمّام هنا رمزيّة قُصد بها الإشارة إلى بيوت الليل وأبوابها المُشرعة في وجه راغبي الهروب من كآبة الواقع - يزاوج الطويلة بين المقاومة المنبطحة وبائعات الهوى، ويخلق حالة بديعة من التناص بين فتاة الليل، والمناضل الحنجوري، بين الفتوحات والانتصارات في الأسرّة، والهزائم المتتالية التي دقّت، ولم تزل تدق رؤوس العرب. بمنهجه السردي الخاص، يصطحب الطويلة قارئه، داعيًا إياه ليرافقه. يسحبه من يده، يُجلسه إلى طاولة فارغة، ثم يجلس في كرسيّ مجاورٍ، ليحكي، يخاطبُ القارئ ويناديه، لا يُفصح عن شخصيّته التي يعرفها القارئ منذ البدء ضمن اتفاقيّة التو��طؤ غير المُعلن بين الكاتب وقرّائه، يتصفّح الوجوه رفقته، هذا أبو شندي، وذاك أبو جعفر، وتلك نعيمة، وهذه ألفة، أما هذا فشادي، وإلى جواره ترى فاروق إنجرام، ثم تتوالى الحكايات جاعلة من العالم فراش كبير تحرّكه الغريزة، أيّة غريزة يعني؛ شهوة الجنس أم السلطة؟ لا تسأل هذا السؤال! فالواقع أنهما سيّان، لأن الناتج صفريّ! بيد أن الهزائم تشحذ فوران الأجساد، فتهرع إلى بوابات الليل، فهل للعربي من نصرٍ لا يتحقق سوى في الفراش؟ ومن أين له بفتح مبين سوى في صفحات تاريخٍ كتبه منتصرٌ أعور، أو بين أحضان امرأة تتظاهر بالاستمتاع؟ باب الليل -إذن- هو عين سحريّة على الحقيقية، هي رواية أشبه بصندوق الدنيا، يصوّب الصبي بصره إلى جوف الصندوق الأسود، فيشاهد الصور الملونة تتحرك وتنساب متراقصة على مقام موسيقيّ ثابت لا يتغيّر، ففي بطن الصندوق عالم كامل، لا يتكشّف إلا بعبور باب الليل، أو عينه السحريّة، هكذا يشيّد الطويلة عالمه الرخو من حجارة طينيّة لا تجفّ، الكل هنا مهزومون لحساب السيد الرئيس في مباراة بدأت بنتيجة مُسبقة، الشاشة تعرض عدد سنوات القهر في خانة الحاكم، وصفرُ الشعوب ثابت لا يُكشط ولا يُستبدل، فالحُكّام لا يُطلقون صافراتهم عندما تُعرقل الشعوب، والشعوب لو احتُسبت لها ذات سهوٍ عشر ضربات جزاء أمام مرمى السلطة، لما جرؤ واحدٌ على التقدم لتسديدها، وإن أُجبِرَ مسكين أو متواطئ على التسديد حفظًا لماء وجه المتابعين في شتّى أقطار العالم، فإنه يسددها، بإحكام بالغ، خارج ملعب المباراة. الجنس واللهو والسُّكر وكرة القدم، مخدّرات الشعوب التي تحرص الأنظمة على توفّرها طوال الوقت، فمن دونها -ربّما- ينتبه الناس إلى أمور لا يحقّ لهم متابعتها أو مناقشتها، كالشأن السياسي والفساد وتقسيم المجتمع إلى طبقات سياديّة وغير سياديّة، أو الانتخابات البرلمانيّة والرئاسيّة والعياذ بالله، هذا ما يقوله الطويلة بين أول صفحات باب الليل وآخرها، هذه هي الرسالة التي يوثّق بها أبطاله المهزومين، أو المنسحبين إلى الداخل، المناضلون الفلسطينيون، أو من حُرم منهم من حق العودة إلى بيروت التي أُجبرتْ على لفظه مطلع الثمانينيّات، إنما هم أطلال رجال هزمتهم صراعاتهم الداخليّة قبل العدو المحتل، يمرّرون أيامهم في استدعاء أيّام النضال، وتصوّر انتصارات لم تتحقّق، يفرغون شحنات الانكسار في كؤوس الخمر وأجساد النساء، وكذلك يفعل الفارّ من العراق بعد سقوط صدّام وحزبه البعثيّ، والمصريُّ الذي انخرط في المقاومة في بيروت. في غمار ذلك، يرصد الطويلة المجتمع التونسي من خلال القاسم المشترك الأعظم بين تونس وسائر ديار العرب، وهو ما ذكرتُه قبل عدّة أسطر، الشعبُ مشغول بالإكراه بأمور تحدّدها السلطة، النساء يقاومن القهر بقنص الفرص من فتات الأجساد ونُثارها في طيّات الفُرُش. الشخصيّات هنا -كلها- نطفٌ ألقاها الطويلة في فضاء من عدم، يتحركون بشكل تلقائيّ لا إرادي، تتقاذفهم المسارات فيتخبطون بين جدران الحكاية، لا شخص هنا يمتلك إرادته، لا أحد يشارك في تحديد مساره، الكل ماضٍ في طريق لم يخترها، كأنهم مجموعة من الحيوانات المنويّة إذ تتسابق في نفق مظلم لا تُدرك ما ينتظرها في نهايته، يخوضون سباقًا لا يعرفون دوافعه لكنهم يواصلون الحراك، وهو حراك بلا طائل، وسباق بلا منتصر، فواقع الأمر أن الفائز منهم خاسرٌ؛ بقدومه إلى عالم لن يمنحه أي جديدّ. يخطئ الظانّ بأن وحيدًا قد أساء إلى تونس التي لجأ إليها مُكرهًا � وهذا أمر يطول شرحه وأرى أن الاستفاضة فيه تُخرجني عن سياق الكتابة � فما تونس هنا إلا نموذج، تونس هنا استعارة مكنيّة، عندما نقول مات العرب، فقد شبهنا العرب بإنسان حذفناه من الجملة لتحقيق البلاغة المرجوّة من الاستعارة، وعندما يرسم الطويلة لوحته في تونس، فهو يلوّنها بألوان الأعلام العربيّة كلها.
نحن إذن أمام كاتب مهموم بالقهر العربي-العربي، لا ينشغل وحيد بتتبع أذيال المؤامرات الدولية والكونيّة على العرب، ولا ينكرها في ذات الوقت، لكنه ينزّ ألمًا وتقطر حروفه بسواد الحداد إذ يسلط كاميرته ذات الزوايا المراوغة إلى قهر العربي للعربي، واستباحة الحكام للشعوب، وكلما صوّب وحيد قلمه متعدد اللهجات والتقنيّات إلى حكاية كهذه، علت صراخاته، وجعل شخوصه يستغيثون بالقارئ لكي يهب لنصرتهم ونجدتهم. لذلك، فالقارئ في روايات الطويلة هو بطلها الأول، أو هو بطل مُشارك على أيّة حال.
في فيلم "صوت القمر" لفريدريكو فيلليني، تقول الجدة لحفيدها "إيفو"؛ إن الذكرى أجمل بكثير من الحياة نفسها. ويقول فيلليني في افتتاحية رواية حذاء فيلليني (منشورات المتوسط -٢٠١٦)؛ "اسحب ذيلاً قصيرًا، فقد تجد في نهايته فيلاً"! هذان المقطعان تحديدًا يمرّران الكثير عن عقليّة فيلليني الذي حلّـت روحه في جسد وحيد الطويلة ليكتب حذاء فيلليني، فالمقطعان يحيلان الحياة إلى ثنائية أثيرة؛ الحنين/الذاكرة، ثم الفضول/الدهشة، ومن خلالهما يمكن متابعة وحيد الطويلة إذ يرتدي قبعة فيلليني ويفتح الستار أمام جمهور هذا النص، الصرخات المكتومة في باب الليل، وآهات الحسرة المختبئة وراء تنهيدات اللذة الزائفة، تنسرب تدريجيًّا إلى حذاء فيلليني ذي الوقع المهيب، وتعلو مصحوبة بموسيقا نينو روتّا.
يُغيّر وحيد الطويلة خطّه في أثناء الكتابة، اللغة التي أعتبرُها معطف الحكايات تتبدّل بألوان ومفردات مختلفة بين نص وآخر، الذاكرة هنا خزّان صدئ لا ينضب منه الحنين، والفضول يستولي على القارئ منذ المشهد الأول للتعرّف على الحياة الحقيقية لـ "مُطاع"، ذاك الشاب الذي تنوء ذاكرته وتتداعى بين لطمات الواقع المُدهش بقسوته، والحنين الديمومي إلى السلام والسكينة، والأمل في استعادة ذاكرته الضائعة في ردهات ماضٍ ما عاد يعرف إليه السُبل. تعتور مُطاع -بشكل شبه كلّي- حالة من عدم القدرة على الفهم والتبرير ومنح التفاسير لنفسه عما آلت إليه أموره، وما نتج عنه تغيير اسمه من مُطاع إلى مُطيع، يعاني خللاً معرفيًّا تفرزه صعوبة الفهم وترتيب المعطيات وصولاً إلى النتائج والبراهين، وترنّح القدرة على الإلمام بالتفاصيل المحتجزة في ذاكرة حُدّدت إقامتها في قبو عُذّب فيه لسبب لا يعرفه. مُطاع/مُطيع، إذن، يمثل هنا نموذج المواطن العربي الذي حُجبت عنه المعرفة العامة والذاتيّة على حدٍ سواء، ونُفث في عقله الضباب طيلة عقود الاستعباد والقهر.
وكما جعل الطويلة من تونس مسرحًا مكانيًّا لباب الليل، فقد قفز به حذاء فيلليني إلى سوريّة، ليصنع منها النموذج الشامل والجامع للنظم العربيّة، متلاعبًا بقارئه بين التمويه والإفصاح تواليًا، فهو يعلن على لسان مُطاعه أن الأوطان العربيّة كلها سواء، ثم يُحيله إلى القسوة الوحشيّة لنظام حافظ الأسد، قبل أن يعود ليُضمّن مفردات وتعابير مصريّة ومغاربيّة في المقاطع الحوارية النادرة في هذا النص، كما يمارس اللعبة ذاتها مع الزمن، فبينما كان زمان مُطيع محتجزًا بين الراهن/ما بعد الصدمة، والماضي/زمان القبو، فقد كان زمن الرواية مُخاتلاً يقفز بين مجزرة حماة والقرن الحالي.
عبقرية حذاء فيلليني حسب رأيي، إضافة إلى قوة الطرح الأشبه باقتحام الجسد العربي وإظهار كل ما هو غير معلن من أفكاره، والكشف عما يضطرم في وجدانه من عجز وحيرة وقهر، وآثار ما بعد الصدمة الممتدّة بعمر الصدمات المتتالية في أقبية الحُكّام العرب المسمّاة -من باب التجمّل- بالدول العربية، هو قدرة فريدريكو الطويلة، أو وحيد فيلليني، على الكتابة بكاميرا العبقري الإيطالي نفسه، لقد تماهى الكاتب هنا مع المخرج الشهير فبرع في كتابة حكايته بعين سينمائية لاقطة، مارست ألعاب الكادرات والزوايا الفيللينيّة المحيّرة للوهلة الأولى، المعبّرة عن نفسها حدّ ملامسة أطراف النخاع الشوكي حال تأملها. ولعلّ السؤال الذي قد يطرحه قارئ هذه الكلمات، ممن لم يقرأوا حذاء فيلليني، هو؛ ما الذي أعنيه بالكتابة بعين كاميرا فيلليني؟! تصوّروا معي كاتبًا يقتل الراوي العليم منذ السطر الأول، ثم يستبدل الحوار بالمونولوج الداخلي للشخوص، ليمنح كل شخصية - خصوصًا في الثلث الأخير � مساحة للتحدث بضميري المتكلّم والمخاطب، ألعاب الضمائر مستمرّة في أعمال الطويلة في العموم، ففي باب الليل؛ وقف الكاتب كشاهد غير مشارك في صنع الحدث، متوجهًا بحديثه/حكاياته إلى القارئ طيلة الوقت، لكن زخم المونولوجات في "حذاء فيلليني" منحها طابعًا سرياليًّا يسبح بالحدث فوق الواقع، وربما يخترقه ليزاوج بين الحلم والحقيقة، فكل ما نقرأه في حذاء فيلليني قابل للتأويل، والحكاية برمتها تتأرجح بين الثبوت والإنكار. هكذا: نتتبع خيوط الحكاية كلها عبر التجوّل في عقول الشخوص، من دون أدنى وصاية من الكاتب، أو من الراوي العليم كما هي عادة الرواية العربيّة المعاصرة (أغليها وليس كلها). هل انتهيت؟ ليس بعد، فقط تصوروا معي أن تزاوج بين كل ما سبق، وخفة الظل والكوميديا السوداء!
الشخوص في حذاء فيلليني، كما هم في باب الليل، مهزومون بالوراثة، مُطاع/مُطيع في مرحلتيه قبل وبعد الاعتقال، زوجة الضابط التي انتهكها لسنوات طوال بأبشع طرق المعاشرة الحيوانية، الجارة التي فرّت أحلامها كالحمام الذي تُمنع تربيته فوق الأسطح كي لا يستخدم في التواصل بين أعداء الأمة، الأب الذي زُفّت روحه إلى السماء مطوّقة بريش الدجاج، وحتى الضابط نفسه، إذ يبدو في مونولوجه الخاص كشخص أُجبر على تأدية دور الجلاد، وآمن بأنه يحمي الوطن من الشراذم والخونة. أما مأمون، فهو كائن هجين، يجمل جسد حمل ورأس ذئب، يزرع بنواياه الطيبة ألغامًا وقنابل موقوتة في طريق الأبرياء، والتبريرات جوفاء كليشيهية، والواقع إن مأمون، وكل المآمين؛ وجه آخر للسلطة، فريق يمارس القهر والعنف والإيذاء، فيستبدل أعضاء فريقه بحفنة من الأبرياء، يطعمهم لوحش القبو، حتى يظل هو/هم في مأمن من بطشه. مأمون هو أقل من يستحق التعاطف في حذاء فيلليني، لأنه أكثرهم كذبًا أمام مرآته.
يخلق وحيدة الطويلة في هذا النص الساحر، حذاء فيلليني، مُقابلة صادمة بين جمالية كاميرا فيلليني، وقبح الواقع العربي غير المعلن عنه (وإن شاعت آثاره وتوارثتها الأجيال)، يرصد النتائج في منأى عن بؤرة الحدث، لا يكتب حكاية كرونولوجيّة ولا يدفع الأحداث تجاه ذروة ما، إنما يصوّر المشاهد بأعين الشخوص ويستخرجها من عقولهم الملجومة بالصمت الفطريّ، يشرّح الجانب النفسيّ واللا شعوري بمهارة جرّاح مكين، يستخرج من وجدان القارئ مشاعر وحقائق لم يكُ يدرك وجودها؛ الألم... القهر... الخوف... الهزيمة... الانسحاق... التفاهة... الاستسلام. ينزع من جوف القارئ أكثر من ظل، يعلقهم أمامه في غرفة تظهير وتحميض الصور، ثم يتركه لكي يشاهد ظهورها وتجسّدها، تدريجيًّا...
أظهر وحيد صديقه فيلليني كربّ للصورة والكاميرا، وأظهر الحاكم كربّ للشعب، ثم منح ضابط التعذيب ربوبيّة تؤهله لإنزال العقاب وتبديل المصائر (ملاحظات الربوبية والآلهة الثلاثة لفتت نظري لها الروائية والصديقة ريما بال�� خلال مناقشة الرواية في نادي صُنّاع الحرف بحضور العم وحيد)، لا يُمارس الكاتب هنا دوره الربوبيّ في الخلق وتحديد المصير، بل إنه عوضًا عن ذلك يستدعي فيلليني بشحمه ولحمه لتصوير أكثر من نهاية للحكاية، وهو بذلك يتنازل عن ربوبيّة الكاتب أولاً لـمُطاع/مُطيع، ثم للقارئ نفسه كي يختار النهاية التي تتسق مع نظرته للأمورّ. شجاعة قلمّا امتلكها كاتب عربي بمنتهى الإنصاف، ودعوة مبطنة إلى كسر حلقة العنف والعنف المتبادل، فمطاع، المعالج النفسي الذي بات مطيعًا بعد تعذيبه لسبب هو في الواقع محض مصادفة، يجد نفسه أمام جلاده قرب النهاية، فالجلاد أُحيل للمعاش، والمعاش أحاله إلى عجز جنسي، فانتحت دماغه جهة اليسار، وما عاد قادرًا على إعادتها إلى وضعها الطبيعي؛ فهل من ثمّة شيء طبيعي في هذه الحياة؟ أيعقل أن نبحث عن الحقيقة في وطن تُجبر فيه النملة على كتابة قصة حياتها سبع مرات؟ وهل يقدر المواطن المسحوق على تأدية المهمة الربوبيّة التي تُوكل إليه فيُنزل العقاب بالجلاد؟ هل يجرؤ؟ وهل يُمعن في الانتقام لو أمن العقاب والمساءلة؟ أم أنه يُشرع باب التسامح والعفو عملاً على وقف النزيف؟
السؤال الأهم هنا، بخلاف سؤال التسامح المزنّر بآمال الوفاق، هل يقدر المواطن العربي -المُثخن بندوب ولد بها، وندوب أخرى قبل بمراكمتها في روحه- على تأدية الدور الربوبيّ الذي منحه إياه الطويلة بتوصية من صديقه فيلليني؟
رمزيّة فقدان القدرة على رفع الصوت: عجز واستسلام. رمزيّة حظر تربية الحمائم: قهر وخوف وارتعاش. رمزيّة التواء العنق: هزيمة فانسحاب وإنكار. رمزيّة النهايات الثلاث؛ حريّة وأمل للشعوب. رمزيّة العنف الجنسي؛ استباحة الأوطان وسيكوباتية السلطان. رمزيّة الحذاء: وقعه وصداه، وما يزرعه في النفوس من ألغام الخوف والانكسار. أما رمزيّة الجسد في أدب الطويلة، فهي طاغية بحضورها، الجسد لدى وحيد، مسرح وأداة، كرة ومرمى، هدف وبلاد تنثني حدودها وتتمايل، أما المرأة فهي وطن يرثى له، وعاء الانتهاك/الانتقام الأزلي، والبرهان الدائم على بهتان المنطق البطريركي، المرأة في أدب وحيد؛ سبورة قديمة ندوّن عليها نتائج خساراتنا الفادحة وانتصاراتنا الهزيلة، لكننا مهما حاولنا إزالة آثار نتائج الأمس عنها، احتفظت منها بأثر لا يمّحي.
أعود مرة أخرى إلى صوت القمر، آخر أفلام فيلليني المعروض سنة ١٩٩٣، حيث يتمكن ثلاثة رجال من اصطياد القمر ذات غفلة من السماء، ثم حبسه في غرفة أشبه بالقبو؛ يحملُ مشهد الختام -العبقري- دعوة من القمر المُختطف إلى واحدٍ من مُختطفيه، بأن يحاوره، فتبتلعهما ثرثرة تستمر في رأس المشاهد عقب كلمة الختام. ذلك هو الأثر الذي تتركه روايات الطويلة، النهايات المُشرعة على تأويلات لا نهائية، المقاطع/المشاهد التي لا تبوح بمكنونها ببساطة، المونولوج المستمر في دماغ القارئ/المشاهد/الشخوص.
إن نصوص وحيد الطويلة تعمل على تعويض القارئ عن كل حرّية سلبت منه، تمنحه حق اتخاذ القرار وتقرير المصير، رواياته تناقش بجرأة نادرة وقائع المفعول بهم في الأوطان العربيّة، تحاول أن تدفعه لتأدية دور الفاعل، نصوص تحريضيّة؟ طبعًا، فما قيمة الأدب لو لم يكن تحريضيًّا؟ ولو لم يدرك القارئ أزمته كعربيّ بعد قراءة روايتين مثل باب الليل وحذاء فيلليني، فنحن -إذن- لم نعد بحاجة إلى كاميرا فيلليني التي تزاوج الواقعيّة الفجّة بالسرياليّة الخدّاعة، إنما نغدو في حاجة ماسة إلى كاميرا إيطالي آخر، هو تينتو براس!
أخيرًا، تركت قبعة فيلليني في المقهى، غادرت باب الليل وقد استعدتُ قوة البصر فما عدت في حاجة إلى ارتداء النظارة، قررت أن أعاود تربية العصافير، شاهدت أكثر من فيلم لفيلليني، لكن مطاعًا لا يغادرني، وأبو شندي لا يتوقف عن مطاردتي مُصرًّا على تلاوة حكايته مرة أخرى، اشتقت إلى نعمة، وجارة مُطاع، لكن وقع حذاء الضابط/الحاكم/الإله المفوّض، ما زال يطرق أبواب عقلي، خوفي من ملامسة كل ما له علاقة بالكهرباء يجعلني في حيرة دائمة، أشعر بألم مضطرد في ساقي، أبحث عن ألفة فأراها تجالس أبا جعفر، تنطلق صافرة أحد المخبرين، فأسدد ركلة الجزاء في وجه فيلليني الجالس في المدرجات، أتحسس قفاي كل برهة، فأفتقد نظارتي، أستمع إلى موسيقى روتا، وفي أغلب الأوقات، تمتص وسادتي دموع كل المهزومين الذين غرسهم الطويلة في عقلي، لكنها لا تمتص شعوري بالمهانة، فأنا بدوري، مثلهم جميعًا؛ مفعول به! عزيزي القارئ، قل: آاااااااااه
للسُلطة أسرار لا يدركها سوى الطامعون أو الضحايا، وللشهوة آثار تصيب كل من يأمل في مستقبل أفضل، ومن أجل تجنب الضرر يصبح الجميع في إطارات مرسومة بعناية لا تكوّن صورًا مقنعة من الخارج لكنها مُقنعة لكل منهم بمفرده دون محاكمة أو نقد. لكن صاحبنا الساحر قرر أنه لابد أن يحدث الخلط بين هذه الصور والشخصيات لتكوين صورة شاملة، واتخذ من ساحر السينما الإيطالية فيلليني رفيقًا له؛ كي يخلق بكلماته ولغته العظيمة صورًا وصفحاتٍ تثور معها النفس، ويخفق معها القلب. ولأنه ساحر فريد في ألاعيب سرده ولغته وحبكته لا يحتاج إلى تعقيدات، فقط يحتاج إلى لقطة بسيطة، تكون كفيلة له لخلق حياة كاملة تحيا وتموت فيها مئات المرات، مناديًا بجمال الحب، وساخطًا على ظلم السُلطة. اللقطة تتمثل في زيارة بسيطة إلى طبيب نفسي، من المفترض أنه يعالِج لا أن يُعالَج، كشفت ماضيًا لعينًا محفورًا في الجسد والروح، ولا تلتئم جروحه إلا بخلق جراح جديدة. الطبيب النفسي هو "مطاع" اسمًا لكن على أرض الواقع هو يطيع ويخضع بعد كسرة النفس التي ذاقها، وعذاب الجسد الذي يبرز في أعضائه، والسبب ربما هو "فيلليني" الذي اعترف "مطاع" بعشقه لأفلامه ووصفه شاعرًا حتى كان سببًا في عذاب دائم. يُسمعنا "مطاع" صوته المنكسر، بحكي ذاتي عبقري وبديع من لغة الكاتب الساحر، نثور، ونغضب، لكل ظلم تعرض له "مطاع" في سبيل أن يكون "مطيع" ثم نسمع أصواتًا أخرى. يأتي صوت صاحب السُلطة يبرر أفعاله بنفس مبرر "مطاع" ألا وهو العشق، عشق الوطن من أجل الحفاظ والحماية، عشق المهنة من أجل سهولة السيطرة، ويؤكد على نظرياته، حتى يحدث تشويش الصور، ونقع في حيرة تفوق الحيرة المصاحبة لمشاهدة أفلام فيلليني، ما بين جمال الحب وطُغيان السُلطة إلى لدغات الشهوة. وجاءت تلك اللدغة من زوجة صاحب السُلطة، تعيش معه عذاب يشاطر عذاب ضحاياه، وتكره وتفكر في انتقام جديد يحرق قلبه، ويضيع هيبته، وتتشابك العلاقات في إطار معقد جديد لكنه إطار منطقي نتاج تلك الصراعات. ولكن هذه اللقطات المتلاحقة هل يمكن أن تكوّن مشهد نهاية مقبول؟ هل من المحتمل أن يقتنع الأطراف بالنهاية؟ صراع السُلطة والشهوة لا ينتهي على الأرض، وربما للغة الساحر رأي آخر؛ فقد استعانت بوجود فيلليني في "البلاتوه" لتخلق أجمل وأعظم نهاية في تاريخ السينما الإيطالية والرواية العربية، ما بين الكره المجبر والعشق المجنون استطاعت الصفحات تحويل وساوس الشيطان وأطماع الإنس إلى حياة عصيبة، عنيفة، حانقة، جميلة، ممتعة، مع كل تعذيب بالكهرباء تصرخ لكن تصفق، ومع كل خيانة تكره لكن تتعاطف، وبصحبة كل الحروف تستشعر عظمة الأدب، وروعة الفن. ملحمة أدبية عظيمة بسردها، وشخصياتها الحية التي رأيتها رأي العين، ولغتها البديعة الصادقة، عشت معها في عوالم من إبداع ساحر مبتكِر وماهر لا يمكن أن أنتهي إلا وأشكر الكاتب ولكن بلغة فيلليني وأقول: GRAZIE. #حذاءفيلليني #وحيدالطويلة
كلنا ضحايا وكلنا مجرمين". من أشهر عبارات السينما المصرية، والتي أتت على لسان ضابط البوليس والجلاد خالد صفوان (كمال الشناوي) في فيلم "الكرنك" والمأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ بالعنوان نفسه، صرخ بها حينما سقط بين ضحاياه، متخوفًا من رد العذاب الذي اقترفه بحقهم.
في الرواية الأحدث لوحيد الطويلة بعنوان "حذاء فيلليني" والصادرة عن منشورات المتوسط، كان الضابط/الجلاد (اسمه الحركي في الرواية الكعب العالى) هو المرادف لخالد صفوان، وفي المقابل نجد "مُطاع" أحد ضحاياه، الذي ظل بطول الرواية في حالة صراع مع النفس يفكر في كيفية الإنتقام منه، والطرق المختلفة لفعل ذلك، متدرجًا من البشعة إلى الأكثر بشاعة، حتى يأتي المخرج الإيطالي الأشهر "فلليني" لينقذه من حيرته ويساعده في إخراج المشهد النهائي لمعاناته!
ينضم إليه في الرغبة الإنتقامية، زوجة الضابط، التي عانت هي الأخرى عشرون عامًا من معاملته القاسية وتعذيبه لها جنسيًّا.
وبما أن الروائي هو صوت من لا صوت له، صوت المستضعفين في الأرض، المهمشين، المعذبين، الذين يعانون في صمت، لذا يهدي وحيد الطويلة روايته "إلى من صرخوا ولم يسمعهم أحد وإلى من لم يستطيعوا أن يصرخوا"، لنطالع بأرواحنا رواية صادمة حد الوجع.
كلما توغلنا في الرواية، تتكشف لنا تفاصيل الحكاية الغامضة، وتتواتر إجابات أسئلة من نوعية: "لماذا أتيت إلى هنا؟ أي تهمة ارتكبتها؟ من هي تلك المرأة، ومن هو مأمون؟!"، أسئلة ظلت علامات استفهامها مفتوحة، لنرتطم بتفاسير اللغز كما بطل الرواية الذي يتذكر فجأة كل شيء فى النهاية، فنكتشف أن مُطاع، هو طبيب نفسي، يتم تعذيبه وإهدار كرامته على ذنب لم يقترفه، وأن كل الحكاية أن أحدهم (مأمون) قد زج باسمه في موضوع يخص آخر!
اللغة فصحى إلا من بعض مفردات عامية قليلة، جاءت قوية، عنيفة كالواقع الذي تتحدث عنه، لكن كعادة وحيد الطويلة في حسه الساخر، لم تخل ابدًا من سخرية لاذعة أحيانًا، ومريرة أحيانًا أخرى.
هناك تداخل شديد بين الواقع والفانتازيا، ليصبح من الصعب أن تميز الحد الفاصل بينهما.
يتحدث الراوى بضمير المتكلم، فهو إما مُطاع/مُطيع، أو الضابط، أو زوجته، أو مأمون (مخبر).
أجواء الرواية قاتمة كما يليق بقبو في باطن الأرض يتم فيه تعذيب البشر ومسخهم حتى يصيروا آخرين، وحيث المحظوظ منهم ينتهي به الأمر في مشفى للأمراض العقلية "القبو مكان آخر غير السجن، جحيم آخر، القبو مكان تحت القبر، مكان الحساب على الأرض، يقيمه آلهة من البشر، لم تمر عليهم كلمة الرحمة في قاموس الحياة، لا رحمة ولا صراطٌ مستقيمٌ تمشى عليه، بالكاد صراط غير مستقيم، جهة اليمين تؤدى فقط إلى النار، واليسار تؤدى إلى الجحيم"، وأيضًا كما يليق بنفسية مشوهة، منسحقة، متحولة، ليصبح مطيعًا بعد أن كان مطاعًا "اسمك مطيع منذ الآن، أعد كتابة ما كتبته، وابدأ باسم مطيع، هو اسمك منذ الآن، وحتى تموت قريبًا".
الرواية تنتقد الحاكم الأوحد، أو الحاكم الإله بسخرية لاذعة "نولد من طين واحد، نعبد عدة آلهة، وقائدًا واحدًا طول العمر"، وكذلك تفضح السلطة المتجبرة الفاسدة القمعية التي يؤمن أفرادها "أن على رؤوسهم ريشة، شعب الله المختار"، أيضًا يعري الراوي تلك السلطة التي يتناحر أبنائها فيما بينهم داخليًّا، لكنها تكون كالبنيان المرصوص أمام أي خطر يحدق بأحد أبنائها، محتفظة بفسادها الذي يتنامى، دون أى رغبة في تطهيره، بل الحرص عليه، وكأن الفساد أهم دعائم حمايتها "السلطة ليست طيبة فيما بينها، إلا حين يقترب الأذى من حرمها، لحظتها تكون الأم الرؤوم، تغطي على أعضائها، تمنحهم الحصانة مهما كانت الخطيئة، تخبئهم تحت جناحها كلما كانت الغلطة فادحة حتى لا يحترق ثوبها".
كل ما سبق يجعل الشعب - المحكوم بالقبضة الحديدية - ينظر لنفسه نظرة دونية "نحن فقط مجرد حشرات يحق لهم تحويرنا وبالقسطاس المستقيم على هيئتنا الجديدة".
في علم النفس، هناك علاقة طردية بين الضحية والجلاد، يحدث من خلالها عملية تحول يستحيل فيها الضحية إلى جلاد، ويكون ذلك بسبب خلل يُحدِثه التأثير السلبي الذي يتركه الجلاد فى وعي الضحية وبالتالي سلوكه، فتبقى الآثار مستديمة في كل تعاملاته، حتى أن في كثير من الأحيان يتفوق الضحية على جلاده، فيصبح أكثر إجرامًا ووحشية ودموية منه! وهذا ما نلمسه في الرواية، فالضابط نفسه كانت عائلته ضحية ضابط متجبر ظالم، فأصبح هو بدوره ضابطًا متخصصًا في التعذيب "عزرائيل الأرض" كما اسماه الراوى، كذلك مطاع حين يقع جلاده بين يديه يتصور طرقًا لقتله أقل ما يقال عنها أنها بشعة، لنعود مجددًا إلى العبارة التي استهللنا بها المقال.
تتحدث الرواية عن كيفية صناعة الديكتاتور والجلادين "هل تعرف شعور ماو، عندما تهتف باسمه ثلاثمائة مليون حنجرة في توقيت واحد .. ما لا يمكن أن تراه أن عضلات الإستبداد تتورم في هذه اللحظة، تنتفخ، وان العظمة في روحه تتمدد .. في هذه اللحظة يولد ماو آخر اسمه الإله ماو .. في هذه اللحظة تحديدًا يفقس الديكتاتور جلادين، يدخل فى عقولهم، يبدل أمخاخهم، فيقدسونه ويسبحونه". من هنا يرى الراوي أن الشعب هو الصانع الحقيقي والأوحد للديكتاتور، ومن ثم الجلاد "أنتم من تصنعون الجلاد، ثم تطلبون منه أن يكون بشرًا عاديًّا".
ولسخرية القدر، نجد الضابط/الجلاد مؤمنًا بثقة ويقين بأهمية وخطورة دوره، بأنه شخص صالح يصنع شيئاً جليلاً لله وللوطن، وذلك بتحويل الناس السيئون لصالحين! يقدمه الروائي شخصية متمحورة حول ذاتها المتضخمة، هستيرية، إذ نسمعه يقول "ماذا سيفعل الضباط إذن، لو اطلقنا سراح الجميع"، متفاخرًا بأنهم يمسخون البشر ويحولونهم لآلات بلا عقول تفقه "نحن من اخترعنا الروبوتات قبل أن يخترعها اليابانيون، هم يصنعونها من جماد ونحن نتفوق عليهم بصنعها من بشر، هم يحركونها من بعيد بريموت، ونحن وضعنا الريموت نفسه داخلك".
من أشهر عبارات فلليني: "لا شيء أصدق من حلم"، وقد ظل يحلم مطاع، المتيَّم بفلليني، بأن يقع جلاده بين يديه لينتقم منه، وهو ما قد حدث بالفعل، وحينما وقع ظل يحلم ويتخيل أيضًا كيف سيكون شكل انتقامه. لكن في الجزء الأخير من الرواية، وقبل مشاهد النهاية المتعددة، يتم طرح فكرة التغاضي والتسامح، كبديل أخلاقي وإستثنائي يدحض نظرية الضحية التي تستحيل جلادًا، فكان بداخل مطيع ما يقنعه بأنه يكفيه أنه الآن بين يديه يتمدد عاجزًا، شبه ميت، مجردًا من منصبه وجبروته وسلطته "هناك حياة أخرى ممكنة، لا يجب أن تتماهى مع الجلاد حتى لا تقع فريسة لروحه الشريرة أو لشبحه الذي يحوم حول سريرك، ليس صحيحًا أن النار تدمر كل شيء، تبقى دائمًا بارقة أمل، لا تنس أن تمنحه لحبيبتك، للشوارع، للمرايا، لمفاتيح الكهرباء، للشروخ في الجدران، الأمل رشوة يقبلها الجميع".
هناك أكثر من نهاية للرواية بمساعدة ورؤية فلليني، الذي يبدو أن البطل استدعاه ليخرجه من مأزق إسدال الستار على صراعه المميت والطويل، فمرة يكون المشهد عبارة عن مضاجعة جنسية بين مطاع وزوجة الضابط أمام الضابط المضطجع عجزًا ومرضًا، ليذبحانه ألمًا، وأخرى نرى عملية قتل للضابط بسكين، لتتناثر دمائه في كل مكان. تلك المشاهد تحديدًا والتي قدمت برؤية سينمائية، بدت وكأنها أحد أفلام فلليني المثيرة للجدل، أو لوحة سريالية لسلفادور دالي تحمل الكثير من الجنون.
وكما اهتم فيدريكو فلليني السينما، بالتوغل في عمق نفسيات شخوص أفلامه، تأثر بالعبثية، وكانت أهم أدواته السخرية اللاذعة، وتجاوز مدرسته، الواقعية الجديدة، بتوظيفه لمشاهد سريالية عديدة، نجد بالمثل أن فلليني الرواية، وحيد الطويلة، قدم لنا رواية تغوص في الأعماق النفسية لشخصيات رواياته في محاولة لسبر أغوارها ورأب تصدعاتها، استخدم هو الآخر نفس السخرية اللاذعة والمشاهد السريالية وتحديدًا في النهاية.
كان فلليني يحلم، ثم يصحو فيرسم أحلامه ويحولها لمشاهد سينمائية، لم يكن يحمل سيناريو محدد الملامح لأفلامه، كسر كل ما هو تقليدي ومتعارف عليه في فن السينما، لذا أصبح واحد من أشهر المخرجين العالميين، فالمخاطرات الكبرى تأتي بالنجاحات الكبرى، وها هو وحيد الطويلة يكسر شكل الرواية المعتاد، يحيد عن "باب الليل" التي جلبت له الشهرة والجائزة، يبتعد عن لغتها الناعمة وأجوائها المغرية، ليخوض بنفسه وبنا أجواءً وبناءً ونصًا غير تقليديين، ليثبت بالفعل أنه فنان حقيقي، يملك من الجرأة ما يضعه في خانة كبار المبدعين.
اللي عايزة اعرفه بشكل حقيقي، أنا ليه عملت في نفسي كده والله؟ ليه قرأتها؟ في البداية، كان في بوادر لطيفة أنها هتكون ممتعة وأقدر أحبها، لكن حقيقي أنا محبتشهاش إطلاقا، ومليانة مط وتطويل وإسهاب غير مبرر، ولا حتى ممتع. رواية تقيلة على القلب، ومكنتش تستحق الوقت اللي ادتهولها
ترشيحات كتير جاتلى للرواية ديه ربما كانت سبب فى احساسي بخيبة الامل حاليا بنيت امال عالية لكن انتهت برواية عادية من ادب السجون ربما لان هذا النوع من الادب بيرسم ملامح مسبقة لخطوط الدراما بيحد مشاهد السيناريو كانت تجربة جميلة ولغة كاتب رشيق اكيد ليا لقاء مع اه بين صفحات رواية اخرى
تدور رواية وحيد طويلة "حذاء فيلليني" عن طبيب نفسي شاب مغرم بالشاعر والكاتب والمخرج السينمائي فردريكو فيلليني حتى انه اطلق عليه مجنون فيلليني .تقوده الظروف إلى أحد أقبية التعذيب في سجون أحد الديكتاتوريات العربية, ثم يخرج ليقابل جلاده وتتطور الأحداث والصراعات النفسية .حيث تتجلى ازمة الانسان المعاصر .حين يواجه مخاوفه وجها لوجه. ربما السؤال الأول الذي يطرأ على بال قارئ رواية حذاء فلليني لـ طويلة ما هي العلاقة بين موضوع الرواية الشائك وهو التعذيب والقهر في الديكتاتوريات العربية التي يحددها "طويلة" بالإسم والمكان والتاريخ,بالمخرج السينمائي الإيطالي فردريكو فلليني ؟كيف واتته الفكرة ان يمزج مشاهد التعذيب بكادرات السينما؟ ولا أن يسير في خط متوازي بين حياة البطل وبين شريط الفيلم. كيف يصنع من الذاكرة أرشيفا للعذاب, حين يبحث الإنسان عن روحه داخل جسده عندما ينفصل عن العالم في أقبية السجون, كما نحاول سبرارواح ابطال السينما خلف الشاشة الكبيرة. يجاوب وحيد طويلة عن هذا السؤال في الفصل الحادي عشر قائلاً : (هل أصدق فلليني؟ هل أمشي وراءه وانا الذي طاردته طيلة حياتي كلها حتى صار كل من يعرفني يسميني: فلليني الشام أو مجنون فلليني,أمسح الماضي بممحاة مرة واحدة أو على الأقل أضعه هناك حين يجب أن يكون,أركله بقوة بدل أن أسحبه من ذيله فأراه خلفي فيلًا يقفز مرة واحدة للأمام فيحجب الضوء والطريق. الفرق بيني وبينه_يقصد فيلليني_ أنه كان يحلم أما انا فلا أرى غير الكوابيس , كان يرى الفيلم كله في أحلامه لقطة لقطة وأنا أرى فيلمي في كوابيسي مشهداً مشهداً يصحو وهو يفرك عينيه يكاد يطير من الفرح, وأنا أصحو جاهداً ان انتشل قدمي من القبو, أشدها لا أستطيع ان أتركها هناك وامشي وأعرج بقدم واحدة واحيانا بدون قدمين هو ينسى الفيلم. تماما بمجرد ان ينتهي من وضعه في العلب يمحوه من ذاكرته ,وينتقل إلى فيلم آخر وعشيقة أخرى, وفيلمي واحد لا ينتهي معروض على شاشة روحي طوال الوقت, كلما مرت لقطة جاءت اخرى أفظع منها ثم تعود الأولى مرة اخرى وهكذا, فيلم واحد لدار عرض واحدة طوال الوقت). يقسم طويلة رواينه لـ (مشهد لا يحبه فلليني) و(المشهد الأخير), تبدأ الرواية باستدعاء الطبيب النفسي مطاع لإحدى الحفلات لشحذ الهمم القومية, يذهب الطبيب مرتبكاً لا يعرف سببًا لإستدعائه يدخل , الديكتاتور للحفل بملامح غليظة مثيرة للرعب. في الحفل الجميع يشي بالجميع, الجميع يكتب تقاريراً عن الجميع, يطلب الجلاد من مُطاع البطل أن يجيب على اسئلة طويلة ودقيقة فيما يشبه تحقيقاً جنائياً. عن أدق تفاصيل حياته .وأن يشي بأهله وأصدقائه. ويبدأ في الإجابة عن كل شيء وأي شيء,يبدأ مطاع في الإجابة على الآف الاسئلة, ثم يتم اقتياده إلى أحد الأقبية وتخويفه وكهربته يحكي مُطاع عن علاقته بفلليني الكاتب والشاعر,بينما يُصر الجلاد أنه مخرج كما تقول المعلومات المدونة أمامه في وئائق التحقيق. يُعيد مطاع الاجابة ويمنحه الجلاد اسماً جديدا مطيع, داخل القبو يسمع ويرى عشرات المعذبين الآخرين,يخرج مطيع الطبيب النفسي ليلتقي بجلاده الذي يدخل عياده كمريض وتنتقل الرواية من عمومية المكان كون الأحداث تحصل في اي مكان في العالم العربي . ليحددها داخل سوريا , الاشارة الأولى كانت حين صارع مطيع نفسه هل ينتقم من جلاده ام يعامله كطبيب يقول: "أنت تقتله من اجل نفسك أنت لا جزاءا له, ولو قتلته مائة مرة لن تمسح خطاياه, ولو ألقيته في نهر بردى ". بعدها تدخل زوجة الجلاد للعيادة تدفع الرجل المريض, تدور كل افكار الانتقام في رأس الطبيب النفسي حتى أنه يرغب في اغتصاب زوجته امام عينه لإذلاله, لكنه يتراجع! ثم يعود طويلة في الفصل السادس بفلاش باك عن ماضيه وعلاقته بجارته المغوية الفاتنة العلاقة التي نمت على خلفية أغاني فيروز ومسرحياتها وأغاني ومووايل شمسي نصر الدين. التي يسمعانها وهما يدوران في سيارتها في شوارع المدينة . الفن رديف السرد عن الحب في حكيه عن علاقته بجارته كما تتداخل مشاهد السينما مع مشاهد التعذيب , التي يفتش فيها الجلاد عن حقيقة علاقة مطاع بفلليني. تدخل الجارة في علاقة مع أحد الضباط , علاقة سريعة مقابل أن لا يتعرض لمطاع ووالده اللذين يعيشان سويا.يرحل الرجل لبلد بعيد وتعود الجارة لأحضان مطاع بحلمها وجروحها.. ينتقل السرد ثانية إلى لسان زوجة الجلاد وتروي تفاصيل علاقته المؤلمة به. كما تحكي عن طبيعة شخصيته السادية التي تفتتن بالتعذيب ولا تجده مجرد عمل, وأثناء السرد يعلو صوت الكاتب على لسان الزوجة ليخبرنا فيما يشبه منشورا سياسيا عن طبيعة الضباط. واستعلائهم الاناني ويصف شعورهم انهم شعب الله المختار. ويعطينا طويلة الإشارة الثانية عن موقع الأحداث في سوريا فيقول (80)حين يصف مطاردة الدولة للإسلاميين بسيماهم من لحى طويلة فيقول"منذ مجزرة حماة صارت الهاجس الأول للدولة كلها, اختفت من الوجوه كأن الوجوه عقمت, ولم تظهر الإ على على وجوه الممثلين في المسلسلات والأفلام ولم ينبت ذقن واحد الإ لو كان استطال سراً في قبره" مجزرة حماة هي اوسع حملة شنها النظام السوري ضد الاخوان المسلمين في شباط سنة 1982. واستمرت قرابة شهر كامل في عهد الرئيس حافظ الأسد لتفقد الرواية عموميتها وتدخلنا في خضم جذور الصراع السوري مع الاسلاميين. اما الإشارة الثالثة فحين يقول الجلاد لمطاع حين تسنح للأخير الفرصة للانتقام منه بعد أن أتى الجلاد مريضاً " األا ترى انهم يخرجون عليك في الطريق بين حمص ودمشق يخرجون عليك من الجانبين من الجبلين بغتة كالجحيم". ولولا خذه الاشارات الواضحة كان بالإمكان ان نعتبر أن الرواية تدور في مصر أو تونس أو المغرب أو اي دولة عربية تعاني صراع بين السلطة وأجنحة الإسلاميين المتعددة ويريق كل طرف الدماء ويحرق الأخضر واليابس في صراعه مع الآخر. ثم ينتقل بنا طويلة إلى ضلع السرد الثالث الجلاد نفسه الذي يمنحه فرصه التعبير عن نفسه والتبرير ليمسك يخيوط الحكي في الفصل الثامن يشرعن الجلاد وجوده بأن الديكتاتور يفقس جلادين لحمايته ,وأنه الديكتاتور يعيش بوجود ألاف من المطايا له ويضرب مثلا بالزعيم ماو الذي قدسته الملايين, الجلاد مهمته تغيير وتبديل ارواح الملايين لينزع منهم الجنوح والتمرد ليحل محله الخضوع للاسرة والدولة والعرف مهمة الجلاد صنع قماشة روحية واحدة يرتديها الجميع في كل المناسبات, تسرد زوجة الجلاد حين تمسك بزمام الحكي مأساتها مع زوجها هزيمتها مع وهو في عز سلطانه وسلطته وهزيمتها بعد خروجه للمعاش. تحكي في فصل من أجمل فصول حذاء فلليني تفااصيل عشقها وهزيمتها, خيانته وصبرها وحين يصف طويلة تلك العلاقة يختار المجاز الأنيق والصورة الموارية, يبتعد عن الكشف والفجاجة وفي بعض المواضع تدخل لغة النص الي لغة شعرية تماماً وهي تصف احزان عاشقة منهكة تحب رجلا لا يحبها. تنسحب زوجة الجلاد من حياته وتتركه لمطاع الطبيب النفسي ويصير الطبيب والمعالج أو الجلاد والضحية وجها لوجه.. يعرف مُطاع انه وقع بالخطأ في يد الجلاد وان احدهم وشى به على سبيل الخطأ حين كانت زوجة الضابط الكبير تلجأ لطبيب نفسي في نفس الشارع الذي تقع فيه عيادته ربما جهلا او عمدا ليحمي آخريعرفه ثم يقرر مطاع ان يصنع حلمه الفيلليني الخاص به يتراجع عن تعذيب جلاده يقول طويلة" الحاية ليست خطاً واحدا غنية لها عثراتها ونتوؤاتها وجحيمها , لكنها حين تعطيك فرصة لإطفاء جحيمك فهي بعض عادلة , انها تنتقم معك يجب أن تغدر هذا هو الخيار الوحيد الممكن. يختم طويلة روايته متعددة الأصوات بفصل تتداخل فيه مشاهد فلليني بمشاهد روايته يدفع طويلة بمخرجه المفضل ليكون طرفاُ وخالقاً للأحداث تتعدد المشاهد وتتعدد النهايات, يخرج فلليني من كونه صانع احلام وشاعر مفضل للطبيب النفسي مطاع ليكون خالقا للأحداث في فصل تتداخل فيه الحقيقة بالخيال, الألم بالمتعة,انات المقهورين بطقطقة الكاميرات. لغة حذاء فلليني أنيقة جذلة ومحددة اجتهد طويلة في رصد وقائع التعذيب حتى يخيل للقارئ انه يراها أمامه حية على شاشة الصفحة دون أن يلجأ لابتزاز اللغة او لكسر عنقها ليشعر القارئ بفداحة الألم , صنع طويلة أيضا حالة شعرية في بعض مقاطع الرواية خففت وطأة السرد وكأنها تغمس النار في البرد دون اخلال بقوة السرد. اما الشخصيات بالرغم من مركزية شخصيتي مطاع والجلاد فقد افرد مساحة جيدة وللزوجة ولمأمون مسئول التعذيب.. خلق اربعة شخوص مركزية صنعت أحداث الرواية.. اما فلليني فهو الحاضر الوعاء الذي انصهرت فيه شخوص الرواية ومآسيها حتى كلمة النهاية _ورقة بحثية لأماني خليل تم قرائتها في مناقشة الرواية في مختبر السرديات الأسكندرية
“إل� الذين صرخوا ولم يسمعهم أحد. إلى الذين لم يستطيعوا أن يصرخوا.� لهؤلاء أهدى وحيد روايته، لأنها روايتهم هم، عنهم ولهم.. هكذا يثأرُ الأدب لكل المظاليم.
حذاء فيلليني -المخرج الإيطالي، أو الشاعر حسب وصف وحيد طويلة- هو ما لبستهُ الرواية منُذ المشهد الأول، وتجوّلت بهِ واتَّكأت عليه، في مواضعِ الاقباساتِ والعناوين، لتحسّ بأن الرواية، أقرب ما تكون فيلمًا؛ لتوصيفها للمكنوناتِ البشريةِ ودواخلها حتّى، بعدسة سردية مُبهرة ومُقلِقة، فالقارئ، كما اقتباس فيلليني في أوّل الرواية، يظلُ يسحب ويتتبع الخيط الحِكائي، علّهُ يظفرُ بالفيل، لكن ما تنتهي صفحات الرواية، حتّى يجدَ نفسهُ قد تَشَرْبَكَ بالخيوطِ، مُختارًا مشهد النهاية، وقد حَضَرَ الكواليس.
هل يصيرُ الضحية جلّادًا، إن أراد الاِنتقام؟ وهل سيُشفى لو انتقم بالطريقةِ نفسها؟ وهكذا في الرواية، فإن انتقم الطبيب النفسي من الضابط بزوجته -التي بدورها تبحثُ الثّأرَ- هل يكون قد استغلها لأنانيته، أم صار مرآةً لتوّحش الضابط؟
وفي النهاية، المُعذِّب مُعذَّبٌ أيضًا، والضحية إن انتقمت، ما جَفَلت الوحشة/العذاب عن عينيها.. وهكذا ذكرتني الرواية بالفيلم الأرجنتيني "Wild Tales”� فالكلُ خاسرٌ لا محالة.
هي رواية المُعذِّب والمُعذَّب، اعترافات الجلّاد وهلاوس الضحية، والجلّادُ ضحيةٌ أيضًا. بشخصياتها القليلة؛ مُطاع/مطيع، الضابط وزوجته، مأمون، وحواراتها الداخلية والخارجية، وتِكنيكها السَّردي، الذي يتداخل فيه رواة الحدث الواحد، ويعترفُ كلٌ منهم بهواجسه ومخاوفه، استطاع وحيد طويلة، أن يكتب فيها العذاب بجلاله المُهيب، لتكون رواية ديستوبيا بواقعيتها المريرة، ورواية أدب سجون بسراديب الظلام الفسيحة داخلها.
“حذا� فيلليني� رواية تركضُ بكَ في سيور الدهشة والحيرة -دون أن تضبط أصابعك الكلاكيت- لتظلَّ تصرخ، عند كلِ ستوب: أكشن.. أكشن أيتها الرواية.
قد تكون هذه أول رواية أقرؤها من هذا النوع، مما يسمى أدب السجون، لعلني وقفت كثيراً على بساطة اللغة، والتركيبة النفسية التي يلعب بها الروائي هنا، أجد أكثر ما أبهرني فيها ليس تنقل الروائي بين سيناريوات الأشخاص المحسوسة، بل وصل إلى أكثر من هذا التماهي إلى التنقل بين مونولوج الشحصيات التي تقف قبالة بعضها في الرواية أحب الروايات التي تجعلك تنتهي من الكتاب ولا تغلقه، وإنما تسرح في نهايتة لأنها لم تعطك طبقاً من ذهب، بل أعطتك طبقاً فارغاً تملؤه أنت بما تريد