شعاع من فيض النافذة : " قراءة ذوقية في ديوان نافذة تطل على العرش لـ الشاعر أحمد الرويعي "
ماذا تحتاج القصيدة ليفتح لها القلب بابا ، فيحتويها ، فتدهن مساحاته النشوة و يشرق به الألق ؟ أضعف دوما أمام الشعر ، أجده عالما لا أقدر أن أقاربه بروح الناقد و لا بروح المتذوق النوعي حتى ، بل أجلس أمامه باستسلام طيّع مستجيب لما يفصحه و يكتمه . حين قضيت أياما مع ديوان نافذة تطل على العرش ، أدهشتني سطوة الشعر ، و كيف أن الحرف الذي يأخذك في أشكال أخرى للصورة و المعنى ، حاملا إياك على سُحب التأويل ، خفيف الروح كندف الثلج ، تغسلك الأبيات بـ النور ، المفردة التي تكررت في الديوان كثيرا ، و يعجن روحك في حضرة المرآة .
أ / القصائد :
قدّم الشاعر الديوان عبر لونين من الشعر : العمودي / التفعيلة و الحقيقة كان متمكنا من اللونين مما يؤكد أننا أمام تجربة شعرية ناضجة . يقول في الشعر العامودي :
إنما السجن برزخ السر و القيد على معصم القضاء انشراح . حيث قضبانه ضلوع النبوءات و خلف الضلوع تُروى الجراح
* من قصيدة : حينما سجنوا الورد في الحقل ص ٥٩
و يقول في شعر التفعيلة :
سكبت للدهر زيتَ الأين من جهةٍ إذ مرّ كالضوء حتى كاد ينزلق . ضحى بك الموت حتى كنت تخطفه من الزمانين إن الموت منطلق !
* رحلة من الكاف للنون ص ١٣
و أتت بعض القصائد مقدمة على فقرات ، إن تعالقنا مع الفقرة بمفردها نشعر أننا أمام قصيدة نثر ، لكن الشاعر يقودها ختاما لتنسجم مع قافية ثابتة .
ب /الصورة :
يتخذ الشاعر النهج الرمزي في الكتابة ، فتراه يشكل الصورة الشعرية من خلال : الإشارة / الرمزية / التلميح . و أحيانا ، حين يود أن يقودنا لفهم معين ، يضمّن النص مفردة ذات دلالة أحادية المعنى فتتواءم مع الصورة الشعرية الكاملة لكنها لا تدلق المعنى عنوة بل تقدمه متسعا أكثر شمولية . و أعتقد أن هذه لعبة الشاعر و سمة حرفه .
يقول الناقد عبد القادر الجرجاني : " إن الكتابة أبلغ من التصريح ، إنك لما كنّيت عن المعنى زدت في ذاته ، بل المعنى أنك زدت في إثباته فجعلته أبلغ و آكد و أشد " *عبد القاهر الجرجاني " دلائل الإعجاز " دار المعرفة.
القصد أن لكل كاتب تكنيك في تقديم المعنى ، يتراوح بين التلميح و التصريح ، و أحيانا يقدم كليهما في توليفة ذكية ليحشد ضيفه بهدايا من صور شعرية سخية تعجن الفكرة في الصورة .
جـ / اللغة :
من الجميل أن يكون للكاتب لغة خاصة ، يتفرد بها عن نظائره من الشعراء ، لغة مضيافة ، تجيد إكرامك و تقودك إلى بيت الشاعر بدراية ، الكتاب بيت الكاتب ، روحه ، ذاته ، صراخه و حكاياه . في هذه النافذة ، لمست لغة خاصة للشاعر ، حيث المفردة ملونة ، و التراكيب مميزة ، مبتكرة ، تصوّر شغف الكاتب بالتجربة و جرأته على القوالب المكرورة . و لاحظت أن هنالك مفردات تكررت كثيرا في الديوان : المرآة الغيب التأويل النور الخرس كانت هذه المفردات بمثابة قوائم ، أو ربما أساس لكثير من النصوص ، و هذا لا يقلل من شأن الديوان على العكس بل يقدم رِباطا جميلا يحيل القصائد إلى حبات عقد متجانس و متوالف لديوان شعري متماسك .
في الحقيقة، أنا أُتابع الشاعر على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». لكنّي لستُ حريصةً جدًا على المتابعة لأنّ في الأساس ميولي للشعر الشعبي أكثر من الفصيح، لكنني أقرأ لهُ بعض القصائد المنشورة عبر مدوّنون مثلًا، أو ما ينشره في حسابه الشخصي في المُناسبات.
ولأنني أحب الشعر جدًا، قرّرت اقتناء هذا الديوان لعلمي أوّلًا وأخيرًا باتجاه قصائد هذا الشاعر وهدفُها. أبهرني الشاعر في طرحه، لمستُ الابداع فيه! كتاباته مُميّزة ولو أنّ هناك بعض المُفردات تكادُ تتكرّر في كل قصيدة! وأرجّح سبب هذا التكرار رُبّما لتقارب الوقت بين تأليف القصائد. بالتأكيد مسألة التكرار ليست نقديّة، فالشاعر «الرويعي» أستاذ مبدع. شدّتني عدّة قصائد منها؛ حزام التأويل عباءة بني هاشم وجه آخر للضوء لم يخل منّا شهقة من العدم سُعدت جدًا بوجود قصيدة [علّة الإيجاد] فهي أحد القصائد القريبة جدًا من القلب، سمعتها مرارًا وتكرارًا عبر اليوتيوب! فعلًا مميّزة. بمنظوري؛ أرى أنّ قصائد الشاعر «الرويعي» تتميّز برقّة اللفظ وقوّته في آنٍ واحد وهذا ما يجعل الفرد عند تمعّنه في القراءة أو السماع، ينبهر! قادر بلفظهِ الرقيق / القوي جدًا.. أن يهشّمك! ويعيّشك في المُصاب. ينقلك من عالمك للعالم الذي هو يُريد.. للطفِّ مثلًا. ٓ الشعر ينقذ العالم، قادر على تحرير الأشياء وبث الحياة فيها.. الشعر يُحيي كل شيء بالجمال! كل الموفقيّة للأستاذ الشاعر. ٓ اقتباس بسيط : ”الظلُ� لا يدري بأنّ العرشَ يملكُ صورةً أُنسِيّةً في الأرضِ تسترُ سرَّهُ إلا بذاكَ اليوم حينَ تمايَلَت فوقَ الهزيل وقد تكسَّرَ ظهرها�.
هل يجب على كل شاعر التفرد بأسلوبه الخاص من باب التميُز ؟ أم يُزهر بالفطرة ؟ استمَر السؤال في ذهني بعد أخر صفحة قرائتها من كتاب نافذةٌ تُطِلُ على العرش للشاعر أحمد الرويعي. يجب على كل شاعر التفرد بأسلوبه الخاص ، يتميّز في مفرداته التي تكاد أن تتكرر في القصائد التالية ، لايتمحور حول نوع واحد من التعبير ولايرسم الحُزن في كُل قصيدة ، يجعل لشعره ترنيمة خاص به . شدتني قصائد كثيرة في هذا الكتاب بالخصوص قصيدة " ثقبٌ آخرٌ في حجاب التأويل " سَطر القصيدة وكأنها رواية تُحكى بحُلم الصمت ، روادتني تسأولات كثيرة في القصائد : من هو صَعصَعة ؟ مامعنى صداحٌ ؟ كيف تكون أستارِ الخلودْ ؟ كتاب لاتتجاوز قصائدة الأربعين جعلني أبحث عن أمور لم أعلم بها من قبل ، والقصائد في بلاغة وفَصاحة عَميقة وكأن الشاعر مضى ستون عامًا في كتابة الشعر وتعلم المفردات الكثيرة . من يحب الشعر فليقرأ نافذةٌ تُطِلُ على العرش . إقتباس : �"يا علّةَ الإيجادِ حسب� الحبِّ معلولاً يجذِّر� في السنينِ عذابَهُ أستحضر� الذكرى وأصرخ� ياعلي أر� الضميرَ على الضمير أنابَهُ"