"المكون الأساسي للحالة الخارجية هو مركبا من التكفير بغير حق، وترتيب فعل القتال على التكفير، فمتى ما توفر هذا المكون فى شخص أو طائفة،كانت تحت طائلة الوعيد الشرعي المتعلق بالخوارج،ولا يشترط من أجل توفر هذا المكون أن يكون التكفير بالباطل محصورا فى صورة معينة كالتكفير بالكبائر أو تكفير بعض الصحابة،بل كل تكفير بالباطل جزءا من المكون. كما في القتال لا يشترط أن يكون محصورا ضد النظام السياسي،أو الإمام بل حمل السلاح على المسلمين وقتالهم بما هو أعم وأشمل."
الكتاب مفيد وثرى جدا لكن لدى تعليق : في مقدمة الكتاب ذكر المؤلف أنه اطلع على مقال للشيخ ياسر المطرفي مدير مركز نماء بعنوان ( فى معنى الخوارج.. قراءة في التطور التاريخي لمسمي الخوارج) ووصفه بالمقال الذي يهز قارئه ويدله على معنى بدهى وبدد حيرته ويضيف : يزداد الأمر طرافة متى أدركت أن عدداً من الأفكار التي أتكأ عليها الكتاب ومرويات واقتباسات داخلة في دائرة الوعى الخاصة عبر قراءة واسعة.. ولكن سطوة القول الشائع،وما يقع لبعض الآراء من إلف علمي أحيانا،قد يمنع من ملاحظة إشكال التقرير وما فيه من أوهام.." وهذا صحيح تماما لكن الكتاب يكاد يكون نسخة موسعة من المقال بمضامينه وحتى عناوينه الرئيسة مع شيء من الإضافات وزيادة تفصيل وشرح ( وهذه الإضافات بلا شك نافعة وثرية) وفيه رد أيضاً على المقال نفسه كما في مسألة دخول الإباضية فى مسمى الخوارج. الكتاب رائع وبه إضافات وتأصيلات زائدة لكن من أراد مختصرا له ففي المقال مبتغاه.
بحث هام صنفه العجيري لضبط وصف الخارجية الذي ابتذل كثيرًا في ساحات السياسة حيث يتبادل الجميع هذا الوصف الخطير بلا علم ولا عدل رغم تعلقه بأحكام دنيوية وأخروية. ورغم أن المؤلف انطلق متحفزًا من مقال المطرفي حول الخوارج، إلا أنه وسع دائرة البحث لتشمل توصيفًا دقيقًا لأحوال الخوارج الأوائل، مع تبيان الفروق بينهم وبين البغاة، وكذلك الفروق بين مصطلح الخوارج في بحث الفرق والطوائف ومصطلح الخوارج من جهة الذم الشرعي. وللعجيري إضافة مميزة في آخر الكتاب وهي مسألة موقف الإباضية المعاصرين من علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتشابهه مع موقف الخوارج الأوائل رغم زعمهم أنهم يترضون عنه. - [لفظ الخوارج] "فهذا الاسم بات متصلًا بفضاء الشرع، فلا يصح أن يكون أداة سياسية لمجرد تصفية الخصوم، أو سحب بساط الشرعية من تحت أقدامهم. بل الواجب في استعماله مراعاة اعتبارات الشارع في الإطلاق والإحجام، وهو ما يشكل حماية لهذا الاسم من الابتذال واستنزاف رصيد تأثيره المعنوي بالبغي والعدوان." (المنشقون، عبدالل بن صالح العجيري، تكوين، ط1 1438هـ-2017م، ص14). - "وصار الخوارج بعد ذلك وفي عدد غير قليل من المناسبات يتصايحون أمام علي بوقاحتهم: (لا حكم إلا لله)؛ ليعيدوا للذاكرة تلك الجرأة والوقاحة مع مقام النبي صلى الله عليه وسلم حين تم مواجهته بقول رأسهم الأول: (اعدل يا محمد)" (المنشقون، عبدالل بن صالح العجيري، تكوين، ط1 1438هـ-2017م، ص126). - "بل إن بعض ما تصدره بعض هذه الجماعات المسلحة اليوم من فرمانات التكفير لمخالفيهم من المسلمين، يكشف عن نماذج من التكفير أسوأ من بعض ممارسات الخوارج الأول ممن لا نزاع في كونهم خوارج" (المنشقون، عبدالل بن صالح العجيري، تكوين، ط1 1438هـ-2017م، ص209). - "مسألة تكفير مرتكب الكبيرة لم تكن عقيدة حاضرة مع لحظة التأسيس الأول لمقولات الخوارج؛ يدل هذا على أن هذه القضية لم تبرز كمحور جدل في مناظرة علي وابن عباس لهم" (المنشقون، عبدالل بن صالح العجيري، تكوين، ط1 1438هـ-2017م، ص142).
كتاب كهذا يصح أن يقال عنه "بحث" انطلق من معطيات وتوصل لنتيجة -كما يقول المؤلف- لم يسبق لها..
العجيب أني وجدت أن الشيخ عبدالعزيز الطريفي وافق العجيري في النتيجة في كتابه "الخراسانية" والنتيجة التي كان يبحث عنها العجيري : ما هو ضابط الحكم على الفئة بإنها من الخوارج؟
كتاب يستحق القراءة ، للتو انتهيت منه وقد أجاب عن تساؤلاتي عن الخوارج مثل : 1/ هل يسمى خارجيا من لم يكفر مرتكب الكبيرة ؟
والكتاب وضح نقاط مهمة مثل : 1/ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلق لفظة "الخوارج" إنما ذكر صفاتهم والتسمية أتت لاحقا 2/ لفظة الخوارج تطلق أحيانا على من لا يشمله الذم الوارد في الأحاديث النبوية التي وصفت من سموا بالخوارج
هذه المادة جديدة علي تفاصيلها ولجت فيها ولست أعرف غير المسمَّى لكن أحببت أن تكون لدي خلفيَّة عنها وأشهد الله أنِّي أحسنت الإختيار، جزى الله الشيخ عبدالل العجيري خير الجزاء ونفع بعلمه الإسلام والمسلمين
ربما يكون من الحق القول أن الشيخ " عبد الله بن صالح العجيري" مدين بفكرة ومحاور هذا البحث الرائع للأستاذ ياسر المطرفي وورقته البحثية التي كتبها عن الخوارج، بمعنى من المعاني يُمكن القول أن هذا البحث هو ورقة بحثية موسّعة لمقالة المطرفي عن الخوارج، والحقيقة أن الكتاب والمقالة تصبان في منبع واحد = وهو ضرورة تحرير مفهوم " الخوارج"، وأن ذلك له أهمية بالغة في الموقف العقدي الواجب اتّخاذه نحو الجماعات القتالية المعاصرة، فبقدر تحريرنا للمراد بهذا المفهوم بقدر ما سنتمكن من تحديد قُرب أو بُعد هذه الجماعات عن مُسمّى " الخوارج".
الخُطة البحثية التي اتّبعها العجيري هنا هي نفس خُطة المطرفي البحثية، من رصد لحظة ما قبل الخروج [ الوعيد النبوي لتلك الفرقة]، ثم رصد لحظة الخروج [ الخروج على على بن أبي طالب رضي الله عنه]، ثم رصد لحظة ما بعد الخروج [ الاتجاهات العلمية في المدونات العقدية حول تحرير المفهوم]، هذه هي الخُطة البحثية للعجيري والتي تشمل الكتاب كله، والعجيري يؤكد أن في لحظة ما قبل الخروج لم يكن مسمى " الخوارج" كمصطلح ظهر، بل لم يقله النبي [ عليه الصلاة والسلام]، بل ذكر النبي أوصافًا مثل يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، وكلاب أهل النار، و يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان، وهي أوصاف عرفهم بها على بن أبي طالب- رضي الله عنه- فيما بعد.
فالقصد هنا من تأكيد العجيري على عدم ذكر إسم الخوارج في الأحاديث النبوية، هو إيضاح أن الذم الشرعي الوارد هنا يتعلق بصفات متى توافرت في أفراد أو جماعات كانت محلًا لذلك الذم وإن لم تكن تتسمى بالخوارج، وأن صفات الذم هذه التي ذكرتها الأحاديث هي المحددة لتعيين هذه الفرقة لا ما ستكتسبه أو ستتأثر به بعد ذلك من مقالات الفرق البدعية بعد خروجهم التاريخي، فمثلًا سنجد بعد ذلك من الخوارج من يتبنى قول المعتزلة في خلق القرآن أو قول الجهم في الصفات، فهذه الأمور ليست محددة لمفهوم الخوارج، فليس كل من قال بخلق القرآن أو عطّل الصفات خارجي.
في رصد تاريخي عقدي يرصد العجيري الأزمة العقائدية بين الخوارج وعلى بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهي الأزمة التي نتج عنها " تكفير'" على بن أبي طالب، وهنا ظهر محددان من أهم محددات الخوارج والتي سوف يدرجها البحث كمحددات أساسية في تحرير المفهوم، وهما " التكفير" و " القتال"، فالغلو في التكفير مكون مركزي في التحقق الخارجي الأول، ويُلاحظ العجيري هنا نقطة مهمة ستكون لها أثر في القناعة النهائية التي سيخرج بها في تحرير مفهوم الخوارج، وهي أن تكفير " مرتكب الكبيرة" لم يكن عقيدة حاضرة مع لحظة التأسيس الأول لمقولات الخوارج، بل التكفير على العموم، فليس القصد هنا دمج أي تطور عقدي للخوارج حدث لهم بعد لحظة الخروج الأولى في تحرير مفهوم الخوارج، فلحظة الخروج الأولى هنا التي تنبّأت بها الأحاديث النبوية هي المحددة لمناط الذم الشرعي التي جاءت بها الأحاديث في وصف تلك الفرقة، أما محدد " القتال" فلم يحدث حتى قتلوا " عبد الله بن خباب" بكل خسة.
أما لحظة ما بعد الخوارج = هي الفترة التي جرى فيها معالجات شرعية لما تحقق في الواقع من ظهور الخوارج، وسيرصد الكتاب أهم الاتجاهات العلمية في تحرير مفهوم الخوارج، لينتهي أن الاتجاه الأصوب في تحديد مفهوم الخوارج هو من جعل مفهوم الخوارج مرتبط بمكونين، متي ظهرا في قوم استحقوا الذم الشرعي ولحقهم وصف الخوارج، هذان المكونان هما: [ التكفير بغير حق] و [ ترتيب فعل القتال على التكفير] ، فليس الأمر في تحرير المفهوم مقتصر على التكفير بالكبيرة ولا الصغيرة بل مطلق التكفير، بل من الجماعات من يكفرون على مفهوم " العمالة" وجعله من مناطات التكفير كما يقول العجيري.
فالكتاب من الكتب المهمة التي تُعالج قضية محورية تفرض نفسها على الساحة، وأحسب أن الشيخ أجاد وأفاد حفظه الله تعالى من كل سوء.
مفهوم الخوارج أصبح مفهوما سائلا يطلق على كل مخالف دون ضبط لحدوده ، وقد نتردد في إطلاقه على جماعات لمجرد عدم تكفيرها لأهل الكبائر مثلا .. بحث الشيخ حفظه الله هنا في تحرير المفهوم انطلاقا من نصوص الذم الشرعي الو��ردة فيهم ، و تنقيته من شوائب لا تعدو أن تكون طارئة ..
اول كتاب اقرؤه يتناول موضوع الخوارج بمثل هذا التفصيل و الشرح. الكتاب لا يركز تاريخ الخوارج بالدرجة الأولى و لكن يتحدث عن تعريفهم و اوصافهم و الضوابط التي تحكم إطلاق اسم الخوارج على الجماعة او الفرد. و كعادة عبدالل العجيري، كلامه دائما ما يكون مدعما تدعيما شديدا بالعديد من المصادر و أقوال العلماء و هذا ما يجعل طرحه عندي محل الثقة. عيبه الوحيد انه كثيرا ما يسترسل في الحديث و يتشعب في الموضوع لدرجة انك أحيانا تنسى العنوان الرئيسي لكثرة التشعبات.
الكتاب تحدث عن مفهوم الخوارج ومتى يُطلق على فئة معينة أو طائفة؟ وهل الوصف يُطلق على كل من كفر من وارتكب الكبائر؟ وهل هذا الوصف بحد ذاته مذكور في الشرع؟ وما النصوص الواردة في ذلك ؟ وغيرها من الأسئلة التي تحوم حول الخوارج، يجيب عنها هذا الكتاب بطريقة منهجية تيمية في غاية الروعة ..
الكتاب قُسم إلى 3 حقب :
1- ما قبل الخوارج (النصوص الوارد في السنة التي تدل عليهم واعتراض ذي الخويصرة في قسمة الغنائم)
2- وقت الخوارج في زمن علي بن أبي طالب (تحققت الأوصاف التي ذكرها النبي فيهم وفرح علي بقتلهم بعد أن كان مترددا في قتال من "يحقر صلاته إلى صلاتهم")
3- ما بعد الخوارج (من هم الذين على شاكلتهم؟ وهل التنظيمات الحالية ينطبق عليها الذم الشرعي المذكور في الأحاديث وتعتبر من الخوارج؟ وما الضابط الحقيقي في وصف تنظيم بأنه من الخوارج؟)
النتائج التي ستحصل عليها بعد قراءة الكتاب غنية وقيمة جدا .. الكتاب "من أروع مايكون"
يقع الكتاب في ٢٣٥ صفحة لمؤلفه عبد الله صالح العجيري، يسعى المؤلف في هذا الكتاب إلى تحرير مفهوم الخوارج، وتحديد الضوابط و الصفات التي متى ما توافرت في طائفة ، نستطيع أن نطلق عليها مُسمى خوارج ، وتخضع للذم الشرعي الذي بناءً عليه يتم التعامل معها وفقاً للنصوص الشرعية.
مُلفتا الكاتب انتباهنا إلى أنه قد يتم استغلال هذا المفهوم لتصفية الحسابات ، أو لتحقيق مكاسب سياسية بإزاحة بعض الخصوم عن طريق إلصاق تهمة الزندقة بهم، مما يجعل ضرورة فهم وتحرير مُسمى الخوارج مُلحة جدا.
قسَّم الكاتب دراسته إلى ثلاثة عناوين وهي:
١_ لحظة ماقبل خروج الطائفة
ويتناول الكاتب هنا الوضع السابق للخروج ، وظهور أول الإرهاصات التي كانت تشير إلى قرب خروجهم ، واستعرض الكاتب جملة من الأحاديث النبوية التي تحذر منهم، وكيفية التعامل معهم، ذاكراً أوصاف تلك الطائفة .
٢_ لحظة خروجها
يرصد الكاتب في هذا الجزء بداية ظهور و تكَّون الخوارج ،و الاحداث التاريخية المرافقة لخروجها، ويتناول المُكون العقدي لديها موضحاً الانحراف الجلي في فهم تلك الطائفة للنصوص الشرعية، وتأويلها بالهوى مُدعمةً بالجهل، مما أدى إلى اعتناق هذه الجماعة مبدأ التكفير واتخاذ القتال أسلوب ونهج لفرض أفكارهم و مقالاتهم الكفرية.
٣_ لحظة ما بعد خروجها
يوضح في هذا الفصل كيف تمدد هذا الفكر في جسد الأمة و لازال ليومنا هذا ، ويرصد التطور العقدي الرهيب الذي أدي إلى إنقسام هذه الجماعة إلى فرق بسبب الخلافات الداخلية العقدية.
قراءة هذا الكتاب بعد كتاب منهجية التعامل مع المخالفين وكتاب بدعة إعادة فهم النص، كان كالتطبيق العملي للدرس النظري. فالخوارج وهم ممن يكفرون مرتكب الكبيرة قد عوملوا من أولي العلم وفق فقه الاختلاف (صحيح هنالك تجاوزات ولكننا نذكر السائد) وهم أول من ابتدع التأويل.
مع انتشار داعش عاد مصطلح الخوارج للظهور مجددا. الحرورية الذين خرجوا على سيدنا علي في حادثة التحكيم. لم يختفوا منذ ذلك الحين ولكن كتبهم مستورة غالبها وتشظّيهم عظيم (وهذا حال أهل الأهواء جميعا فكل حزب ابتدع بدعة كثر شقاقه). لذلك كان صعبا ضبط المصطلح، والأصعب ضبط كل مناحية التاريخية والفقهية والاصطلاحية فيمكن أن يقال عن أي بغاة على السلطان خوارج، كما يستعمل غالبا للتشنيع في الجانب الفقهي. ينقسم بحثه إلى ثلاثة فصول وأفكار رئيسية: ١. قبل ظهور الخوارج: يعتمد هنا على أحاديث الصادق المصدوق في ذكره لمن سيأتي من ضئضئ من اعترض عليه في تقسيم غنائم حنين أو الحادثة الثانية في تقسيمه لذهيبة بعث بها سيدنا علي من اليمن. وصدق نبوءاته عنهم وأن خروجهم سيتكرر، وخصوصا نبوءته فيهم أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وما داعش منا ببعيد. وهي الفرقة الوحيدة التي نعلم قطعا أن النلي خصهم بالذم. ٢. مع ظهور الخوارج: وقد كانوا موجودين منذ عهد النبي إلا أن ظروف خروجهم توافقت مع فرقة المسلمين ليكون خروجهم أيضا دليل نبوة آخر فقد أخبر عنه قبل ذلك. وتكفيرهم لعلي وهو من المبشرين بالجنة! ثم ذكر مناظراتهم مع علي وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. ويذكر تطور عقيدتهم في التكفير وأنها كل زمان تزيد تشعبا وفرقة. والنبوءات التي تحققت فيهم كقتلهم أهل الإسلام وتركهم أهل الأوثان( قتلهم عبد الله بن خباب وبقر بطن زوجته وعدم استحلالهم تمر معاهد أو خنزيره). ويسرد بعض مظاهرهم من الزهد الزائف والتنطع والشجاعة في الباطل والقول بجهل وتأويل القرآن بغير هدي نبوي وغيرها من المظاهر التي أوجبت ذمهم من كل الصحابة وعلما أنهم حين خرجوا لم يكن فيهم أي صحابي وهذا دليل كاف على ضلالهم لو كانوا يعقلون ٣. بعد ظهور الخوارج: يضع هنا مفهوما يحصر فيه على من يطلق اسم الخوارج فيقرر أن الخوارج من تساهلوا في تكفير المسلمين واستباحوا قتالهم وحرمة دمهم. وهذا قد استقاه من الأحاديث النبوية التي تكلمت عن المارقة. وهنا تفصيل بسيط فلو أقدم أي أهل بدعة لنقل الجهمية مثلا على قتال أهل الإسلام لتكفيره لهم استحق بذلك الذم الشرعي والوعيد النبوي، حتى أن بعض أهل العلم سمى الحجاج بالحروري الأزرقي. لا يزال السؤال الذي طرحه في أول بحثه يدور في ذهني. كيف أمكن لطائفة ممن يقرؤون كتاب الله وفي وقت نبي الله لم يمت إلا من بضع وعشرين سنة أن تخرج على إمام عادل مثل سيدنا علي؟ لا وبل تكفره وتستحل دمه هو ومن معه من صحابة رسول الله!
مع كثرة الفرق والملل والنحل في زمننا الحالي وتراشقهم بين بعضهم البعض بتهمة الخوارج، يطرأ على شيخنا عدة تساؤلات أدت لخروج هذا الكتاب القيم، ومنها متى نسمي فلان خارجيًا؟ وما هي صفاتهم؟ وما هي معتقداتهم؟ وما يمتازون به عن بقية الناس.
يجيب الشيخ عبدالل العجيري عن هذه التساؤلات ببحث متقن بدأ من قراءة تحليلية في تاريخهم من حادثة الجعرانة حيث كانت الشرارة الأولى لهم، إلى خروجهم على عثمان وعلي رضي الله عنهما، وحدد بعض من صفاتهم المهمة كا التكفير بلا مكفرات ولا يشترط التكفير على الكبيرة فقد، وتأويل القرآن لما يوافقهم، ويغلب عليهم السفه وحداثة الأسنان، وعلى أنهم على ما جاء في الحديث من صفاتهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم) إلا أنهم يغلب عليهم السفه وعدم الفهم وانصرافهم للعبادة وتركهم للعلم كما قال الحسن: (فإن قومًا طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولو طلبوا العلم لم يدلَّهم على ما فعلوا؛ يعني الخوارج)، ومناظرة ابن عباس خير دليل.
ومن ما يعيب الكتاب كثرة الاقتباسات، صحيح أن العمل والبحث عن الأجوبة يترتب تقصي أقوال السلف من المتقدمين والمتأخرين وفي أمهات الكتب وصغيرها، إلا أنني افتقدت أسلوب شيخنا عبدالل العجيري في هذا الكتاب وإبداعه في تفكيره، ومع ذلك ظهر إبداعه في هذا الكتاب بتحليله معركة النهروان.
أراد الكاتب تحرير مفهوم الخوارج علميا انطلاقا من الوقائع التاريخية وأقوال أهل العلم في كتب الفرق والمقالات. للتحقق الخارجي صفتان = التكفير بغير حق أو بغير مكفر والقتال بناء على ذلك، ومما يلاحظ أن كل ما ذكر عن الخوارج من أقوال ومعتقدات هو أقوال عن فرق منهم وليس صفة محددة لمفهوم الخوارج وقد ذكرت نصوص الوحي قتالهم لأهل الإسلام وتركهم لأهل الأوثان ومروقهم من الدين و لم يكن هناك حصر للخوارج في قولهم بالتكفير بالكبائر على وجه التحديد بل هذه المقولة لا تعدو ان تكون إلا قولا من أقوال كثيرة في فرق تحققت فيها صفات الخوارج الأساسية = التكفير بغير حق + القتال بناء على هذا التكفير.
ربما توقعت من المحتوى ان يكون اكثر تعمق بالاحداث اكثر منه بالتعريف، المحتوى كان غالبا يناقش التعريف والنشأة أكثر من مناقشته للأثر والتأثير، وهذا ما لم أكن ابحث عنه حقيقة.
هذا لا يعني ان الكتاب أقل فائدة، بل العكس محتواه ممتاز جدا لولا الاغراق البسيط الزائد في بعض المواضع بالتفاصيل والقصص التي تكون شيقة في بعض الاحيان ومملة في احيان أخرى.
غفر الله للشيخ عبد الله العجيري جهده، وجزا الله خيرًا الدكتور ياسر المطرفي الذي سبق بالكتابة التجديدية - فيما أحسب - في هذا الموضوع بمقالته على موقع نماء.
عبقرية العجيري تجعلك تظنه من زمن آخر، يجمع بين التأصيل العلمي الأكاديمي الرصين، والعرض العصري الشيق، كما لا يخلو كتابه هذا من تحديد أطر التعصب بحيث يجعلك شديد الحرص على تجنبها.