بإمكان الناقد المعاصر أن يستخلص من مقولات كتاب منهاج البلغاء لحازم القرطاجني منطلقات تنظيرية لفهم التجربة البيانية بأبعادها الشعورية والذهنية والتداولية إن كلام حازم عن مقومات التأليف الشعري التي حددها في الميئات والأدوات والبواعث ومناقشته لمفهوم المحاكاة ودور الصياغة في تشكيلها النصي وتحديده لمفهوم المدرسة الأدبية التي تتشكل بالتفاعل والتلمذة في سياق منظومة من الأفكار بصدد الإبداع وأساليبه ووظائفه تعد تلك المرتكزات مفاتيح علمية منهجية للعمل النقدي الجاد المستند إلى مرجعية معرفية تغذي الإدراك. أجمل ما اكتشفه حازم هو المفهوم الإصطلاحي للشعر في المعجم الثقافي فالبيت والعمود والأسباب والاوتاد رموز ثقافية دالة على نقل التجربة من المدرك الحسي إلى المدرك اللساني المحفور في الذاكرة الجمالية للأمة استشرف حازم ما توصل إليه علم الاجتماع الأدبي، والبنىوية التكوينية، وقام بتحليل لغوي ثقافي لمصطلحات الشعر مع أننا توهمنا أن الإيتمولوجي، أو علم اشتقاق المصطلحات، منجز غربي حديث أتى مع على عبد الواحد وافي في كتابه المؤسس لمقرر اللسانيات في الدراسات الجامعية
كنوز النقد القيمة الجمالية لأسلوبية العنوان في الثقافة التراثية بين الاقتصاد والمقصدية كتب س. م. السيد
دعني أحدثك عن بعض جواهر هذا الكنز النقدي الذي أبدعه عقل علمي منطقي مدعّم بذوق فني وطاقة شعورية دعني أحدثك عن بلاغة العنوان الذي اختاره حازم: منهاج البلغاء وسراج الأدباء ليست القضية في التجنيس "منهاج / سراج" أو التسجيع "البلغاء / الأدباء" القضية في الأسلوب الدال على الشخصية العلمية الفنية لمؤلف يكتب في النقد الأدبي ، منهاج : طريق محدد تسير فيه الذات الباحثة عن ضبط قواعد علمية والبلاغة علم ، والبلغاء علماء ، عالم البلاعة يضاف إلى منهج يحتاج إلى سبيل له محطات ، يسير وفقا لمساحات محسوبة ، يمضي بخطوات ذهنية منتظمة أمّا الأدباء فلهم سراج ، لهم قبس منير متوهج ، يسيرون على هديه ، لهم طاقة مشتعلة في عالمهم الشعوري لهم مساحات مضيئة يرون فيها تجاربهم الذاتية والاجتماعية وخبراتهم الإنسانية يرون فيها نشاط الذاكرة والخيال ، يعايشون في التوهج النفسي عملية صياغة تلك التجارب في لغة تعبيرية تحتفظ بكيانها الجمالي لتشارك في خطابات التواصل عبر الزمان والمكان العنوان ليس بنية تشكيلية تقال للتداول والحفظ وإنما مفتاح المغارة الحافلة بالجواهر ، هذا ما استهل به حازم القرطاجني كتابه