الصافي سعيد، اسم قلمي للكاتب والصحفي والروائي التونسي أحمد الصافي . يعتبر واحدا من أهم رجال الرأي منذ 2011 خاصة بعد انتشار تعبيره "الربيع العربي" بعد أن أصبح عنوان لمرحلة التغيرات العميقة التي يمر بها العالم العربي .
حيات:
في العشرينات من عمره غادر الصافي سعيد تونس الى الجزائر، درس هناك التاريخ في كلية الآداب وكذلك الصحافة والعلوم السياسية. وفي المعهد الأعلى للصحافة حضر محاضرات ألقاها رجال إعلام بارزون زائرون مثل محمد حسنين هيكل وجون فونتان وجان دانيال وسعد زهران. و تحت تأثير بالمناخ اليساري الذي عم المثقفين في العالم وقتها، أسس في الجزائر مع مجموعة من الشباب العرب والأفارقة حركة "فولنتاريا" (تطوّع) ومن خلالها بدأ تطوافه الكبير بين القارات والمدن الكبيرة.
ذهب الى أنغولا وقت الحرب الدائرة في أنغولا ثم الى كوبا والفيتنام والعراق، ووعند انتقاله إلى الأردن تعرض للاعتقال لشكوك تتعلق بعلاقاته اليسارية وزياراته لهذه البلدان. بعد تحريره بمدة قصيرة انتقل إلى بيروت حيث عايش الحرب الأهلية في لبنان بداية من العام 1976 ثم انتمى إلى الصحافة فنشر مقالاته في عدد من أشهر الصحف البيروتية. وفي نهاية الثمانينات استقر في باريس حيث بعث مجلة "الرواق 4". بعدها أصدر مجلة "أفريكانا". عاد إلى تونس فأصدر بالإشتراك مع مجموعة "جون أفريك" مجلة "جون أفريك بالعربية". وبعد ثورة 14 جانفي 2011 أنشأ جريدة "عرابيا" التي كانت انطلاقتها الأولى في شكل مجلة.
ترشح الصافي سعيد كمستقل لانتخابات المجلس الـتأسيسي في أكتوبر 2011 عن ولاية قفصة ولكنه لم يحقق حلما راوده لفترة وتحمس له بكل جدية للمساهمة في كتابة دستور تونس الجديد.
المسيرة الفكرية:
من خلال مشواره الصحفي والفكري الذي حمله من تونس إلى الجزائر إلى بيروت إلى باريس فتونس مرة أخرى، وعبر مدونة كبيرة قاسمها المشترك أسلوب فريد وإعطاء مجال كاف للخيال لكي يوازي الوقائع التاريخية، يظهر مشروع الصافي سعيد متكاملا يجمع بين الأبعاد السياسية والثقافية والإستراتيجية والمستقبليات دون أن يغفل تفاصيل الحياة الشخصية لصناع القرار والعوامل الإنسانية وبعضا من مناطق الظلال التي يهملها المؤرخون.
من ناحية الكم يعد الصافي سعيد من أغزر التونسيين إنتاجا، حيث نشر 4 روايات وعددا مهما من الكتب السياسية والإستراتيجية والتاريخية. قد يكون أهمها كتابه الموسوعي "خريف العرب" حيث تظهر جليا نظرياته في تفسير تاريخ العرب المعاصر أولا عبر سرد الحرب الدامية بين توأم العروبة والإسلام وهو الصراع الذي أعاق تأسيس الدولة الوطنية في كل البلاد العربية، ثم عبر جدلية البئر والصومعة والجنرال ليخلص إلى "مانيفستو عرابيا". كما عرف كتابه "بورقيبة: سيرة شبه محرمة" رواجا كبيرا حيث يعد اليوم مرجعا أساسيا للباحثين في مسيرة أول رئيس تونسي. تقاطعت عديد من أحداث الثورة التونسية مع ما جاء في روايته "سنوات البروستاتا" التي نشرها بعد أيام فقط من الثورة. وكان قد كتبها قبل سقوط النظام ببضعة سنوات فحملت نبوءة السقوط.
مسيرته المهنية:
عمل كمحرر في مجلة "الهدف"، جريدة "السفير"، مجلة "كل العرب"، جريدة "الشرق الأوسط"، مجلة "المجلة"..
و كرئيس تحرير: "وعي الضرورة" النظرية. "الرواق 4" الأسبوعية. مجلة "أفريكانا" الشهرية. "جون أفريك"، بالعربية الشهرية. "جيوعرابيا" الفصلية المختصة في الجيوبولتيك والحضارات. وأخيرا "جريدة عرابيا" الأسبوعية.
مؤلفات:
بن بلة يتكلم � 1981 مثلث الشياطيني الاستيوائي � 1986 سنوات المتاهة: على مذبح القرن 21 - 1994 الحمى42: لا أنبياء ولا شياطين � 1995 العتبات المدنسة في الشرق الأوسط - 1999 كازينو + (رواية) - 1997 بورقيبة سيرة شبه محرمة (بروتريه) - 2000 حدائق الله (رواية) - 2001 خريف العرب: البئر والصومعة والجنرال � 2005 عودة الزمن الإمبراطوري ونهاية الأوطان - 2006 سنوات البروستاتا (رواية)- 2011 حوارات الثورة - 2011 المضاد الحيوي: مخاضات بين زمنين - 2013
قرائتان ممكنتان للكتاب الاولى هي ان الصافي سعيد يطرح نفسه بديل ، انطلق في حملته الانتخابية مبكرا و هذه القراءة تمنع قرائها من متعة التحليل الذي في أغلبه منطقي و مفهوم و ناتج عن قراءة الكاتب الذاتية للأحداث و التاريخ الثانية هي أن الصافي سعيد يلوم الباجي و يبحث له عن الحلول قبل فوات الأوان حبا منه للبلاد و وعيا منه باضمحلال حاشية الرئيس و الطبقة السياسية عموما وهذه القراءة تمنع صاحبها من متعة القراءة بين السطور و فهم مقارنات الصافي سعيد و التي تفضي إلى نتيجة واحدة وهي احقيته بحكم تونس عموما الكتاب يستحق القراءة ممتع و عميق
كتاب رائع ولا غرابة متى كان ابن انامل الصافي سعيد المبدعة، أراه مانيفستو انتخابي يتلخص تمظهره في ما صدر به فصله قبل الأخير ، ويبطن المقدرةً الكبرى للكاتب من حيث التحليل والاستشراف. وهذا الكتاب فلسفة الصافي سعيد السياسية وهو مشروعه الحياتي القريب والبعيد المدى في آن وهو شهادة لن تفهم الا متى كانت موضوع درس في التاريخ او العلوم السياسية في جامعات المستقبل.
يطرح الصافي سعيد جملة من التساؤلات الاستنكارية في كتابه المانيفستو النداء الأخير.. الى الباي الكبير والتي تدعو القاريء الى التبصر في الوضع الراهن المزري تارة والى الخوض في التاريخ لفهمه تارة أخرى. هذا الكتاب صدر سنة 2017 وهو عبارة عن جملة من الرسائل الموجهة للرئيس الباجي قائد السبسي. تتضمن هذه الرسائل الكثير من المعطيات، المقارنات الفلسفية والتاريخية والسياسية في علاقة بالوضع الذي تعيشه تونس اليوم والصعوبات الاقتصادية وطغيان الانتهازية السياسية التي وصفها ب"زحف الرداءة والنذالة" . كما تحدث عن الشرعية التي تقاس حسب رأيه بالانجازات الملموسة على أرض الواقع وأعطى مجموعة من الأمثلة على ذلك.فهناك حكام في العالم استطاعوا الوصول إلى السلطة دون انتخابات لكنهم اكتسبوا شرعية على أرض الواقع بانجازاتهم تجاه بلدانهم ثم يستنكر بكل مرارة انعدام شرعية الحكومة التونسية المنتخبة اولا لعدم استرجاعها الأموال المنهوبة التي تقدر بالمليارات وثانيا لمواصلتها سياسة الارتهان لصندوق النقد الدولي والتداين الذي سيجر البلاد الى الهاوية. وإضافة لذلك انتقد الصافي سعيد النخب السياسية التي لم يعد اهتمامها بالنهوض بالبلاد بقدر اهتمامها بالتوريث في الحكم ودعا رئيس الدولة الباجي آنذاك الى الشجاعة والحسم في مسألة رئاسيات 2019 واعتبر أن السلطة قد تصيب صاحبها بالمرض اذا تمسك بها باعتبار أن تعيين يوسف الشاهد رئيسا للوزراء قد يكون تمهيدا لخلافته نظرا لصلة القرابة التي تجمعهما ودعاه أيضا إلى استخلاص الدروس من تجربة بورقيبة الذي قال ذات يوم بعد ان احتد التنافس على خلافته. "ان المعارضة تنام على فراشي" في إشارة إلى زوجته وسيلة بن عمار التي لجأ لها من يسمون أنفسهم بالبلدية تحسبا لصعود ابناء الساحل. كما أعطى ثلاثة احتمالات : الدولة الفاشلة أو الدولة الراكدة أو الدولة الناجحة وقال بأن تونس تعيش في وضع ما يسمى "الدولة الراكدة" ولن تصل إلى الدولة الفاشلة على غرار الصومال وغيرها من الدول كما بين ان تونس لديها المقومات لتصبح دولة ناجحة. أعتقد أن هذا الكتاب رائع فسر فيه الصافي سعيد السياسة المحلية والدولية بطريقة مبسطة وسلسة كما تمنيت لو قرأته حين اصداره.