أجمل كتاب شعري قرأته في حياتي... بصفة الإطلاق هذه فأنا لم أحد أبداً عن الحياد والمنطق. الكتاب هذا جملة من الأشعار التي جمعها الوشاء في مختلف المواضيع والمواقف، كل شطر من تلك الأشعار والحكم تصلح للتنضيض والزخرفة. لقد حسّن هذا الكتاب وجعله جميلاً في عيني قارئيه تلك الأمصار والأزمان المتعددة التي يستجلبها الكاتب في موضوع واحد، فتارة تجد أشعاراً كتبها شعراء الجاهلية، وتارة من الأحاديث والنصوص المنسوبة إلى الحكماء والفلاسفة والأنبياء. المواضيع المتنوعة واللطيفة هي أحد أجمل جوانب هذا الكتاب، فقد تجد حديثاً عن الخواتم التي يرتديها النساء، وأحاديث عن الصدقة والأصدقاء، وأشعار في مدح الفواكه، وأشعاراً في ما كتب على قمصان الجواري. أوصي به أن يكون خليلاً في كل بيت وفي كل مكتبة، لا غنى عنه أبداً، كتاب لطيف ومسلٍ ورقيق
اقتباسات من الكتاب: ومما ينقشه أهل الحزم على خواتيمهم القناعة خير من الضراعة. التقلل خير من التذلل. السلامة خير من الندامة. الأسف أهون من التكلف. بادر الفرصة قبل أن تكون الغصة. الهرب قبل الطال. الفرار قبل الحصار. الرجوع قبل الوقوع. وفي ضرب آخر لكل حق، حقيقة ولكل زمان خليفة. القصد أقرب من التعسف. الكف أحرى من التكلف
وقال بعضهم: المكارم لا تكون إلا بالمكاره، ولو كانت خفيفة لتناولها السفلة بالغلبة. وكان يقال: لكل شيء آفة، وآفة المعروف المطل. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: لكل شيء رأس ورأس المعروف تعجيله. وفي وصية عبد الملك بن مروان لبنيه: يا بني، لا تعدوا الناس بما لا تناله أيديكم
كتاب جدا رائع.. يحمل في طياته مجموعة من الآداب التي يحسن بالمرء التحلي بها.. وإن كان يتخللها بعض المبالغة.. فقد كانت صفات خاصة لبعض فئات المجتمع العباسي..
حينما كان الإنسان الأول يجول في الغابات والكهوف يبحث عما يواري به سوأته لم يكن عنده آداب للسلوك؛ لأنه قبل هذا يفتقد إلى اللغة التي بها يستطيع أن يتواصل مع الآخر، ولما وجدت اللغة كانت اللغة تبعا إلى أشياء وجدت قبلها كالنار والنحت.
تطور الإنسان الأول وصار يعرف الزراعة والفلاحة ثم في مرحلة متقدمة التجارة، ومع مرور الحِقب والدهور أصبح الإنسان كائن شبه متكامل من ناحية الأخلاق والمهارات وكذلك السلوك.
ومن أجل أن البشر كانت بحاجة إلى بعضها فكان من البدهي أن يتم تنظيم هذه العلاقة فيما بينهم؛ ولذلك جاء مفهوم (آداب السلوك) وآداب الحوار ليتم الاتفاق عليها في عصرنا باسم (الإتيكيت) وهو علم آداب السلوك والمعاشرة وفن الحياة الراقية.
وكنت في بادئ الأمر أعتقد أنه فن حديث؛ لكنه صدمني حيث أنه فن ضارب في جذور التاريخ فلقد عرفته جميع الحضارات منذ الحضارة الفرعونية حتى عصرنا الحالي.
وبما أن العرب قديما وإلى الآن وهم يساهمون في إثراء المحتوى المعرفي؛ فإن هذا الفن كان موجودا عندهم (فن الإتيكيت) ولكن بأسماء مختلفة (آداب السلوك)، (وآداب الحوار)، (والآداب السلطانية).
أمامي الآن رسالة آداب المؤاكلة لبدر الدين محمد الغزي (904-984هـ) والذي حققها الدكتور عمر موسى باشا والرسالة من منشورات دار الجمل عام 2008م وتقع في 78 صفحة من القطع المتوسط.
الجميل في هذه الرسالة كما قال المحقق أنها تحتوي على ما هو معروف في الحياة الاجتماعية من أسماء الأطعمة والمآكل والمشارب وما يتعلق بها من ذكر المائدة والسفرة والصِحاف والقصاع وغيرها، وزد على ذلك أيضا أنها توضح بعض العادات الاجتماعية والتقاليد الحضارية المرعية في عصر ننعته بالانحطاط والعقم والجمود والتأخر.
هذه الرسالة صغيرة في حجمها، وكبيرة في فائدتها، وهي شافية في فن اتيكيت الأكل.
ولعل من أقدم الكتب التي جاءت في هذا الفن كتاب الموشى الظرف والظرفاء لمحمد بن إسحاق بن يحي المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)، وفيه بيان لحدود الأدب وما يجب على الأدباء من الفحص والطلب والنهي عن ممازحة الأخلاء واتفاق القلوب على مودة الصديق وقلة الخلاف على الرفيق وغيرها من المواضيع الرائقة والفوائد الشائقة.
فإذا نظرت إلى تراثنا العربي وجدته مليء بالفوائد والخرائد، ولكن أين الصياد الماهر الذي يستخرج هذه الدرر المكنونة؟ ورحم الله أسلافنا الذين جاؤوا بالتليد والطارف، وتفننوا في شتى العلوم والمعارف.
"وبلغ العشق أيضاً من مجنون بني عامر أن أخرجه إلى الوسواس والهيمان وذهاب العقل، وكثرة الهذيان، وهبوط الأودية، وصعود الجبال، والوطء على العوسج وحرارة الرمال، وتمزيق الثياب واللعب بالتراب، والرمي بالأحجار، والتفرد بالصحاري والاستيحاش من الناس، والاستئناس بالوحش حتى كان لا يعقل عقلاً، فإذا ذكرت ليلة ثاب إليه عقله، وأفاق من غشيته وتجلت عنه غمرته، وحدثهم عنها أصحَّ الرجال عقلاً، وأخلصهم ذهناً، لا ينكرون من حديثه شيئاً، فإذا قطع ذكرها رجع إلى وسواسه وهذيانه وتماديه في ذهاب عقله."
-------- ص73 - كتاب الموشى الظرف والظرفاء - مجنون بني عامر وليلاه - المكتبة الشاملة
لما بلغت الحضارة الإسلامية أوجها، في العصر العباسي، وامتزج العرب بالفرس والهنود والأتراك وغيرهم من الأمم، وكثرت الأموال وكثر الفراغ، تأنق الناس في مأكلهم ومشربهم وملبسهم وحديثهم وطريق حياتهم، وتبع ذلك وجود عادات وتقاليد للطبقة المهذبة، من تمسك بها عد ظريفًا، ومن خرج عنها عُد ثقيلًا. ورأينا الناس في تلك العصور يلتفتون إلى الظريف ويهتمون به ويبالغون في تقديره والحفاوة به. وكتب الأدب تروي نوادر الظرفاء في أحاديثهم وأفعالهم، كتاب «المُوَشَّى» للأديب أبو الطيب محمد بن إسحاق بن يحيى الوَشَّاء، كان نحويًّا، واخذ النحو عن مشاهير النحويين أمثال ثعلب والمبرّد، وألف كتبًا كثيرة في النحو واللغة والأدب. حاول في هذا الكتاب أن يضع قوانين للظرف والظرفاء، وأن يبين عادات ظرفهم في نواحي حياتهم، يتحدث عن المروءة ، ورأي العلماء والأدباء في الظرف، وعادة الظرفاء في اللباس..في الطعام..في العشق..في الصداقة..في النثر والشعر...، في هذا الكتاب الصغير ثروة كبيرة من الذوق.