في مدينة من كبريات مدن ولاية تينيسي الأمريكية يحب عمر المغربي الأصل سيدة سورية ثم يتزوجها و ينجبان ابنة تدعى ألما. تغادر الزوجة الولايات المتحدة مع ابنتها عائدة الى وطنها الأم سوريا بعد أن ملت الغربة و تتزوج رجلا ثانيا هناك. تغير الوضع في سوريا و ووقوع الحرب الاهلية أدى الى هروب الكثير من الاهالي و لجوئهم اولا الى تركيا. اضطرت زوجة عمر و ابنته و زوجها الثاني يوسف و ابنه الى القدوم نحو المدينة الامريكية نوكسفيل. يجد عمر نفسه في مواجهة مباشرة مع ماضيه، و مع يوسف و تتوطد علاقته به. كانت علاقتي بيوسف تزداد متانة حتى اننا صرنا لا نفترق تقريبا..كانت قواسمنا المشتركة كثيرة لكن شيئا واحدا ظل ينخر قلبي و يدمي حوافي:كيف نكون صديقين متحابين و تكون زوجتي التي لم أعرف غيرها في حياتي زوجته و أذوى امام طيفها الذي لم يعد من حقي، و أخفي كل ذلك عنه؟
دعوني ألخّص الصفحات الثلاثمائة التي قرأتها : مغربي في أمريكا متزوج من سوريّة، طلّقها حين كانت حاملا بابنتهما، فعادت إلى سورية وتزوجت من سوريّ. بعدما كبرت ابنتهما ودرست في الجامعة قرب أبيها، لحقت بهم عائلة الأمّ هربا من الحرب. وعلى البطل أن يواجه المرأة التي لا يزال يحبها وقد أصبح صديقا لزوجها. تبدأ أحداث "الرواية" تقريبا مع قدوم العائلة من سورية، وتصاحب البطل في صراعه النفسيّ بين واجب الصداقة ونداء الحب. المشكلة البسيطة أنّه لا أحداث هناك تقريبا. حياة يومية بسيطة يصفها الراوي عَرَضا يتخلّلها إغراقه في مشاعره المراهقة، هل هي أزمة منتصف العمر؟ يبدو ذلك، فالرجل لا يملك أكثر من حكمة فتاة حالمة في العشرينات أو الثلاثينات تقريبا. وبعيدا عن الأحداث التي لا وجود لها تقريبا، تحاول الكاتب أن تقدّم لنا صورة عن حياة الجالية المسلمة في أمريكا، ما دفع الناقد مقدّم الرواية إلى مقارنتها برواية ربيع جابر أمريكا، ورواية إنعام كجه جي الحفيدة الأمريكية ورواية صنع الله إبراهيم أمريكانلي، وهي مقارنة أجدها ظالمة بعض الشيء، خصوصا وهو يتحدث وهو يتحدث عن الإضافة المفترضة لسفر القلب. ففضاء السرد لا يكاد يكون أمريكيا لولا إصرار الكاتبة الغريب على استعمال الانكليزية في المقاطع الحوارية، ذلك أنّ القارئ ـ العربيّ ـ لا يُفترض منه ضرورة أن يجيدَ الانكليزيّة، وحتّى الترجمة التي توفّرها لها، فهي في الكثير من الأحيان غير دقيقة، وأحيانا أخرى تختفي. لقد كانت محاولة لابأس بها لإضفاء بعض الحياة والواقعية على الحوار، لكنّها محاولة فيها شيء من الإفراط لم أستسغه. وبعيدا عن هذه المحاولة، فلا يكاد شيءٌ يوحي بأننا في أمريكا : حياةُ المغربيّ شرقيّة، إسلامية، متقوقعة على نفسها، منعزلة عن الحياة الأمريكيّة تقريبا. أقول تقريبا لأنّ الكاتبة حاولت إدماج بعض العناصر على كلّ حال : فالشرطة الأمريكية تصادر الكتب أحيانا، والمطار يصادر التربة، وأرثر الأمريكيّ يصبح مسلما، وجاكلين السكّيرة تتزوّج في النهاية من رفيقها، والهيبيز يدخلون في دين الله. إن الأمريكيّ هنا بسيط ونادر، وغالبا ما يتحوّل إلى شرقيّ. إنّ الرواية يمكن أن تحدث في أي مكان في الأرض فيه بعض الأعراق المختلفة، فلا شيء حقيقيّ يميّز الفضاء سوى الأسماء. تكساس، نوكسفيل، ميسيسيبي... كيف يتغيّر الناس بين تكساس ونوكسفيل؟ ما الفرق بين الأمريكيّ في بروكلين والأمريكيّ في تينيسي؟ كيف يتفاعلون مع الأحداث؟ لا نعرف كثيرا، بل لا نعرف شيئا عن وقع الأحداث السياسية والاجتماعية في أمريكا سوى تلك الضربات الارهابية بما أنها تخصّ المسلمين، واكتفت الكاتبة بالإشارة إلى تأثيرها دون أن تغوص في الأمر. الحقيقة أن الكتاب أغرق في الاهتمام بمشاعر الراوي، وحساب دقات قلبه إلى حدّ يضع الرواية في نفس خانة روايات عبير، مع نفس إسلاميّ لابأس به. هل أصنّف الرواية بذلك ضمن أدب الرومانسية الإسلامية الذي تطرّقت إليه سابقا؟ ربّما، لستُ واثقا من الأمر، فهناك مقوّمات الرومانسية الإسلامية هنا، عذاب القلب، قصة الحبّ المستحيلة، الواجب، البطلُ المثاليُّ تقريبا، لكنّ ما يميّز "سفر القلب" على بقية ما قرأتُ من هذا الصنف، أنّ الرواية لا تعطي دروسا من أي نوع، ولا تعطي نموذجا ولا رسائل أو مغازٍ. فالبطلُ وإن كان رومانسيا مثاليّا، له لحظات ضعفه وحياته لا ترسمُ نفسها كنموذج يُحتذى به، كما يبدي البطلُ تقبلا جميلا للرؤى الإديولوجية الأخرى، فلا ينتقدها ولا يشيطنها، عكس الرومانسيات الإسلامية التي تدخل في الغالب صراعا إديولوجيّا سخيفا. والحقيقةُ، أنّ تأثير العالم الصوفيّ على الكاتبة له الفضل الأكبر في حماية الرواية من الأدلجة، ما يجعلها من ندرة الروايات ذات الطابع المتديّن ولكن غير المؤدلج. التأثير الثاني على الرواية، هو الأدب الأمريكيُّ المعاصر، يظهر ذلك أيضا في اقتحامها "المتكلّف" لروايتها نفسها، إذ تحضرُ كشخصيّة داخل روايتها، وتحضرُ معها الرواية نفسها، داعية البطل أن يكتب نفسه في روايتها، متسائلة "هل علينا أن تعيش الرواية التي نكتبها؟"، صانعة بذلك نوعا من الحلقة المفرغة بين الواقع والخيال. وهي تقنية جميلة لولا أنّها بدت خالية من معنى بذات العمق...
عموما فالرواية بدأت مقبولة، جيّدة، رغم إفراطها في الشاعرية والتأمل في اللاشيء، لكنّها بمرور الصفحات لم تنقذ نفسها ببعض الدراما، ولا ببعض التأمّل الفكريّ الناضج والعميق. إنّ أسلوبها جيّد عموما، ولكن حين تذكر أنّها حازت على جائزة لجنة التحكيم لأفضل رواية تونسية لهذا العام، فإني أتساءل عن مستوى الروايات المنافسة الأخرى.
ما ورد في رواية سفر القلب من حديث عن اجواء الحياة في امركا لا يمكن التفطن اليه ما لم يكن القارئ على اطلاع بالفكر الامريكي او انه جرب الحياة هناك .فعمر و هو ينطلق في اقامة مشروعه هناك اي بيع الكتب المستعملة و توسعته و سفره و بحثه عن التجديد و افلاس محلات اخرى و دمج المحلات و تعامل الامريكان مع كل ذلك و تفاصيل اخرى لا يمكن ان نجدها في بلدان اخرى فهي تنضوى على ما يميز الحياة هناك من المغامرة الحرة و الحركة المستمرة هذا اضافة الى تفاصيل كثيرة اخرى تجعلك تعيش و كانك في امركا لكن مع فئة محددة وهي الجالية المسلمة هناك .مع انه يجدر الاشارة الى ان الرواية ليست مطالبة بنقل كشف حياتي ما لناخذ رواية القندس مثلا و التي رشحت الى نيل جائزة البوكر و تدور احداثها في امركا ،لا شيء فيها اطلاقا عن الحياة هناك سوى ما يخص البطل الذي كانت حركته محدودة لكن اعماقه شاسعة ، و ان استطعنا تصنيف رواية سفر القلب ضمن تيار الوعي فنكون قد اسأنا اليها كثيرا بطلبنا احداثا كبرى .فاليومي و العادي و التفاصيل الصغيرة قد اثثت عوالم الرواية و هي اشد دقة من ذكر احداث كبرى .رغم ان في الرواية ذروة ملحمية تشد القارئ لندرتها و هو ما حصل في تركيا حين كان البطل يبحث عن قبر ام يوسف و التي اعتقد انها ذروة الاحداث لانها حركت كل الهم العربي و لفظت ما في الذاكرة .استغرب كيف لا يتفطن قارئ عميق الى كل ما تعرضت اليه الرواية من مساءلات فلسفية عميقة لمواضيع كثرة كالقدر و السعادة و الحب و السلام اضافة الى امور اخرى حارقة جدا كالهجرة و الاختلاف العرقي و التطرف و تناولت كل ذلك بشعرية و شاعرية يصعب
لو لا الخواطر لسقطت الرواية في فخ الفراغات، في مواقع كثيرة كان على الكاتبة ان تسهب لكنها فضلت الوصف العام والمرور مع غياب اي اجتهاد فني... نجاح الرواية لا يأتي من كثرة الصفحات ولا التجريب في الكتابة ولا ذكر الاطار المكاني بالانقليزية او او اسماء الشخصيات.. مع احترامي الرواية كانت بسيطة جدا اتساءل كيف فازت بجائزة في الكومار
This entire review has been hidden because of spoilers.