ولد ديك الجن بمدينة حمص على نهر العاصي في سوريا، وفي واحد من أحيائها القديمة (باب الدُريب)، واسمه عبد السلام بن رغبان لقب بديك الجن وعاش في هذه مدينتة حمص حياته الحافلة التي امتدت قرابة خمسة وسبعين عاماً.
هذا الديوان وصاحباه - نظرًا لبلوغ التقصّي فيه مبلغ التمام، وصلوا بي إلى مكان اللاعودة؛ فرغم مطالعتي لديك الجن سابقًا، ومراودتي لكتاب عن شعره قبل أيام، إلا أن هذا العمل نسخ كل ما قرأت سابقًا عن ديك الجن وأثبت نفسه مرجعًا جميلا.
وحقيقة لا أعلم، أهي حساسيّة مفرطة فيّ، أم ما هي؟ لكني أجدني آيسَ الوعي قبالة ديك الجنّ / عبد السلام بن رغبان الحمصي ...
ديك الجن الشاعر الذي جمع التناقضات، حياة شاعر حافلة بالأحداث رغم أنه لم يبرح العاصي في مدينته حمص مسقط رأسه معظم أيامه، عبدالسلام بن رغبان الحمصي أو ديك الجن اللقب الغريب والمميز الذي حمله واشتهر به وصار ألصق به من اسمه، اللقب الذي تختلف الروايات في سببه فيقال أنه اسم دويبة تسقط في الخمر (كناية عن ولع الشاعر بالخمر وطول تعاقره لها)، وقيل أنه بسبب قصيدة له يذكر فيها وليمة ديك مشوي، وقال البعض: أنه بسبب طول سهره بين الندماء في مجالس اللهو.
تتنوع مواضيع قصائده وأبياته ولكن قصب السبق فيها تحوزها المتعة واللذة، لذة الخمر والنساء والغلمان في بعض الأحيان، غير أنه رغم استهتاره ومجونه يحمل التزاماً تجاه تشيعه لآل البيت (والذي يذكر مقدم الديوان وشارحه أنه كان تحزباً سياسياً أكثر منه تديناً مذهبياً) فتراه يصاحب الأشراف ويلازمهم ويحضر مجالسهم ويدبج القصائد في علي وأولاده ويرثي موتاهم وقتلاهم وبالطبع لأبي عبدالله الإمام الحسين بن علي نصيب كبير من قصائد الرثاء.
ديك الجن شاعر الحب والغيرة الذي تجاوز الحد فيهما حتى قتل محبوبته وزوجته ورد بسبب وشاية خبيثة من ابن عمه أبي الخبيث كما يسميه (كنيته أبو الطيب)، فيندم بعد ذلك ندما شديداً ويرثيها بقصيدة توجع القلب وتدمي العين:
يا طَلْعَةً طَلَعَ الحِمَامُ عَلَيها وجَنَى لَها ثَمَرَ الرَّدَى بِيَدَيْها رَوّيْتُ مِنْ دَمِها الثّرى ولَطَالَما رَوَّى الهَوَى شَفَتَيَّ مِنْ شَفَتيْها قَدْ باتَ سَيْفي في مَجَالِ وِشَاحِها ومَدَامِعِي تَجْرِي على خَدَّيْها فَوَحَقِّ نَعْلَيْها وما وَطِىءَ الحَصَى شَيءٌ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَعْلَيْها ما كانَ قَتْليِها لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَبكي إذا سَقَطَ الذُّبَابُ عَلَيْها لكنْ ضَنَنْتُ على العيونِ بِحُسْنِها وأَنِفْتُ مِنْ نَظَرِ الحَسُود إِليها
يزوره في لقاءات خاطفة بعض من شعراء عصره البارزين، فنرى أبو نواس يمر بداره ودعبل يزوره وأبو تمام يتتلمذ على يديه فيبذ أهل زمانه شعراً.
الديوان ممتع ومؤثر وخفيف فيه اللهو وفيه الحكمة فيه الفرح والحزن والحب والغيرة والفخر والندم، قراءته كانت خيارا موفقاً.
ديك الجنّ الذي يقال إن سبب هذا اللقب قوله لقصيدة رثى فيها ديكاً، ديوانه عبارة عن مُقطّعات إلا قصائد معدودة، شعره قليل لكنه جيد، بين الخمرة والتشيّع والغزل والرثاء، يقول: مقتي لمنزليَ الذي استحدثتهُ أما الذي ولّى ليس بمنزلي