What do you think?
Rate this book
258 pages, Kindle Edition
Published March 24, 2015
"مهنة البسطاء وقادة الأرض والعظماء، وهل هناك أعظم من نبي. ومع ذلك (ما من نبي إلا وقد رعى الغنم) ربما لأن صورة القطيع من الماشية تشبه سير سواد الشعوب في العالم، وهم يبحثون عن لقمة العيش، ومهمة الراعي تتطلب البحث عن أوفر المراعي عشباً وكلأً، وإن شق عليه ذلك، وليست وظيفته أن يبحث عن راحته ورفاهيته. كما تتطلب تلك المهنة حماية القطيع من أعدائه ومفترسيه، إن الرعي بقدر ما يولد من القسوة والخشونة في حياة الراعي .. يهب له قلباً عطوفاً على رعيته، والأنبياء قادة تتوفر فيهم هذه الصفات، فربما كان لهذه المهنة تأثيرها في ذلك .. ربما."
"قام محمد -صلى الله عليه وسلم- بتنفيذ الأمر سراً في البداية، فالأمر جد خطير، لأن للأصنام جيوش من الغضب مستعدة لنحر من يقترب منها، بل وتقديمه قرباناً لها، وقد تناسبت في عقول القوم، حتى أصبح الفرد يصنع صنماً يتبلغ به في سفره، ولو اضطر إلى صنعه من تمرات هي زاده الوحيد. فإذا عاث الجوع ببطنه، قام يدس هذا الإله الرخيص في جوفه، لكي يطارد ذلك الجوع المحرق."
"أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبقية أصحابه فمكثوا في مكة يمشون على الأشواك، ويحثى عليهم التراب، ويبصق في وجوههم. لكنهم لا يتراجعون .. يدعون ويدعون، ويكثر أتباعهم كل يوم، فتضطرب قريش من هذا الدين الذي يشتد عوده كلما اضطهد وعذب أتباعه، كأنهم يقتاتون الشقاء والمعاناة .. يحتسون المرارة، فيزدادون صفاءً وتألقاً، كأن الشدائد تزيدهم صفاءً ونقاءً يوماً فيوماً."
"لقد نثروا بين يديه خيارات مغريه: الزعامة، والمال، والسيادة عليهم وهم سادة العرب، لكنه -صلى الله عليه وسلم- رفض ذلك كله.. كان بإمكانه أن يتزعمهم، ثم ينقلب عليهم إذا اشتد عوده وكثر أتباعه .. كان بإمكانه أن يعقد هدنة معهم، ثم يأخذ من المال ما يتيح له أن يعد جيشاً من المرتزقة يكتسحهم به، لكنه الأمين، والأمين لا يخون، والأمين يقول: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)، ولن يخون -صلى الله عليه وسلم- مسلماً ولا كافراً ولا مشركاً مهما كانت الأسباب، فالأمر عقيدة، والقيادة عقيدة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فإما أن تكون لله، أو تكون للشيطان، ولن يشاطر الشيطان قيادةً ولا نهجاً."
يقول عبدالله بن مسعود: كنا يوم بدرٍ كل ثلاثةٍ على بعير، كان أبو لبابة وعليّ زميلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكانت إذا حانت عقبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقولان له: نحن نمشي عنك. فقال: ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما.
قال حذيفة بن اليمان:
ما منعني أن أشهد بدراً، إلا أنني خرجت أنا وأبي (حسيل) فأخذنا كفار قريش، فقالوا: أنكم تريدون محمداً. فقلنا: ما نريد إلا المدينة.
فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرف إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه الخبر، فقال: انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم.
يقول جرير بن عبدالله البجلي: ما حجبني النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي. هذا هو سلوك النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الصحابة، فليبحث المتجهمون عن قدوة غيره ليبرروا تجهمهم وضيقهم بالناس وأنفسهم.
يقول أنس رضي الله عنه "ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم"
قال جابر عن وفد ثقيف أنها: اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها، ولا جهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا.
وأيضاً قد قدم إلى المدينة رجل يريد الإسلام، ولكن بشرط أغرب من شرط ثقيف: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم على أن يصلي صلاتين. فقبل منه"
عند وفاة عثمان بن مضغون، قال صلى الله عليه وسلم: وما أدري والله وأنا رسول الله ما يفعل بي.
...ولحقنا بالوفد الذي كان بينهم رجل مصاب بمرض معد.
فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقدم لأمته وللدنيا درساً في الوقاية من الأمراض المعدية.
يقول أحد الصحابة رضي الله عنه: "كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- إنا قد بايعناك فارجع" فرجع.
حدث ذلك في الذي يقول فيه عليه السلام: "لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد" ففي هذا التطبيق العملي إسقاط لخرافة العقيدة الجاهلية..حول العدوى والتشاؤم والبومة وشهر صفر، وأن هذه الأشياء موجودة حقيقة، لكنها لا تقدم ولا تؤخر، ولا تضر ولا تنفع ولا تؤثر بنفسها، وأن الأمر بيد الله وحده..أما عن انتقال المرض فقد خلق الله له أسباباً وطرقاً..حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على قطعها والسلامة منها، فالجذام قد ينتقل عن طريق اللمس أو استخدام أدوات المريض، ولذلك أمر -صلى الله عليه وسلم- بالفرار من المجذوم، وأما الطاعون وهو مرض معد وفتاك، فقد شدد -صلى الله عليه وسلم- في أمره، أوجب أن يكون هناك حجر صحي على المريض والمرض معاً، حتى في حالة عدم وجود دولة أو نظام أو أطباء فقال: "إن هذا الطاعون رجز سلط على من كان قبلكم، أو على بني إسرائيل، فإذا كان بأرض فلا تخرجوا منها فراراً منه، وإذا كان بأرض فلا تدخلوها"