What do you think?
Rate this book
464 pages, Paperback
First published January 1, 2003
يؤكد مبحث التاريخ العالمي أن الحضارة الإنسانية واحدة،
وأنها انتقلت من هذا المركز إلى ذاك مع حدوث إضافات وتحولات مع كل عملية انتقال، ومع تقارب البشر حول نموذج واحد للدولة والمجتمع، وفي الوقت عينه حدوث افتراق في الحالة الإنسانية بناء على مدى الاندماج في آخر مرحلة للتطور الحضاري أو القطيعة معها.
إن ما يدفع التاريخ قدما هو تطلع الإنسان إلى أن يغير حالته؛ حتى تتطابق مع آماله. على أن ما يتطلع إليه البشر- في العالمين المادي والروحي- الطرق التي يسعون من خلالها وراء تطلعاتهم، تعتمد جميعها على المعلومات والأفكار والنماذج اتي تتوافر لهم. وعلى ذلك فإن الشبكات قد أسهمت في نقل وتنسيق التطلع والفعل الإنساني، ولا تزال تفعل ذلك إلى يومنا.
بدأت حضارات أمريكا الشمالية والجنوبية وبلاد ما بين النهرين والصين جميعها عندما شرعت نخب محلية، تمتعت بوصول خاص إلى عالم ما وراء الطبيعة، في تنظيم عمل زراعي وحرفي واسع النطاق لتجنب السخط الإلهي. ولاحقا، أخذت قيادات معسكرة بوضوح تتمم الإدارة الكهنوتية، وأخضعتها في النهاية، ثم مد هؤلاء الزعماء سيادة امبراطورية -مضطربة غالبا- إلى أقاليم أوسع وأوسع.
تبين هذه التشابهات الواسعة أن التاريخ الإنساني تطور عبر مسارات متماثلة حتى في حال غياب الاتصال المباشر... شبكات التفاعل الكثيفة التي نمت في مواقع مواتية أنتجب الضغوط نفسها لتنظيم المجتمعات الزراعية والدفاع عنها، وأن نتائج ذلك جاءت متماثل،
كانت كل هذه التقنيات شبكات، ما يعني أنها كانت بطيئة الانطلاق، لكن بمجرد وصولها عتبة بعينها، فإنها كانت تنتشر بسرعة كبيرة. فلم يكن من المعقول أن يكون لدى المرء هاتف قبل أن ينتشر الهاتف بين الكثير من الأفراد الآخرين. لكن بعد أن حدث ذلك، صار من غير المعقول عدم امتلاك هاتف. وبالمثل، كان من غير المعقول امتلاك سيارة قبل أن تكون هناك محطات بنزين وطرق ممهدة، لكن بمجرد أن توافرت الأخيرة حتى أثبتت امتلاك سيارة أنه إغراء لا يقاوم كلم من يتحملون ثمنها, ولذلك فإن هذه التقنية لم تكد تترسخ حتى غيرت الحياة اليومية سريعا وزادت كثافة وسرعية النقل ضمن المشبكة العالمية