«امتهن الكاتب الخط العربي زمنًا، وامتهن أبوه الخياطة. وتجده يورد قول أحدهم: «الخطاطون والخياطون يأكلون من أعماق عيونهم»، ثم تجده يورد أحاديث متفرقة عن الخط والخطاطين، وعن الخياطة والخياطين، في أرجاء الكتاب. المؤلف يتحدث عما دبَّ من أحداث الزمن فوق جلده، فاقشعر لها جلده.
كُتبت فصول هذا الكتاب قبل ثلاثين سنة في لندن، ثم نُقحت وأضيفت إليها فصول جديدة في فلسطين وإستانبول. في الكتاب سياحة في اللغة والأدب؛ فيه عبث شاب في أواسط الثلاثين، وفيه مرارة لا بد أن تتسلل إلى قلب شيخ يرى السبعين تزمجر أمام عينيه.
«حبر عتيق» يضم قصص الشعراء والكتَّاب قديمًا وحديثًا، عربًا وغير عرب. هو كتاب من كتب النوادر، غير أن المؤلف حاضر في كل نادرة، يقول رأيه ويتحدث عما يشعر به. يتبرم المؤلف من لندن ويداعبها، وهو فيها أجنبي يعيش على الهامش. ويتبرم بإستانبول ويتحدث عن عربها وعما يلاقونه، ويذرف دمعة باردة على فلسطين، ودمعة الشيخ باردة.
أصدق الشعر الهجاء، وأصدق الشعراء الهجاؤون، وقد فتح الكتاب صدره لهم ولشعرهم».
هو كاتب فلسطيني عمل في مهنتي التعليم والإعلام. ومعظم كتبه قريبة من هذين المجالين، عمل في القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية عشر سنوات، كان في الأربع الأخيرة منها مديراً للبرامج. ثم انتقل إلى العمل عام 1998 مديراً للتدريب الإذاعي في معهد الإعلام بجامعة بيرزيت ثم مديراً للمعهد، على مدى سبع سنوات. وعمل في قناة الجزيرة منذ مطلع عام 2006، فكان مديراً للبرامج ست سنوات، ثم مديراً للمعايير التحريرية بقطاع ضبط الجودة حتى عام 2017. وقد قضى في الشباب الباكر ثلاث سنوات في التعليم المدرسي، وعمل رئيساً للتحرير في صحيفة الحياة الجديدة الصحيفة الرسمية للسلطة الفلسطينية ستة أشهر في عام 2012، قبل العودة إلى شبكة الجزيرة.
عرفتُ الأستاذ "عارف حجّاوي" حديثًا، من تسجيل مصوّرٍ يشرح فيه "الكتابة السليمة". ثمّ تبيّن لي أنّي أعرفه من قبل، فصوته المميّز مألوفٌ لي وأظنّه كذلك لغالب من شاهد البرامج التلفازية الجادّة . لكن تبيّن لي أني لم أعرفه بعد! حين علمت أنّ له برامج إذاعيةٍ كثيرة –تجدونه� على اليوتيوب-و أنّ له كتبًا أيضًا! وسعدتُ بأن صدر له كتابٌ جديدٌ منذ أسابيع معدودة؛ هو هذا الكتاب. كتابٌ رائع ممتع. تمتزجُ فيه المتعة بالفائدة، والأولى غاية الكاتب وغاية الأدب برأيه. يُطربك أسلوبه وجميل الشعر الذي يختاره، تعجبك قصصه وفرائد معلوماته، ولا تعدم الابتسام والضحك-أحيانًا- على طرائف ينثرها، وظُرْفٍ يسري في أسلوب الكاتب وتقديماته وتعليقاته. هي مقالات "عتيقة" كتبها الكاتب لمجلّة "هنا لندن" في أوائل التسعينات من القرن الماضي. جمعها وأعاد نشرها في هذا الكتاب. جاءت على شكل "خواطر " تتداعى بسلاسةٍ، وتتّسق بانسجام -على تنوّعها- في مقالٍ واحدٍ كلّ شهر. لن أواصل مديحه هنا، لكنّي أنصح به كلّ متذّوقٍ للغة، وعاشقٍ للأدب، وكلّ ناظرٍ إلى قراءة خفيفةٍ لطيفةٍ، أو باحثٍ عن كتابٍ مسلٍّ ظريفٍ لأوقات الضجر.
في العنوان الجانبي للكتاب (كشكول أدب ولغة وعبث) وهذا توصيف دقيق لهذا الكتاب الخفيف اللطيف الذي تعودناه من الكاتب في كتبه الأخرى. معظم المقالات قديم (قبل ثلاثين عام) ورغم ذلك لم يكن للتاريخ تأثير لأن المواضيع تاريخية وأدبية واجتماعية وصالحة لكل وقت، وأسلوب الكاتب محبب وغير متكلف، فهو يكتب وكأنه يتحدث بحديث مرسل دون هدف ودون تدقيق، وهذا مايقصد بالكشكول والعبث. استمتعت بقراءة الكتاب على فترات، حيث ألتقطه كلما مللت من القراءة الجادة أو فترات القراءة المتقطعة قبل النوم.
المؤلف ممتع وظريف، ضليع في اللغة العربية دون تقعر، مثقف دون استعراض منفر. الكتاب متنوع، قد تغلب عليه اللفتات اللغوية، لكنه أوسع من ذلك، فأنت تجد شذرات شتى فيه.
قد يستحضر القارئ مرارا روح كتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" للأبشيهي، ولا غرابة! فقد ذكره الكاتب أكثر من مرة مصداقا لهذا الاستحضار، ولن يكون مفاجئا أنه نقل منه موادا عديدة.
العارف حجاوي تجاوز الدعاية و الإعلان فهو اليوم معروف لكل محب للمعرفة وللغة العربية وعلومها . جميلة هذه المقالات وأجمل مافيها أنني أشارك الرجل كثيراً من طباعه وأفكاره وألتقط نكتته وأفهمها