يمنحنا نذير الزعبي في هذه الرواية إحدى أجمل الشخصيّات الروائيّة السوريّة في هذين العقدين: عبيل الذي لا يشبهه أحد، العملاق الذي يضع قدماً في وحل حياتنا وقدماً في عالمه الحلميّ الشفيف، فيما رأسه هناك في الأعالي، حيث نبدو كلّنا هنا في الأسفل، كلّنا بلا استثناء، كائنات صغيرة متماثلة رتيبة مملة كالذباب. نقرأ الرواية، ونعيد قراءتها، فلا نعلم تماماً ما إذا كان نذير الزعبي هو مَنْ كتب عبيل وروايته، أم أنّ عبيل هو الكاتب الفعليّ. لا نعني هنا الكليشيه المقيت بشأن الشخوص التي تتملّص من يد كاتبها، بل الشخصيّة التي تتطوّر بتطوّر حكايتها وتعيد خلق ذاتها وروايتها وكاتبها. لا يمكن أن تكتب عملاقاً فريداً برواية تقليديّة، وبذا كانت النتيجة رواية تروي حكايتين متوازيتين بأسلوبين مختلفين، تتخلّلهما رسائل كالأحلام يكتبها عبيل لـ «ملاكه الطينيّ». تلك الرسائل هي ابنة شذرات الزعبي الشعريّة القديمة، وقد أمست الآن لوحات قصصيّة جميلة تسند فصول الرواية، وتصونها من التشظّي والانفراط. تمتدّ الرواية بحكايتيها على مساحة خمس سنوات تقريباً، تولد فيها حكايا متوازية ومتقاطعة، تُرسَم فيها لوحات تنجب لوحات، تبدأ فيها مسيرة هشام الأسعد الصحافيّة وتنتهي، يواصل فيها الناس المهمّشون حياتهم الرتيبة في واقعٍ خانقٍ لا مفرّ منه إلا بالبوح وكؤوس الشاي، يبقى الفقير فقيراً والغنيّ غنياً، تبقى الشوارع السوريّة على إيقاعها الرتيب الذي تقطعه أحياناً سيّارات البيجو البيضاء الأمنيّة التي ستتحوّل إلى مرسيدس بعد عقد من انتهاء الرواية، يسعى من كانوا بسطاء ومساكين إلى التأقلم والتعايش في دنيا الوحوش التي يحاولون عبثاً اقتحامها من دون أن يتلوّثوا، تبزغ قصص الحب وتتلاشى، تكبر العائلة ويتفرّق أفرادها، يحدث كلّ هذا من خلال عدسة نذير الزعبي البارعة بإيقاعٍ بطيء يكسر القلب، ولا ينتأ من هذه اللوحة إلا عبيل. يتماهى عبيل مع تفرّده ويحلم فنحلم معه، مثل شخصية بُتُمْ في مسرحيّة «حلم ليلة منتصف صيف». ولعلّه الشخص الوحيد الذي ولد، وبكى، وضحك، وعمل، وقرأ، وكتب، وبقي هو ذاته، حين ترك أحلامه تقود حياته، وبقي متمسّكاً بالحلم حتى بعدما انمسخ الحلم إلى حقيقة. فالأحلام كالأشجار لا تموت، بل تترك بذوراً لها في الرياح والمياه والهواء كي تشبّ شجرةً من جديد. تنتهي رواية «عبيل» ولا ندرك ما إذا كنّا نحن كما ندّعي ويدّعي واقعنا الخانق، أم نحن تفاصيل في أحلام عبيل، يرانا ويتأمّلنا ويُبقينا إن أعجبناه ويغيّرنا كيفما شاء. يفتح عبيل أعيننا على عالم شاسع لن ندركه إلا إذا أسلمنا أنفسنا له ونفضنا عنّا «واقعيّتنا».
حسنًا، إن أي تفصيل قد يذكر في مراجعة لهذه الرواية سيحرق شيئًا منها، لذا سأكتفي بالتعريج إلى بعض ما شدني في صياغة هذه الرواية: الزمن: رغم أنني متعود على تداخل الزمن في الروايات إلا أنني تهت في بداية هذه الروية ثم ما لبث الكاتب أن أعادني إلى سكة الزمن الصواب. هذه الكتابة قد تلقى بعض الانتقادات، إلا أنها ممتعة بطريقة تجعلك تبتس، لأن الكاتب استطاع أن يتلاعب بك. بالنسبة لي: اعتبرتها دعابة محترفة من كاتب يعرف ما يفعل، وتقبلتها بحرص من لن يقع بذات الخطأ مرتين، إلا أنه فاجأني وفعلها مجددًا. فشتمته.
هذه رواية فيها الكثير من المشاعر، مشاعر تعنيني بشكل شخصي وتعني كل من لقي في حياته صرفًا من صروف التنمر. إنه التنمر الذي يحدوك للكزّ على أسنانك، ويدفعك للتدخل، ولكنك مجرد قارئ ليس بمقدوره سوى أن يموت قهرًا فوق شخوص وأحداث لو شهدها لخرّب أحداث الروية وأوقف انسيابها.
أقول: هذه الرواية مليئة بالمفاجآت، ولكن المفاجأة الأخيرة عبثت بي.. وأحزنتني.
عبيل من الروايات التي تبقى معنا و تحتفظ بها ذاكرتنا بعد أن ننتهي من قراءتها. ليس بالضرورة ان نكون عمالقة لنفهم عبيل، هنا دور نذير الزعبي. الحديث عن عبيل يقودني للحديث عن نذير حكماً، ولكن يمكنني الحديث عن عبيل وحده كشخصية مستقلة من لحم و دم. بعد ان انتهيت من قراءة الرواية رحت ابحث عن عبيل في الشوارع علّني أجده. شكراً نذير.
مع أول الصفحات ، لم أكن أتوقع بأن هذا الكتاب يحوي كل هذة القوة الفنية والدراما الجميلة. رواية أقل ما يقال عنها رائعة ، تستحق العلامة الكاملة بامتياز، لجمال فكرتها.
التفاصيل التي وضعها الكاتب عن الشخصية الرئيسية في صفحات هذا الجمال الروائي ، يجعلك تعتقد أن شخصية الرواية عاشها الكاتب بنفسه ، ويجعلك تعيشها مرة أخرى.
مع أن الرواية تتكلم عن عبيل ، إلا أنها تتخطى هذه الشخصية في فكرتها ، وتتكلم بشكل عام عن النفوس البشرية ، كيف لها أن تنفي من تراه لا يتناسب معها من البشر في هيئتهم أو خلقهم أو فكرهم أو شخصيتاهم .
في بداية فصول الرواية ،أسلوب الخط الزمني وتبدل الفصول بين شخصيتي عبيل والكاتب كان مربك ، ثم أصبح مع التوغل والاندماج بين الصفحات ، راقي جدا.
اللهجة السورية في بعض الحوارات ، أضافت نكهة مميزة ومتعة أخرى في القراءة.
قراءتي الأولى لنذير الزعبي ، وبإذن الله ستكون هناك قراءات أخرى.
📝 "هذه الدنيا ملعونة ، و الناس فيها إما أبالسة ملعونون مثلها و مثلي ، أو بوساء مسحوقون مثل أمي . لاتصدقي من يقول بأن هناك فئة أخرى غير هاتين . إن أي تصنيف يحمل تسمية مختلفة ماهو إلا تفريغ من الأصل ، صدقيني ."
الكاتب #نذير الزعبي يروي بلغته الشامية روايته #عبيل ، في خطين متوازين يروي حكاية الصحفي هشام و الشاب المعتر الذي أطلق على نفسة أسم " عبيل" .. تلك الكلمة التي تلفت نظرك لغراباتها على سمعك و نظرك و مع تصاعد أحداث الرواية تنجذب لشخصيتها و تعطف مع حكايته و تبحث بدورك معاهم عن معنى الكلمة في قاموس المعجم الوسيط عَبْلُ : الضَّخْمُ من كلِّ شيءٍ
من الروايات المؤثرة بحبكتها و شخوص أبطالها .
قيل أن القراءة تجعلنا أكثر أنسانية و من أكثر الأفعال التي تجعلنا نفهم شخوص البشر من حولنا .
اولى قراءاتي للكاتب نذير الزعبي ولن تكون الأخيرة. بدايًة أعجبني غلاف الرواية جدًا من تناسق الألوان للعنوان الغامض وحتى الإقتباس على ظهر الكتاب. حبكة الرواية من البداية للنهاية، الانتقال بين الشخصيات والربط بينهم كان رائعًا. أعجبني أيضا بعض التشابيه التي استعان فيها للوصف.
ما الخوف إلا لعنة الذاكرة.. فالذبابة التي لا تلبث أن تعود من جديد لملاقاة حتفها، بعد أن فرّت قبيل قليل حين هششت عليها بيدك، لم تتخذ قرار المواجهة بعد الهروب بفضل شجاعتها، إنما بسبب ذاكرتها شديدة القصر.