أحد إبداعات أديب العربية وأمير البيان الأستاذ مصطفى صادق الرافعي التي غابت عن القاريء الكريم لما يزيد عن قرن من الزمان، فقد كتبها -رحمه الله- في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي أي في شبابه الأول، ونشر آخر طبعاتها منتصف العقد الأول من القرن العشرين. .
وظلت هذه المسرحية -أو الرواية كما كانت تُسمَّى في ذلك الوقت- في طي النسيان حتى وصلت إليها يدُ الأديب وليد كساب الذي أحسن صنعًا إذ أعاد تقديم هذا العمل الإبداعي الرفيع إلى جمهور الأدب العربي، ليُفسح المجال أمام الدراسات العلمية الجادة التي لم تقف على هذا الجانب المطمور من جهود الرافعي المسرحية. .
مصطفى صادق الرافعي 1298 هـ - 1356 هـ ولد في بيت جده لأمه في قرية "بهتيم" بمحافظة القليوبية عاش حياته في طنطا وبذلك يكون الرافعي قد عاش سبعة وخمسين عاماً كانت كلها ألواناً متعددة من الكفاح المتواصل في الحياة والأدب والوطنية.
اسمه كما هو معروف لنا مصطفى صادق الرافعي وأصله من مدينة طرابلس في لبنان ومازالت اسرة الرافعي موجودة في طرابلس حتى الآن أما الفرع الذي جاء إلى مصر من أسرة الرافعي فأن الذي اسسه هو الشيخ محمد الطاهر الرافعي الذي وفد إلى مصر سنة 1827م ليكون قاضياً للمذهب الحنفي أي مذهب أبي حنيفة النعمان وقد جاء الشيخ بأمر من السلطان العثماني ليتولى قضاء المذهب الحنفي وكانت مصر حتى ذلك الحين ولاية عثمانية. ويقال أن نسب أسرة الرافعي يمتد إلى عمر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وقد جاء بعد الشيخ محمد طاهر الرافعي عدد كبير من اخوته وأبناء عمه وبلغ عدد أفراد أسرة الرافعى في مصر حين وفاة مصطفى صادق الرافعي سنة 1937 ما يزيد على ستمائة. وكان العمل الرئيسي لرجال أسرة الرافعى هو القضاء الشرعي حتى وصل الأمر إلى الحد الذي اجتمع فيه من آل الرافعي أربعون قاضياً في مختلف المحاكم الشرعية المصرية في وقت واحد وأوشكت وظائف القضاء والفتوى أن تكون مقصورة على آل الرافعي.
وكان والد الرافعي هو الشيخ عبد الرازق الرافعي الذي تولى منصب القضاء الشرعي في كثير من اقاليم مصر وكان آخر عمل له هو رئاسة محكمة طنطا الشرعية. أما والدة الرافعى فكانت سورية الأصل كأبيه وكان أبوها الشيخ الطوخي تاجراً تسير قوافله بالتجارة بين مصر والشام وأصله من حلب وكانت اقامته في بهتيم من قرى محافظة القليوبية.
دخل الرافعي المدرسة الابتدائية ونال شهادتها ثم أصيب بمرض يقال انه التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصاباً في أذنيه وظل المرض يزيد عليه عاماً بعد عام حتى وصل إلى الثلاثين من عمره وقد فقد سمعه بصورة نهائية. لم يحصل الرافعي في تعليمه النظامى على أكثر من الشهادة الابتدائية. توفي في يوم الاثنين العاشر من مايو لعام 1937 استيقظ فيلسوف القرآن لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن، فشعر بحرقة في معدته، تناول لها دواء، ثم عاد إلى مصلاه، ومضت ساعة، ثم نهض وسار، فلما كان بالبهو سقط على الأرض، ولما هب له أهل الدار، وجدوه قد فاضت روحه الطيبة إلى بارئها، وحمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا.
. . كتب مصطفى صادق الرافعي هذه المسرحية وهو لم يكمل السابعة عشر من عمره ، نُشرت عام 1903 تحت اسم مستعار " مصطفى سعيد الرافعي الطرابلسي " ويُقال أن الرافعي عانى في بداية حياته الأدبية من التجاهل ولم يحظى بالإهتمام من قبل أصحاب الإختصاص آنذاك وذلك بسبب انتماءه للجانب المحافظ من الأدباء . والعجيب أن كتابة الرواية أو المسرحيات والقصص كانت من الأمور المعيبة التي يجب على الأديب عدم الخوض فيها .
� أما بخصوص العمل الذي بين أيدينا الأن فهو عبارة عن مسرحية شعرية بلمحات أندلسية تحكى قصة صراعات ورغبات مدفونة تتحول مع الوقت إلى قوى شريرة تسعى لتدمير مالا تحصل عليه . تستعرض المسرحية قصة ملك أندلسي يذهب إبنه وولي عرشه في رحلة استكشاف الدول المجاورة وخلالها يتعرض الشاب للعديد من المخاطر التي تهدد حياته من جهة وتهديه "حب " حياته من جهة أخرى . وفي أثناء ذلك يسعى الوزير للتخلص من هذا الشاب فيبدأ برسم الخطط والمؤامرات محاولاً الإيقاع به وقتله . كنت دائما أقول أن من لم يقرأ للرافعي لم يُجرب بعد لذة القراءة ، هذا الأديب الرائع حتى في بكوريات أعماله لا يُقدم إلا الروائع .
ماذا بعد قراءة الكتاب ؟ أحيانا الرأي الواحد خاطئ وإن كان يرتدي عباءة الصواب :
كم يفتقر مسرحنا المعاصر إلى مثل هذا الرقي .. وكم يفتقر ممثلونا للغة سليمة فصيحى ليؤدوا بها أدواراً كهذه المكتوبة في هذه المسرحية .. وكم يفتقر الجمهور إلى الذوق الأدبي الأصيل الذي يرتقي بهم إلى مسرحية كهذه عن الاستمتاع بمسرحيات النكات والتفاهات
من أجمل ما قرأت هذه الفترة .. تخرجك إلى عالم مختلف عن أجواء هذه الأيام .. وتعيدك إلى مقامات الهمذاني وذلك الجيل الفصيح ظهرت فيها قدرات الرافعي الأدبية .. وإن كان فيها بعض التكرار والتكلف ، لكنه أعجبني وكفى ...................................
اقتباسات:
يا من كشفت بالفضل عن أيوب البلوى ، وأنزلت على موسى وقومه المن والسلوى ، ورددته يامولاي إلى أمه ، وجعلت أخاه هارون وزيره وخلفاً عن قومه ، وأزلت عن يعقوب ما عراه من عوارض الحزن ، وخلّصت له ولده يوسف من ضيق الشجن فنعم المشتكي إليه أنت يامولاي ، ونعم النصير في كشف بلواي .. آهٍ قلّ المعين والمساعد ، ويئست عن الأقارب والأباعد. يارب قد عز النصير وليس لي إلا جنابك يا أعز نصيرِ يارب لا يرجى سواك لشدة قد طال فيها أنّتي وزفيري يارب إن جار الزمان فكن أيا رباه من جور الزمان مجيري فلقد يئست من الأنام جميعهم وسواك لايرجى لحل عسيرِ ___ أواه من حادثات الدهر أواه فكم أذابت فؤاد الحر بلواه والدهر مازال بالأحرار من قدم حليف غدر تفاجيهم رزاياه يعلي اللئام ويوليهم مجاملة منه ويخفض من طابت سجاياه إن سر في مبدأ ساءت نهايته وإن أسر انتهاء ساء مبداه ياحكمة خفيت عنا مداركها وفي حقائقها أهل النهى تاهوا ___
إن لدي من الدلائل القاطعة،والحجج الساطعة. من آيات قرآنية ،وأحاديث نبوية ،وأمثال عربية. وأبيات شعرية،مايثبت تفضيل السفر وينيلني القصد والوطر. قال مالك يوم العرض.قل سيروا في الأرض،وجاء عن سيد البشر،لو يعلم الناس رحمة الله بالمسافر لأصبح الناس على ظهر سفر،وقال أصحاب التجاريب إن السفر مرآة الأعاجيب، وهو يسفر عن أخلاق الرجال، وبه يرتقي من حضيض النقص لأوج الكمال،ولولا أن الشرف في النقل.لم تبرح الشمس دارة الحمل. إن العلى حدثتني وهي صادقة فيما تحدث أن العز في النقل لو أن في شرف المأوى بلوغ منى لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل ولولا سرى البدر لم تكمل منه المحاسن،ولولا مكث الماء في الآناء لم يغد آسن،ومحبة الأوطان معجزة ظاهرة،و كم في السفر من حكم باهرة. حبك الأوطان عجز ظاهر فاغترب تلق من الأهل بدل فيمكث الماء يبقى آسناً وسرى البدر به البدر اكتمل وربما أسفر السفر عن الظفر، وتعذر في الوطن قضاء الوطر ولاشك أن بملازمة الديار،لايتسنى للمرء أن يقف على عجائب الآثار وغرائب الأخبار. إذا لزم الناس البيوت رأيتهم عماة عن الأخبار خرق المكاسب
المسرحية متذبذبة بين القوة و الضعف ، و لعل نقاط الضعف فيها تكمن بتكرار الكثير من عباراتها في أكثر من موضع و هو ما يشعر القارئ بعسر الإتيان بالسجع ، فضلا عن التكلف الناتج عن إصرار الكاتب على أن يسجع كل جملة � فأكثر بطريقة غير محمودة لاسيما و أن قريحته لا تسعفه بالإطالة و الإستمرار بالسجع حتى اخر الفصل ، فجعلت هذه الإطالة الحوارات غير جيدة أبداً و أصبحت فاقدة للمعنى بحيث أن الكاتب لم ينجح بتحريك عاطفتي مع
الشخصيات التي توشك على الهلاك فلم أتعلق بها و لم أُفِد منها ؛ فكان شعوري حتى انتهيت منها كأنني أقرأ مقالاً لا رواية كان من المفترض أن
أتعاطف مع شخوصها أو أن أُشد لإحداثها على غرار ما فعل بديع الزمان في مقاماته _ بإعتبارها تتبع نفس الفن البديعي _، بالإضافة لضعف أهم عناصر القصة و هي العقدة .
هذه المسرحية او الرواية سيئة لحدٍ ما و أعتقد أنَّ القارئ لن ينتفع منها
اذا كان يطلب الأُنسَ، مع هذا فإنَّ كاتبها في كل ما سبق معذور لأنها كانت من أعماله المبكرة و التي تعمد إخفائها بعدما صقل نفسهُ و بلغ في الأدب ما بلغ لكن الباحثين هم من دأبوا لإخراجها للقارئ العربي لا لجودتها بل لأنها تعد من بواكير الروايات العربية التي تأثرت بالمذاهب الغربية و هي بذلك خيار جيد للباحثين و الناقدين .
� كانت المقدمة لـ ’ولي� كَسَّاب� طويلة جداً لكنها مُفَصَّلة، ولو أن الحديث عن ”موعظ� الشباب� أخذ مساحة كبيرة.
� ورد في المقدمة ”م� لا يُدرك كله لا يُترك كله� والمقولة الصحيحة هي ”م� لا يُدرك كله لا يُترك جُلُّه�.
� في الواقع لم أستسغ هذا المُؤَلف، بغض النظر عن كونه رواية أو مسرحية، وأعتقد أن هذا النمط من الأدب العربي كان منتشراً في ذلك الوقت، أي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأحسست أني أمام مسرحية مدرسية يقوم بها مجموعة من الممثلين المبتدئين، حيث إختلط الحوار المسجوع بالأبيات الشعرية.