تناول هذا الكتاب موضوع دراسة الشعر العربي الحديث تناولاً شاملاً منذ النهضة حتى اليوم بوصفه شكلاً فنياً. إن تطور الشعر العربي الحديث كان تطوراً عضوياً ينبع من داخل الفن نفسه ويسير في خط لا تقرره التطوّرات الاجتماعية والثقافية وحدها، بل تقرره إلى حد بعيد أيضاً الحاجة الفنية التي يمليها الفن نفسه. ولهذا فإن دراسة تطور هذا الشعر هي أيضاً دراسة تاريخ تطور هذا الفن في سعيه الدؤوب نحو المعاصرة، وخصوصاً أن حركته الحثيثة نحو هذا الهدف كانت أمراً أملته غريزة فنية صائبة هدفت الوصول بالشعر العربي إلى المستوى العالمي. الكتاب مرجع شامل للحركات والاتجاهات التي عرفها الشعر العربي الحديث ولتطور النقد الذي عاصرها جميعها.
ولدت الشاعرة سلمى صبحي الخضراء الجيوسي في مدينة السلط بالاردن . تعلمت في المدرسة الابتدائية للبنات في عكا بفلسطين ، فكلية شميت للبنات في القدس . دخلت الجامعة الاميركية في بيروت ثم مدرسة العلوم الشرقية والافريقية بجامعة لندن وحصلت منها على الدكتوراه في الادب العربي . عملت كاتبة في الصحافة والاذاعة قبل ان تلتحق استاذة في جامعة الخرطوم ثم في جامعة الجزائر فجامعة قسنطينة فجامعة يوتا بالولايات المتحدة . عُينت اديبة زائرة في جامعة ميشيغان آن أربور لسنتين . وفي سنة 1980 أسست مشروع بروتا واشرفت على ادارته . وكانت قد أسست سنة 1963 التنظيم الانساني الفلسطيني في الكويت .
نشأت الجيوسي في اسرة مجاهدة . فوالدها صبحي الخضراء كان من مؤسسي حزب الاستقلال في فلسطين وكرس حياته للدفاع عن الحق العربي . اما امها انيسة يوسف سليم اللبنانية الاصل فوقفت بحماس وصلابة الى جانب الاب وشاركته رؤياه وهمومه الوطنية . وكان احد اخوتها فؤاد سليم قد سقط شهيداً اثناء الثورة السورية عام 1925 . وهكذا نشأت الشاعرة في محيط تغلفه روح النضال الوطني والقومي وتشربت من والديها مبادىء العزة والمقاومة .
التقت في خلال دراستها الجامعية في بيروت ببرهان جيوسي وتزوجا بعد تخرجهما بعام . عمل زوجها في السلك الدبلوماسي الاردني فتنقلت معه في عدد من العواصم الاوروبية والعربية بينها روما ولندن وبغداد . فكانت هذه الفترة بالنسبة اليها ، كما تقول � رحلة اكتشاف حضاري وذاتي �.
بدأت تكتب الشعر يوم كانت في روما . ولما نقل زوجها الى بغداد كان صيتها كشاعرة قد سبقها الى هناك . وبعد ثورة 1958 في العراق عادت العائلة الى عمان حيث جددت سلمى اتصالها بالحركة الادبية واصدرت ديوانها � العودة من النبع الحالم � . وبعد ثلاث سنوات انتقلت العائلة الى الكويت حيث اسست الجيوسي التنظيم النسائي الفلسطيني . انتقلت العائلة مرة جديدة ، الى الولايات المتحدة هذه المرة، حيث أسست سنة 1980 مشروع بروتا لترجمة الآداب العربية وتفرغت له كلياً وأضافت سنة 1981 فرع بروتا � فلسطين .
لم تنشر سلمى الجيوسي بعد ديوانها الاول الا القليل مما كتبته.
ومنحت الشاعرة سلمى وسام القدس للثقافة والفنون سنة 1990. للشاعرة سلمى شعر كثير في شتى المناسبات منه في وصف الشعب الفلسطيني بعد أن أصبح يحمل اسم (لاجئ). صدر لها: 1. العودة من النبع الحالم (ديون شعر) بيروت، دار الآداب 1960. 2. اتجاهات الشعر العربي الحديث (بالإنكليزية) داتربريل، هولندا 1970. ولها ترجمات كثيرة منها: 1. إنسانية الإنسان، تأليف رالف بارتون باري (ترجمة) بيروت، مؤسسة المعارف 1961. 2. بالثازار (ترجمة) تأليف لورنس داريل. بيروت، دار الطليعة 1961. 3. جوشين (ترجمة) تأليف لورنس داريل. بيروت، دار الطليعة 1961. 4. الشعر الأمريكي (ترجمة) تأليف لويس بوكان. بيروت، دار الثقافة 1961. 5. الشعر والتجربة (ترجمة) تأليف ارشيبالد مكليش، بيروت، دار اليقظة العربية 1962. 6. هكذا خلقت جيني (ترجمة) تأليف ارسكين كالدويل، بيروت، دار الطليعة 1961. 7. والت يتمان (ترجمة) تأليف رتشارد تشيس، بيروت المكتبة الأهلية 1962. 8. انطولوجيا الشعر العربي الحديث (ترجمة) حصلت سلمى الجيوسي على وسام القدس للإنجاز الأدبي 1990، ووسام اتحاد المرأة الفلسطينية الأمريكية للخدمة الوطنية المتفوقة 1991
يُقال إنه لولا هذا الكتاب لفقد الشعر الحديث سياقه... أُلف هذا الكتاب عام 1977م، أي على مقربة زمنية من التطورات الشعرية والتي كانت الكاتبة شاهدة على هذه التغيرات. على ضخامة هذا الكتاب إلا أنه من أميز الكتب التي قرأتها عن تطور الشعر الحديث، وإذا قارنت هذا الكتاب بغيره من المؤلفات فإنه يتفوق عليها منهجياً، فبواسطة هذا المنهج استطاعت الكاتبة أن تتبع مسار التطور والتغير في الشعر العربي، ورصدت بدقة الحركة والثورة الشعرية التي بدأت بوادرها مع القرن التاسع عشر الميلادي. أعود لأقول إن منهج الكاتبة مغاير لما وجدته في بعض الكتب الأخرى التي ركزت على العوامل الخارجية مثل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما يؤدي إلى ابتعاد الكاتب عن المغزى الأساسي وهو (الأدب)، هذه العوامل مؤثرة في الأدب بلا شك، ولكن يتوسع بعض المؤلفين في ذكرها حتى يخال إليك أن الكتاب سرد تاريخي أو بحث اجتماعي، أما كتاب : سلمى الجيوسي؛ فقد جاء مركزاً على الأدب والشعر مع ذكر كل عامل مؤثر بحسب ما يقتضيه دون إطناب أو إخلال في التصور الأدبي من مزايا الكتاب هو محاولة الإحاطة بكافة الأقطار العربية التي كانت سبباً في تغير المسيرة الشعرية، ولم تركز على قُطر واحد، فقد ألقت الضوء على سوريا ولبنان والأردن ومصر والسودان وتونس. طبعاً لم تذكر الخليج العربي، وقد عللت ذلك بأن هذه الأقطار لم تساهم في أي تغير ملحوظ . من المميزات أيضاً هو استيعاب الكاتبة إلى أغلب الآراء التي قيلت في تطور الشعر العربي، فلقد اطلعت على الدراسات العربية والدراسات الأجنبية، ولكنها لم تكرر ما قيل بل خرجت بآراء جديرة بالاهتمام، ولم تكتفي بقراءة هذه الآراء، بل قابلت بعض الشعراء وحاورتهم وجالستهم، فعلى سبيل المثال : رأت الكاتبة أن الأساس الذي قام عليه التغيير في القرن التاسع عشر قد انطلق من تغير لغة النثر، وإسهامات كل من ( الشدياق، وبطرس البستاني، وناصيف اليازجي) في تطوير الكتابة النثرية أدى هذا التغيير إلى الخروج من ربقة المحسنات البديعية واللغة المثقلة بالسجع إلى لغة تناسب العصر. تناولت الباحثة أعلام الشعر العربي المؤثرين في مسيرة الشعر ، ولم تكتفِ بالأعلام والشعراء، بل ذكرت ما يصاحب الحركة الشعرية من نقد فقد ذكرت ناقدين لهما دور كبير في الحركة الشعرية وهما : محمد مندور ، ومارون عبود. ويحسب لها أيضاً توخي تفاصيل دقيقة في البناء الشعري وبالأخص ما طاله التغيير في الأوزان والقوافي، وكذلك في المضمون فقد تناولت : الرمز والأسطورة ، والصورة الشعرية وما يتضمنها من استعارات وتشبيهات كانت متكأً للشعراء في العصر الحديث. مما لاشك فيه أن هذا المشروع الضخم قد تطلب عمل مضني في سبيل إخراجه ولعل كل شاعر أو قضية شعرية معينة لو فصلت فيها الكاتبة لجاء الكتاب على أجزاء كثيرة، إلا أنها لا تدع القارئ يحتار في بعض الجزئيات بل تحيله على مصادر توسعت في دراسة بعض الشعراء، أو بعض القضايا في موسيقى الشعر أو في الشكل الشعري أو في المضمون. لا أظن أن هذا الكتاب موجهاً للقارئ العادي، بل يتطلب خلفية معرفية حول الشعر والشعراء، وبعض القضايا الشعرية، ولا يظن القارئ أنه سيجد نماذج شعرية موسعة، بل نماذج بحسب ما رأت الكاتبة فيها من تطورات شعرية مح إحالة القارئ إلى مضانها. يعد هذا الكتاب أنموذجاً للبحث المتقن والشامل ودراسة نقدية تاريخة مهمة لتطور الشعر العربي الحديث، وهو من الكتب التي تفخر به المكتبة الشعرية والنقدية العربية.