إن القناعة التي يصدر عنها هذا البحث هي ضرورة تشكيل تاريخ تقريبي للترجمة، ليس بغاية تكريس وامتداح منجزات وأمجاد الأسلاف، أو على العكس من ذلك التصدي لها بالنقد والتجريح، ولكن عن طريق السعي إلى إلقاء نظرة على ماضي ممارستها باعتبارها كيانا ناميا يتحرك وفق شروط نوعية تمتزج فيها العناصر الذاتية والموضوعية. ولا تعود هذه القناعة إلى واقع أن التأمل التاريخي ظل مفقودا أو غائبا لدى الدارسين فما أكثر ما تصادفنا السرود التاريخية المطولة التي انشغلت بالتتبع الأفقي لمسار الترجمة، ولكن هذا الاهتمام المتجدد تبرره الحاجة الدائمة إلى توسيع تلك الرؤية التاريخية وتعميقها ولم لا تصحيحها عندما يبدو عليها الانحراف أوالانحياز. ومن ذلك فإن التأريخ للترجمة ظل يشكو من آفتين مزمنتين على الأقل: آفة النظرة التجزيئية التي تعزل الممارسة الترجمية عن محيطها الاجتماعي والثقافي، وتريد أن تقرأها قراءة أحادية أي غير دينامية. وآفة الرؤية التبجيلية للتاريخ حيث يهيمن التمجيد على التحليل الموضوعي، وتطغى المجاملة على النظر النقدي.