في حانوت حجام بسوق البلاط تعلم الصبي مصطفى الكلام والحجامة في رؤوس اليتامى، بعدما تسكع طويلا في الأزقة وفي الدّروب وخالط المنحرفين والمعدمين مثله من صبية ومن غلاظ الفتيان، ولكي لا يموت جوعا التقط أعقاب السجائر من أمام حانات باب البحر ليبيعها إلى السكارى، حتى نقلته يد الأقدار من بؤر المدينة إلى سرايا باردو حيث رفعة المقام التي حوّلته إلى مرتبة غلام فسحر الصادق باي بطلعته البهية وبمعسول الكلام وبما أغدق عليه من فنون الإغراء والغواية حتى صار حظيّه المحبوب وسمعه وعينه على كل السرايا وبذلك ركب على الرؤوس والأكتاف مستعملا فنون المراوغة والكذب والالتفاف، متدرجا من دنيا الوضاعة إلى دنيا الكياسة والسياسة.
حسنين بن عمو روائي صنع تفرده في الساحة الأدبية التونسية من خلال نهجه دربا صعبا و هو الرواية التاريخية التي حمل لوائها في العالم العربي الكاتب جرجي زيدان،وذلك باشتغاله على فترات تاريخية هامة من تاريخ تونس مثل العهد الحفصي والعهد العثماني و أجزاء من الفترة الاستعمارية فأثمر روايات عديدة لعل أشهرها : “با� العلوج� و”حجا� سوق البلاط”و”با� الفلة”و”الكروسة”� “رحمان� “و”قطا� الضاحية� و”فرسا� السراب”و”الموريسكي� �. و أغلب هذه الانتاجات نشرت مسلسلة في الصحافة التونسية منذ ثمانينات القرن الماضي ومنها ما طبع فملا الدنيا وشغل الناس على غرار باب العلوج ورحمانة والكروسة وذلك للأسلوب التشويقي الذي يستعمله بن عمو وحسن توظيفه للوقائع والأحداث والشخصيات التاريخية التي يعرفها الناس. كاتبنا تحولت العديد من أعماله إلى مسلسلات إذاعية آخرها “الموريسكية� الذي تبثه حاليا الإذاعة الوطنية، كما نال هذا الروائي جوائز أدبية وطنية هامة تتويجا لمسيرته في الكتابة التي جاوزت الثلاثين سنة . حسنين بن عمو يحمل صفة إبداعية أخرى يكاد لا يعرفها الجمهور و هي صفة الرسام فمحاورنا أقام العديد من المعارض في السبعينات ثم إنقطع نهائيا و عاود الظهور في 2009 من خلال معرض شامل لمسيرته في الرسم احتضنه رواق بلال بالعاصمة .
و أخيرا أنهيت هذه الرواية المتعِبة و أنا خائرة القوى... رواية لا تشبه تماما ما كتبه المبدع حسنين بن عمو سابقا، حيث أن كل شخصياتها حقيقية.. تدور أحداث هذا الكتاب بعد موت علي بن غذاهم (أي يحبذ أن تقرأها بعد كتاب عام الفزوع 1864) ، في عهد محمد الصادق باي، الباي الذي سارت تونس في عهده إلى الهاوية بثبات بسبب سذاجته و سطحيته و جهله السياسي المستفز و خاصة بسبب فساد و جشع حاشيته . هذا الكتاب مستفز و محزن بسبب تطرقه التام و المفصل لسياسة ذلك العهد و لأهلها.. و لأن تونس لازالت تعاني تبعات ذلك إلى اليوم.. رواية دسمة جدا قرأتها على مهل كي أستوعب أحداثها من جهة ، و كي ألتقط أنفاسي من ضغطها كل فترة من جهة أخرى.. و سأكرر جملتي التي أقولها كلما قرأت للكاتب الكبير حسنين بن عمو "تونس ليست محظوظة بحكامها"
رواية تأسرك منذ البداية, طفل صغير يذهب لرؤية موكب الباي فيتغير مصيره من صانع حجام إلى الوزير الأكبر. حجام سوق البلاط تميط اللثام عن أهم الأحداث التاريخية في تونس أواخر القرن التاسع عشر : ثورة علي بن غذاهم, الكومسيون المالي, وأهمها أن القارئ سيتعرف على جذور وأصول الحماية الفرنسية على تونس. بأسلوب سلس لا يخلو من التشويق يأخذنا حسنين بن عمو لعالم القصور والجحور, عالم السياسة و"التبزنيس السياسي" هذا العالم الذي لا يخلو من الدسائس والمكائد والغاية تبرر الوسيلة. حجام سوق البلاط ملحمة تروي حكاية وطن كان كالقصعة بين أكلتها, كلٌّ يريد أخذ نصيبه من "الكعكة" فكان المآل دخول المستعمر الغادر.
"لا تُوَلّوا أبناء السفلة و السّفهاء قيادة الجنود و مناصب القضاة و شؤون العامّة، لأنّهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا في ظلم الأبرياء و أبناء الشّرفاء و إذلالهم بشكل متعمّد نظرا لشعورهم المستمرّ بعقدة النّقص و الدّونية الّتي تلازمهم و ترفض مغادرة نفوسهم." مقولة للعلّامة ابن خلدون أُفتُتِحت بها الرواية، و مثلت في آن واحد العبرة المُستَخلصة منها.
كنز حقيقي..ماتعرف قيمتو كان تحل الصفحة الاولى. يرجعك لعام 1861.. تحوس مع مصطفى بن اسماعيل.. بلحق الكتاب هذا هو عملية انعاش للتاريخ.. عملية إنعاش عباتني و تعبتني!
حالما فرغتُ من قراءة كتاب "حجام سوق البلاط الجزء الأول في مهب الأهواء" حضرتني أبيات مأثورة لشاعر لبنان الكبير بشارة الخوري المعروف بالأخطل الصّغير تُلخّص على نحو صادق ووفيّ حال البلاد التّونسيّة في تلك المرحلة العصيبة أواخر القرن 19 حيث يقول:
⬅️مازلت كيف كملت الجزء الأول من رواية الكاتب الكبير و المبدع العزيز على قلبي حسنين بن عمّو "حجام سوق البلاط في مهب الأهواء" و كيف العادة و العوايد كتابات سي حسنين تأسرك و تخليك تعيش مع الاحداث و تتخيل روحك في وسطهم و المرة هذه بدات الرواية في آخر شهر من عام 1861 بش تحكيلنا على مصطفى بن اسماعيل وقت كان طفل صغير صانع حجام في سوق البلاط خالط المنحرفين و المعدمين إلّي كيفو عاش الفقر و التشرد في زناقي المدينة و بين حانات باب بحر وين كان يلّم أعقاب السجائر و يبيعم حتى نهار زهرت معاه وقت مشى بش يتفرج في موكب الباي و فماش ما يخلط على حويجة و بعد برشا أحداث في الوسط يتبدل المصير متاعو 180 درجة ⬅️احداث الرواية كان أغلبها حول مصطفى بن اسماعيل لكن زادة ذكرت العديد من الشخصيات المهمة كيف مصطفى خزنادار و خير الدين باشا و الصادق باي و عديد الشخصيات الأخرى كيف لوجيا موصلي و القنصل الفرانساوي روسطان الي كانوا مقربين لابن اسماعيل. ⬅️مصطفى بن اسماعيل دخل لسرايا باردو وين بدأ المقام متاعو يرتفع لحد وين ولّى غلام الباي و المحضي متاعو.. تسحر بيه الصادق باي و بالكلام المعسول و الاغراء الّي كان سي مصطفى بن اسماعيل ما ينجمو حد فيهم لين الباي ماعادش ينجم يستغنى عليه صبح عينو و وذنو في القصر عمل المستحيل بش يتخلص من مصطفى خزنادار بعد ما فضحو عند الباي و كشف السرقات و العمايل متاعو من بعد لقى خير الدين باشا واقفلوا في الثنية و موش مخليه يعمل الي يحب كيف كيف كمل نحاه من الوزارة و كان في كل مرة يستعمل أساليب المراوغة و الكذب و في الاخر شد هو الوزير الاكبر للإيالة التونسية بمساعدة القنصل الفرانساوي هنا وفى الجزء الأول فين يحاول روسطان يخلي مصطفى يقنع الباي بالدخول تحت نظام الحماية الفرنسية. ⬅️الكتاب أحداثو محزنة خاصة كيف تشوف تصرفات الباي الّي كان السبب بش تونس توقع اتفاقية باردو و دخول المستعمر لتونس او كيف ما يحبوا برشا يسميوه بالحماية الفرنسية بما انو كان جاهل في السياسة و غارق في الملاذات و الفساد بطريقة مستفزة وقت الي الناس غارقين في الفقر و الخصاصة و البؤس بعد اخماد ثورة علي بن غذاهم وقتها تزيد تتأكد الّي مشكلة تونس مع حكامها من قبل موش من توا.. و كل ما تزيد تقرأ صفحات أخرى تزيد تقول ما أشبه الليلة بالبارحة و أحنا شعب لا يتعظ من الماضي و كيف ما قال أحمد بن أبي الضياف "من علامات سقوط الدول، تدمير الأفاضل بتأمير الأراذل" ⬅️شكرا سي حسنين على الرواية العظيمة التي تعتبر كنزا حقيقيا في انتظار أنّي نكمل الجزء الثاني 🔜
مازلت كي طويت الصفحات الأخيرة... عندي برشا ما شدنيش كتاب أكثر من شهر. حجام سوق البلاط كي كل كتب حسنين بن عمو يزعزوك، يبكيو، يقهروك على صار كان جات الدنيا دنيا رانا خير من هكةوقتلي: "ذلك الولد الأمي الجاهل الفاسد يصبح بقدرة قادر رأس الدولة.. اننا نعيش بداية النهاية.. مسكينة انت يا تونس."
وشخاص كان كل حد يقرأ على أثار الغابرين و الأولين فالتاريخ عبرة كرمك الله، اعتبرو بنا ترون من أحوال ممن مضو (شيخ تحيفة بالتصرف) الحاصل التاريخ لا يعيدو نفسه لكن قعدين نجنيو الي عملوه الي قبلنا و نكملو على منوالهم.
من يوم ما بديت مع الكاتب القدير حسنين بن عمو لم يخيب أملي و حملني دائما إلى عالم خياله الجميل بدون تكلف و لا تزيين بلا قيمة. عمل رائع عن تاريخ تونس المنهوبة آهه عزيزتي الأراضي التونسية كم كابدتي لوجه العطاء و الطيبة و الكرم..لم تقابلي بما ينبغي أن يكون مقابل من احسن . كتابة سلسلة احداث متتابعة شخصيات واقعية ونفوس مختلفة..تحضنهم تونس و يحكي لنا حسنين بن عمو عنهم ماذا ينتظرنا في قلب الرحى؟ حسبي إن الكاتب حقق لي امنيتي و سيجعل مصطفى بن إسماعيل يحمل ثقل الأبوة قريبا متحمسة اشوف كيف بيتعامل مع هذي المشاعر الجديدة الي يستحيل أن تجعل كل شيء يصب في مصلحته كالحال الحالية 😈
This entire review has been hidden because of spoilers.
انهيت قراءة هذه الرواية الممتعة جدا لحسنين بن عمو. تسارعت الأحداث في آخر الرواية حتى اصبحت متشوقا لإنهائها و معرفة مآل الأحداث. كرهت محمد الصادق باي و مصطفى بن اسماعيل و الخزندار (الذي يجعلك الكاتب تشعر بالشفقة عليه في آخر أيامه). أعتقد ان محمد الصادق باي يعد من أوضع و أحقر من حكم هذه البلاد. مازال الجزء الثاني من حجام سوق البلاط و بهذا أنهي قراءة كل هذه السلسلة الممتعة للرائع حسنين بن عمو رغم مؤاخذاتي على الجانب الجنسي في رواياته. منحت الرواية خمس نجوم -و قلما ما أفعل هذا- لمتعة السرد و قرب الأحداث التاريخية من الواقع. حبذا لو ضمن رواياته صورا حقيقية للشخصيات المذكورة.
Ce roman historique tunisien est très riche. il m’était vraiment utile pour explorer une époque jusque-là méconnue : celle qui précède 1881. Hassanin Ben Ammou a su dresser avec brio le portrait de différents personnages historiques, notamment Khayreddine Becha, khaznadar � et, surtout, le célèbre Mustapha Ben Ismaïl.
ان التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار و في باطنه نظر و تحقيق، كم كانت عبارة إبن خلدون صادقة. هل كتب سي حسنين هذا الكتاب لمجرد سرد تاريخ هذه البلاد ام لدق ناقوس الخطر. ما اشبه سنة 2023 ب 1878. اربعة نجوم لا تفي هذا الكتاب المرهق و المفزع حقه.
كتاب يسرد تفاصيل تاريخية في النصف الثاني للقرن 19 .. الرواية بالطبع فيها إضافات من خيال الكاتب .. لكن مصدر سهل للتعرف على التاريخ التونسي و أبرز شخصياته .. خاصة خير الدين ..
رواية سريعة الالتهام ،غنية بالأحداث و القرارات ،تغوص في ثنايا التاريخ لتعرية خبايا أحلك فترة مرت على تونس . هي قصة ٱرتقاء أرذل القوم و أخبثهم و أقلهم أمانة سريعا في السلم السياسي الذي أدى إلى إذكاء جذوة أطماع الدول . فيها حياة الصادق الباي السياسية الخاملة؛ رجل ظل محاط ببطانة فاسدة، يحمل عنه مصطفى خزندار أوزار الحكم و هو صاحب الحل و العقد. ترصد الرواية كيفية التداول على منصب الوزير الأكبر من مصطفى خزندار إلى خير الدين ثم محمد خزندار و أخيرا مصطفى بن إسماعيل الذي استعمل كل الطرق الفجة للفوز بهذا المنصب. كان ٱختلاف الرؤى و المشاريع و السياسات واضحا : فكان خير الدين يتمتع بحصافة الفكر و ينشر أفكارا إصلاحية صعبة الهضم لدى الباي. و كان الخزندار، ماسكا بزمام الأمور في الظاهر و ناهبا و مهربا لأموال الدولة في الخفاء. و قد دأب بن إسماعيل على هذا الدرب مضيفا إليه تفرده بالجمال و مهاراته الشاذة بإيعاز من صديقه علالة بالزاي. حياكة المكائد،الإخضاع ،التهميش،المعاملات الدنيئة،الحياة الديبلوماسية للقناصل و تدرجهم في بسط نفوذ دولهم على تونس و بالتالي تضييق الخناق على حرية و استقلالية الشعب، كانت كلها "شرورا لا بد منها"لإيقاع تونس في شراك المستعمر و لكتابة تاريخها المعتم.
تدور أحداث حجام سوق البلاط في جزئيه في فترة حكم الصادق باي أي الفترة التي تلت ثورة علي بن غذاهم الرواية هي عبارة عن سرد السيرة الذاتية لمصطفى بن إسماعيل مصطفى كان طفلًا يتيمًاعانى من الفقر والظروف الصعبة بينما كان يعمل كحجام في سوق البلاط بدكان علي عينو جاءت الفرصة له ليغير حياته ويعتلي أعلى المراتب من خلال خبثه و قد إستفاد من محبة الصادق باي له رواية حجام سوق البلاط تكشف عن تحول الصادق باي من رجل سياسة إلى شخص مهموم بالملذات والترفيه على حساب شؤون البلاد و تركها في يد أناس غير مؤهلين سياسيًا، مما أدى إلى حدوث مؤامرات وخيانات التاريخ يسجل هذه الأحداث بحبر لا يمحى، فرنسا احتلت تونس باستخدام حجة الحماية وبالتعاون مع بعض التونسيين أمثال مصطفى بن إسماعيل ابن اليهودية الذين باعوا وطنهم وقيمهم مقابل الفتات. في كل مرة تندلع فيها معارك القوى السياسية على السلطة، يكون الشعب هو الخاسر الأكبر. رواية متعبة و منهكة و مستفزة و موجعة لكنها ممتعة جداً