لم يكن الاتصال الذي وصلني هو ذلك الذي انتظرته وتخيلته طويلاً.
عندما أومضت شاشة هاتفي في ذلك اليوم المشؤوم برقم مميز توقعت بأن يكون المتصل شخصًا هامًا، كأحد أمراء الخليج مثلاً، يتصل ليعرض علي منصبًا رفيعًا في الحكومة براتب فلكي مع امتيازات تشمل دزينة من السيارات الفارهة وقصرًا يطل على الخليج مع ملحقاته من خدم وحشم .. وجواري. وفورًا تخيلت نفسي أرتدي "البشت" وأنا أذرع الممر المفروش بسجادة حمراء مخملية تمتد حتى باب القصر بحذر شديد خوفًا من أن أدوس على طرفه وأتعثر، ففي النهاية لم تصمم "البشوت" ليرتديها أمثالي من الناس.
ولكم أن تتخيلوا كم كانت خيبة أملي كبيرة عندما كان الصوت الذي جاءني على الطرف الآخر صوتًا أنثويا، ومع ذلك لم أسمح لهذا التغيير الطفيف في السيناريو أن يجعلني أتنازل عن تخيلاتي المريضة بشكل مطلق، فقد تكون المتصلة أرملة ثرية على فراش الموت وترغب في الزواج مني لتطمئن على أن ملايينها في أيدٍ أمينة ، لكن كانت العبارة التي تفوه بها ذلك الصوت الأنثوي كفيلة بتبديد كل الأفلام التي أخرجتها في رأسي: السيد محمد حسن المرزوقي نتيجة فحص الكورونا الذي قمت بإجرائه مؤخرًا إيجابية .. يرجى منك زيارة أحد مراكز التقييم للبدء في إجراءات العزل الصحي!
وهكذا انتهى بي المطاف من وزير محتمل، أو زوج أرملة ثرية في رواية أخرى، إلى رقم يضاف إلى أرقام المصابين بهذا الفيروس اللعين، ويُعلن عنه مؤلف الكتاب أثناء تقديمه للإحاطة الإعلامية اليومية لحكومة دولة الإمارات حول الوضع الصحي في الدولة.
ومما زاد وضعي السيء سوءًا أنني في غمرة استعجالي لحزم أغراضي والتوجه لمرافق العزل الصحي نسيت أن أجلب معي كتبًا لترافقني خلال رحلة العشرة أيام، ولم أتذكر بأنني لم أضع في حقيبتي أي كتاب إلا بعد أن وصلت للفندق، ولسوء حظي لم أجد في سيارتي سوى هذا الكتاب الذي كنت قد اقتنيته من معرض أبوظبي للكتاب قبلها بشهر. كانت هذه هي القطرة التي كنت بانتظارها ليفيض كأس غضبي على كورونا والخفافيش والصين والعالم .. ومؤلف الكتاب الذي لا ذنب له سوى أنني وجدت نفسي مضطرًا لقراءة كتابه حول كورونا .. وأنا مصاب به.
لا أعلم الآن، وأنا أكتب المراجعة بعد أربعة أشهر تقريبًا من قراءته، إن كان إعجابي وانبهاري بالكتاب كان أحد المضاعفات الجانبية للفيروس التي لم يتحدث عنها أحد، ولكن أقل ما يقال عن هذا الكتاب أنه جاء في وقته، ولا أستخدم عبارة "في وقته" هنا مجاز ًا، ولكنني أقصدها حرفيًّا وأعني كل حرفٍ منها. فمنذ بدء الجائحة وانتشارها سارع الكثير من المؤلفين للكتابة حول هذا الفيروس لدرجة تجعلك تشك في أنهم كانوا خلف ظهوره لا الخفاش المسكين الذي التهمه أحد الأشخاص المفجوعين في مدينة ووهان الصينية، بل كان بعضهم أسرع في التأليف من سرعة انتشار الفيروس في أنحاء المعمورة لدرجة تجعلك تحسدهم على الثقة المفرطة في مقدار ما يعرفونه عن هذا الفيروس الذي لا يزال الغموض يحيط بالكثير من الجوانب حول نشأته وتطوره وانتشاره . ولكن هذا المؤلف، الذي كان أحد أفراد خط الدفاع الأول في الإمارات، انتظر ما يكفي من الوقت لتتضح الصورة لديه ولدى العالم قبل أن يقرر أخيرًا نشر هذا الكتاب، ولقد صب في صالح المؤلف أنه كان من أوائل الأطباء الذين تصدوا للتعامل مع حالات فايروس كورونا المستجد في أبوظبي منذ نهاية يناير ٢٠٢٠ وكان قد نشط في توعية المجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي وسط سيل الخزعبلات والاشاعات والأخبار التي حمل كثير منها نصف الحقيقة.
كانت فترة الجائحة أول اختبار حقيقي للنظريات التي سادت حول مخاطر السوشال ميديا في تزييف الحقائق ونشر المعلومات المغلوطة والترويج لنظريات المؤامرة، لدرجة أصبحت فيها عقول الكثير منا أشبه بإسفنجة تمتص كل ما يتم نشره على هذه المنصات دون القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف. وهذا بالضبط ما يجعل هذا الكتاب بهذه الأهمية، فهو ليس أول كتاب عربي يتناول الجائحة بهذا المنظور الشامل فحسب، ولكنه أيضًا كـ"الفلتر" الذي يقوم بتصفية كل ما قرأناه وسمعناه وشاهدناه حول هذه الجائحة، ليقدم مادة علمية رصينة ونقية وخالية من الشوائب، وهو من الكتب القليلة في المكتبة العربية التي تستحق أن تترجم إلى مختلف لغات العالم لأن لغة التعامل مع الجائحة واحدة، وهي العلم المبني على الأدلة والبراهين سواء كنت في الشرق الأوسط أو في الشرق الأبعد.
الدكتور عمر الحمادي كان أحد أبرز الوجوه التي أطلت علينا عبر الشاشة، متحدثاً في الإحاطة الإعلامية لحكومة الإمارات حول مستجدات وإجراءات التعامل مع مرض كوفيد 19. كما ساهم وبشكل فعال في نشر فيديوهات توعوية للجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي، عن طبيعة مرض كوفيد 19، والإجراءات الوقائية، كما اهتم بدحض الشائعات التي تنتشر من وقت لآخر في منصات التواصل الاجتماعي، وتطمين العامة عن حالة الوضع الوبائي وإجراءات الدولة في التصدي له، وكذا التوعية حول موضوع التطعيمات من حيث السلامة، وأي مستجدات أو تطورات عن استخدام لقاح كورونا الطارئ.
هذا الكتاب أتى لإعطاء القارئ نظرة شاملة وفاحصة عن الجوائح والأوبئة بتاريخها وطرق انتشارها حول العالم؛ وخص بالدراسة والبحث جائحة هذا العصر (مرض كوفيد 19). شمل البحث تعريف القارئ بالفرق بين مفهومي الوباء، والجائحة، و كيف أتت تسمية كوفيد 19. وما المقصود ب الكوارنتين، ومن أين أتت التسمية ، وكيف أو متى كان أول حجر في التاريخ، ولماذا هذا الإجراء؟ وكيف كان الحجر في العصور القديمة.
استعرض الكاتب دوافع تأليف الكتاب، وعلق بالبحث والدراسة على جميع المراحل المتعلقة بانتشار فايروس كورونا ، بدءاً من ظهوره في الصين، ثم ظهور اصابات في عدد من الدول حول العالم، حتى اعلام منظمة الصحة العالمية في مارس 2020 على أن انسان هذا العصر يواجه جائحة قد تفتك بملايين البشر في حال عدم اتخاذ التدابير والاجراءات الوقائية اللازمة من قبل الفرد والحكومات، خصوصاً في ظل عدم توافر دواء أو لقاح يمنع أو يوقف من انتشاره.
عرّف الكتاب القارئ الكثير عن الفايروسات والميكروبات وسبل انتشارها، وكيف ساهمت الطبيعية البشرية والسلوك البشري في طفرات هذه الميكروبات و الفايروسات وتحولها لعدو لدود للبشرية . وضح أوجه التشابه والاختلاف بين الانفلونزا و كورونا، من حيث شدة الخطورة و نسب الوفيات والانتشار. أدرج محاور حول الفرضيات والنظريات التي خرجت منذ بداية الجائحة عن طبيعة هذا الفايروس وسرعة انتشاره وطرق تسطيحه، و مارافقها من شائعات وتكهنات، تحدث عن مسؤولية الفرد، والدولة في الحد من انتشار المرض، وأثر ذلك على الحياة الاجتماعية والعمل، وارتفاع نسب البطالة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها كورونا في جميع أنحاء العالم، والخوف من كارثة انسانية في الدول الفقيرة، ومن انتشار المجاعة. إلى جانب الأثر النفسي على الفرد، والأسرة، المترتب من الحجر الصحي والاغلاق التام في بداية الجائحة بغرض السيطرة على تفشي الوباء. اذ تم التبليغ على ارتفاع العنف الممارس ضد المرأة، كذا تردي الوضع النفسي لكبار السن اثر عزلهم عن بقية افراد الاسرة، وتجنب مخالطتهم وزيارتهم خوفاً من نقل العدوى لهم، لخطورته على حياتهم، كونهم الأكثر عرضة للإصابة بأعراض خطيرة. العقاقير التجريبية التي استخدمتها عدد من الدول وبشكل طارئ لعلاج حالات كورونا وخاصة الحرجة منها، ونتائج ذلك بين السلامة، والخطر المحتمل جراء المضاعفات المرصودة، وبين الإشادة، والتروي. كما عرض سلسلة من تجارب الدول في التعامل مع جائحة كورونا، استقصى عبرها الإجراءات التي نجحت فيها الدول منذ بداية الجائحة في السيطرة على المرض والحد من نسب الوفيات وانتشاره، و في تجارب أخرى كيف صنع تهاون هذه الحكومات وتراخيها في تطبيق الإجراءات، كالتباعد الاجتماعي ولبس الكمامة إلى تفشي المرض بشكل كبير ، مما نتج عنه فشل في النظام الصحي، وارتفاع نسب الوفيات، خصوصاً بين فئات كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة ؛ إذ اضطر الأطباء في بعض الدول كإيطاليا على علاج البعض وترك آخرين لمواجهة مصيرهم كما في حالة الحرب. وكان لذلك أثر كبير على نفسية العاملين في القطاع الصحي في تلك الدول. وكيف أن السياسة لعبة دوراً كبيراً في تفاقم الأوضاع الصحية في بعض هذه الدول.
كما طرح العديد من الأسئلة التي تشغل بالنا جميعاً في ظل الجائحة ؛ ك المصير، هل هو بيدينا؟، متى نعود لممارسة حياتنا الطبيعية؟، ومتى نتخلص من لبس الكمامة بأمان؟ وهل ستعود الحياة فيما بعد كورونا كسابقتها قبل كورونا؟، ما هو المستقبل مع الأوبئة،…� وأخرى.
وهناك عدة أسئلة أخرى تدور في الذهن؛ هل فشل الإنسان في إدارة هذا الكوكب؟ وكيف ستكون حياة الأجيال القادمة، في ظل خطر تفشي العديد من الأوبئة مستقبلاً؟ ……وبحسرة� ماذا فعلنا بكوبنا الأزرق الجميل؟
الكتابة ولادة وهي لذلك مزيج من الألم والانتشاء، وأعظم لحظات الوجع والأذى هي تلك التي يخط فيها الكاتب محبرا الصفحة تلو الصفحة، ساعيا إلى حمل الناس على الاقتناع بما يراه من المسَلّم به في العلم أو في البديهية.
بداية، أود التأكيد على ألا تكون مثلي، تنفر من الكورونا وكل ما من شأنه أن يربطك بها، وأقول لك إن كان لا بد من النفور، ففعل، لكن راجع نفسك ألف مرة أمام كتاب (الاجتياح ... كورونا: ماذا حدث؟ وكيف يبدو المستقبل؟) للدكتور عمر الحمادي.
لن يقدم لك هذا الكتاب خطابا علميا بالمعنى الدقيق الذي تقتضي به الأعراف الأكاديمية، لا تخشى على رأسك من صداح المصطلحات، إلا أنه في المقابل لا يورد الرأي إلا موثّقا منسوبا، ولا يرسل الحكم إلا مؤازرا معضودا، في امتثال كلي للموضوعية التي من بنود ميثاقها تغييب الذات الحميمة عن مضمون المعرفة، فقد نأى الدكتور عمر الحمادي بنفسه عما يناقض المعرفة العلمية ويصادمها، في الوقت الذي راحت وسائل الإعلام ووسائل التواصل تخبط خبطا عشواء.
قد يكون كتاب الاجتياح أكثر ما كتب عن سيرة الأوبئة والجوائح طموحا وتطلعا، حيث تعامل الدكتور عمر مع المصادر والمراجع كالجرافة التي تحصد كل شيء أمامها، وليست ثمة دراسة لائقة للكورونا تراعي حجم ما تسببت به من كارثة شاملة، لا على الصعيد الصحي وحسب، بل في كونها تجاوزت ذلك واغتالت جميع مناحي الحياة وعطلتها. فدراسة كورونا تتعلق بأمور كثيرة، إذ تتعلق بقيمة المبادئ والأخلاق والعلم والمنطق ضد الخرافة والمؤامرة والغش.
ويزيد من قيمة الكتاب أنّا نعيش في أزمنة نشهد فيها، حتى هذه اللحظة تداعيات كورونا، لذلك كان لوجود دليل جيد لهذا الموضوع أهمية كبيرة.
أكملت قراءة هذا الكتاب الجميل (الاجتياح: كورونا، ماذا حدث وكيف يبدو المستقبل؟) للدكتور الإماراتي عمر الحمادي. كتاب شامل (عدد صفحاته ٣٨٤ صفحة) عن هذه الجائحة التي اجتاحت العالم كله وأثرت في كل جوانبه. حيث الزمت الناس بالجلوس في بيوتهم وعطّلت أعمالهم وضربت الاقتصاد ضربة قوية جداً. واضح لمن يقرأ هذا الكتاب أن مؤلفه بذل فيه جهداً غير عادي، حيث تجد كثرة المراجع التي لجأ لها المؤلف لإخراج هذا الكتاب. كذلك اجتهد المؤلف أن تكون لغة الكتاب سهلة للقارئ الغير المتخصص، فحاول أن يُبسط معلوماته وشرحه، وبالفعل نجح في ذلك نجاحاً كبيرا. الكتاب دسم جداً، وقد استفدتُ منه كثيراً في جوانب جديدة عليّ تماماً، كمعرفة أصل الفيروسات وكيفية انتقالها، ومعرفة عمل جهاز المناعة في أجسامنا، ومعرفة الكثير عن فيروس (كرونا)، وماذا يفعل في جسم من يُصاب به. أعجبني فصل نظرية المؤامرة كثيراً، وكذلك فصل مستقبلنا مع الأوبئة. الكتاب كله مادة دسمة غنية بالمعلومات المهمة لمن يريد معرفة قصة هذه الجائحة. كتاب يستحق القراءة وبشدة، وبالفعل ربما يكون هذا الكتاب أشمل كتاب كُتب عن الجائحة. تحية للمؤلف الجميل د. عمر الحمادي على هذا الجهد الجبار في إخراج هذا الكتاب المهم جداً في بابه. وكذلك د. عمر الحمادي قارئ نهم جداً وهذه إضافة مهمة أخرى تجعل جميع كتبه مميزة👌🏻
مجهود جبار من الدكتور عمر الحمادي، عدا عن كونه طبيب أمراض باطنية فهو مثقف من طراز رفيع ولديه اسلوب روائي جميل. أكثر ما يعجبني في الدكتور عمر هو إلمامه بالفلسفة والتاريخ والأدب ولا داعي لذكر الطب طبعاً. أنصح بقراءة هذا العمل الشامل لوباء نتمنى جميعاً أن ينتهي وتعود الحياة لطبيعتها.